Philip Larken
فيليب لاركن (1922-1985م)
Postmen like doctors go from house to house . (Larken).
“سعاة البريد مثل الأطباء يذهبون من منزلٍ إلى منزلْ ” (لاركن)
ولد فيليب لاركن في مدينة كوفنتري ونشا في بيت يزخر بالكتب لاسيما في الادب الانكليزي الحديث، اذ كان والده مولعاً بقراءة الكتب واقتنائها.
وباقباله على القراءة، عقد لاركن عزمه ومنذ صباه الباكر على هدف معين وهو ان يصبح كاتباً مرموقا. وعلى الرغم من تشجيع والده فانه كان يشعر بان الجو العائلي الذي نشأ فيه يعوزه الدفء والحنان – الشيء الذي نفره من فكرة الزواج كلياً. ويذكر لاركن، انه كان يشعر بالعزلة في طفولته وعزا بعض الدارسين ذلك الى ضعف بصره والى آفة التلعثم التي لازمته حتى حوالي سن الخامسة والثلاثين، مثلما عزا البعض احساسه بالعزلة في اواخر ايامه الى صممه المتزايد.
بعد تخرجه في جامعة اكسفورد، بدأ لاركن النشر في مقتبل شبابه، ومن اعماله الشعرية: “سفينة الشمال – 1945، روايتان في العامين التاليين وهما: “جيل” و”فتاة في العشرين”، وهذه الاصدارات لم تلفت انتباه النقاد اليها إلا بعد مضي سنوات وذلك عندما واتته الشهرة لاحقا مع صدور ديوانه “الاقل انخداعاً – 1955″ و”افراح عيد العنصرة – 1964″ و”نوافذ عالية – 1974”.
يعتبر فيليب لاركن شاعراً مقلاً، ويرى معظم النقاد ان شعره من اجود ما انتجه القرن العشرون، وقد نشر لاركن اضافة الى اعماله تلك، كتاباً عن موسيقى الجاز – 1970، وآخر في النقد الادبي – 1983، وهو يعترف بانه كان في بداية حياته شديد التأثر بوليم بتلرييتس وبالذات بنتاجه الرمزي الرومانتيكي.
وظل طوال مراحل تطوره يهتم بموسيقى الشعر عامة، وان كانت الموسيقى الحالمة التي تميز نتاجه المبكر بل كان يشوبها من النشار المقصود. اما في ديوانه، “الاقل انخداعاً -1955″، فنجد اختفاء الاسى والحزن ليحل محلهما عالم واقعى بالغ التحديد واقرب في دقائقه الى الحياة اليومية في انكلترا وباسلوب تعبير شديد التركيز ومحاولة لمجابهة الحياة بما فيها من قسوة والم ونزاهة وصدق وبدون اللجوء الى الاوهام والخداع، والسبب في ذلك تأثره الكبير بالشاعر توماس هاردي.
لم يكن لاركن يحس بالفشل نتيجة احساسه المبكر بعدم تقدير الجمهور لانتاجه الادبي المبكر فحسب، وانما كان يشعر بالفشل في علاقته بالنساء، والاحباط، في شعره، هو سمة العمر كله: حاضره، مستقبله وماضيه، وهو يلمح بذلك الى وعيه بمشاكله السيكولوجية نتيجة لقراءاته لفرويد وغيره.
والخوف من اقامة علاقة عاطفية تؤدي الى زواج، ناجم عن احساسه في الطفولة بافتقاره الى الحنان، وهذا الخوف من مجابهة الحياة او السعادة رافقه اقبال على الحياة والمجتمع. فهو ينشد الوحدة او العزلة ويخشاهما ايضاً.
ان مأساة لاركن هي مأساة الانسان الحديث الذي فقد الايمان وخلع عن نفسه جميع الاوهام، فلم يجد في حريته ما يعطى معنى لحياته ولا للحياة عامة، لا في تحرره من الدين ولا في حريته في علاقاته مع النساء، ويظل يبحث عن اليقين وهو يعلم ان لا يقين، وتكمن عبقرية لاركن، في التمكن من التعبير عن كل هذا في شعر محكم يستمد جزئياته من واقع الحياة اليومية بين العاطفة الجياشة والانضباط الفني بين البساطة والصدق بعيداً عن الزيف والتعقيد المتعمد.
1
الأيام
ما جدوى الأيام ؟
الأيام هي حيث نعيش .
تأتي الأيام ,
لتوقظنا أحياناً
وأحياناً تتجاهلنا .
من المفروض
أن تناسبنا
أو تسعدنا :
أين يمكننا أن نحيا
إلا في الأيام ؟
آهٍ , لحلِ تلك المعضلة
يجب إحضار الكاهن والطبيب
كل ٌ في معطفهِ الطويل
ليهرولا عبر الحقول .
2
عيون جديدة كل عام
عيون جديدة كل عام
تبحث هنا في الكتب القديمة .
وايضاً , في الكتب الجديدة ,
تتجدد العيون القديمة ؛
لذا فالشباب والعمر
مثل الصفحة و الحبر
يلتقيان في هذا المكان ,
يخترعان ويبدعان
عملة جديدة .
3
أول شيء أفهمه !
هذا هو أول شيء
فهمتهُ بحق :
أن الزمن هو
صدى لصوت الفأس
على جذع شجرة .
4
الذهاب
هناك مساء قادم
عبر الحقول ,
لم يره احد من قبل ,
لا يضيئه أي مصباح .
من مسافةٍ يبدو
مثل الحرير
إلا أنه عندما يُُسحب
ليغطي الركبتين والصدر
لا يجلب أية راحة .
أين ذهبت تلك الشجرة
التي تربط الأرض بالسماء ؟
وماذا يوجد تحت يدي ؟
ولا اشعر به ؟
وما الذي يجر يدي
إلى أسفل ؟
////////
5
الليلة البدر في التمام
الليلة البدر في التمام
لكنه بريقه يؤذي العيون ,
هو واضح جداً
وشديد اللمعان 0
ماذا لو اخذ كل الصدق
والسكينة والأمان ؟
ليملأ بهم جميعاً كأسه الظمأن ؟
ليبدع قمراً آخر ؟
أم فردوساً
كجنةِ عدنان ؟
– فقد اختفوا جميعاً
من الأرض
وجاري البحث عنهم
في كل مكان !
///////
6
لماذا حلمتُ بك الليلة الماضية ؟
لماذا حلمتُ بكَ
الليلة الماضية ؟
والآن يدفع الصباح للخلف
الشعر في ضوء خافت
الذكريات التي تضرب المنزل
مثل الصفعات على الوجه ؛
رافعاً المرفق ,
محملقاً في الضباب الشاحب
خلف النافذة .
الكثير من الأشياء التي أعتقدت
أني نسيتها
عادت لذاكرتي
بألم غريب :
– مثل الرسائل
التي تصل لعنوان إنسان ما
ترك مسكنه
من سنوات كثيرة مضت .
/////
7
بدأتُ في أن اقول
بدأتُ في أن أقول :
“ربع قرن من الزمان “
أو “حوالي ثلاثين عاماً
بالتمامِ والكمال “
تدور حول عمري الذي كان .
جعلتني منقطع النفس ألهث
ما بين السقوطِ والنهوض
اليقظة والمنام ,
الموت والحياة
في حركات دائرية كبيرة
في سماء فارغة .
كل ما تم تركه ليحدث
هو بعض الحركات المميتة للموت ,
للفناء (وبالطبع موتي منها ).
نظامها , وطريقتها ,
بقيت لكي تُعلَم ْ ,
لكي تُعَمم
على باقي الأنام !