الحسين بري:
هو يوم ليس كسائرالأيام، هويوم تعشقه النساء. فما أن يختفي الرجال عن القرية، حتى تتعالى الزغاريد وكأنه يوم عيد. تخرج القرية عن صمتها، تخلع ثوب الحداد، وترتدي لباسا جديد.
“موعدنا عند الوادي.”هذا ما قالته حليمة لجارتها.
انتشر الخبربسرعة فائقة. اجتمعت النساء عند الوادي، رسمن لوحات جميلة لأنفسهن. كانت السعادة تلتمع في عيونهن، وهن يتجاذبن أطراف الحديث.ففي هذا اليوم كل شيء قابل للنقاش بدون رقيب ولاحسيب.
بنبرة متلهفة، خاطبت حليمة صديقاتها:”لقد أخطأ العطارموعد الأسبوع”.
في تلك اللحظة، تناهى الى مسامعهن الجواب.فهذا صوت العطارمجلجلا، وقد امتزج بنهيق حماره. هرع الجميع الى مكان الصوت . كان العطاريتفنن في عرض سلعته لاستمالتهم. يتسع صدره فيجيب عن كل سؤال. قطع الحلوى تثير شهية الأطفال، تستفز لعابهم. كان يلذ له أن يراقبهم، يتتبع نظراتهم، يمدهم ببعض القطع، يركضون خفافا، تاركين وراءهم ابتسامتهم العذبة. تلمس العطارعظمه الساحر كما يحلو لنساء القرية تسميته.انبسطت أساريرهن، وهن يتطلعن بلهفة محمومة لسماع مايجيد به عظمه من أخبار.
نهيق اتان يخترق الفضاء، وبنبرة خوف قالت إحداهن لحليمة:”إنه زوجك، لقد عاد مبكرا”. تسمرن في مكانهن، ودون أن ينبسن بكلمة، تسللن الى بيوتهن كالبرق الخاطف. بخطوات محسوبة، دنا الزوج من العطار، و يديه وراء ظهره.
انتفخت أوداجه ، أحس بدم ساخن يسري في شرايينه. كان الشريتطايرمن عينيه.
أطرق العطاررأسه. أراد أن يدافع عن نفسه، لكن الكلمات تجمدت في حلقه.أحس بعرق بارد يبلل ثيابه، وكأنه في حالة احتضار.
ربت الزوج على كتفه، أحس العطار بشيء من الهدوء المصطنع. فقد كان أمام خيارين لاثالث لهما:إما أن يجيب عن سؤال الزوج وينجو بنفسه؛ وإماأن يفشل في الاجابة وتلك مصيبته.
شعر العطاربدوران في رأسه.كان يختلس النظر الى رفيق دربه، لعله يظفر منه بإشارة تمكنه من الإفلات
ران صمت ثقيل بينهما، تذكرالعطارزوجته وأبناءه، قفزت دمعتين من عيينيه، بللتا وجهه الشاحب.كانت حليمة وراء الباب تتابع عن كثب مايجري، وهي تحدث نفسها:”ليته أخطأ موعد هذا الاسبوع.”
وبنبرة استهزاء، خاطب الزوج العطار:”تستطيع أن تعلم مايجري في أماكن بعيدة، في حين تعجز عن معرفة ماأخفيه وراء ظهري.”
ماهي الالحظات قليلة، حتى ارتفع صراخ العطار، ورفيق دربه يعزيه بنهيقه.انذاك خلعت القرية ثوبها الجديد، وتدثرت بلحافها القديم.