لعل الجانب الذي تالق فيه الكورد اكثر من غيره في ماضيه البعيد والقريب هو اسهامه الفعال في تطوير العلوم الاسلامية العقلية و التطبيقية على حد سواء ، انه تاريخ مفعم بالمجد نفتخر به ولانحسد الذين يتباهون بماضيهم الملئ بالاحتلال والقتل والحرق و الاستيلاء على اموال الاخرين.
حاول كثير من مثقفي الكورد –وخاصة في الاونة الاخيرة- تدوين تراجم حال العلماء والادباء والمبدعين من بني جلدتهم الذين ساهموا في بناء صرح الحضارة الاسلامية الا انني اعتقد ان الامر لا يستدعي صرف ذلك المجهود لان الحضارة الاسلامية ملك البشرية جمعاء، وتمحورت نتاجاتها المتنوعة في لغة الضاد والتي هي وعاء الفكر ونبع استرسال المعلومات على مر تلك العصور ولحد الان!
لذا كان امرا اعتياديا ان لاتهتم اللجان المكلفة بتاليف الموسوعات بهذا التوجه ايضا..!
عند الصباح يحمد القوم السرى وعند السرى نؤكد على النقطة الجوهرية التي يستمر فيها الكورد مع غيرهم من شعوب المنطقة باكمال المسيرة المشتركة في بناء الصرح الانساني على اساس القدرة في الواجبات والمساواة في الحقوق وفي الصعاب يعرف السبق!
تدخل نتاجات الاستاذ رمزي عقراوي في هذا السبق المثير، اجهد نفسه كثيرا ، وتزود في محطات عدة ، كتب مقالات عن الثقافات الثلاث : الكوردية والعربية والعالمية انها خميرة النضج المثقل بالآهات في مخاض العشق الازلي لميلاد انسان يصنع التاريخ!
ويكون الكورد موقعا على خارطة الزمن اختزل المسافات واصاب الهدف…هكذا فالتجربة صقلت موهبته بالتحدي الهادئ والحوار الصامت فمن غفوة البصيرة يرجع العقل الى صوابه ومن غنوة القلب ترجع الكلمة الحلوة الى الشفاه الجميلة..
الوقوف جليا امام النوافذ التي تشرف على الافاق البعيدة، ايقظ الصدق والعنفوان في مخيلة العقراوي فانفجر تيقنا ليوقظ الكثير من بني الضاد، شموا معا عبق الثقافة الكوردية، ومن نسيم ابداعاتها استنشق العالم حلو الذكريات ومرها ايضا!
عندما دخلت العلاقات الكوردية –العربية في محطات ساخنة معروفة الاسباب ومشلولة النتائج كتب احد اصدقائي الى مجلة (العربي) الكويتية واقنع رئاسة تحريرها بعدم جدوى القطيعة وان حسم السكون لابد ان يتم بالحوار والمناقشات الجادة..وردا على توضيحاته المعمقة اجابه رئيس التحرير الدكتور محمد الرميحي في رسالته الجوابية المؤرخة في 16/8/1982 (..بشأن مقاليك عن الادب الكوردي والشاعر احمد خاني فارجوا ان تتاح فرصة لنشرها ان شاء الله) . ولكون الثقافة الكوردية هي ايضا المحور الاساس الذي تدور حوله مدارات فكر وتوجهات الكاتب الصديق ( وهو كاتب هذه المقالات التي بين يديك ايها القارئ العزيز) لذا لقي صعوبة جمة في فهم الاخرين لمطلبه الخالص في الحوار الثقافي الكوردي – العربي – العالمي واستجابتهم للمشاركة في سرى التفاهم ، كان صديقنا الكاتب يستلم ردودا حادة في بعض المرات حيث كتب له الاستاذ فهمي هويدي مدير تحرير مجلة (العربي) الكويتية في رسالته المؤرخة في 16/10/1982 بالحرف القاطع ( ..وقد رأت اللجنة القارئة عندنا ان مقالاتك تتجاوز اهداف العربي وقد تتعارض معها لانها تكرس الحس العرقي او الاقليمي…في الوقت الذي نسعى فيه الى تذويب تلك الفوارق لتصب في وعاء العروبة ونأمل ان تعيد النظر في تلك المقالات في ضوء هذا الاعتبار..).
استمر الكاتب في مشواره الطويل وواكب الكتابة دون كلل والذي اعاد النظر في مواقفه كان الاستاذ فهمي هويدي نفسه ، حيث يعتبر-الان- من الكتاب العرب الاوائل الذين الذين يتعاطفون مع القضية الكوردية ويكتبون عن محنة شعب كوردستان بانصاف وموضوعية وخاصة بعد الانتفاضة المجيدة في اذار 1991 ولحد الان !
كثيرون هم الكتاب العرب ممن ايقظ الشعور الانساني في ضمائرهم فبدأوا يكتبون عن القضية الكوردية ومشروعيتها بل يتعاطفون معها وربما يزيد عددهم –الان- عن عدد العلماء والكتاب الكورد الذين كتبوا في حينها عن العرب والاسلام!
وهكذا تتوازن المعادلات وترجح كفتها دوما لصالح الحقيقة ! لا اريد الاطالة في تقديم هذا السفر الرائع بل اتمنى ان يخوض القارئ الكريم رحلة ممتعة في طياته ويرى ما فاض منه رونقا، ومالم يكتمل ضمن شمولية موضوعه المتشعب وربما تلتقي على معصميه سهيل وسهى ..وهو حر فيما يبديه.
د.احمد قرني / اربيل(هولير) حزيران سنة 2000
**-لقد تراجع الاستاذ فهمي هويدي عن كل مواقفه وكتاباته السابقة عن الكورد وقضيتهم المشروعة، وذلك بعد سقوط الصنم (هبل) في بغداد في التاسع من نيسان المبارك عام 2003 بعد ان تحرر الكورد وكوردستان والى الابد من سيف التسلط البعثي الفاشي المقبور – نهائيا!
اما سبب تراجع هويدي المفاجئ والغريب فعديدة لسنا هنا بحاجة الى ذكرها ولكن من اهم اسباب تراجعه الان فتكمن في نص جوابه الانف الذكر لمؤلف هذا الكتاب بتاريخ 16/10/1982 فما اشبه اليوم بالبارحة ؟ّ! ومن الاشارة يفهم اللبيب ؟! ولان ذلك يعتبر بيت القصيد في حياة هويدي ومن مبادئه الثابتة التي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تتغير او تتبدل ولو لبعض الوقت لان هذا هو ديدن النخبة العروبية المتأسلمة ؟! في كل حين وآن .
دهوك /تموز/2009/ المؤلف
*يضم هذا الكتاب بين دفتيه مجموعة قيمة من مقالات الشاعر والاعلامي رمزي عقراوي المنشورة وغير المنشورة في الدوريات الكوردستانية والعراقية والعربية والتي كتبت بين أعوام 1979و2012وقد غض المؤلف النظر عن طبعه ونشره لاسباب ——!