نعم.. أنا ايزيدي..
بينما أعلن شريط القناة، أسفل الشاشة (إعدام 70 شابا ايزيدي لم “يستسلموا”) عبارة اختصرت بست كلمات كانت محصورة “بحرة عراق” سحبتني ناحية جوار قرنه في السليمانية سنة 1986 إلى إعدام صديقي قولو الذي لم يتحمل وجوده المسلمون المصلون جنود وحدتنا العسكرية، بل لا احد يسلّم عليه أو يكلمه أو يطيق النظر إلى لحيته الجميلة والطويلة. كان انيقا ابيض الوجه طويل القامة فقبل أن يهرب من الموضع الدفاعي أيام حرب الثمان سنوات اشتكى من بعض الجنود وإشاراتهم التي تطعن في معتقداته كونه من رجال الدين الايزيدي غير المتشددين وسدنة دور العبادة في سنجار إضافة إلى وظيفته السابقة، كان معلما للغة العربية وقارئا للأدب والفلسفة وكان صبورا عليّ إذ لم أهمس باسمه قولو حمه كريم، أنت انجلس أو فريديريك انجلس، شبيه اللحية والعينين الواسعتين واستدارتهما في الصورة، مختاراته الشهيرة والتي لم يقرأها لكنه معجب بهذا التشابه الكبير وخوفا من سماع الجنود والاستخبارات أن اذكر ذلك كان يمنعني ويضحك، تسره صداقتي التي انقطعت يوم أهدى لي رواية السيد الرئيس لميغيل انخل استورياس التي لم أقرأها. بعد ان قدِموا به مخفورا إلى الفوج الأول لواء 803 فرقة 24 مشاة وقتها كانت وحدتنا إعادة تنظيم بسبب هجوم دَفعّنا به خسائر كبيرة ومنها حقيبتي والرواية.. كنا في ساحة العرضات وكان آمر الوحدة قد استقبل ضابط استخبارات الفرقة ثم توقفت السيارة كاز66 العسكرية خارج الساحة ونزول المخفور أمام ثلاثة من جنود الانضباط وبدلا من إرساله إلى سجن الوحدة صاح بهم حماية الآمر وكانت عصا التبختر تلوح بيد ضابط الفرقة الذي فاجأه بصوته الاستعراضي (الا تخجل من لحيتك.. ما هذي جنود مثلك ليش تهرب من الموضع الدفاعي، جبان.. ) لم يدر في خلدي ان قولو الذي عرفته اول هبوطه السيارة سيرد عليه غير أن كدمات وجهه ويده المتورمة كانت أسرع منه (انا مو جبان.. انا عراقي.. بس انتم مو خوش ما تحترمون..) كانت لهجته ثقيلة فلغته الايزيدية أكثر هيمنة فجاءت لغته العربية مكسرة صعبة (انت ايزيدي جبان.. وهذي لحيتك تحتها الف… ) لا اعرف حينها ولم اسمع منه سوى الصراخ واللهجة التي بلعت الحروف كما الرصاصات التي مزقت جسده.
(نعم.. أنا ايزيدي…)
آه.. قُتل أمامي قولو واحد… من منا شاهد السبعين قتيلا؟