أسيل تلاحمه :
(1)
ستصرخ في وجهي إنها المرة الرابعة، وسأهمس بخيبة: ولعلها الأخيرة
أصابعك اليوم تنفذ من بين أصابعي وتتلاشى في زحمة الغبار والفاجعة، وحدك من أتقن الحضور بكل دقته وهشاشته، جئتني ممتلئاً ومكتفياً بالوقت كقيثارة، واليوم صرت عارياً من كل حواس الدهشة والحب
أأفاجِئُكَ؟. – كلا
كل خيباتك السابقة يا حبيبي أخلتك من الديمومة وصرت مجازا، لست في أي مكان على الأرض، ولا حتى في الريح، فمنذ أن أسلمتَ قلبي للريح وهي هادئة، ومنذ أن أسلمتَ قلبي للطرق وأنا واقفة مكاني، من قال أني إذا عبرت الجسر يوماً سأراك؟ ومن قال ان شجرات السرو التي ستقف مكاني لأنجو من الطرق حية؟، لا حياة في فضاءك ولا مطر، فإن كنت تؤمن أن حواء هي التي أغوت آدم وأنزلته من الجنة، فأنا التي استفرد بها الرب وصارت فراشةً أكلتها الزوايا وأشقاها الورد، وإن كنت تؤمن أن الشيطان من أغوى آدم فأنا الشجرة، وأنا اللعنة التي ستدور حولك عشراً وتتوب، كآخر أعرابية وقفت على آخر مرتفع في الحيرة أقف اليوم بدونك، وأنت الفارس الذي همش المعارك والوعود واستظل ليحتمي من تاريخ الجنائز والسراب، فقدت شامتي بين ظهيرتين وكُسِرت، فلا أنت تجيء لأعبر هذا السحاب المنفلت على عقبيه، ولا أنا أسير لأتحرى هرطقة الوجد،،، كل منا في خضم بعيد، أتراشق على قصائدك فنهطل معاً، لكنك كثيف ، كثيف وعابر، وأنا لست بشاعرة تتقن طي القصائد ، ولست بشكنجية ينتظر منها أميرا للمؤمنين، أنا الساعة الواحدة من توقيتك الغجري، لا ظل لي، كل الشموس تناحرت في معصمي وقيدت على المرتفعات البعيدة والبريئة، لا ماء في قلبك ليصب الروح على جسدي فأصير حرة، كل المياه شربتها نوقك وغادرت التاريخ وبكت، وظللت تبحث عن آثار ساعاتك في رمال العرب، والعرب يا حبيبي أول من قتل الآونة واستباح الظلال، والعرب أول من قنص الشمس ودفنها في الصحراء، أصابعك اليوم تنفذ من بين أصابعي وتتلاشى في زحمة الغبار والفاجعة، أصابعك اليوم تغزوني وتعيد رسم الحاضرة فأصير هباء منثوراً، وتصير أنت بدوني أشياء كثيرة، تصير المشانق والمقابر والرحيل، تصير الجرس والصوت والمدفع، تصير حروب غزة وتصير بيروت، تصير الصنوبر وتصير الشبابيك، وأنا مصلوبة على آخر مرتفع في الحيرة، لا قلب للمكان ليدق عنوة على السماء فنكون، لا شيء مهم في التاريخ سوى اعترافات سيقت أمام المذابح ونهر الاردن، فاعترف يا حبيبي اليوم أمام النهر والمسافة، أمام الآونة المحروقة والفكرة، أعترف أمام الفضاء الذي لا يتسع للريح، وأمام كل الزنابق التي وضعت على نعش الأميرات، بأنه لا ناقة اليوم فيك يا حبيبي ولا ….حتى جمل