حسين السنيد :
خط ازرق .. يمتد على ورقة بيضاء , ينعطف الخط الازرق ويمتد مرة اخرى ..يستمر بشكل دائري هذه المرة , تسقط دمعة من القلم , تصل الدمعة للورقة وتنتشر.
يتوقف القلم .. يتوقف الخط الازرق الذي كون نصف وجه . تحاول اليد الماسكة بالقلم مواصلة الرسم ,لايتحمل القلم الضغط فينكسر تحت وطأة اليد , ويتلاشى الخط الازرق.
اليد ..يد فتاة ,ناعمة لطيفة ..تعدل الفتاة شعرها المتراقص في النسيم و تنظر الى نصف الوجه الذي رسمته .. ومن اعلاها ينظر القمر خلسة .
– ينقصه شيئ…الفتاة قالت مع نفسها.
تمسك قلما آخر , قلم أحمر هذه المرة ..عليه ان يكمل مالم يستطع عليه اخيه الازرق. يبدأ القلم الاحمر من حيث انتهى اخيه ..حيث بقايا الدمعة ,يستمر القلم الاحمر .. ينحني ,يصعد ,ينزل ,ينقش العيون ,يكمل الملامح ..ماهي الا لحظات و يكتمل الوجه.
يطلق سراح القلم الاحمر الذي انهى اصعب مهمة في حياته ..
الآن اكتمل الوجه , وجه رجل ..نصفه ازرق ونصفه احمر !! ترتفع يد الفتاة لتمسح دموعها التي بدأت تتسرب من اهدابها.
القمر مافتئ يراقب من عرشه الفتاة والوجه الذي رسمته..
تكتب الفتاة باصبعها المبتل بدموعها عبارة تحت الرسم , و تتمتم..
– ب…ا ب…ا با……با ….بابا….بابا.
..يبدأ الدمع يتساقط ,تعجز اليد عن لملمتها كلها , عيونها تمطر الورقة مثل سحابة عابرة .
– ب…ا ب…ا با……با ….بابا….بابا.
الفتاة بنت العاشرة ,فقدت البابا في يوم دامي من ايام بغداد الرمادية .. اعمال عنف , مفخخات , رصاصة طائشة ,اخذت البابا .. لم يعرف مطلقها ولم يعرف ماذا يريد وماذا يهدف؟ لم يعرف عنه اي شيء ..ظل اطلق الرصاص و تلاشى في الظلام بعد ذاك.
توارت الالوان والخطوط تحت المطر ..و امتزجت مع بعضها بعض ,غيرت منحاها و اشاكلها ,تجاذبت وتعانقت فاصبح الوجه مبتسما!!
بعد لحظات .. وبعدما انتهت السحب الماطرة من عيون الفتاة , استدارت ,وضعت رأسها على الوسادة و راحت تنظر الى القمربعيون منداة .. اصبح الوجه المبتسم والفتاة ينظرون الى القمر.
انعكست رسمة الرجل على القمر , صار وجه القمر وجه البابا ,صار مبتسما…
شهق القمر شهقته الاخيرة قبل ان يتوارى خلف السحر, ودوت صيحته في الآفاق… لمن كل هذا الرصاص؟؟