حميد عقبي :
(1)
الذبابة
يبدو له المنظر لوحة فنية سوريالية، يحدق بالكأس الأخير، قطعة الثلج تذوب ببطء.. محاط بهالة ضوء تنسكب حوله تتزحلق على حوافه قطرات ندى تتسابق للنزول.. ما حول الكأس فوضاء بقايا أعقاب السجائر تتخذ اشكالاً نحتية معبرة، بعضها معكوف والبعض الآخر مهروس!! .
هذا ناتج عن حالته النفسية حين يرى نهاية سيجارته يحلو له توديعها بنظرة قد تكون سريعة واحيانا تستمر للحظات يتأملها ثم ينهي حياتها بالضغط عليها بهذا الصحن الأخضر على الطاولة، بعض الأوقات يتلذذ بنهايتها، يظل ممسكاً بها لآخر رمق ثم يضعها بهدوء يرمق احتراق الفلتر للحظات بعدها تضعف نارها.. لثوان.. تنتهي تماماً مخلفة حفنة رماد… تثيره هذه الاحداث.. يظل هائماً بداخله، متسمراً بمكانه يرقب كأسه الاخير، يُشعل سيجارته الأخيره يعيش كل نفس بكل حواسه، يأخذ نفس يحبسه للحظة ينفث الدخان يتابع مسار تحليقه… هنا يرمق ذبابة لا يعلم كيف وصلت لعالمه؟ تحوم حول الكأس تغامر بالهبوط.. تذهب أبعد من ذلك.. تنغمس سابحة بداخله، ثم بصعوبة تنجح بالخروج، يحسها ترتعش، يظل مجرد مشاهد للحدث، يبدو انها تحاول استعادة توازنها، تطير بارتباك لزواية الجدار.. يود تحذيرها هناك بيت العنكبوت.. ينهض يتابع ما سيحدث، تستمر الذبابة بالتحليق المرتبك.. لعل قدرها العاثر قادها لهذا المكان، لهذا الكأس، لهذه النهاية لعلها خططت لانهاء حياتها ثملة.. يغمض عينيه للحظة… الذبابة تعلق بخيوط العنكبوت.
(2)
حالة مرضية..
مولع لحد الهوس بنشر صوره الفوتغرافية بالمنتديات والمجموعات الأدبية بالفيس بوك مستخدما تقنية الفوتوشوب مع كل قصة أو خاطرة يرفق بها مجموعة صور لشخصه.. لا يركز كثيراً بانتاجه الأدبي قدر تركيزه بصورته، يحلو له الوقوف مع صوره، يتاملها يعيد إضافة مؤثر كخلفية، يعجبه إشارة لايك عليها..يرسلها لكل أصدقائه يضعها على صفحاتهم.. لا افهم كيف تحولت هذه العادة لحالة إدمان؟ هو لا يعي ذلك..يتمادى بغرور فارضاً سحنته علينا… دون ان يدرك وصوله لحالة مرضية..
(3)
خريطة مبللة
يصل القارب المتعب لشواطئ قبرص.. يرتعد هو ورفاقه من الخوف والبرد بانتظارهم كلاب بوليسية وشرطة خفر السواحل.. بغرفة التحقيق فتشوه تفتيشاً ذاتياً لم يجدو بجيوبه سوى قصيدة مبتلة تنعي وطنا يتمزق..
(4)
بنت الجيران
بساعة متاخرة من الليل، ينظر من نافذته لحديقة بيت الجيران، تكون الفتاة التي عشقها بالخارج فوق الأرجوحة، لعلها تتنزه هكذا يظن.. تلمحه، تبتسم، تُشير اليه.. يهبط للحاق بها، يتجاوز السياج الحديدي الهش.. ها هو أمامها، يقترب أكثر، الضوء ينسكب من مصباح عالي يهطل راسماً ظله.. تتساقط أوراق من أعلى الشجرة الضخمة فوق الأرجوحة، تجلس الفتاة تحتضن دُمية عروستها، تعانقها، تتحرك الأرجوحة ببطء.. يقترب أكثر يدفعها كي تتارجح ..ينكشف فستانها تكون الصعقة!!! الجزء السفلي للفتاة أشبه بذيل سمكة.
(5)
بانوراما
المكان غريب، حجارة متناثرة، أخشاب محترقة.. يبدو أنّه جزء من مبنى أنهار بسبب الحرب، أشياء عديدة محترقة لوحات فنية ليس بعيداً منها أجزاء من تماثيل وقطع نحتية أيادي و أقدام، رأس تمثال مدمّر تماما.. جدار انهار جزء منه يبدو أنّه كان مزخرفا، محيت الألوان بسبب عوامل التعرية.. ماء يسيل في المكان، في بعض الجوانب طحالب بسبب الرطوبة… تمثال ضخم لأحد ملوك بابل تحت الأنقاض، يظهر رأسه، يظهر أيضا جزء من صدره بجانبه تمثال للسيد المسيح مشوه تماماً.. فوق هذا الدمار المرعب ترتكز رأية ضخمة، ترفر مكتوب عليها ( الموت للكفار عبدة الأوثان).
—–
*سينمائي و كاتب يمني مقيم في فرنسا ..
—