في محله الصغير في أحدى الشوارع الفرعية لمحلة شيخ محمد في دهوك كنا نسير أنا والشاعر المغترب الرحال بدل رفو بعد عودته لكوردستان لأستراحة قصيرة لصقر تعود أن يطير حول العالم وينشر النهضة الأدبية الكوردية باللغات الكوردية والعربية والأجنبية ، دخلنا محله الصغير وهي عبارة عن مكتب أستنساخ وقرطاسية ،رحب بنا الرجل ذات الشعر الأبيض الذي زاده وقاراَ ووسامة ، أنه الشاعر والأعلامي ( رمزي عقراوي ) ، وكان جلّ حديثنا عن الأدب والنهضة الأدبية في داخل كوردستان خاصة وخارج كوردستان العراق عامة ، تتداخل بينها بعض الطرائف الجميلة ، العفوية لتزيد اللقاء بهجة وراحة نفسية .
ألتقي بالشاعر رمزي عقراوي مرة ثانية ، ليس وجهاً لوجه ، بل لقاءاً أدبياً فكرياً مع أدبه ، شعره ، عندما تنهض أمة ، تاركة خلفها تراكمات التخلف العلمي والوهن الأدبي ، تتطور معها قيم معاصرة تواكب تتطور العصر علمياً وأدبياً ، في كل المجالات التجديدية ، التغييرية ، المكانية ، والزمنية وحتى الشخصية البعيدة عن المصالح النفعية الآنية ، الذاتية ، هذه القيم العصرية الجديدة يجب ان تحافظ على كرامة الأنسان ، وتقيم علمه وادبه ،وأن تكون هذه القيم العصرية النهضوية ثابته وبديهية ، فالىداب والعلوم غيرت قيم القرون الوسطى ، لتجلي بشكل واضح وسليم ، قيم أنسانية غنية ، تغدو سبيلاً للأحساس بأنسانيتنا ، ووجودنا ، أكثر تطوراً وفهماً وغنى ، بكل الأطر العصرية في تطور النهضة الأدبية ، بحيث يبدأ التميز بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف ، دون فرض الجهل فوق منابر عالية ، في زمن النهضة الذي هو بأمس الحاجة الى التغيير والتجديد والتقدم والأبداع ، بعيداً عن المعارك النرجسية ، الذاتية ، الواسطوية ،النفعية ، على الكرسي والمنصب البراق الذي يلمع ظاهره كالسراب عندما تدنو منه لا تجد شيئاً ، إلا ما رحم ربي ،من هلوسات النهضة الأدبية أو ما نسميه نهضوياً ، أن تجتر كبار الادباء المخضرمين بحجة النهضة الأدبية ، وتقصي عمالقة الأدب الفكري بحجة التجديد والتغيير والدم الجديد ، وهذه أسس مغلوطة ، مشوّه لمبادىء النهضة الأدبية التي تجلت من تراث الذرائعية التي تكرس الوجوه والوجود المشوه ، والذي يؤدي الى الوجود الوثني اللا مرئي ، الواهن ، والمتحرك في دوامة الروتين والملل ، وبالتالي يشوه أسس النهضة الأدبية الحقيقية التي تساند وتمد التقدم والأبداع الفكري ، الذي يضع كل القيم الانسانية في مكانها السليم ، وأحياناً ندرك هذا الشيء ، على أنه واقع ، كانه يمنحنا أحساساً بوجود نظام مختلف ناهيك عن تأثيراتها السلبية ، التي تصل الى العالم ، لا اعتقد أن الحقيقة الادبية تصبح أكثر بدائية لو رجعناها الى وضعها السليم ، البسيط ، وقد تذكرت الأن عبارة حفظناها ونحن على مقاعد الدراسة ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) وهل يعني هذا ان نغير العبارة في زمن النهضة ( الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ) ؟ كيف نتوصل الى قناعة أن هذا الواقع ضبابي ، مدهم ، مشوه لحياة النهضة الأدبية والعلمية مهما زيناه بالورود والأكاليل والخضرة الصناعية ، وفرشنا في دروبها بساط أحمر ؟ ربما لا نرى الأشياء على حقيقتها ، ولكن ما يصل أدراكنا ، هو مظهر من مظاهر الوجود ، لا أكثر ولا أقل ،وهذا الوجود قد يطمس القيم الانسانية ، في زمن نحتاج وننتظر الى من يصون الكرامة الانسانية ، الأدبية ، والعلمية . لتكون النهضة الأدبية في مكانها الصحيح ، وفي ذروة عطائها المتجدد بالقيم العصرية .
قصيدة أمواج الخليج للشاعر والأعلامي المخضرم رمزي عقراوي يستنهض كل هذه القيم الأنسانية المهمة للتجديد بعد تراكمات الآلام والتخلف والوهن الفكري ، يوقظ الانسان الثائر ، المتحرك ، الذي يمر في ليالي الواقع المؤلم كالحلم في ليل شتاء طويل ، يتأمل حياة اجمل ،بشوق متناهي للتجديد والنهضة العصرية التي تزيد القلب حباً وعطاءاً وابداعاً ،متأملاً الوصول الى سبل الصور الحقيقية القيمة للأنسان في ظل حياة كريمة .
صنعنا منك يا أنساننا الثائر …!
موّالا من الاشواق …
يضج بحديث الحب
وفي الاعماق …
حفرنا رسمك !
في الاحداق
وفي افواهنا…
الصورة المجازية التي رسمت الكثير من الواقع المؤلم ، تتجلى هنا بفعل حيوي ( صنعنا ، حفرنا ) يراد منه العودة الى الواقع ، وتحقيق ما هو أفضل للنهضة العصرية ، فالتناقضات الحية تراها العين البصيرة ، ولا يمكن تغييرها إلا بفعل حيوي لفظي وفعلي قادر على تجديد النهضة ، وأيجاد السبل السليمة لذلك ، دون أرهاصات السلبية ، الدائرية الجاثمة فوق رؤوس الجهل ،بأعمدة القوة والمال والجاه لأثبات ما لا يمكن أثباته فوق ألق المبدع ، والجاهل على المتعلم من خلال الواسطوية والنفعية الذاتية الآنية ، بعيداً عن أصالة الأرض والنهضة والتقدم والأبداع ، فهذه المعاني الأخيرة عفا عنها الزمن في زمن اللا نهضة ،أو وجود النهضة لكنها نهضة شكلية ، صورية ، ظاهرية براقة ، لكنها لاتغني من جوع ، ولا تكسي عاري ، فاللغة المجازية لها تاثيرها المجازي المباشر على الاقل بين الشعراء ، وهو يعني شيئاً أكبر في العملية الأبداعية ، اكثر من كونه زينة بلاغية ،يبدأ من الحس الشعري والرؤية الشعرية ، وقد ينتهي بالبهجة أو الحكمة الانسانية التي تنير دروب النهضة الواقعية .
وننتظر
وسنظل ننتظر !؟
كي لا تنكسر
اشرعة النهار
على شمم الجبال !
كي لا نحتضر …!
وان لا نغرق في فواجعنا ومآسينا
كي لا يغرق حلمنا الاخضر
عبر شواطئ الخليج ))
والبحر الاحمر
إن المخيلة الشعرية المتحركة التي تستمد من صور الواقع ، ترقب الأشياء ، عبر أمواج الظلام ،تحرك صورة التجرد والحرمان والعري والمآسي ، فهو تزاوج بين الواقع والمجهول ، بين حلم النهضة واللا نهضة ، يقول باشلار : ( المخيلة المتحركة وحدها تستطيع أن تحمل الينا الفهم الشامل لكل المرادفات ) .. تمدنا المخيلة المتحركة بأحساس قوي بالتوقع ، وانتظار التوقع الذي يشرق من خلاله النهضة الصحيحة لحياة أجمل ، ولانسان مصان كرامته وعلمه ،وأدبه وابداعه .
كي تظل جماهيرنا تسهر
وترقبُ مجئ الخيل الاشقر
فوق امواج الغدر والظلام
فاسمع …
ولا تجعل نفسك …
لا تسمع !
فنحن الان عراة نشتكي ، نركع !
لان وجه الشمس لم يطلع
وانت هناك في الغيب
لحد اليوم … لم ترجع !
الشاعر والأعلامي رمزي عقراوي تمكن باحساسه المرهف ووعيه المتقد من نقل صور واقعية ، من ضباب الحياة ورماد الآهات ودماء الأبرياء ، الى جوهر الضمير الحي ، ليجسد على أمواج الخليج المضطربة ، رؤية البؤس الأنساني والجهل الفكري والحرمان النهضوي الذي ينتظر كل الأرواح الراقية لنهضة أدبية علمية حقيقية ، مبدعة ، حتى لو فرضنا نحن في عصر النهضة الشكلية ، فالتناقضات الفكرية تكون أحياناً كقناديل تنير سبل الاسس السليمة لواقع الانسان المتجدد والتقدم والأبداع ،باحساس صادق ، مخلص ، ووعي وادراك حقيقة الامور كما هي ،لأثبات وجود النهضة الأدبية .
———-
رمزي عقراوي
– الشاعر والصحفي العراقي /رمزي عقراوي*
– من مواليد 23يوليو 1954 في مدينة (عقرة ) الواقعة شمال شرق مدينة الموصل*
-عضو الاتحاد العالمي للصحفيين(IFJ ) *
– عضو الجمعيةالعراقية للتصوير -المركز العام-بغداد
– عضو جمعية مصوري كوردستان-فرع دهوك
– عضو نقابة صحفيي كوردستان – فرع دهوك.
بدأ بالكتابة سنة 1970 و بالنشر في الصحف و المجلات العراقية و العربية و الكوردستانية سنة 1979 ولايزال مستمرا بالكتابة و النشر لحد اليوم.
– له كتب مخطوطة ودواو ين شعرية جاهزة للطبع لكنها غير منشورة.