سعد عباس :
(1)
لا عيبَ في الماءِ؟
هكذا بالضبطِ يا ابنَ الجنوبِ البعيدِ. لا عيبَ في الماءِ.
هكذا بالضبطِ يا بولينْ
يضبطُنا المساءُ اللندنيُّ على كتفِ “التايمز”
كائنينِ من حقائبِ الربيعِ يخرجانْ
* ما اسمُكِ ثانية؟
ـ بولين. إيلينا بولين.
* أكنا التقينا قبل هذا الربيعِ؟
ـ في حياةٍ، ربّما، أخرى. أكان اسمك هنري، مثلاً، وقتَها؟
.
.
.
هكذا، الماءُ… قطرةً قطرةً يغسلُ وجهَ بولينَ المضيءَ
يحملُها من ضفةٍ على السينِ
…
أراهنُ أنّها تكتبُ الشعرَ. أهمسُ في أذْنِ صديقتِها الإيرلنديةِ روز
أراهنُ أنه يكتبُ الشعرَ. تهمسُ في أذْنِ صديقتِها الإيرلنديةِ روز
هكذا صرْنا صديقينِ بعد هذا الرهان.
(2)
لا عيبَ في الماءِ. يحملُني من ضفةٍ على الفراتِ
يحملُها من ضفةٍ على السينِ
يضبطُنا المساءُ اللندنيُّ على كتفِ “التايمز”
كائنينِ من حقائبِ الربيعِ يخرجانْ.
ـ ما اسمُكَ ثانية؟
* سعد. سعد عباس
ـ أكنا التقينا قبل هذا الربيعِ؟
* في حياةٍ، ربّما، أخرى. أكان اسمكِ، آن بولين، مثلاً، وقتَها؟.
.
.
.
.
هكذا ينسجُ الماءُ الحكاياتِ ذاتَها.
…
ـ أرِني بلادَكَ أيّها السومريُّ
يُقالُ الكثيرُ عنها.
* سومرُ؟. ربّما ذاتَ يومٍ أو حياةٍ ثانيةْ.
….
لكنّهُ المساءُ حيثُ يأخذُنا القطارُ الى هيفر
نفرٌ من السيّاحِ يحتسونَ النبيذَ
يصرخُ واحدٌ منهم:
رأيتُها للتوِّ تسحبُ “التيمزَ” للأعلى
يُصدّقُ بعضُنا الأساطيرَ
لكنّها الأنيقةُ بولين تلوّحُ للقرويينَ
كأنني أرى العرباتِ الملكيةَ تشقُّ طرقاتِ الضبابِ
يُصدّقُ بعضُنا الأساطيرَ
.
.
.
.
لا عيبَ في الهواءِ. تنحتُه الرقيقةُ بولينْ
في حدائقِ هولندا
مفبركةٌ هذه البدايةُ، ربّما
تهمسُ بولينُ في اذني:
أحبّكَ أيّها السومريُّ.
يوقِدُ القرويينَ الحطبَ. لا عيبَ في النارِ
أهمسُ: تلكَ قلعتُها.
يدندنُ القرويّونَ والسيّاحُ:
رقيقةٌ كأنّها طفلةُ الماءِ، بولين.
…
لا عيبَ في المرايا. تبرقُ بولينُ في قلعةِ هيفر
مفبركةٌ هذي النهايةُ يا هنري. أليس كذلك أيها الثامنُ الأخيرُ؟
تهمسُ: لا عيبَ في العيونِ
حينَ لا نرى.
(3)
ذاك الشتاءُ البعيدُ في هيفر. قبلَ كمٍّ من الأساطيرِ والقرون
ذاكَ الشتاءُ الذي حدّثني القرويّونَ عنهُ
أتوقُ اليهِ كأنني كنتُ ها هنا فيهِ
أراوغُ البردَ بأغنيةِ القلعةِ:
“جموحةٌ يصعبُ الوصولُ
اليها
يصعبُ الوصولْ”.
.
.
.
يلتبسُ الأمرُ على بولينَ إذ ترى القلعةَ خارجةً للتوِّ
بمعطفِها الملكيِّ
من حقائبِ السباتْ.
يُصدّقُ بعضُنا الأساطيرَ
آهِ، يا جنوبَ شرقِ لندنَ. التبسَ الشتاءُ علينا
فلنعدْ أدراجَنا الآنْ.
(4)
قبلَ الربيعِ الأخيرِ؟.
هكذا بالضبطِ. قبلَ أن أغادرَ لندنَ يائسأً من وداعِ بولين
ألمحُ من شرفةِ الفندقِ الموكبَ الملكيَّ شبحاً في الضبابِ. أسمعُ
طرقاً على البابِ. آهِ، يا بولينْ
خشيتُ أن أدْفَنَ في الثلجِ
قبلَما نلتقي.
.
.
.
أجملُ ما في بولينَ عيناها
أريها الموكبَ الملكيَّ، تسألُني:
أما آنَ للربيعِ أن يجيءَ؟. آهِ، يا بولينْ
لا عيبَ في الشتاءِ. لكنّهُ الموكبُ الملكيُّ يبعدُ
ينحتُ الثلجُ المدنَ القديمةَ. أهمسُ: انتظري مفاجأةَ المساءْ.
(5)
هو المساءُ ذاتُهُ. يخرجُ الملكُ المدَثَّرُ بالعشقِ
يبحثُ في الشتاءِ عن بولينَ
“تُحْرَقُ داخلَ جبلِ إتنا
محرِّضةُ هنري على الفسقِ”. يصرخُ الفلاحون في نيكولوسي
ومن حقائبِ السباتِ، يُخرِجُ هنري الرسائلَ
أهِ، يا بولين
شتاءٌ بعدَكِ الفصولْ.
(6)
هو القناعُ ذاتُهُ. نلمحُ من عينِ لندنَ الحارسَ يطعنُ الهواءَ
ثمّ يُغمى عليهِ
هل رأيتَ ما أرى؟. رأيتُ يا صغيرتي
تلكَ ساعةُ بيغ بن
تسبحُ في التايمز.
أكذبُ في الشتاءِ اللندنيِّ
تعرفُ بولينُ أنني أحبُّها. تهمسُ: أهِ، يا صغيريَ المحتالَ.
عينُ لندنَ لا ترى ما نرى: بنفسجةَ الشتاءِ
تسألُنا العدلَ
أقبّلُ إيلينا بولين
إيلينا الباريسيةَ الكنتُ أراهنُ أنّها تكتبُ الشعرَ
وأقطفُ وردةً من فستانِها الزهريِّ
يحملُها “التايمز” الى آن بولين
آن الرقيقةِ
بنتِ هيفرَ. تلكَ التي تسألُنا العدلَ يا هنري. أيّها الثامنُ الـ …….
متْ كمداً، هنري
فبولينُ تولدُ كلَّ شتاءٍ
في أغاني القرويينَ
والتايمز
وإيلينا الباريسيةِ الكنتُ أراهنُ أنّها تكتبُ الشعرَ
تكتبُهُ على ضفافِ التايمزِ والسينْ.
—