خضر عواد الخزاعي :
هكذا أشارت عليه أمه، قبل أن ترحل، في سنة متقدمة من سنيّ حكمه قالت له”حتى تطمأن روحك، وتعرف من لم يزل من أعدائك على قيد الحياة، فهم في النهاية، عندما ينتهون من هذه الحرب اللعينة، سيكون من الصعوبة عليهم انتزاع بدلات الخاكي عن جلودهم”.
من يومها تعلم أن يجمعهم كلهم، في مناسبةٍ، سيكون ٍلزاماً عليهم أن يشاركوا فيها، عيد ميلاد باني الوطن، وبطله، وبعد الإنتهاء من حفلة عيد الميلاد، في البهو الكبير المطل على النهر. يقف بينهم، وكان حريصاً، أن يتذكرهم بأسمائهم، حتى يتأكد من وجودهم إلى جانبه، لكنه في المرة الأخيرة، تفاجأ حين وجد نفسه بين رجلين، من رفاق الرحلة الطويلة، والعنيفة، كان أحدهم يتمايل بجسده النحيف، مستنداً على عكازه الخشبي، أما الاخر، فأنه لاحظ أن يده لم تنزل من رأسه، حيث كان دائم الحك بما تبقى من فروة شعر بيضاء، واليد الأخرى تمسح المخاط عن أنفه.
التفتَ إلى حارسهٍ.
هذا كل ما تبقى منهم؟
انحنى الحارس بخوف ولم يرد، وحين أطال السيد الرئيس انتظاره، أجابه المرافق.
لقد رحلوا، كانوا طاعنين في السن، سيدي الرئيس.
الان، وبعد أن غادر آخر المهنئين، وانسحبت الفرق الموسيقية، ومجاميع الأطفال، ها هو يقف وحيداً أمام الكاميرا، وقبل أن يضغط المصوّر، الزر، أشار له بيده أن يتوقف، وأن يقترب منه، لم يكن نفس المصوّر الذي رافقه طوال تلك السنين، كان رجلاً آخر، أصغر سناً، لكنه أيضاً، كان في خريف أيامه، سأله وهو ينظر بعينيه.
من أنت؟
ابتسم له الرجل مرتبكاً.
أنا المصوّر الجديد سيدي الرئيس.
سأله مستفسراً، وهو ينظر إلى حارسه.
والمصوّر القديم؟
أجابه الرجل بحزن بالغ.
كان أبي سيدي الرئيس، وقد توفيً قبل أيام.
علق على كلامه ويده معلقة في الهواء.
آه، هكذا إذاً.
استعدَّ من جديد، للوقوف أمام الكاميرا، تذكَّر أمه أيضاً، كانت لحظة ملهمة من ملايين اللحظات التي يفتقدها الان، كانت تلفظ أنفاسها بين يديه، في سنة أخرى، أكثر سقماً ويأساً من سنينه”تذكر عندما تظل وحيداً، وسيكون ذلك في سن الثمانين، حينها ستكون قد أنهيت كل حساباتك مع الاخرين، ومع الحياة أيضاً، فلا تنتظر من يضع يده بين كتفيك، أو يضع قدمه بين فخذيك، ويرمي بك بعيداً عن هذا القصر”.
متى كان ذلك، لا يتذكر، في سن الثمانين، يغادر السيد الرئيس القصر وحيداً، لا مست قدميه الشارع، كان الهواء جافاً، وشمس منتصف نهار حزيراني، تبدو أكثر احتراقاً، انتبه إلى الصوَّر المعلقة على الجدران، وعلى أعمدة الكهرباء، ووسط الساحات، لم تكن صوّره هو. كانت الصوّر لرجلٍ آخر، رجلاً فتياً، يرتدي بدلة الجنرال، وفي عينيه نظرة، لايمكن له أن يخطئها، واصل المسير، كان الشارع طويلاً، وبلا نهاية.
انتهت
—