محمد تيسير أحمد :
في ظهيرة يوم أربعاء، والشمس تسلق المارة في محاولة جميلة لإضحاك الشيطان ..
يصل لاهثًا باب البناية التي تضم شقته القديمة بداخلها، ترتجف يده حتى جبهته يمسح عرقه بعصبية، وبانتقامية يدوس سيجارته بعد أن سقطت سهوًا من فمه، أخطره مالك البناية أن يراجع شقته ويتفقد إن كان قد بقي له شيء فيها؛ لأنه يعتزم تأجيرها من جديد، فلم يمر وقت طويل على هجره للشقة، أي إن كان له شيء فيها فهو لم يفقد قيمته بعد.
أثناء صعوده درجات السلم، ومع استمتاعه بالموسيقى التي يصدرها دوس حذائه على الدرجات الخشبية، كانت بنت مرتبكة ترتكز على درابزين السلم، يبادلها النظرات ويقوم السلم بإصعاده إليها، عادية الجمال .. ولكن جذابة جدًا له، خصوصًا ما يخص ارتباكها هذا !
عندما صار بالقرب منها فسرت له حيرته، بطرقات متتالية متفاوتة في القوة على باب العمة ” أم إلياس ” ، ربما كانت أنانية منه أنه لم يخبرها بوفاة العمة أم إلياس من شهرين، تلك السيدة بيضاء الرأس مع شال أزرق لا يفارق كتفيها النحيلين، وأصابعها على البيانو التي لطالما آنست وحدته …
ربما لم يخبرها لأنه يريد رؤيتها مرة أخرى عندما يخرج من شقته، بعد بحث عميق عن متعلقاته في الشقة لم يسفر إلا عن بعض أوراق ليست بتلك الأهمية، وضعها في يده وخرج، وجدها في منتصف الممر بينه وبين شقة أم إلياس كأنها كانت تنوي اللحاق به لتسأله وتراجعت، فلما رأته تظاهرت بأنها تبحث عن شيء ما قد سقط منها على الأرض، كان يعلم بأن هذه حركات المرتبكين الذين يحاولون التخطيط لكل حركة من حركاتهم ما يجعلهم مفضوحين تمامًا .
نظر فيها المرة الأولى عندما كان يغلق باب الشقة هامًا بالرحيل، وعند وصوله السلم لا يعلم لماذا نظر إليها مرة أخرى ؟ كانت قد عاودت الطرق على الباب الأول، فالتفتت إليه مناقضة لطبيعتها بنظرات عتاب أشعرته بالذنب، لكنه لم يعرف تحديدًا ماذا فعل !
نزل على السلم متابعًا طريقه للخارج، بعد لحظات خرجت هي أيضًا لا تعرف تحديدًا لماذا، ربما لأنها لم تجد ما سقط منها !
وقفت على باب البناية، رأته قد ابتعد مسافة لا تمكنه من سماعها إن صرخت عليه، وقفت في حسرة غير مبررة ترقب اختفاء الغريب عن حدود بصرها، هي لا تعلم أنها لو عرضت عليه الهروب معها لأي مكان، كان لن يتردد في ذلك للحظة.
—