حوار مع الناقد السوري عصام شرتح(حلقة ثانية) أجرته القاصة والروائية فداء شرتح( قضايا نقدية معاصرة)بتاريخ 1/3/2016.
1-لقد صدر لك هذا العام عدداً من الكتب النقدية حتى وصلت مؤلفاتك في هذا المجال ما يربو على ثلاثين كتاباً ،جلها يصب في مجال التطبيق باستثناء بعض الدراسات القليلة في مجال التنظير. لماذا هذا الانجراف الجامح صوب الدراسات التطبيقية؟!! وقد تكون الناقد السوري الوحيد الذي صدر له هذا الكم من الدراسات التطبيقية،لدرجة تضعك في موقع المواجهة وجذب الأنظار والأحقاد إليك من قبل ظلامك و منافسيك؟ خاصة أولئك النقاد العجز عن الخوض كما خضت؟!
أولاً- أنا أعد النقد رسالة وأمانة، يجب أن تؤدى على أكمل وجه، والناقد الحقيقي هو الذي يؤدي الرسالة على أجمل حلة ،وأبهى صورة، لأن الذي يبصم في النهاية هو الذي يصدق مع نفسه، وقارئه، وخالقه، ووجوده،وأرى في الدراسات التنظيرية الفحولة الجوفاء الفارغة،التي لا تصنع نقداً،ولا تصنع مجداً، إنها مجرد أقوال تسبح في الفراغ ، أو مجرد أحلام وأمانٍ لا متحققة. وأنا قلت وناقدنا الفذ الجليل خليل موسى قال إن من يُنَظِّر هو أشبه بمن يتكلم عن الفحولة وهو عنين، لذلك، كثفت نشاطي في هذا المضمار،واشتغلت على نفسي كثيراً لمواجهة ظُّلَّام أشد تزمتاً، وشراسة، وعدوانية من أعتى السفاحين، والقتلة، والمجرمين ، وللأسف أسعفتهم مناصبهم في السلك الجامعي في جامعة حلب تعطيل حياتي، وليس فقط متابعة تحصيلي في درجة الدكتوراه،ونظراً لإيماني المطلق بأن الوجود زفرة حياة، ما عدت أطمح سوى أن أعيش بقية أنفاسي مع الكتاب، أشاكسه ويشاكسني، أكتب بحرقة المظلوم أن أهب القارئ ما يفيده،عسى، ولعله يحقق أحلامه، و يعيش قدرا من الطمأنينة في عالم لم أذق فيه غير المرارة، والحرقة،والألم ،ولذلك، عندما أكتب للقارئ أحس وأشعر أني أكتب لنفسي الجريحة لتستعيد شيئاً من كبريائها المجروح، وتماسكها الصلب لتستمر في الحياة و لو على فُتَاتِها، وبشاعة أناسها وقمائتهم.. وكنت أقول في سري: ما أصعب الانكسار للظالمين.. و أسعى دائما أن أمنح كلي للقارئ، ليشق طريقه في ركب الحياة، ويحقق أحلامي التي دفنوها أولئك الظالمون في صدري، ويمضي في عالمه الجميل محلقاً في سماء الحياة.
ومن هنا،انطلق مشروعي وانطلقت صرختي في وجه أولئك الظالمين فأصدرت بعض المؤلفات المتواضعة التي تركت أثرها في وجدان القارئ العربي، وأولئك الظلمة ادعوا أن كثرة إنتاجي من الدراسات، والبحوث، والكتب بدافع مادي بحت، أو مطمع بهرجي من أجل شهرة ما.. ولم تكن بدافع علمي واندفاعي في فترة من الفترات للحياة، وأنا أقول كلمتي من نبض الروح قبل دفق القلب: أقسم أن جل مؤلفاتي طبعت على نفقتي الخاصة لدرجة أن منزلي غرفة واحدة،ولم أنل من مؤلفاتي أي مكسب مادي،بل قسمت ظهري ،وزادتني عوزاً وفقراً، وهذا إخلاصاً لرسالتي العلمية، ولمشروعي الذي أسسته بالدموع والزفرات والأحلام ،والأماني المنكسرة أن أحقق نصري على أولئك الظلمة الذين جندوا أقلاماً لم تطلع على نتاجي النقدي، ولا تعرف معنى النقد،متبعين المثل الشعبي(العيار اللي ما بصيب بيدوش)، خلطوا الأوراق، وقلبوا الأمور رأساً على عقب، ليقللوا من شأن ما أكتب، وأعترف أنهم نجحوا في كل ما خططوا له،ونالوا نصرهم الساحق في فترة من الفترات، تلك الفترة السوداء؛وهي( مرحلة ضعفي وتأمر مشرفي المجرم سعد الدين كليب الذي انضم إليهم مع المجرم الآخر أحمد محمد قدور- لا بارك الله فيهما ولا سلمهما-بتوجيه من رأس الأفعى وزيلها الدعي(أحمد محمد ويس) الذي خطط بمكر ودهاء،وهؤلاء السفلة نفذوا بإتقان ما خطط له الدعي المجرم، باستصدار قرار جائر يقضي ب(شطب أطروحتي في الدكتوراه) قبل مناقشتها بأيام قليلة، وفعلاً نفذت الجامعة القرار،ودفنت قضيتي لتسجل جامعة حلب عاراً عليها يلزمها إلى أبد الآبدين،وكما قلت : إن وزارة التعليم العالي المبجلة في سورية هي التي مهدت السبيل إلى تمادي بعض أساتذة الجامعات المدمرين… ليدمروا مشروع هذا أو ذاك لأنها بالأساس منحت الأستاذ الجامعي الحصانة، وكأنه النبي المعصوم من الخطأ أو الزلل.. والإجرام الأكبر أن وزارة التعليم العالي لا تحاسبهم حتى ولو أخطأوا؟!!. وحفظك الله يا شاعرنا السوري نزيه أبو عفش الفذ بقوله الشهير( أيها العالم الكلب أبصق على شرفك)، وأنا أقول:……………. وفهمكم كفاية .
أعود وأقول يا أختاه: يكفيني نصراً أن الله أمدني بالجسارة، والقوة على الكتابة رغم ظرفي الشاق، والظلم ،والأسى المرير الذي نلته على أيدي أولئك الظالمين ،وفخري الوحيد أني أحب قارئي، وأخلص له، ولن تزحزحه تلك الوثبات الجسورة من أولئك الذئاب الشرسة، لأن قارئ كتبي لابد أن يكون حساساً، وشهد لي في الماضي، ويشهد لي اليوم، وسيشهد لي غداً، وشهادته وسام شرف على جبيني، وتاج عز على رأسي ،خاصة قارئي العربي في المغرب، وتونس، والجزائر،وقد نشرت كتباً فيها، فأنا عربي ولست سورياً، ولم أكتب لسوريتي التي ما جرعتني إلا كأس المرارة والجحود والنكران والإهمال.
وأعود إلى الشق الثاني من سؤالك؟ أنا لا يهمني إن كنت الناقد الوحيد في سورية في عدد مؤلفاتي أو الناقد الأخير، النقد ليس بالكم، وإنما بالكيف، أي بالقيمة، والجودة، وبراعة الاكتشاف، فالناقد رائي قد يبصر في كتب، ويحلق فيها ،وقد يخفق في كتب، وينحدر في تأليفها إلى أسفل السافلين.
وأنا أعترف أن هذا الكم من الكتب قد يكون مأخذاً علي، لكن ما يشفع لي الكتب المتواضعة التي اشتغلتها على شاعرنا السوري الكبير بدوي الجبل، و الشاعر العراقي الكبيرحميد سعيد ونزار قباني و جوزف حرب،فما زالت كتبي عن هؤلاء الشعراء تطلب،وسنعيد طباعتها أكثر من مرة.
أما الكتب التي شرفني الله بطبعها هذا العام 2016 فهي:
1-مفاتيح الشعرية في قصائد حميد سعيد،دار الصفحات، دمشق.
2-جدلية الزمان والمكان في شعر حميد سعيد،دار البدوي،تونس.
3- تحولات الخطاب الشعري في شعر جوزف حرب،دار الصفحات ،دمشق.
2- ما رأيك في النقاد السوريين؟ وهل تعتقد أنك تجاوزتهم؟!
أنا قلت لكِ –يا أختاه- أنا ناقد عربي لا أنتمي لسورية لهذه الرقعة الضيقة، انتمائي لعروبتي أولاً وأخيراً ،فكل قطر عربي هو وطني، وكل فتاة عربية، هي أختي،حبيبتي، أمي،عمتي ،خالتي،قلبي النابض بالدفء والأمان… وصدقيني أن قارئي المحب ليس سورياً لأن الإنسان يكره البلد الذي يظلم فيه، وأنا بصراحة لا أرغب أن يكون قرائي سوريين على الإطلاق،والدليل على ذلك كل المنابر الثقافية التي انشر فيها أبحاثي ومؤلفاتي في السنوات الأخيرة عربية،وليست سورية. فكيف أنتمي إلى بلد لم ينصرني، وأترك تلك الأوطان التي أغدقت علي بفضلها .. تلك الأوطان التي أكرمتني وأحبتني وقدرت نتاجي النقدي حق قدره.. فكيف لا أنتمي إلى بلدي الأردن وقد نشرت لي ثلاثة كتب على نفقتها، ومازالت تطلب المزيد، وكيف لا أحب تونس، وقد نشرت لي كتابين، وكيف لا أحب المغرب وستنشر لي كتاباً،وكيف لا أحب السعودية وقد نشرت لي أبحاثاً عديدة هي والإمارات، والكويت، وعمان، والبحرين،.. هؤلاء هم أهلي، وهم أوطاني الآن، فكيف أكون سورياً، وظلامي الذين شربوا من دماء حلمي حتى الثمالى،مازالوا يتربعون على عروش مناصبهم، ويترقون درجة تلوى أخرى.. وأسفاً على وطن لا ينصف مظلوميه من ظالميهم، وطني الحقيقي هو من يقدرني ويحبني ويرعاني لأكبر معه ويكبر معي. ولهذا، أنا أفتخر بعروبيتي،وإنسانيتي وليس بسوريتي الظالمة. فكيف يفخر ابن بأب ظالم؟!!، وأم ظالمة، هكذا سورية بالنسبة لي، وستبقى إلى أن تأخذ حقي من أولئك الظالمين..وتزيقهم المرارة والخزي كما جرعوني إياها في مرحلة من المراحل.
أما جوهر سؤالك فلا يعنيني أني تجاوزتهم أم لا؟ ولا يهمني هذا الأمر، ولا أفكر به إطلاقاً .. أنا أكتب للنقد العربي، وليس للنقد السوري . أنا لا أعترف في المحلية على الإطلاق، ولا أركن إليها، ولا أقف عندها،فصلاح فضل عربي.. وليس مصرياً، ومحمد صابر عبيد عربي، وليس عراقياً، انتماء النقاد للإبداع وليس للمحلية،وأنا قلت مراراً وتكراراً: الناقد الحقيقي يبصم بصمته الخاصة، ويسد ثغرة ما لا يسدها غيره على الإطلاق، ولا يهمني إن كنت الناقد الأول عربياً، أو كنت الناقد الأخير ما يهمني أن أبقى مع أدواتي النقدية أجدد فيها وأشحذها كل يوم عسى أن أظفر بصيد جديد،ورأي سديد في قضية من القضايا النقدية، وكما أشرت من سابق: ليس لدي من طموح سوى أن أعيش مع أدواتي النقدية أحفر في هذه التجربة أو تلك عسى أن أظفر بالدرة أو الجوهرة الخبيئة بين الركام،لأقدمها إلى من هو أتعس مني لأزف له فرحة طالما اشتهيتها في زمني الماضي والحاضر والمستقبل.
3- كيف ترى النقد بين الحقيقة والمجاز؟ أين أنت منهما؟!!
النقد قوة خلاقة في الروح،تجري في شرايين القلب كجريان الدماء في الجسد،ويخطئ من يظن أن النقد يقف في المرتبة التالية بعد النتاج الإبداعي،النقد الحقيقي إبداع مركب أو إبداع متعدد المرجعيات، والرؤى، والطبقات، والنقد إن لم يكن إبداعياً ليس بنقد حقيقي،وأنا ضد النقد الانطباعي، لأني أعد هذا النقد لا مرجعياً، أو نقداً بلا ثوابت أو جذور،ومن لا جذر لا له بالتأكيد لا قيمة له.
4- ما موقفك الشخصي ممن ينتقدون كتبك ودراساتك ؟ .
أنا أحترم الناقد الموضوعي وأقدره ، وأعترف بجميله، وفضله إن كان مطلعاً يعي المسالة النقدية المطروحة،ويسبر أغوارها، فيكون شريكي في الإبداع،وصنوي في الفكر، وليس ندي كما قد يرى البعض،ولهذا لا أحترمه فحسب،وإنما أطأطأ رأسي احتراماً له واعترافاً بجميله، ولكن عندما يخوض هذا المخاض من يجهل في القضية المطروحة ،ولا يعي من أمرها شيئاَ،ويكون بعيداً في رؤاه عما أقصد أحزن على جهله، وأحزن على ضيق أفقه، أكثر بكثير مما أحزن منه ، ولهذا، لا أدقق في الانطباعات السطحية ،ولا التفت إليها،وأهتم وأفرح عندما أجد من يفوقني في رؤيته، ومنظوره، ويصوب رؤيتي، ويرشدني.. هذا هو القارئ الذي أحبه وأطلبه في كل ما أكتب.. عسى ولعلني أفد منه بمعلومة جديدة تمدني بطاقة إضافية أو طاقة مكبوتة في داخلي قد يفجرها هذا الناقد في قريحتي ،لتفيض من جديد.
5- هل ستسامح ظالميك أولئك الذين سلبوا حلمك؟ ونهشوا بأنيابهم جهدك يوماَ ما؟!!.
أنا قلت من سابق وأكرر: هؤلاء بالنسبة لي مهما تجبروا، وأسرفوا في ظلمي لا يزنون عندي ذبابة،لأن الأمر قضي وانتهى .. إنهم يعيشون على الرماد.. وإن الالتفات إليهم للحظة يؤخرني سنوات، إنهم مجرد دمى متحجرة عمياء.. وهذه الدمى ميتة القلب، والشعور. فكيف تسامح من لا يملك قلباُ أو شعوراً.. إنهم أموات عندما أسرفوا في التشهير،وأسرفوا في التلفيق والتزوير والظلم.. والدليل القاطع على ذلك أن نيران حقدهم أكلتهم ولم يبق منهم إلا الرماد. وحتى رمادهم لن أسامحه وأتمنى أن أدوسه بقدمي.
6- هل تعتقد أنك قدمت للنقد السوري أو العربي ما هو مهم وضروري واستثنائي؟
أنا قلت لك – يا أختاه- وأكرر ليس على سبيل الكبرياء والنرجسية وقنزعة الأنا- لو اجتمع كل نقاد الأرض يمجدون ما أكتب لن يفرحني ذلك كثيراً ،ولن يزيدني كبرياء وعظمة، ولا حتى نشوة وسروراً، ولو حدث العكس لن ينقصني رأيهم قوة وجسارة وثقة فيما أكتب؛ لأني لا أكتب لمجد،ولا لشهرة، ولا لحظوة عند امرأة أو حبيبة، أو عند دولة، أو مؤسسة إعلامية.. إن هذه الأمور الساذجة شخنا – يا أختاه- عليها ،وما عادت تروقنا. أنا أكتب لله، وللوجود، وللإنسان، ولدافع ضغط الموهبة التي تفتقت بداخلي يوماً من الأيام، ويا ليتها لم تتفتق.. وهذا ما يعرفه كل من عاشرني وخالطني خاصة بعد عام(2007)، والكثير من الاتصالات باركت جسارة طرحي في كتابي الموسوم ب (فضاءات جمالية في شعر حميد سعيد) لكن هذا الإطراءات لم تغير فيَّ شيئاً،فانا ما زلت أبحث عن عمل جديد، وبإحساس أكثر تواضعاً، وأكثر مسؤولية،وهذا ما أكدته الآن في كتابي (الفكر الجمالي عند شعراء الحداثة) الذي آمل أن ينشر عام 2017.
7- هل تختار قارئك أو الناقد الحصيف لكتبك النقدية؟! ومن تفضل أن يقرأ نقدك؟!!
أنا أحترم كل من يقرأ كتبي،وأعده توأم روحي سواء أكان قارئاً عادياً أم قارئاً أكاديمياً، وأرى أن مجرد الالتفات لي ولو بقراءة كلمة، أو جملة في كتبي هو بمثابة إكرام لما أكتب، وأنا أقدر كل من أشار إلى كتبي بملحوظات سلبية أم إيجابية، وأنا أعتز بالملحوظات التي قدمها الناقد إبراهيم خليل على كتابي:(فضاءات جمالية في شعر حميد سعيد)،وهي رغم إجحافها وقسوتها للكثير من القيم الجمالية إلا أنها دفعتني إلى المشاركة بهذا الكتاب لجائزة أهم كتاب نقدي صدر عربياً، وأنا مرفوع الرأس، بدافع التحدي فيما اكتب وثقتي بالمستوى النقدي الذي وصل إليه، وأعتقد أنه سيجد من ينصفه في المستقبل القريب أو البعيد.
ما رأيك في النص المبدع الحقيقي وهل يستقطب النص المبدع الحقيقي الناقد الحقيقي ومتى تتكامل هذه العلاقة وتحقق ثمرتها في نظرية التلقي الجمالي من منظورك؟!
لاشك في أن علاقة النص بالمتلقي من العلاقات المهمة التي طرحتها النظريات الأدبية والنقدية الحديثة على خارطة التداول النقدي في أكثر من محفل أو مؤتمر؛وهذه العلاقة،مرجعها الكثير من المتحمسين إلى سلطة النص، أو سلطة القارئ أو المتلقي؛ فكثير من المبدعين يتحمسون إلى النص بوصفه المدونة الأولى أو القطب الأول في نظرية التلقي، وإذا انعدم الأول فقد الآخر قيمته وأهميته، في حين أن البعض الآخر يتحمسون إلى المتلقي، لأن الرسالة الإبداعية موجهة إليه،ولولا وجوده وفاعليته لفقدت المدونة الإبداعية قيمتها؛ فهو الذي يحييها ويهبها الحياة من جديد؛ ومن هنا؛ اختلفت المنظورات وتعددت، بين مؤيد للنص وقيمته وسلطته المطلقة،وبين متحمس للقارئ أو المتلقي الذي تنعقد عليه الآمال في فك شفيرات النص؛ وعلاماته، وبؤره الدلالية؛ ليبث فيه نبض الحياة من جديد،ومن المعلوم أن الكثير من النظريات، والآراء الغريبة وقفت على قضية انفصال النص عن منتجه ومؤلفه بما أسموه(موت المؤلف)؛ للإعلاء من سلطة النص فوق قارئه ومبدعه في آن؛ وهذا يعني أن الكثير من الدراسات اتجهت إلى الشق الأول،والكثير من الدراسات اتجهت صوب الشق الثاني؛ ومازال الحماس يذهب إلى كلا الجانبين؛ لكن ما نود إضافته في هذه الرقعة القرائية أن للنص سلطته من جهة مدونته الإبداعية؛ أو وثيقته الإبداعية التي تمثل الطرف الأول في جمالية التلقي، إذا ما أهملنا المبدع أو المنتج، في حين يمكن اعتباره الطرف الثاني إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المؤلف، ليأتي المتلقي الطرف الأخير بعد الأول والثاني؛ لكن ما يهمنا نحن أيهما يملك السلطة الأقوى في هذه النظرية أو العامل المستقطب لبقية الأطراف، وهنا نقف على نقط مفصلية في نظرية التلقي نجملها في المفاصل الرؤيوية الحساسة؛وفق ما يلي:
فاعلية النص من فاعلية المتلقي:
ما من شك في أن فاعلية النص ترتقي بفاعلية المتلقي بصيرورة إبداعية كل منهما يؤثر في الآخر؛ وكل منهما يرتقي بارتقاء سوية الآخر؛وهذا يعني أن النص بارتقاء قارئه يرتقي إبداعياً؛ ويسمو فوق قدراته أحياناً؛ وهذا الارتقاء ناتج تفاعل إبداعي خلاق أو مؤثر بين النص والقارئ؛ وبمقدار حساسية هذه العلاقة التفاعلية بين النص وقارئه، تزداد درجة أسهم النص الفنية أو طاقته الإبداعية الخلاقة. ولا نبالغ في قولنا: يرتقي النص بفاعليتين متضافرتين أو قوتين خلاقتين لا غنى لإحداهما عن الأخرى: (طاقة النص الإبداعية الخلاقة)، و(طاقة المتلقي وفاعليته) التي ترتقي بالنص ودرجة شعريته وفاعلية تلقيه الإبداعي؛ ولهذا؛ فإن جاءت مقولتنا النقدية:( تنبثق فاعلية النص من فاعلية تلقيه أومن فاعلية المتلقي في تلقي النص إبداعياً) صائبة أو تملك شرعيتها من خلال التجارب الإبداعية الكثيرة؛ فمعظم النصوص الإبداعية العظيمة لا تظهر جماليتها إلا من خلال فاعلية تلقيها؛ وهذه الفاعلية تزداد قوتها بفاعلية الطرفين ،وقوة الدافع الجمالي الساكنة في كليهما.
فاعلية المتلقي من فاعلية النص:
إنه لمن المسلم به في النظرية الأدبية الحديثة أن فاعلية المتلقي ترتقي بفاعلية النص؛ فكما أن فاعلية النص ترتقي بفاعلية المتلقي؛ فإن فاعلية المتلقي ترتقي بفاعلية النص؛ وهذه العلاقة التفاعلية لا يمكن إهمالها أو التقليل من شأنها في جمالية التلقي أو فاعلية التلقي؛ وهذا يعني أن ازدياد جمهور التلقي الجمالي للنص الإبداعي يرتبط بفاعلية النص الإبداعية وقيمه الجمالية ،وبمقدار تنامي هذه القيم وازديادها بمقدار ما تزداد الشريحة المتلقية ويزداد غنى النص إبداعياً.
فاعلية النص وفاعلية المتلقي:
– يخطئ من يظن أن النص الإبداعي مكتفٍ بذاته، بعيداً عن متلقيه أو قارئه؛ ومهما سما النص الإبداعي فنياً وجمالياً، فإنه سيبقى منقوصاً من أهم عنصر في ثرائه وغناه ومحفزه الإبداعي؛ فالقارئ هو التربة الخصيبة أو هو ماء الحياة الذي يمنحه للنص ،ليستمر ضد التقادم الزمني؛ أو التصحر الوجودي ،ولا قيمة لأي نص إبداعي مهمل مهما بلغ من الإثارة والدهشة الإبداعية ، ليبدو النص كتمثال جمالي لا نبض فيه ولا حياة.
– وقد يتساءل القارئ ألا يمكن أن يخلد النص الإبداعي بقوته الإبداعية ولاشيء سواها بعيداً عن قوة القارئ وفاعليته؟!!
– نقول: إن خلود النص بقوته الإبداعية الجامحة لا يمكن أن تتجذر وتثبت بعيداً عن دائرة التلقي الجمالي، لأن النص الإبداعي الحقيقي لا يثبت ولا يترسخ إلا في الوسط الثقافي والبيئي الذي أنتجه؛ وهذا الوسط مهما كان ضحلاً فإنه يؤثر في فاعلية المنتج الإبداعي ويرتقي به؛ومن هنا ، لا يسمو النص ويرتقي بعيداً عن وسطه الذي أنتجه إلا بالمتلقي الخلاق الذي ينقل النص من مستواه البيئي أو الثقافي الضحل إلى مستويات سامقة في التميز، والإثارة، والإبداع؛ولا يمكن لأي نص إبداعي أن يتجاوز إطاره الزمني إلا بالتلقي الفاعل الذي يحقق أقصى فاعلية في نقل النص إلى زمن جديد ووسط إبداعي أرقى من وسطه الذي أنتجه؛ ولذلك تبقى مسألة التلقي الجمالي من المسائل المهمة في نظرية الأدب التي اشتغلت على الأطراف الثلاثة في فاعلية التلقي هي:[(النص)و(المبدع)و(المتلقي)]؛ولكل طرف من هذه الأطراف قيمته،وتأثيره في الطرف الآخر لدرجة لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر؛ وإن حاولت بعض النظريات النقدية التقليل من شأن أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر ؛ فإنه يبقى لهذا الثالوث قدسيته في النظرية الأدبية الحديثة.
– وصفوة القول:إن قيمة النص لا تنفصل عن قيمة المبدع (خالق النص الأول والمنتج الشرعي له)،والمتلقي الذي يفكك النص وينفث فيه روح الحياة من جديد؛وهذا يعني أن للنص طاقة ما ،وسلطة جزئية محدودة في ذاته لا يتعداها إلا بالقارئ الذي يمنحه هذه القوة، والثبات، والتطور، والنمو والازدهار؛وبهذا؛ تتنامى فاعلية النص بتنامي العلاقات الرابطة بين (المبدع والنص) من جهة،و(النص والقارئ) من جهة ثانية، ولا يمكن أن يثبت النص كمدونة إبداعية خالدة أو وثيقة إبداعية مؤثرة إلا بتعاور هذه الأطراف الثلاثة في نظرية التلقي التي تأسست عليها المناهج الحديثة في نقل مدونتها المعرفية إلى عالمنا النقدي المعاصر.
7- ما مفهومك للحداثة المعاصرة وتياراتها الحديثة؟ كيف تقيم حركة الحداثة في عالمنا العربي المعاصر؟!!
– إن (الحداثة هي الحداثة في كل شيء)؛وما من حداثة دون تحديث؛ وما من تحديث دون فكر حداثوي متغير ومتطور؛ فالحداثة هو المفهوم الذي يتوالد ولا يشيخ ،ولهذا؛ يقول الكثير من المبدعين(الحداثة ) هي الفكر الحداثوي، والرؤية الحداثوية، والمنظور الجديد،وهذا الطرح الذي بحث فيه الكثير من نقادنا ومنظرينا لا يمكن استنفاد رؤاه ومدلولاته المتغايرة مع فجر كل يوم جديد، إنه المفهوم الرائج الذي لا يشيخ، وكما قلنا؛ من سابق ونؤكده الآن: إن هذا المفهوم هو الذي يتنامى ويتطور تدريجياً مع كل إفراز إبداعي جديد ،ويخطئ من يظن أنه حداثوي (مائة بالمائة)، لأن ما هو حداثوي الآن متقادم غداً، هكذا دوران الحداثة كما دورة الحياة؛ والمبدع الخلاق هو الذي يتطور في شكله الإبداعي،ومنظوره الرؤيوي المتجدد، ولا يتوقف على رؤية، أو شكل ، أو مستوى ، فالإبداع بمقدار ما يتجدد بمقدار ما يتقادم وهذا الصراع الدائب بين التقادم والحداثة مستمر في أبجدية الإبداع ما استمرت الحياة، ولعل المدقق لهذه الحركة من بدايتها يلحظ أن الكثير الكثير من مبدعينا ونقادنا العرب المعاصرين فهموا الحداثة فهماً مغلوطاً أو مشوباً بالغموض ،فخلطوا الأوراق ،وضاعت الحدود ،وتداخلت الرؤى، والأفكار، والمنظورات، فأصبح الذي يتحدث عن الحداثة أكثر جهلاً ممن لا يعي منها شيئاً، وأصبح كل من يخوض في الحداثة متقادماً لأن ما يصل إليه اليوم سيذهب أدراج الرياح في الغد، لأن إفرازات الحداثة متغيرة، ومتطورة ؛إنها كل يوم تؤذن بجديد، وتبشر برؤى جديدة،ولهذا لن تتوقف الحداثة على تيار أدبي أو جيل أدبي، إنها تنفتح على مختلف الأجيال، وكل المستجدات الإبداعية، ولهذا، تتنامى هذه الحركة بالتوازي مع تنامي الفكر الإبداعي أو الثقافي؛وللوقوف على بعض المقترحات والرؤى والمنظورات التي تبنتها حركة الحداثة سنقف على بعض من هذه المنظورات التي تنبتها حركة الحداثة في تاريخها الطويل، وهي:
1- الحداثة شكلاً أم معنىً:
لقد ظلت مسألة الحداثة شكلاً أم معنى من المسائل الجدلية الشائكة عند جمهرة النقاد حول مشروعية هذا الطرح والتداول النقدي ( الحداثة/ شكلاً أم معنى؟!!)؛ ،وهذه المسألة شغلت الكثير من النقاد العرب المعاصرين، لاسيما أولئك النقاد المعاصرين الذين ظنوا الحداثة في الشكل دون المعنى، أو المعنى دون الشكل،وهذه المسألة بالغة الأهمية في تراثنا النقدي المعاصر؛ فالكثير من النقاد فهموا الحداثة في الشكل، وروَّجوا للكثير من الكتابات الإبداعية في إثبات ذلك، ومن أبرز أولئك،شكري عياد، وكمال أبو ديب وغيرهم ،ومنهم من ظنوا الحداثة في المعنى، واعتبروا أن الحداثة في شرارات المعاني وإشعاعاتها المتوالدة على الدوام، وهؤلاء احتفو ا بالمعاني أكثر من احتفائهم بالشكل ،فضحوا في شكل الإبداع ،فبدا الشكل ضحضاحاً لا نبض فيه ولاحياة،وقضوا على روح الحداثة من الصميم؛ونشير إلى أن هذا الفصل بين الشكل والمعنى قضى على سمة الإبداع الحقيقية التي تنطلق من جوهر الرؤية، منبعثة إلى السطح اللغوي جمالاً وغنجاً وتفاعلاً واندماجاً لدرجة لا انفصال فيما بينهما؛ وهذا القول يدعونا للتأكيد: إن جوهر الحداثة ماثلة في الشكل والمضمون فلا يمكن للنص الشعري أن يكون حداثياً في الشكل ضحلاً في المضمون ، ولا يمكن أن يكون حداثياً في المضمون رثاً تقليدياً في الشكل .. إن الحداثة هي تلاحم الشكل مع المضمون،والمضمون مع الشكل لدرجة التكامل والالتحام والانصهار التام في كينونته النصية ،ولذلك لا حداثة في الشكل بمعزل عن المضمون ولا حداثة في المضمون بمعزل عن الشكل، فالكل في تلاحم وتضافر وتآلف وانسجام، وهذا يؤكد مقولتنا النقدية من سابق الحداثة في الوحدة والتفاعل والانسجام والتضافر التام الذي لا انفصال فيما بينها على مستوى الشكل والمضمون ومن يفصل بينهما في القيمة والدرجة لا يفقه الإبداع ولا الحقيقة الإبداعية.
2- الحداثة رؤية أم رؤيا؟!!:
الحداثة هي ناتج رؤيوي موقظ إبداعياً،ولا حداثة بلا أحلام ورؤى ،وهذا يعني أن الحداثة ليست رؤية ،وإنما رؤيا موقظة منتجة محولة متغيرة، ولأنها كذلك فلا قيمة للإبداع بمعزل عن رؤيا حداثوية خلاقة منتجة للتغيرات، مشبعة برغبات الخيال ،وتطلعات الفكر،وكما يقال: المبدع الخلاق هو من يحلق في رؤياه ،ويولد ما يشبه المستحيل ، أي هو الذي لا ينتج الفكر فحسب ،وإنما ينتج الحس الجمالي، والفني في الأشياء.. إن الحداثة ، إذن، ماثلة في هذا التكامل بين (التجريد/ والتجسيد)، بين (المدرك /و اللامدرك)، بين (الخيالي/ والواقعي)، ومن أجل أن تتكامل الرؤى، والمنظورات بحداثويتها المتكاملة لابد من تخليق الآفاق الرؤيوية الخصبة من خلال التداخل بين ما هو بصري، وما هو خيالي ،ولهذا ، فالحداثة في ثوبها الإبداعي نشاط محموم بين الحس والخيال، بين الواقع والمجرد،وبهذا؛ تنصهر القيم الفنية في بوتقة واحدة، ومحك واحد هو الإبداع ذاته، ولاشيء سوى الإبداع، ولهذا لا يمكن فصل الواقع عن الخيال في العمل الفني، فالواقع قد يصح خيالاً والخيال قد يصح واقعاً،ولهذا يخطئ من يظن الحداثة في ركوب المتخيلات الماورائية البعيدة، أو في إبراز المحسوسات في قالب بصري، الحداثة هي غنى معرفي متطور ينصهر فيه الحسي بالخيالي،والخيالي بالحسي بتفاعل، وانسجام، وتضافر لا انفصام بينهما، وهذا ما يجعل الحداثة هي النافذة المشرعة على أفق الانفتاح على ما هو مجرد وما هو مجسد،ومن خلال فواعلهما ترتقي حداثوية النص،وترتقي رؤيته المتجددة وتجذره الإبداعي المتطور.
3- الحداثة ليست في المعاصرة:
يخطئ من يظن أن الحداثة معاصرة، الحداثة ليست في المعاصرة ،وإنما في جذر الحداثة ذاتها،
فأي حديث عن المعاصرة لا يقتضي الحداثة ،ما هو حداثي يبقى في حقل الحداثة سواء في معاصرته لعوالمنا؛ أو في تجاوزه لهذا العالم الذي نعيشه ، أو تخلفه عنا، فالحداثة ليست زينة توشى بها النصوص الإبداعية ، إنها قيمة نتجية تنبع من صميم المنتج الفني، وليست منفصلة عنه أو مسقطة عليه من الخارج، إنها هذا الحراك المتنامي المستمر الذي لا ينقطع ولا ينفصل عن روح الحداثة من الصميم. ولهذا يخطئ من يظن أن المعاصرة حداثة، أو أولئك الذين يقيسون الحداثة بالمعاصرة، فالحداثة قيمة لا تُعطَى ولا تُوهَب بالمجان ، إنها كائنة في روح المنتج الإبداعي من الداخل، ولهذا يمكن القول: الحداثة جوهر، فكما لا ينفصل الجوهر عن نبض الكائن، وروحه فكذلك لا تنفصل الحداثة عن صميم النص، وجوهره الإبداعي، وهذا ما يجعل الحداثة قيمة ليست متغيرة في النص، فهي راسخة فيه لا تنفصل عنه مدى الحياة، ولهذا لا يمكن اكتساب هذه القيمة من نص آخر، لأنه قيمة ثابتة فيه غير مكتسبة على الإطلاق،ومن يفعل ذلك يكون كمن يحاول أن يهب رأساً لجسد ميت ليحيا فيموت الاثنان.
4- الحداثة انفتاح (على الماضي، والحاضر، واستشراف للمستقبل)
يخطئ من يظن الحداثة انقطاع عن التراث، أوانفصال عنه، ويخطئ كل من يظن أن التراث لا يمكن تحديثه أو ينفي صفة الحداثوية عنه، فالتراث حداثة راكدة، أو جامدة، فهي ليست رهينة بالتخلف والجمود دائماً على نحو ما ذهب إلى ذلك الكثير من النقاد، ولهذا، نقول الحداثة هي لبنة الانفتاح على التراث، والاغتناء به، ولا يمكن أن تتجذر الحداثة على الفراغ ،ولا يمكن اعتبار الحداثة انقطاعاً تاماً عن الماضي والتراث؛ فالتراث كان ومازال رافداً للتغيرات الحداثوية في الفكر الإنساني، وهذا يعني أن الحداثة هي انفتاح على الماضي،والحاضر،واستشراف للمستقبل، والنص الحداثي نص مفتوح في قيمه ورؤاه وعوالمه الوجودية، فهو يتفاعل مع التراث ويتجاوزه،ويتفاعل مع الحاضر،ويتجاوزه،ويستشرف المستقبل ،ويخلد فيه، ولهذا، تبقى النصوص الحداثية في انفتاح دائم وتغاير مستمر في البنى، والرؤى، والمتغيرات،فلا يركن لزمان أو مكان محددين، وإن نشأ في زمان ومكان محددين، إنه تجاوز، وانفتاح، وارتقاء فوق القيم المألوفة والمعتادة في القول. ليحلق في فضاء الإبداع الحقيقي الذي يرتقي ولا يقف على مرحلة زمنية، أو رقعة مكانية ، وهذا دليل أن الكثير من النصوص المبدعة في القديم مازالت تثيرنا، وتنمي فينا اللذة، والاستثارة، والتأثير.
وصفوة القول: إن الحداثة هي حركة مستمرة متغايرة تبقى في انفتاح دائم ، وتواصل مستمر طالما مازالت المكتشفات الإبداعية قائمة وصيرورة الإبداع متغيرة،ومتطورة على خارطة الوجود الحضاري الفكري المتطور في عالمنا المعاصر.
8-هل وقفت عاجزاً أمام نص من النصوص؟ استعصى عليك كشفه نقدياً؟!!
الناقد الحقيقي هو القادر على ترويض أي نص مهما تعددت طبقاته، واختلفت رموزه، ومؤشراته الدلالية، وأهم إجراءات الترويض النصي الناجح امتلاك الأدوات النقدية المؤثرة، والفاعلة في اكتشاف النص، ومضمراته الخفية،وبتصورنا: إن الناقد الحقيقي يستطيع ترويض كل النصوص بسهولة ويسر خاصة إذا امتلك الرؤية النقدية الوهاجة، والخبرة المعرفية والجمالية المؤثرة،ولا أبالغ في قولي: لم يقف أي نص في وجهي ،ولا أدع نصاً يتغلب علي لدرجة يشكل كل نص أمامي أدرسه أو أحلله، تحدياً أو استفزازاً من نوع ما، لفك جموحه،وإن بدا النص معقداُ، متعدد الرؤى، والطبقات الدلالية، وهذا الهاجس يرافقني دوماً لأكتب عن قصائد معقدة ،وقد أغرتني نصوص أدونيس، لأنها متعددة الرؤى، والدلالات، ولهذا، اشتغلت كتابين متواضعين عن هذا الشاعر هما ( أدونيس شاعر التجريد والاغتراب في الشعر العربي المعاصر)،و(تحولات الخطاب الشعري عند أدونيس بين (فلسفة الجزئيات/ وتجريد الكليات)،وسبب اشتغالي على نصوص هذا الشاعر جسارتها الرؤيوية، وصعوبة ترويضها، وتعدد طبقاتها الدلالية؛وبصراحة أقول: إنني أنفر من النصوص البسيطة، لئلا تعتاد أدواتي النقدية النصوص السهلة البسيطة، فتضعف مهارتي، وخبرتي النقدية، وقد تتحجر أدواتي عند حد معين فأسقط كما سقط غيري من النقاد وكانوا أبرع مني كشفاً، وأعمق رؤية ،لأنهم ركنوا إلى أدواتهم المعتادة، ونصوصهم ذات الطبقات السطحية العائمة ولم يتغوروا الأعماق،و يخوضوا في فضاءات النصوص القوية المتأبية على التنميط أو الترويض.
باختصار: إن قوة الناقد وجسارة أدواته هي الرائز في الحكم على قيمة المبدع، ومهارته في الكشف النصي. ولا يمكن أن تتحقق المعادلة النقدية الناجعة إلا وهي: براعة الكشف، ودقة الاستدلال إلا إذا خاض الناقد في النصوص الملغومة، أو النصوص المشبعة بالدلالات المحتدمة والمعاني المكثفة المتوالدة واللاملتقطة.
وصفوة القول الذي أريد الخلوص إليه” أن الناقد المبدع هو الذي لا يركن إلى نص ويهادنه، عليه أن يروض النص بمهارة أدواته، وقوة كشفه،ومتانة قدراته المعرفية،وهذا لن يتحقق بدون وعي معرفي، ومهارة إبداعية فائقة لا يستطيعها إلا القلائل من نقادنا العرب المعاصرين
وآمل أن أكون منهم. وبودي أن أكون ضمن دائرتهم.
9-لقد لاحظنا توجهاتك النقدية من المضمار الأسلوبي إلى الدراسات الجمالية؟!! ما سبب هذا الانجراف الكاسح صوب تلك الدراسات ونذكر منها دراساتك النقدية التالية:(رؤى جمالية في شعر عبد الكريم الناعم)و(فضاءات جمالية في شعر حميد سعيد)والآن كتابك(الفكر الجمالي عند شعراء الحداثة المعاصرين)و( علم الجمال النصي)و(ماهية الجمال في شعر نزار قباني) هلا وضعت القارئ في صلب هذا التوجه المخصوص بقوة صوب هذه الموضوعة البحثية التي استحوذت على عالمك النقدي في مرحلتك الراهنة الآن؟ّ!
أولاً- الجمال هو القطب المحوري الذي تدور حوله مختلف الأقطاب، وأنا أعد أن أية ظاهرة أسلوبية لا تشكل قيمة جمالية، أو تحقق قيمة فنية لا أهمية في وجودها، وتكون عبئاً على النص لا مظهراً من مظاهر جماليته، ولهذا أقول: إن بحثي المتواصل في المتغيرات الأسلوبية قادني إلى الينبوع أو المصب النهائي الذي هو الجمال أو الإفرازات الجمالية التي تحققها البنى الأسلوبية في المضمار النصي.
ثانياُ-أنا أرى أن الأسلوبية يجب أن تكون من أهم مكتشفاتها البحث عن المحفزات الجمالية النصية،وأرى أن من مهام الأسلوبية أن تحرك المحفزات أو القوى الجمالية الكامنة في النص الشعري، فلا قيمة لأي متغير أسلوبي إن لم يحقق قيمة جمالية، ولذلك أعد فن الشعر تحديداً فن المتغيرات أو المتحولات النصية المحمومة التي لا تقف عند حد معين، أو تعتمد مظهراً أسلوبياً محدداً، إن كل ما يحقق تحولاً قيمياً في الأسلوب،سواء في ارتفاع قوة الدافع الجمالي، أم انخفاضه هو ديدان كشف الباحث الأسلوبي، وطبيعي أن تتجه الأساليب رغم اختلافها وتنوعها إلى المصب النهائي لتنهل منه معينها الخالد ألا وهو الجمال،وكل متغير أسلوبي لا يصب في هذا المصب لا يدخل نطاق الشعرية.
وأنا في دراساتي النقدية أبحث في كل ما يثير الشعرية من قيم جمالية تصب في هذا الجانب أو ذاك،لأن إيماني المطلق بأهمية هذا الجانب، كإيماني بأهمية الإبداع ذاته، ومصدر جماليته، وجاذبيته الإبداعية،ولهذا، توجهت دراساتي الأسلوبية مؤخراً إلى ما يحقق جوهر القيمة الشعرية ألا وهو الجانب الجمالي الذي اعتبره القطب المحرقي للإبداع كله، ومركز ثقله الفني.
10-ما هو منظورك للمشهد النقدي المعاصر في ظل التغيرات الوجودية والإبداعية التي تشهدها بلادنا العربية ، على المستوى المعرفي والإبداعي؟ وكيف تقيم الحركة النقدية محلياً وعربياً؟!!
سبق أن حدثتك في حواري السابق أن النقد السوري يعيش في أزمة، لأنه لا يملك البديل، ولا أحد يسد الثغرات، فرحيل خليل الموسى عن عالمنا النقدي ترك فجوة وفراغاً لا يستطيع غيره أن يسده، أو يردم هوة هذا الفراغ الذي خلفه رحيله إلا الموسى نفسه،وهكذا دواليك على نعيم اليافي، من النقاد،وبدوي الجبل، محمد الماغوط وآخرين وقد قلت في أكثر من محفل ثقافي إننا في سورية نعيش الشللية واقعاُ مفروضاً شئنا أم أبينا لا نبني النقاد المبدعين، ولا نؤسس لولادتهم ، خاصة السلك الجامعي الذي يئن تحت سطوة أسماء قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويكفي ما دمره المجرمون سعد الدين كليب، وأحمد محمد قدور، وأحمد محمد ويس من الكفاءات والمواهب ما يندى الجبين حياء وخزياً وعاراً، ويكوي القلب كمداً، وحزناً؛ إن أمثال هؤلاء دنسوا الوجود وشوهوا الحياة، وباتوا عبئاً على الثقافة، والأدهى والأمر من هذا وذاك أن الوسائل الإعلامية ترفع أنصاف المواهب في مختلف المجالات،وتخرب المواهب الحقيقية،وبدوام الحال على ما هو عليه نخسر الرهان، ونبقى في الميدان منعزلين إبداعياُ وثقافياً نلوك التخلف والخذلان،..للأسف- وبحرقة أقول- هكذا حال نقدنا ونقادنا.. وحال إبداعنا في جل مراحله كذلك.
11-كيف تنظر إلى المبدعين،وما هو منظورك للمبدع المؤثر ناقداً أم شاعراً؟!!
المبدعون كواكب مشرقة في تطور المجتمعات، وزهو حضارتها، ورقيها الثقافي، وزادها الفكري في النمو، والتطور، والازدهار، وأنا أحزن لرحيل كل ناقد، أو أديب عن عالمنا ،لأن الفراغ الذي تركه لا يسده غيره، وأفرح كثيراً عندما يولد شاعر مهم أو مؤثر،وهذا ما احتفيت به في كتابي الموسوم ب(المحفزات الجمالية في شعر تميم البرغوثي)،وهو شاعر فلسطيني شاب موهوب شعرياً وإبداعياً،ولهذا، شرفني بتأليف كتابي النقدي المتواضع عن تجربته، الذي طبع في دار الصفحات دمشق،2012.وكما أحتفي بالشعراء أُسَرُّ وأبتهج عندما أجد من الناقدات والنقاد الشباب ما يملكون ناصية الإبداع، والموهبة الخلاقة،ويشرفني ذكر الأسماء النقدية الشابة، وأشيد بمهارتهم،وتندى شفاهي بذكرهم: خلود ترمانيني، وهايل الطالب ،ومحمود الضبع،وأحمد طعمة الحلبي،وقصي حسين، وغيرهم كثير من نقادنا الشباب،وأعتز بتجارب النقاد المؤثرين المهمة التالية أسماؤهم:[ محمد العبد، وغسان غنيم، وفايز الداية،ومحمد لطفي اليوسفي- وبشرى البستاني- ومحمد صابر عبيد- وصلاح فضل – وعبد الملك مرتاض- و أخص بالذكر(عز الدين إسماعيل وخليل موسى رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته)]؛ ولهذا أعتبر أن ولادة ناقد أو مبدع حقيقي مكسباً حقيقياً للثقافة العربية، وقد سبق أن أشرت في دراسات نقدية سابقة أن المبدع الحقيقي هو الذي يخوض في قضايا نقدية جديدة،وينأى عن القضايا المكررة أو المستعادة،وأفخر بما أنجزته في هذا الجانب من إثراء في كتابي النقدي الموسوم ب(الاغتراب في الشعر العربي المعاصر)من تناولي لبعض الأشكال الاغترابية الجديدة، التي لم تنلها أقلام نقادنا ودارسينا كالاغتراب اللغوي والفني والجمالي والأسلوبي، ونأيت عن الاغتراب الفكري أو الاغتراب الزماني والمكاني، نظراً لاجتراحهما الزائد من قبل نقادنا الأكارم. وبهذا أحاول دائماً أن أطرق أبواباً جديدة، وأفتح نوافذ جديدة لمواضيع بكر.. آمل أن يسعفني العمر، وتهبني الحياة بعض طاقتها لأنجز ما بدأت،وأعمل لما حلمت.
12- ما هو منظورك للجمال خاصة (علم الجمال النصي)، فلسفياً وإبداعياً خاصة قد أنجزت كتاباً مهماً في هذا المجال؟!!!
إن الجمال النصي يتبع الشكل الجمالي، والمضمون الرؤيوي الخلاق؛ولهذا، تزخر بعض النصوص الإبداعية بطاقة خلاقة، تنعكس على وهج استعاراتها، وصورها،وإيقاعها الرؤيوي المثير في توجيه الرؤى،واكتنازها بمضمونها الجمالي،ومن هنا، فإن القارئ الجمالي للنصوص الإبداعية هو الذي يحقق قيمها الجمالية،ويكتشف محفزاتها الإبداعية المستكنة في كل عبارة، أو جملة، أو تركيب، ويخطئ من يظن أن الجمال مجرد شكل فني، أو قالب لغوي جذاب؛ إنه كلٌّ متحرك يجري كما يجري الدماء في الجسد،ومن أبرز مقومات أو محفزات التفعيل النصي الجمالي،ما يلي:
1-الرؤية الخلاقة:
لاشك في أن قيمة المنتج الفني الشعري الجذاب، تكمن في رؤيته الخلاقة التي تهب المعنى توهجه، وألقه الجذاب،والنص – في المحصلة- كلٌّ متفاعل، مظهراً لغوياً، ورؤية خلاقة،وهذه الرؤية لا تتشكل بمعزل عن شعرية المنظور،وحساسية الرؤية،وقوة تفعيلها للبنى الدالة المحركة للمتن النصي.
وبتقديرنا: إن قيمة أية بنية فنية -في النص- تتشكل من تضافرها وتفاعلها الخلاق مع فاعلية البنى النصية الأخرى المحركة لبقية الأنساق النصية، بقوة اقتضائية بلاغية تؤسس حركتها على كل ما يولد في النص لذة جمالية مقتنصة من هذا الشكل النسقي الجذاب أو ذاك، ولاغرو إزاء هذا التفاعل، والانسجام، والحراك النصي أن نلحظ تفاعل البنى، وتضافرها،لتشكيل قوة فنية نابعة من إحساس جمالي، وحراك شعوري متواشج مع المظهر اللغوي في بثه لهذه الرؤية الخلاقة التي تؤكد بصمة النص الإبداعية التي لا يرتقيها النص الآخر،دهشة، وقوة، وإزاحة بلاغة فنية، وهذا التميز في التشكيل النصي هو الذي ينماز فيه المبدع من سواه، أو يتميز في تخليقه إبداعياً عن غيره من النصوص ،فكما أن أبناء البشر متفاوتون في الفكر، والأداء، والذكاء، والقيم، والبصمات الشخصية، فإن النصوص الإبداعية كذلك متفاوتة في قيمها، ورؤاها، ومحركاتها، ومضمراتها النصية،وهذا ما يجعل لكل نص شعري قيمة ما تميزه عن غيره، وتؤكد جدارته، وقيمته الإبداعية. وهذه القيمة غالباً ما تكون مرتكزة على بلاغة الرؤية ، أو بلاغة المحفزات النصية الخلاقة المنتجة التي تنتجها النصوص الإبداعية وتنماز بها عما سواها.
2-الجاذبية اللغوية:
إن لكل نص شعري قيمه الجمالية، وفاعليته الرؤيوية الخلاقة، التي تعود إلى شكل اللغة، ومظهرها الفني الجذاب، أو لنقل: جسدها اللغوي المميز، فكم من النصوص الإبداعية لا يتجلى إبداعها و مكمن جوهرها الإبداعي إلا عبر جسدها اللغوي الخلاق، ومنتوجها الإيحائي المثمر،ولا نبالغ في قولنا: إن الكم الغفير من نصوصنا الحداثية ما يشفع لها على الصعيد الفني والجمالي ارتقاؤها اللغوي، ومظهرها الشاعري الخلاق،الذي يثير الحركة الجمالية، ويبتعث إيقاعها الفني المتوهج، وهذا القول يصلنا إلى حقيقة جوهرية جد مهمة هي: إن الإمتاع اللغوي جزء رئيس لا ينفصل عن جوهر البناء النصي ،بل إن قيمة البناء تعود للزخرفة اللغوية، والحنكة في تظليل الكلمات إيحائياً، لتسمو بشكل إبداعها، ولهذا، أكد الكثير من مبدعينا ونقادنا ضرورة الالتزام بتطوير المنهل اللغوي في قصائدهم، لترتقي تجاربهم، وتسمو إبداعياً، فالنص الذي يمتاح من منهل واحد سرعان ما يذبل، وتضمحل قنواته الواصلة إلى نبع الحياة، وجوهر الفن؛ فالتنوع اللغوي، وتطوير الحقول الدلالية، يتطلب انفتاحاً واسعاً على ثقافات عديدة، ولغات متعددة،وهذا ما يجعل المبدعين ينمازون في شكل إبداعهم، من مرحلة إلى أخرى، بل من قصيدة لقصيدة ،ومن مضمون نصي لآخر، وكم من النصوص الإبداعية لم يكن المحرك الإبداعي لها في تحقيق شعريتها إلا شكلها اللغوي، وحساسية الرؤية،وقيمة الفكر الجمالي في تطوير مثيرها الجمالي وتلقيها النصي الفعال.
3- قوة المحركات النصية الجمالية الفاعلة:
إن لكل نص شعري مؤثر إبداعياً قوى خلاقة في تناميه الجمالي،وهذه القوى هي بمثابة المحركات النصية الجمالية المحركة لمحمولاتها الدلالية، وبتصورنا: إن قيمتها تزداد بمتحولاتها النصية،التي ترتقي من محمول دلالي إلى آخر،ومحمول نصي إلى محمول نصي آخر أكثر غنى، وفاعلية، ومدلولية نصية من المحمول النصي الأول؛ ومن هنا،فإن قيمة الفواعل الدلالية مرتبطة بطاقة الفواعل النصية الأخرى،وطبيعة العلائق والفواعل الدالة في مجريات الرؤى والأحداث التي تثيرها القصيدة، ووفق هذا التصور،فإن كل قيمة دلالية لا ترتقي إلا بمحمولاتها النصية المرتبطة بها، برابط اقتضائي،فني فاعل، إما بمقضى لغوي صرفي فاعل، أو بمقتضى لغوي بصري محرك للشعرية، أو بمقتضى نصي علائقي نحوي فاعل، أومقتضى علائقي محرك للروابط العلائقية الأخرى، أو بمقتضى دلالي رابط لحركة الأنساق ،ومن مجموع فواعل هذه المقتضيات تنماز البنى النصية،وترتقي الرؤى الشعرية.
وبتصورنا: إن المحركات النصية الجمالية هي بنى فاعلة في تلوين الأنساق،واستخلاص محركاتها النصية، التي تثير الرؤية الشعرية، ومدلولاتها المراوغة. ولعلنا لا نبارح الحقيقة الشعرية إذا قلنا: إن الفواعل النصية الجمالية المحركة للبنى النصية الفاعلة ترتبط بقوة الأنساق اللغوية ومحركاتها البؤرية المنشطة للشعرية، والباعثة على تحريك الدلالات،وإبراز ملمحها الجمالي، ولهذا، لا قيمة لمثل هذه المحركات إن لم ترتبط بالرؤية النصية، ومنبع ثقل البؤر الدلالية الأخرى،وبناءً على هذا ، فإن المنتوجات النصية ترتقي بفاعلية مثيرها الدلالي، ومحركها النصي الفاعل ضمن بنائها الكلي.
وهذا يعني – بالتأكيد- أن شعرية المحركات النصية في القصيدة ترتقي بسوية توجهاتها الرؤيوية واقتضائها النصي المراوغ، ولهذا، فعلم الجمال النصي يختلف من نص لآخر،ومن مدلول بؤري محرك للشعرية، والباعث على إنتاجها البؤري الفاعل في البنى داخل نصية لا البنى الخارج نصية المسقطة من القارئ على النص. ومن هذا المنطلق، تعد، قوة المحركات النصية الفاعلة من مؤسسات شعرية النص، والركائز المحورية في تأسيس ما أسميناه( علم الجمال النصي).
4- فاعلية البنى الدالة ، وقوة اقتضائها الجمالي:
إن لكل نص مؤثر فنياً بنى دالة في قوة اقتضائها الجمالي، وهذا يعني أن فواعل النص الإبداعي الخلاق المؤثر فواعل محركة ببنى واقتضاءات جمالية مؤثرة،لا تركن إلى شكل ثابت، أو رؤية مقننة،وهذا يعني أن فواعل البنى الدالة في قوة اقتضائها، وتناغمها في خلق رؤية نصية متكاملة؛ ترتقي بمحفزاتها النصية، ومحركاتها الجمالية،تبعاً لقوة المقتضى، وتفعيله لمقتضاه الفني،ووفق هذا التصور، فإن فاعلية البنى اللغوية الدالة تتأسس على فواعل مقتضياتها، ومحركاتها الجمالية، وهذا ما يضمن لها قوة التأثير،والحراك المضموني الجمالي الفعال، ومن هذا المنطلق فإن علم الجمال النصي يرتقي بفاعلية المقتضيات النصية الأخرى، وحراكها الرؤيوي الخلاق عبر قوة الاقتضاء الجمالي ومحركاتها النصية الراقية.
وصفوة القول: إن فاعلية البنى الدالة في النص تتأتى من قوة اقتضاء الدوال لمداليلها، ومحركاتها الجمالية،وهذا ما يضمن للنص شعريته، ويحقق فاعليته التحفيزية المؤثرة.
5-الدهشة الجمالية/ والتبئير الجمالي:
إن لكل نص جمالي خلاق، أو فاعل دهشته الجمالية التي يثيرها في هذا النسق أو ذاك، وهذا يعني أن علم الجمال النصي يتأسس على مقدار تفعيل هذه الدهشات عبر المداليل المواربة في حركتها، والمنزلقة في رؤاها،ومدلولاتها، ومحركاتها الشعورية؛ فالقارئ المبدع ينمي الرؤى الفاعلة في القصيدة ،ويحقق منتوجاتها المؤثرة، بقوى محرقية مواربة في شكلها، ومنحاها الإبداعي،ومن هذا المنطلق، فإن أولى ركائز النص الإبداعي تتجلى في تنامي جماليته، عبر الدهشة الجمالية ،وتبئير الدلالات صوب محرقها الجمالي المؤثر، الذي يرقى بالشكل النصي، ويرتقي بمحركات الرؤية، ومحفزاتها النصية،ومن هنا لا يرقى النص، ويرتقي فنياً، وإبداعياً إلا بمقدار المحركات الجمالية التي يثيرها في ثناياه، ومحركاته الشعورية.
ووفق هذا التصور، فإن المتعة الجمالية لا تتحقق إلا بالتفاعل النصي المثير الذي يؤسس أو يتأسس على القيم المحرقية لهذه المحاور في تبئير رؤاها،وإبراز مثيراتها النسقية الفاعلة على مستوى مثيرها ومستثيرها الجمالي.
6-الرؤية المتكاملة:
إن لكل نص شعري رؤية متكاملة،ومحفزاً بؤريا مهندساً لمداليلها،ورؤاها،ومنظوراتها البؤرية الخلاقة،ومن هذا المنطلق، فالرؤية المتكاملة هي جوهر علم الجمال النصي،وفاعليته البؤرية المحركة لمداليلها، ومحركاتها النصية المحفزة للشعرية، وبهذا التصور، فإن الرؤية المتكاملة هي جوهر علم الجمال النصي الفاعل للرؤى، والمحفز للمداليل الشعرية، ولا أبالغ في قولي: إن مصدر جمالية أي نص شعري يكمن في رؤيته المتكاملة، وفواعله المؤثرة، ورؤاه المحفزة للشعرية،وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نص بؤري، متكامل الرؤى، والمحفزات الجمالية، ومن هذا المنطلق يمكن القول: إن علم الجمال النصي يبقى علماً مفتوحاً على رؤى ومستجدات متجددة تتسع لكل ما هو جديد من رؤى نصية وفضاءات رؤيوية عميقة، وهذا ما يضمن للقصيدة حراكها الجمالي، وقوة دفقها الشاعري.
وفي الختام، فإن الفواعل الرؤيوية المتجددة لعلم الجمال النصي تبقى في توالد مستمر، لا تكاد تنتهي، وهذا ما يضمن لعلم الجمال النصي الإضافة وتقبل المزيد من الرؤى والمقترحات المحركة للذهنية الإبداعية، وللأشكال المبتكرة في التشكيل النصي، ولهذا، تبقى الدارة مفتوحة لكل التقبلات والإفرازات الإبداعية في شكلها النصي الجديد،تبعاً لكل مرحلة من المراحل وتجربة من التجارب الساخنة على الدوام
13- ما هو منظورك لجدلية الزمان والمكان في الإبداع؟!!
العلاقة بين الزمان والمكان علاقة فاعل ومنفعل،مؤثر ومتأثر،وهذه العلاقة تلازمية،فلا انفصال للمكان عن الزمان، ولا انفصال للزمان عن المكان؛ فكلاهما يطلب الآخر،وكلاهما لا قيمة له بمعزل عن الآخر، ووفق هذا المنظور،فلا قيمة لأحدهما منفصلاً عن الآخر في دورة الحياة وماهية الخلق والوجود، وما ينبغي الإشارة إليه أن الزمن في الإبداع زمن إبداعي، وليس زمناً فيزيائياً،والمكان في الإبداع مكان شعري،وليس مكاناً فوتوغرافياً أو مكاناً فيزيائياً،وإن بدا المكان مشاكلاً للواقع، أو مشابهاً له يبقى المكان في الشعر فضاءً شعرياً،ويبقى الزمن في الشعر زمناً شعرياً، ولهذا تبقى القضايا في الشعر قضايا إبداعية،فالزمان والمكان في الشعر قضايا إبداعية لها أجواؤها الخاصة ،ورؤاها المغايرة،وهذا الأمر ينطبق على الأنثى، فالأنثى في الإبداع هي معجونة بطاقة الخيال وطاقة الإبداع، ولذلك، يصعب على المرأة في الشعر أن تكون المرأة ذاتها التي صادفها الشاعر أو التي كانت ماثلة أمام ناظريه، هي محصلة من العواطف، والخيال والمؤثرات الوجودية اللامتناهية، وهذا ما ينطبق على الشخصيات التاريخية، والرموز، والأساطير المستحضرة في الشعر، وهذا يعني أن للشعر بانوراميته الخاصة،وقوانين لا يحكمها إلا الفضاء النصي الجمالي الذي اتخذته على هذا الفضاء النصي المشكل على بياض الصفحات الشعرية.
ولهذا تبقى القضايا في الإبداع قضايا لاتمس الإ الإبداع، فليس من مطلب الصورة الشعرية أم تكون مرئية،وليس من مطلب الفن أن يكون واقعياً حتى يصبح فناً، الفن هو الفن وهو الفضاء الذي ينأى بحركته عن الرقام المحسوبة والمعادلات الرياضية المقيسة، إنه الأفق الذي يمتد بلا حدود صوب عالم المطلق.
14- ما هو إنجازك القادم ،وما هو أملك في نجاحه؟!
إنجازي القادم بحث(الاغتراب في الشعر العربي المعاصر)،و(منظورات حداثوية في حداثة الحداثة)، آمل النجاح في نشرهما للقارئ.
15- ما هي رغبتك في الحياة؟!!
أن أهب الناس الابتسامات والأفراح، وأمسح دموع التعساء بمحارم من نور،وامتص من قلوبهم مرارة الألم،وأمنحهم علمي على طبق من حب، ونقتسم رغيف المحبة، والود، والسلام.
—-
حوار مع الناقد السوري عصام شرتح “(حلقة ثالثة) حوار القاصة و الكاتبة فداء شرتح.
1-ما هو معيار القيمة الجمالية في الحكم على النصوص الشعرية التي تتناولها بالدراسة ؟ هل ثمة معيار أو رائز فني تقيم فيه النص ؟ وما هي النصوص الإبداعية التي تثيرك وتحرك فيك اللذة والقشعريرة الإبداعية في تلقيك النص الشعري بوصفك ناقداً من الطراز الرفيع في هذا المجال؟!! والدليل على ذلك احتفاء المجلة الثقافية على الشاشة الصغيرة بقراءتك النقدية على الكثير من الدواوين الشعرية من (عام 2005-2010)،كان لك زاوية خاصة بعنوان( قراءات نقدية، أو قراءات أسلوبية في الحداثة الشعرية) كنت في كل حلقة تعلق أسلوبياً على ديوان من دواوين الشعر الحديث في تلك الفترة الناصعة في حياتك. ما هو معيارك النقدي ؟وكيف تقيم نفسك إبداعياً في هذا الخصوص؟!! ولماذا لا تنتقد أعمال الشاعر سعد الدين كليب الشعرية وهو من المساهمين في تدميرك في أهم مفصل من مفاصل حياتك النقدية لتنال منه كما نال منك باستصداره للقرار الجائر بشطب أطروحتك قبل أيام من مناقشتها؟!!.
– لا روائز محددة في الإبداع ، الإبداع الحقيقي هو- دائماً- فوق كل المعايير، والقواميس، والأطر، الإبداع حركة دائبة لا تستقر. مغامرة تبقى بحاجة إلى اكتشاف ،وبحاجة إلى امتلاء. ولهذا، لا اعتمد مقياساً علمياً دقيقاً لقياس شعرية النص أو قيمته الإبداعية كمقياس الضغط أو مقياس الحرارة لأزن دقائق الأشياء.. هذا – باختصار- يصلح في الأعمال العلمية أو التجارب الفيزيائية… الإبداع هو هذا الأفق الممتد المتنامي الذي ينأى عن القياس، أو التحديد، والتقييد، والتقعيد، وأنا لا اعتمد الذائقة الأدبية فقط في تلقي النص الإبداعي ، هناك عمل مكثف أقوم فيه حتى يمكنني تلقي النص، وفك شفيراته المستعصية التي تبدأ ،وتنطلق أساساً من حبي للنص المنقود ،من خلال استفزازه لي لإملاء النص، بالرؤى، والتقنيات، والمؤثرات الإبداعية التي تتسع، وتتسع ،لتجعلني دائماً اكتشف جديداً به ؛ولهذا أنا أعشق النصوص الإبداعية الصعبة التي تتطلب قوة في الطرح، والتفافاً في الرؤية، وكثافة في تنويع الرؤى، والدلالات، والرموز، وأرى في كل رمز اكتشفه تحدياً لمهارتي، وإبرازاً لها،ولهذا أنا أحتفي بكل ما يحرك في الحساسية الجمالية، ومهارة الاكتشاف، ولذلك ، أنا لا أنظر إلى النص المنقود على أنه نص أحادي.. في رؤاه، ومنظوراته، ومحاوره،.. أنا أراه غابة متشعبة الرؤى، والدلالات، والاتجاهات؛ ولهذا أخوض فيه، وأنا أعلم أن اكتشافاتي على النص ينبغي أن تضيف ما هو جديد للنص، وإلا لا قيمة لكل ما كتبت، ولا قيمة في كل ما اكتشفت. ومن هنا لا يمكن أن يحقق الناقد رؤية نقدية خلاقة إن لم تكن ثمة إضافات مهمة على النص،وما من ناقد أو قارئ مهم إلا وكانت له إضافاته المميزة في الرؤية، والاكتشاف، ودقة الحكم النقدي، ولهذا، فإن من يشتغل في حقل النقد التأسيسي المؤثر يعي أن النقد مجازفة ليست رابحة على الدوام، وليست خاسرة على الدوام كذلك، إنها دائماً صراع بين ا(لقارئ المبدع) و(النص)،ومتى وصل الناقد إلى أحكامه الدقيقة التي تكون مستخلصة من عمق النص لا مسقطة عليه من الخارج؛ فمعنى ذلك أنه حقق قيمة نقدية قرائية تضيف إلى النص، ولا تكون عائقاً أمام تلقيه،وإنما تخلق متعة التلقي، لأن القراءات التي تضيف هي التي تثري النص، وتغنيه، وتغذيه للاستمرار في ركب الحياة المتصاعد، وتمنحه الخصوبة دوماً،ومن يبحث عن الإضافات المهمة على النصوص الإبداعية المؤثرة فلن ينسى الإضافات المبتكرة لصلاح فضل خاصة كتابه (أساليب الشعرية المعاصرة)،واللمسات النقدية الساحرة من الناقد محمد العبد في كتابه (إبداع الدلالة) وغيرهم كأمثال: وشكري عياد، محمد لطفي اليوسفي، وحاتم الصكر، وعلي جعفر العلاق. ولا ننسى لمسات المبدع الخلوق محمد صابر عبيد، وحساسية المبدعة الناقدة الجليلة بشرى البستاني- ودرتنا الأنثوية في النقد الجمالي السوري خلود ترمانيني.
وأعتقد بأن ما قدمته من إضافات جديدة في أعمالي النقدية المتتالية عن نصوص الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل ما شكل إضافة قد تكون مهمة على فضاء نصوصه الشعرية. وباعتقادي أن الناقد الحقيقي لا يضيف إلى النص فحسب؛ وإنما يولد فيه بذرة الشعرية الخامدة في باطنه من جديد. ولهذا، أنا أعتز وأفخر بما قدمته من إضافات ورؤى جديدة لقصائد حميد سعيد، ويحيى السماوي، وعلي جعفر العلاق،وجوزف حرب، وأعتقد أن القارئ العربي المنصف سيعي ذلك ويقدره يوماً ما؟!!
أما عن سؤالك فيما يخص النصوص الإبداعية التي تثيرني فهي- بالتأكيد- تلك النصوص التي تحفر في العمق، ولا تقف حدَّ التنميق الصوتي، و جسدها اللفظي ،فهذه النصوص ذات فقاعات سرعان ما تتلاشى، كرغوة الصابون، أو كغثاء السيل ،وأنا أعتقد أن من يشتغل على هذا الجانب اللفظي في شعريته هو شاعر الطبقة الدنيا، أو شاعر الجمهور الساذج الرائج هذه الأيام، الذين يتهافتون إلى الرقص، والغناء، والنمذجات الموسيقية التي تلبي جنون الحالة الشعورية، دون وعي إبداعي وحفر فكري في العمق، أو دون الولوج إلى عمق الإبداع ورحمه الحقيقي ،والشعر ليس متعة جمالية فحسب، وإنما ثقافة روحية ممزوجة بجمالية التخييل، والفكر الخصب في إنتاجها والمنفتح في أفقه الإبداعي، وما يهم دائما وأبدا ليس الإيقاع الصوتي المموسق أو المصطنع، وإنما روح الإبداع والموسقة الفكرية التي تُحَمِّل النص أبعاداً ،وفضاءات جديدة مبتكرة، ورؤى، ودلالات لا تنفد ،وأنا أعجب بالنصوص التي تتعدد فيها الرؤى، والمعاني، والدلالات وقد أقف مهزوزاً أمام النصوص السهلة، أو المتداولة بكثرة، وأجد نفسي عاجزاً عن إضافة كلمة واحدة إليها، لأن أدواتي -كما أدعي- تغوص في بواطن الأشياء، ولا تهتم بالمظاهر والظواهر السطحية التي يرتادها غيري بسهولة ويسر، في حين فإني أرى أن البحث عن رؤى جديدة، ومداليل عميقة تحفزني دائماً للحفر، والكشف، والارتياد الدائم لهذه النصوص المغلقة أوالنصوص التي يكتنفها الغموض لدرجة كبيرة .فمثلاً في كتابي الموسوم:: (شعرية الاغتراب في شعر حميد سعيد) هو كتاب مخطوط اكتشفت قضايا ودلالات في نصوصه مهمة تبدت لي في هذا الجانب، وما اكتشفته في هذا الخصوص قد يجعلني من أبرز من تحدث عن هذا الجانب في الإبداع ،لكن رغم ذلك فما زالت أبحث عما هو كامن في روحي تجاه النصوص الإبداعية التي أرتادها، ودائماً تغريني التجارب المتطورة، تلك التجارب التي تتطور، وتتنامى كثيراً: كتجربة الشاعر حميد سعيد،ولا أبالغ بأن نصوص هذا الشاعر العراقي الكبير تحفزني للكتابة فيها على الدوام وقد أكرمنا الله بكتاب جديد وطرح متجدد في كتابنا: (سيميولوجيا اللغة والفن في شعر حميد سعيد) وهو خلاصة ما قدمت من رؤى جديدة حول تجربة هذا الشاعر العراقي المهم.
أما احتفاء التلفاز بما أنقد فهو حفزني إلى الاشتغال على أدواتي بعمق ودراية فيما بعد، ملَّكني الثقة بنفسي وأدواتي.. خاصة في أوج الهجمات الشرسة على كتاباتي في تلك المرحلة العصيبة.. فقد ردَّ إليَّ الروح، والثقة بالنفس، وعلى الرغم من أن النقد على الشاشة الصغيرة كان يصب في مجرى النقد الأحادي أو النقد الانطباعي الذي تجاوزته إلى العمق فيما بعد،وأرغب دائما أن اكتشف ذاتي ومهارتي وقدراتي الإبداعية ،ولهذا تصادمت مع الكثيرين مما نقدت أعمالهم شفهياً، ولم أحاول أن اتجه إلى الغث من الشعر لئلا أجرح أحداً،وأنال بأدواتي الجارحة الصارمة بعض التجارب، فتموت وتتلاشى. وأعتذر من أولئك، لأني لا أستطيع أن أتفاعل نقدياً مع النصوص التي لا تثيرني إبداعياً، وأنا أحب الاشتغال على أعمال شعراء أحياء لأني أحب أن أعاشرهم على الصعيد الشخصي لأكتشف هل هم كنصوصهم الإبداعية في مستوى جمالها وتحليقها الروحي.. فإن كانوا غير ذلك لا أستطيع أن أتفاعل مع نصوصهم الشعرية.. فأنا لا أدرس النصوص الإبداعية التي تأتي من نفس متخمة بالنرجسية المرضية في تصرفاتهم الإنسانية ، أو نوازعهم المرضية كالحقد، والحسد، والكره، والضغينة، ولهذا، لم أستطع أن أتفاعل مع القميئين أو الدنسين في الوجود.وأكره ذكرهم فكيف معاشرتهم.. أو حتى النظر في شأن إبداعهم. وهذا شأني في النقد وشأني في تلقي الإبداع، والحفر، والكشف فيه.
أما بشأن النقد . لنتاج الشاعر سعد الدين كليب فأقول لك: النقد أمانة، وليس سلاحاً ننال به خصومنا، نطعن في هذا ونمجد ذاك . إن ركيزة الناقد المبدع أو الناقد الحصيف المخلص لأدواته هي قيمة النتاج الأدبي الماثل بين يديه إبداعياً،ولهذا، ابتعدت عن نتاجه مسبقاً؛ لإيماني أن الجمال الداخلي أهم بكثير من النتاج الإبداعي، لأن الإنسانية قيمة وجوهر.. وجوهره يكمن في قيمه الإنسانية النبيلة، وخلقه القويم. وإخلاصه لرسالته الإبداعية ،وقد حاز عندي سعد الدين كليب درجة الصفر إنسانياً وإبداعياً ولو- على سبيل المثال- مجده شيخنا في النقد صلاح فضل، لأنه ارتضى لنفسه أن يكون من شلة المدمرين، والقتلة، والمجرمين، وأمثال هؤلاء لا يستحقون النظر إليهم فكيف إلى نتاجهم الأدبي أو النقدي.. وإن الالتفات إليهم- و لو كلمة- فمعنى ذلك أن هذه الكلمة فقدت قيمتها وفقدت وجودها وجوهرها الإنساني. واعترف أن سعد الدين كليب كان المدية التي طعنني بها الدعي المجرم أحمد محمد ويس من الخلف،بمساعدة عميد الكلية المبجل أحمد محمد قدور- بجَّله الله بسوط من نار الجحيم. . وكنت أقول في سري: واخجلاه من بلد لا ينصف مظلوميه من ظالميهم.
وأكرر وأقول: سواء صدق معاناتي القارئ أم لم يصدق.. لا يهمني الأمر كثيراً.. المهم أن أعلن صرختي إلى الملأ في وجه أولئك الظالمين .. وأقول لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو بصير: إن الطائر الجريح لا ينتفض إلا من شدة الألم.
2- هل ستعود إلى سوريتك إذا أنصفتك يوماً؟ ومنحتك حقك المسلوب؟!!
أنا قلت إن سورية هي بمثابة الأب الظالم أو الأم الظالمة مهما اشتد ظلم الأب على ابنه لا يستطيع هذا الابن البار إلا الانحناء لهما احتراماً… ودماء حبي لوطني وسوريتي يغلي في عروقي، لكن.. بعدما أيقنت أن أبي سيستمر بظلمه وأمي كذلك. سأحمل صرة ملابسي وأحزاني على ظهري وأبحث عن وطن وأهل وحبيبة،وأقول وداعاً يا أبي الظالم ويا أمي الظالمة،وداعاً يا سوريتي وغرفتي الوحيدة سأبحث عن بلد حنون يهبني غرفتين، وحبيبة تمنحني ودادها، وأكتب بقطرات دمائي (سوريا).
3- ما هو موقفك من مسألة النص المفتوح والمغلق؟ وهل يمكن أن نقول إن ثمة إبداعاً منفتحاً أو مفتوحاً وإبداعاً مغلقاً أو منغلقاً على نفسه رؤيوياً أو مقفلاً فكرياً؟!! وهل تتحقق هذه المعادلة في الإبداع الحقيقي عموماً؟!!
الإبداع مفتوح كانفتاح الحياة.. والنص الإبداعي الحقيقي هو النص المفتوح، أو النص المنفتح؛ والنص المنفتح بحاجة إلى قارئ منفتح .. وهذا القارئ المنفتح هو الذي يتفاعل مع النص، ويحلل النص تبعاً لأفقه المفتوح المتنامي دوماً،والانفتاح لا يكون في الفكر والرؤية فحسب؛ وإنما بالمرجعيات الرؤيوية والثقافية التي يختزنها، والتي يفجرها،وقارئ النص الفعال هو الذي يحيي النص، ويهبه استمراريته، وتجدده- على الدوام – وباعتقادي: إن( أمبرتو إيكو) أول من طرح هذه المسألة المهمة عالمياً( النص المفتوح/ والنص المغلق) في النظرية الأدبية الحديثة.
وبتقديري: إن مواجهة النص مواجهة فعالة لا تتحقق بفاعليتها القصوى إلا عندما يستطيع المؤول أو القارئ المنفتح أن يضيف أبعاداً رؤيوية ودلالية وجمالية جديدة إلى النص؛وهذا يعني أن القارئ الناجع هو الذي يحقق للنص الأدبي الماثل بين يديه خلاصة معارفه، وخبراته المكتسبة، وتظهر هذه الخبرات مجتمعة بمقدار فاعلية الإضافة، وأهميتها في إثراء النص،وتناميه جمالياً، ولهذا، تبقى مسألة النص المفتوح والنص المغلق مسألة نسبية في الإبداع؛ ولا نبالغ في قولنا: تبقى في حجم الإبداع ذاته والرسالة المتعلقة به أو المخصصة له، فالقارئ الفعال هو الذي يطور رؤية النص ، بل هو الذي يغني دلالات النص، ويثريه برؤى جديدة، ومدلولات خبيئة مستكنة في أعماقه.
وبمنظورنا: بمقدار سموق النص الإبداعي، ودرجة حساسيته الرؤيوية والإبداعية يحقق درجة عليا من الجمالية، والخلق الفني، والعمق الفكري، والرؤيوي بشكل يؤكد قيمته الإبداعية، وانفتاحه، وحراكه الإبداعي الفني والجمالي المستمر،ولهذا؛ لا يحلق النص في إبداعه وسموقه الجمالي إلا بانفتاحه على القارئ من خلال قوة الرؤية التي يمتلكها القارئ، أو المؤول الناجح، وكم من النصوص الشعرية الإبداعية لم يخلدها إلا انفتاحها الرؤيوي، وتقبلها لعددٍ لا متناهٍ من القراءات، ولهذا،فالقارئ الخلاق المبدع هو الذي يغني النص بأفقه، ورؤياه، ومنظوراته الإبداعية الخلاقة، ويحقق المتعة الجمالية،ولهذا، لا يحقق النص الإبداعي سموقه واستعلاءه الجمالي إلا بانفتاحه الرؤيوي، وحراكه الدالي والمدلولي المفتوح على الدوام،ومن هذا المنطلق ،يخطئ من يظن أن الانفتاح النصي هبة تعطى لأي نص إبداعي ، إنها قيمة تنبع من باطن النص، من جوهره الإبداعي، وليست مسقطة عليه من الخارج، لا من قريب أو بعيد .
وبتقديرنا، لا يمكن أن يحقق النص رؤيته الانفتاحية إلا من خلال الفكر المنفتح، والرؤية الخلاقة المتوهجة؛ وبمنظورنا: إن النصوص الإبداعية المغلقة هي النصوص التي لا تقبل الانفتاح، ولا تنفتح برؤاها .. وتبقى في عزلتها الإبداعية؛ وهذا يفقدها الكثير من بريقها الإبداعي، إن لم يفقدها رصيدها الفني لأن ما هو فني اليوم قد يفقد هذه القيمة بمرور الزمن لتحل قيماً أخرى ورؤى مغايرة في مضمونها ومكنونها الإبداعي. وكما قلنا لا يمكن أن تتحقق معادلة العزلة على الفن الإبداعي الحقيقي لأن الفن سيبقى منقوصا بانعزاله عن قارئه ومؤوله الفعال الناجع. وكم من النصوص الإبداعية لم ترتقي إلى درجة من الفكر والخلق الفني إلا بفضل انفتاحها وخلقها الفني الجمالي المؤثر،وبتقديرنا إن الفكر المنفتح هو الذي ينتج النص المنفتح، والفكر المنغلق هو الذي ينتج النص المقفل المنطوي على ذاته، وهذا ما يوقع القارئ في حيرة وتساؤل مفتوح كيف يكون الإبداع مفتوحاً؟!!، وكيف يكون مغلقا؟!! لا يمكن أن يكون الإبداع مفتوحاً ومغلقا في الآن ذاته، فالإبداع هو خلق دائم وحراك إبداعي مستمر، وصيرورة دائبة من الوعي، والرقي الإبداعي،ولهذا، تبقى هذه المسألة الشائكة في تشابك وتداخل مع تطور كل تجربة إبداعية؛ وبمقدار تقبلها للقارئ بنجاعة وفعالية مؤثرة تسهم في إغناء الرؤية، وتخليقها جماليا .
4- ما هو مفهومك للحرية والالتزام في الإبداع؟!! ومتى يكون الإبداع حرا؟!! ومتى يفقد الإبداع سمة الحرية؟!.وقد طرحت هذا الموضوع في حوارك للكثير من الشعراء في كتابك (ملفات حوارية في الحداثة الشعرية)؟!! كيف تنظر إلى الحرية في الإبداع قبل الحرية في الحياة؟ وهل عشت الحرية فعلاً وواقعاً ممارساً أم أنك مضطهد، ومستلب عشت الحرية في أحلامك ومخدة عشقك الحياة في مرحلة من المراحل ؟ هل تنفست الحرية وشممت عبقها؟!! ومن هؤلاء الذين يستحقون الحرية وهل يمكن أن يكون الإبداع حراً من منظورك؟!! ومتى يفقد الإبداع هذه الحرية؟!!
أقول بصراحة : الحرية متنفس الوجود كله، وليس فقط متنفس الإبداع،ومن لا حرية له لا قيمة وجودية أو إنسانية له. وأرى أن الحرية ليست فقط حرية فكرية،وإنما حرية وجودية.. أن تعبر عن الحياة والوجود بعيدا عن الإيديولوجيات، والقوانين، والأعراف، والمعتقدات ، أي حرية نابعة من إنسانية الإنسان وتكريس هذه الإنسانية؛ ولاشيء سواها؛والمبدع الحر هو المبدع القادر على التعبير عن شتى المواقف،والأحداث دون حواجز أو قيود،وهنا؛ تختلف طريقة ممارسة كل مبدع لحريته، فالحرية هي التي تولد الإبداع المؤثر، أو الإبداع الخالد، أو المواقف الاستثنائية؛ ومن لا حرية له لا إبداع. وهذا يدلنا على أن الحرية في الإبداع مسألة تبقى في قيد الطرح،وتبقى في قيد التداول،وتبقى في قيد الإحساس ، وفي قيد الشعور، والمبدع الحقيقي لا يكتب إلا من فكر حر منفتح في رؤاه، وخصائصه، ومواقفه، وأحاسيسه الوجودية،والمجتمع الحر هو الذي يؤهل التربة الحقيقية للإبداع،وهذا يعني أن الإبداع حرية في الممارسة، والإحساس، والموقف الفكري، وللتحديد أكثر نضع ثلاثة ركائز للحرية في الإبداع أو للحرية في خلق الإبداع أو في خلو د الإبداع،وهي:
1- الحرية ممارسة وفعل لا رؤى خارجية ومواقف رؤيوية هشة:
-الحرية في الإبداع ممارسة إيجابية لا مواقف سطحية عائمة أو خارجية، وهذا يعني أن الفكر الإبداعي المؤثر فكر منفتح في المواقف، والرؤى، والإحساس، والشعور،ولن يرقى الإبداع إلا بالسموق الفكري، والإحساس التأملي، والموقف الوجودي، والحرية التعبيرية.. وممارسة الحرية في الإبداع تعني أن يكون الإبداع رهين فكره، وحضارته، وإحساسه وجوديا ،والحرية ليست في شكل الموضوع المطروح وإنما بالكيفية التعبيرية، والحساسية الجمالية في طرح الموضوع، والارتقاء به فنياً أو جمالياً.
2- الحرية خلق عوالم وفضاءات مبتكرة. لا فضاءات مرتادة
إن الفكر الإبداعي الحقيقي فكر حر، وطريقة التعبير عنه تكون جديدة وحرة كذلك،وتكون متاخمة لكل ما هو مؤسس، وواع، وقادر على التغيير، والحرية في الإبداع ليست جرياناً وانفتاحاً في القول على غاربه، وإنما هي حيازة لعوالم مبتكرة؛ والشاعر الحر، ليس هو الشاعر الفوضوي العبثي في رؤاه ، وأفكاره،وعوالمه الوجودية ، إن الفكر الحر هو الفكر المتنامي في حركته، وتحليقاته الإبداعية، وهو من مثمرات الرؤية الفنية المحلقة في سماء الفن،ولولا الفكر المتقدم المنفتح لما شهدنا الحضارات المزدهرة والفنون المتطورة؛ ونكرر دائماً، الحرية في الإبداع والفكر من ضرورات الوجود،ومن ضرورات صناعة الحياة وخلق الإبداع المنفتح المتطور.
3- الحرية متنفس وجودي إبداعي حر في الابتكار والتخييل الفني الجمالي:
الفن الإبداعي الأصيل لا يأتي إلا من فكر منفتح في خياله، ووجوده، وكيانه،وجسده المبدع،وهذا يعني أن الفن في عمومه حركة كونية منفتحة في حركتها، وخيالها، وتخييلها الذي ترتقي به فوق حدود الممكن والمحتمل إلى فضاء رؤيوي مفتوح. والحرية هي مختبر الإحساس بالجمال،والوعي الجمالي، أو الفكر الجمالي،وهذا الفكر لا يأتي إلا منتوج خيال خلاق وإحساس شعوري دافق بالحساسية، والشعور، والوعي الإبداعي الخلاق المنتج.
ووفق هذا التصور، فإن المختبر الإبداعي الخلاق أو المثمر لا يأتي إلا منتوج روح خلاقة مبدعة تسعى إلى اختراق الحدود الجزئية إلى فضاء عميق، في الحساسية، والرؤية، والخيال، وأنا من عشاق النصوص التي تجري متكاملة في فكرها وإحساسها وخيالها الجموح الذي ترتاد به الأفق بعمق ووعي ودراية،وهذا هو باختصار الفن الحر الذي لا ينتج إلا عن نفس مشبعة بالحساسية والوعي والجمال والحرية في أوج تألقها الفني الخلاق في النص.
وصفوة القول: إن الحرية هي شرط من شروط الإبداع المحلق(الخالد)؛ وهذه الحرية ليست حرية سياسية أو اجتماعية،وإنما حرية إحساس جمالي، وحرية التعبير الجمالي عنه،و الفكر الجمالي المنفتح في رؤاه ومشاعره.. الحرية ليست ماثلة إلا في جوهر الإبداع وشكله وقيمته ولا يمكن أن يكون الإبداع حراً مؤثراً؛إلا إذا كان فاعلاً في تحريك الفن وإثارة جماليته.
5– المرأة في حياتك هل لها تأثير سلبي على إبداعك أم تأثير إيجابي؟ وهل أنت سعيد مع الأنثى أم إنك قتيلها أسى ومرارة وظلماً. وما هي الصفات المثالية في المرأة التي تأمل أن تعيش بقية فترات عمرك معها؟!!
للأسف المرأة في حياتي كانت قاتلتي في كل شيء.. فهي في وجودي كانت مع ألد أعدائي،، خاصة زوجتي التي عشت معها فترة من الزمن نلت منها شتى أنواع الضنك والظلم والقهر؛وكانت دوماً تشدني إلى الوراء فهي مجرمة. كإجرام أولئك السفلة المذكورين؛ فهي تنال مرتبة الشرف الأولى في الغباء . تكرر الخطأ(1500) مرة،وتطمح إلى المزيد. وباعتقادي أن المرأة الصالحة المحبة تزيد من درجة إبداع المبدع، ومن تحليقه الإبداعي ، ولا أبالغ في قولي : المرأة الحنونة النابضة بالأنوثة، والخصوبة، والجمال هي لوحة فنية -بحد ذاتها- ،وللأسف كانت لوحة مشوهة في حياتي. و دائماً أقول في سري :ملعونة دنيا لا تسكنها امرأة جذابة تسكرك بحنوها، وتمتص ببريق عينيها ضنك الأيام، وعجاف السنين. وأجمل ما في المرأة خفة الروح، والذكاء، والغنج، والدلال،والرهافة، والحساسية والخلق القويم… ولا أخفيكِ رسمت صورتها في قلبي مراراً.. لكنها للأسف لم تأتِ.. انتظرتها طويلاً حتى جف قلبي، وجفت محبرة دموعي بحثا عنها. لكنها مع الزمن تحولت إلى رماد … وقلبي صار أسطوانة قديمة مشروخة لا تصلح إلا للعنين، والنغم المشروخ من الأعماق.
وباعتقادي: إن المرأة أهم مشروع في الوجود والحياة؛ لدرجة تساويها . فمن ظفر بامرأة حلمه . نال الوجود بأسره. ويشعر من يمتلك هذه المرأة،وكأن العالم بأسره طوع بنانه، ومن خسرها خسر الحياة، وخسر وجوده، وإحساسه الجمالي، وللأسف أنا خسرت أهم مشروعين في حياتي (الزوجة الصالحة)،ودرجة الدكتوراه. وكما قال أحد العظماء: امنحوني امرأة أمنحكم فكر العالم وحكمته. ولذلك، أعلم أن اشتغالي النقدي المبدع مازال بعيدا عني . لأني خسرت المرأة الحلم، أو المرأة الذكية المثقفة التي تشاطرني الحياة، وخصوبة الإبداع . وأنا أؤكد صحة المقولة الشائعة :(وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة وأضيف وراء كل مجتمع فاشل امرأة فاشلة,, وأكثر ما يميتني في المرأة الغباء، والكذب، والخيانة،وأكثر ما يغريني فيها الذكاء،والأناقة، والغنج، والتمنع، والدلال، والفطنة. وفي ظني: إن المرأة التي أبحث عنها – بالتأكيد- ليست مما رأيت أو صادفت في حياتي إلى الآن .
ودائماً أكرر مقولتي الشائعة: ندخل عالم النساء لنرتوي فنخرج من هذا العالم أكثر ظمأً من الأول،والنساء بستان ورود ما إن تشم عبير امرأة حتى يغريك عبير امرأة أخرى برائحة مختلفة وعبق جذاب آسر،وهكذا، يحيا الفنان أو المبدع رحلة عذاب واغتراب دون أن يُحَصِّل من الورود إلا الأشواك، ومن النساء إلا الأطياف، والأحلام، والأخيلة.
6- هل المرأة- الآن- مثبطة لإبداعك أم محفزة له؟
المرأة ليست مثبطة لي ،بل قاتلة لنبض الجمال في وجودي، وإحساسي،وأنا خاسر في هذا الشق المهم من الحياة… وأعترف – وأقول بصراحة – أخاف على قارئي من مصيبتين مريرتين لدرجة العلقم، هما الزوجة السيئة، وضنك المرض، كلاهما لا يرحمان .وكلاهما مميتان( لعنت الله عليهما،وسلم قارئي منهما).
5- متى يكون الشعر فناً خلاقاً؟ ومتى يكون غير ذلك؟!! أي متى يكون الإبداع فناً جمالياً؟!! ومتى يفقد فنيته؟!!
– الإبداع لا يحقق فنيته، وخصوبته الجمالية إلا عندما يمتلك قوته الإثارية وتقنياته الفنية، المتوالدة على الدوام ،ونقول: إن الكثير من النصوص الإبداعية ساكنة في تقنياتها أو سكونية في هذه التقنيات، وهذا يعني أن الإبداع قد يكون سكونياً؛ في بعض مؤثراته؛ وقد يكون متحركاً في بعضها الفني الآخر؛ تبعاً للقيم الجمالية التي يفرزها كل نص يملك قيمه الفنية العظمى،وأقول: ليست كل النصوص الإبداعية متحركة في فنياتها ، وأكرر: إن الكثير من النصوص الإبداعية رهينة زمنها دون أن تتجاوزه إلى أزمنة أخرى ،وهذه الأعمال هي الأعمال السكونية، أو الأعمال اللا متطورة في تقنياتها؛وشتان مابين الأعمال الإبداعية المتطورة التي تتزيا بالتقنيات الفنية التوالدية على الدوام، والأعمال السكونية التي تبقى في حيز زماني آني لا تتجاوزه بقليل؛ والنصوص الفنية الإبداعية الخالدة هي نصوص متطورة في تقنياتها، أو هي نصوص، منتجة لهذه التقنية، ومحركة لإيقاعاتها كافة، ومن هنا؛ يمكن القول: إن الفنون المبدعة أو الخلاقة في إبداعها، هي المتغيرة في تقنياتها الفنية، والمحركة لإيقاعاتها التشكيلية،وإن أي فن من الفنون لا يستمر ولا يخلد إن تحددت تقنياته، وظلت ثابتة راسخة،فالنصوص المبدعة التي تتجاوز نطاق أزمنتها -دوماً- هي نصوص خلاقة متغيرة؛ وهي نصوص متطورة،باختصار هي نصوص حداثوية في الجوهر، والقيمة، والرؤية، والفن المتآلق هو الفن الخالد في جميع قيمه، ومرتكزاته الرؤيوية،ولهذا؛ لا يسمو النص الشعري،ويحقق قيمه إن بقي رهين لحظته، وتقنياته المنتهية، أو تقنياته الموضوعة لزمنها، وهذا يعني أن النصوص الفنية المبدعة هي التي تسبق زمنها إلى أزمنة أخرى، وتتحرك على أكثر من محور،وتزدان بالرؤى، والقيم المتوالدة على الدوام . ولهذا، شتان ما بين النصوص الإبداعية التي تقبع في زمنها متحجرة به، والنصوص الإبداعية التي تتجاوز أزمنتها إلى أزمة أخرى بفضل توالدها التقني وحراكها الرؤيوي والفني على الدوام ،ولذلك، تبقى مسألة الإبداع الخالد، والإبداع المتلاشي أو المنتهي بحسب طاقة التخييل العالية، والقيم الفنية المتوالدة على الدوام ،والتي لا تنتهي أو تشيخ.
6- أنت تشتغل على نفسك كثيراً لدرجة الإرهاق ما هي خواطرك ورؤاك النقدية في ظل هذا النشاط المكثف المحموم الذي نراه على صفحات المجلات الإلكترونية؟!!أي نلحظ أنك تنفق جهدك كثيراً فيما لا طائل منه على المستوى المادي؟!! وأنت كناقد سوري تعاني ظروفاً مريرة من الضنك والعسر خاصة بعد دمار منزلك ومكتبتك؟!!
أنا أرى النقد رسالة .. وأعيشه ممارسة.. وأضحي بالغالي والرخيص لأداء هذه الرسالة ،وأنا قلت ليس لدي أي مطمح في مكسب مادي أو معنوي ينالني من مؤسسة ما أو دولة، أو منبر ثقافي.. أنا أكتب للقارئ المثالي الذي وقف معي من سابق في قمة العاصفة الهوجاء التي شنت ضدي في جامعة حلب، وأعترف أن ثمة أسماء ساندتني للتماسك والصمود،فكانوا أخوة وأصدقاء وأحبة أبرزهم الناقد العظيم العلامة خليل موسى والناقد عبد الله أبو هيف والناقد ياسين الأيوبي، والناقد محمد صابر عبيد، والناقد علي جعفر العلاق، ولا أنسى كلمات الدكتور جودت إبراهيم المشجعة وغسان غنيم، وعبد الكريم الناعم.. فهذه الأسماء أدركت قيمة ما أكتب ،وشجعوا ما كتبت عن تجاربهم، من حيث القيمة، والأهمية، ولهذا، صمدت أمام هؤلاء الظلمة،وجعلتهم ورائي ومضيت،وأعلم الآن أنهم أشد خزياً، وانهياراً، وخنقاً من ذي قبل؛ لأنهم ظنوا أنهم قضوا علي بادعاء اتهم المخزية على الشبكة الالكترونية،وأكدت صمودي سدا منيعاَ في وجه مؤامراتهم، طيلة عشرة سنوات ماضية أصدرت خلالها الكثير من الكتب التي نفدت طبعتها الأولى في غضون ثلاثة أشهر، نظراً لقيمتها، وأذكر من هذه الكتب: بدوي الحبل بلاغة القصيدة وتشكيلها البصري التي نفدت في غضون شهور قليلة. وكتاب القباني وثقافة الصورة.
أنا أشتغل دائما على نفسي، لأني ما عدت أطمح سوى أن أمضي بقية عمري مع صاحبي قلمي ودمعتي، لأكتب للقارئ كل ما حصلته من خبرة معرفية في سبر أغوار النص الشعري، وقد قلت من سابق لو تعاطف معي العالم فرداً فرداً لن يردوا لي زمني الضائع وأحلامي التي دفنت في صدري،ولو اجتمع ضدي العالم بأكمله فرداً فرداً لن يثنوا من عزيمتي، وجسارتي، وإصراري على تقديم بصمتي للقارئ؛ بصمة الإخلاص، والود، والمحبة ،وكل ما أنشره على النت من مقالات في مجلات مختلفة: هي مجانية ولا تمنح أية مكافأة لأحد.وأذكر من هذه المنابر هي:(ديوان العرب)ومجلة( الكاردينا ) ومجلة (بصريانا)،وأفتخر بالنشر فيها، لأنها تنشر الكلمة الصادقة المبدعة دون أن تأبه إلا بالإبداع، ولا تهتم بالشائعات، والهجمات العدائية من هنا وهناك، وأتمنى من جميع المنابر الثقافية المحترمة أن تنظر إلى المواد النقدية وقيمتها، و سويتها الإبداعية؛ فهي الفصل في الحكم على جودة الناقد، وقيمته، وليست الإشاعات المغرضة من أولئك السفلة الذين يضربون في هذه الموهبة أو تلك كشلة الويسي، والقدوري والكليبي ..لا بارك الله في هذه الشلل التي لا تمت إلى الثقافة بأية صلة، ولا تمت للإبداع الحقيقي بأي رابط أو دليل.. ورحم الله من عرف إمكانياته فطورها، وفجرها في اللحظة الحاسمة،ولم يستسلم للمثبطين الذين لا يشتغلون إلا في الظلام، ولا يعيشون إلا على ضحالة الأشياء وقمائتها كنفسهم القميئة المريضة التي استكانت لبهرجة الأنا المفخمة،دون رادع أو وازع من ضمير.
وأنا أقاوم شتى الظروف القاسية لإيصال كلمتي للقارئ،بصدق، وشفافية، وقوة تعبير، ومن أجل ذلك، عمدت إلى تكثيف نشاطي في التحليل النصي،وتركيز أدواتي صوب القضايا والظواهر الأسلوبية الفاعلة في تحريك الشعرية من كل الجوانب.
7- متى يكون الناقد مبدعاً ومتى يكون مقلداً أو تقليدياً؟ وهل ثمة نقاد مبدعون كإبداعهم الشعري،ومن أهمهم؟!! وأين أنت منهم بوصفك شاعراً كثبت قصائد كثيرة لدرجة أن الإبداع الشعري لديك لا يقل أهمية عن إنتاجك النقدي.. لماذا أغفلت إبداعك الشعري الخلاق في هذا الجانب؟ واكتفيت بالنقد؟!!بمعنى أدق : لقد ضيقت أفق إبداعك المحموم؟ ولو أردفته بنتاجك الشعري لكنت أكثر شهرة وأعمق تأثيراً في قارئك؟!.
أنا أتنفس الشعر،وأعيش معه لدرجة أن إنتاجي الشعري يفوق في سويته الإبداعية النقد الشعري الذي أمارسه؟!! ولن يظهر للقارئ في هذه الآونة لأن ثمة قضايا أدبية ونقدية تستفزني وتجرني إلى عوالمها وفضاءاتها النصية المغرية، وكل ناقد إبداعي مؤثر؟!! لابد أن يسكن في أعماقه شاعر أخرس،هذا الشاعر لابد أن ينطق في حينه،وأنا ولدت كشاعر،وعشت التجربة النقدية كشاعر، ولست كناقد فحسب، وهذا ما يدركه المبدعون الأذكياء الذين تناولت قصائدهم بمبضع شعري، وإحساس شاعري، فأنا منذ السنوات الأولى في الجامعة قدمتني الجامعة كشاعر وليس كناقد، ونظراً لمحبتي وإخلاصي للنقد، جرني إليه،وأبعدني عن عالمي الروحي، وكان عشقي للفتاة المصرية(شيرين) نقطة تحول في حياتي ،وكتبت في عينيها أجمل القصائد وأصدقها، وأهديتها كتابي النقدي عن (أدونيس)؛ وعلى الرغم من أن عشقنا لم يكن إلا بتبادل النظرات، في رحلة لم تدم أكثر من عشرة أيام … ولهذا؛ تفجرت ينابيع الشعر لأكتب ديواناً ضخماً،وكلما أقرأ قصيدة أستعيد نظراتها، ويفيض نهر الشعر..
باختصار، كل النقاد المؤثرين عربياً هم شعراء،مارسوا الشعر وأحسوه كما أحسوا النقد ومارسوه.. والأمثلة على ذلك كثيرة، وللتدليل على ذلك سنعدد الأسماء النقدية- الشعرية المهمة التالية:
أدونيس ناقد كبير وشاعر عظيم
علي جعفر العلاق شاعر وناقد
محمد صابر عبيد شاعر وناقد
بشرى البستاني شاعرة وناقدة
نازك الملائكة شاعرة وناقدة
خليل موسى شاعر وناقد
عز الدين المناصرة شاعر مهم وناقد أهم
نزار بريك هنيدي شاعر وناقد
غسان غنيم شاعر وناقد.
وليد مشوح شاعر وناقد
ياسين الأيوبي شاعر وناقد
إذا ، النقد والإبداع صنوان لا يفترقان، وأنا أرى أنهما متصلان لا منفصلان،فالشاعر في داخله ناقد أخرس، والناقد في داخله شاعر أخرس،ولهذا ، نجد أن الكثير من النقاد هم –بالأصل- شعراء،لأن النقد لا يأتي إلا من ناقد مبدع حساس متمرس يعي مداميك الكلم ،ومواطن استثارتها وإثارتها.. ومن فهم هذه المعادلة فهم حقيقة الإبداع، وقيمه، ومتغيراته الوجودية ؛وفهم كذلك كيف يكون النقد مبدعاً؟ وكيف يكون تقليدياً،ومن نفسه مشبعة بالحساسية الإبداعية فلابد أن يأتي نقده مبدعاً كذلك، وأنا أرى النقد الحقيقي هو النقد الذي تفرزه نفس مشبعة إبداعاً وإحساساً جمالياً، وهذا الإحساس لا يأتي إلا من ينبوع التجربة الإبداعية ورحيقها ومنهلها العذب.
8- ما هي رؤيتك للاغتراب الفني ؟ وهل الفن بمنظورك لا ينتج إلا عن قلق و اغتراب؟!! ومتى يكون الفن مغترباً؟ وأدواته مغتربة؟!!
أولاً أشكرك يا أختاه- على هذا السؤال الذكي وأشكر فهمك لهذه المسألة الحساسة في الإبداع.
لا يكون الفن فناً – بالأساس – إلا إذا كان مغترباً في رؤاه، وتقنياته الفنية، وحسه الإبداعي المميز، والفن الحقيقي هو منتوج روح حساسة مغتربة في فكرها المنفتح، وعالمها الإبداعي الخاص،وبهذا التصور، فإن النص المغترب – بالتأكيد- أدواته ورؤاه وأحاسيسه ومنظوراته مغتربة كذلك، والفن المتألق لا يحيد عن تميزه واغترابه وحسه الجمالي،وفكره المنفتح المحلق في فضاء التخييل الإبداعي الخلاق الأصيل؛ والاغتراب ليس هو المفجر للإبداع ،وإنما هو المنتج للفكر؛ وهو الذي يولَّد النفس الوثابة القلقة المتسائلة عن وجودها، وعالمها الخلاق؛وكل فن هو حصيلة اغتراب ما نفسي، أو شعوري ، أو فكري، أو تأملي، والفن الذي لا ينتج،ولا يغيِّر، هو فن ساكن أو فن آني، حبيس لحظته الآنية، وزمنه الراهن المنقضي،والفن الخالد هو الفن المغترب – في جوهره- ونبضه الداخلي،وحساسيته الجمالية ،لهذا فإن اغتراب الفكر الجمالي عند المعري هو ما جعل مؤلفاته خالدة إلى الآن،وقصائد المتنبي مازالت تعيش في عصرنا، وتسكن في ضمائرنا، نظراً لاغترابها الفني ونبضها الوجودي وحساسيتها الجمالية.
وصفوة القول:
لا يكون الفن فناً إلا إذا كان مغترباً في جانب من جوانبه، وهذا القول ينطبق على كل الفنون الإبداعية الجميلة في هذا العالم المتغير الذي يؤذن كل يوم بجديد ما، على صعيد الإبداع،والفكر،والابتكار التقني الخلاق، وكم من النصوص المؤثرة لم تخلق إبداعها إلا من اغترابها بالتقنيات الفنية،والمؤثرات الإبداعية التي انمازت في الشكل الفني، والحساسية الجمالية.
10- هل بمنظورك أن عجلة النقد التأسيسي المبدع تسير إلى الأمام أم تتراجع القهقرى؟!! ومتى يرتقي الإبداع ويحقق ثمرته اليانعة؟!!.
الإبداع النقدي لا يرتقي، ويحقق ثمرته الإبداعية اليانعة إلا بوجود الكفاءات الخلاقة التي تمتلك الخبرة، والممارسة،وزهو الإبداع، والنقد لا يتطور إلا في ظل الخبرات العظيمة الخلاقة التي ترتقي بسماء الإبداع، والفن الخلاق المثمر؛ويكفي ما قدمه النقد العراقي من طاقات فنية ومواهب خلاقة بالإضافة إلى النشاط المحموم في الفكر النقدي في مصر وتونس والمغرب والجزائر؛ والحق يقال: إن النقد العربي يسير في منزلق خطير،وهو تراجع سوية الدراسات التطبيقية، لاسيما في نقد الشعر،وهذا التراجع نتيجة عدم استثمار ما ننظِّر له، وما يتم تطبيقه بالإضافة إلى البون الشاسع بين المستوى الخلاق في التنظير، والنشاط المحموم في هذا الجانب وعمق التطبيق الذي لا يرتقي إلى جزء يسير من هذا الجانب، ونأمل للنقد العربي مزيداً من التطور، والوعي، والنقد المثمر البناء.
11- ما هي نصيحتك لكل قارئ،سواء أكان قارئاً لك ؟ أم لسواك؟ وما هي أمنياتك له؟!!
نصيحتي لكل قارئ أن يكون موضوعياً، وأن يكون صادقاً في ورؤاه ،وتأملاته الوجودية؛ وألا يحترم إلا النص النقدي الخلاق الذي بين يديه،فإن تفاعل معه فهذا يدل على أنه حرك لديه القشعريرة الجمالية في التلقي،وهذه هي الثمرة التي يجنيها الفن الممتع، وهي المعيار الجمالي الدقيق في الحكم على جودة الناقد، وجودة أدواته النقدية،ونصه الإبداعي المنقود.
12- ما هي أمنياتك لكل إنسان على الصعيد الإنساني و الوجودي؟!!
أتمنى أن لا يعيش حياة كحياتي المعذبة، وأن تتحقق كل أمانيه، وأن لا يبتلى بالظلمة،وأن يتنفس عبق الأنثى الودودة الذكية، التي تهبه قبلات الحياة،وأرجوه ألا يَظلم. وأن يكون إنساناً في كل المواقف، وأن يضحي بالغالي والرخيص للمحافظة على إنسانيته،فبالمحبة تشبعنا لقمة، وفي الإيثار قمة النشوة، والدفء، والسعادة، والمحبة، والسلام.
—