إذا كنت تمنح نفسك الحق في تطبيق “شرع الله” (وحاشا أن يكون كذلك، وما أظنه إلا شرعك ) بالضرب والرفس والسب …على كل من تجرأ، واستفز مشاعرك وأفطر جهارا نهارا (حادثة زاكورة). أو تتجسس على عباد الله، وتحشر أنفك لتشم رائحة الطهي من خلف الأبواب المغلقة (حادثة مراكش)، وتقدم على تبليغ الشرطة. فلدي سؤال ساذج: لماذا لا تتحرك غيرتك حين تشاهد متشردا يجوب الشوارع حافي القدمين، يفترش الأرض، ويلتحف السماء؟ لماذا لا يستفزك منظر فتاة حين يعتدي عليها لص أو متحرش؟ لماذا لا تبلغ الشرطة حين ترى قائدا أو شرطيا أو مسؤولا يتنهك كرامة مواطن بسيط؟ لماذا لا تنهى عن المنكر وأنت تشاهد مافيات الصحة والتعليم والعقار والسياسة…تمص دماء الفقراء؟
علينا أن نمتلك القليل من الجرأة لنقول بأن فهمنا للدين يقتصر على حراسة المعتقدات والشعائر. بينما الله لم يطلب منا ذلك. فقد أمرنا بالتبليغ فقط (إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)، بل إن التبليغ ينبغي أن يكون بالتي هي أحسن كي يجد صداه ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). والأكثر من ذلك أن الرسول (عليه السلام) لم يثبت أنه عاقب مفطرا في رمضان. بل إنه لم يعاقب مرتدا عن ردته.
قد يقول قائل هناك حريات أولى ينبغي الدفاع عنها (الحرية في السكن والتعليم والصحة…التي تحفظ للمواطن العيش الكريم). أقول نعم أنا متفق. لكن ذلك لا يمنع من فتح نقاش حول الحريات الفردية. بل إن الحرية لا يمكن أن تتجزأ. للحرية أبعاد اجمتاعية، سياسية، اقتصادية ودينية…يصعب الفصل بينها.
قد يقول قائل المدافعون عن الحريات الفردية مأجورون من الأنظمة الخارجية التي تعادي الإسلام …نظرية المؤامرة. أقول هذه ليست حجة أصلا حتى تستحق الرد عليها. (وأذكره بأن مبارك والقذافي…وظفوا نفس التهمة، وهي سلاح من لا سلاح له.
قد يقول قائل إن الإفطار علانية استفزاز لمشاعر المسلمين. أقول متى كانت عقيدة المؤمن حقا ضعيفة حتى يستفز ها إفطار هنا أو هناك.
قد يقول قائل إن الصوم من عدمه حق وحرية شخصية بشرط ألا يجهر به المرء حفاظا على الآداب العامة، وصونا لأعراف المجتمع (وقد يقدم البعض مثال منع تقبيل الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية للتدليل على صحة دعواه). وأكثر من ذلك إن منطق “الديمقراطية ” يقتضي بأن تلتزم الأقلية لقرارات الأغلبية. أقول أولا الأمر مختلف هنا لأنه يتعلق بحرية المعتقد (التي يكفلها الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان…). ثانيا الأمر هنا يتعلق بحق الشخص في الأكل (شريطة ألا يستهزأ بالصائم أو يمس بحقه في عبادة الله كما يشاء). ثالثا الحقوق الأساسية لا تخضع للتصويت، وإلا فإن الديمقراطية تفرغ من جوهرها وتصير مجرد آليات انتخابية تقنية. ( حين منع البرلمان الفرنسي مثلا الحجاب في المدارس العامة فهو بذلك اعتتدى على واحد من حقوق الإنسان باسم الديمقراطية وتلك من سقطات الديمقراطية ). رابعا ماذا لو منعت الصين أقلية من المسلمين من بناء المساجد وعبدة الله بنفس الحجج التي تقدم لمنع الإفطار العلني؟ هل سيكون الأمر مقبولا أم تصير الصين دولة مستبدة؟ أظن أن الإجابة واضحة.
أخيرا هذا رأيي الشخصي الذي يلزمني فقط. أتمنى أن تنصب الردود على مناقشة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة. (أما ما قد يقال عن شخصي فلا يهمني لسبب بسيط هو أن لا أحد يملك مفاتيح الجنة أو النار عدا الله عز وجل).
————-
* أستاذ الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي
—