ما هو منظورك النقدي الجديد لحركة الحداثة الشعرية؟ وكيف ترى واقع القصيدة اليوم؟!!
لاشك في أن النقد اليوم يمر بمراحل جديدة، هذه المراحل تارة تشتغل على النص ،وتارة تشتغل على ما هو خارج النص،وتارة تشتغل على المصطلحات الجديدة والمنظورات الغربية في دراسة النص الشعري،مما يعني أن الحركة النقدية تطورت في رؤيتها،ومجالات اشتغالاتها لتشمل ما هو داخل النص،وما هو خارجه،وبتقديرنا : إن اعتماد المنهج الجمالي في الآونة الأخيرة في النقد التطبيقي وتركيز الكثير من النقاد على هذا الجانب قد أسهم في تطور الحركة النقدية لاسيما في في إصابة القشعريرة الجمالية التي تحرك النصوص الشعرية؛ فالشعر ليس مجرد كلام موزون في قالب شعري جمالي مموسق، إنه الطاقة الخلاقة التي تلون الرؤى والدلالات، وتكثف منتوجها الإيحائي داخل النص، وهذا يعني أن من واجب النقد أن يكتشف الطاقة النابضة في النص ،ويكشف عن الوجه الجمالي فيه، فكم من الدراسات النقدية لا تمت إلى النقد الحقيقي بصلة،وما هي إلا عبئاً على النص أكثر مما هي مصدر إغناء له، ووفق هذا التصور، لا يمكن أن تتطور الدراسات النقدية الحديثة إلا إذا تغلغلت إلى عمق الرؤيا ومكمن حراكها الجمالي.وباعتقادي أن واقع القصيدة اليوم لا يقل تطوراً عن واقع الحركة النقدية في واقعنا المعاصر، فكما تطورت الحركة النقدية في إبراز منتوجها الجمالي،فكذلك تطورت القصيدة اليوم لتثبت منتوجها الشعري المؤثر،لاسيما في تخليق الشعرية التي افتقدناها في الكثير من النصوص الشعرية التي تدعي الشعرية، دون أن تملك القسط الأدنى من الحس الجمالي والخبرة الجمالية في التشكيل النصي.
وأعتقد أن الوعي الجمالي في التشكيل الإبداعي من أبرز ماأضفى على الحركة الشعرية بعض النتاجات المهمة التي لا تنسى لاسيما تلك التجربة الشعرية الفذة( تجربة الشاعر اللبناني جوزف حرب)،والشاعر سعيد عقل،والشاعر محمد علي شمس الدين، وغيرهم،وهذا يعني أن الحركة الشعرية تطورت ليس على صعيد الإفرازات الفردية ،وإنما على صعيد الحركة الشعرية،في بلداننا العربية.
ومن الممكن أن تتطور القصائد الحداثية اليوم أكثر من ذلك بكثير لو انفتحت على الفنون البصرية في الحركة والصوت والصورة،والإيقاع، لاسيما الحركة السينمائية في المشاهد واللقطات السريعة التي ترصد الأحداث بتفاصيلها الجزئية وحراكها البصري.
وبتقديرنا: إن دهشة الصورة مرتبطة بدهشة القصيدة،وخصوبة الرؤيا الشعرية التي تبثها، ولايمكن أن تتطور الرؤيا الشعرية جمالياً إلا بتطور الحساسية الجمالية،وتطور المنظورات الجديدة إليها، فكم من النصوص الشعرية لاتملك من الجمالية إلا الصوت والحركة المموسقة لبعض الكلمات والأنساق الشعرية ،ولو بحثت عن مصدر جمالية الرؤيا فيها لوجدتها عقيمة أو ضحلة، وهذا يعني أن جمالية القصيدة أو الإبداع هي كل متكامل،في هيكلها النصي ورؤيتها الخلاقة التي تموج بالحساسية،والوعي والحس الجمالي الخلاق وهذا لاتنتجه إلا موهبة جمالية خلاقة وطاقة إبداعية لايستهان بها.ولهذا، فإن ولادة نص إبداعي حقيقي لاتأتي إلا من مبدع خلاق واعِ بعملية الخلق والإنتاج الشعري الوهاج أو المؤثر.
ماهي أهم إصداراتك النقدية؟ وما مدى رضاك عنها؟ وهل حققت ما تصبو إليه؟
لاشك في أن فرحة المبدع في إصدار نتاج جديد له، لا تعادلها فرحة لاسيما بعد انقطاع سنوات، لأن الاستمرار يعني الحياة،ويعني تدفق ينابيع العطاء،ويدلل على أن المبدع لا يشيخ،وقد أكرمني الله هذا العام بإصدار الكتب التالية:
جدلية الزمان والمكان في شعر حميد سعيد،دار البدوي ،تونس.2016.
استطيقا الشعرية في قصائد ( أولئك أصحابي) لحميد سعيد،دار الصفحات ،تونس،2016 .
المكون الرؤيوي الجمالي في قصائد( أولئك أصحابي) لحميد سعيد، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت.
ماهي أهم رؤاك المستقبلية حول تطوير النقد الشعري خصوصاً،والنقد الموضوعي عموماً؟!!
لاشك في أن النقد الشعري من أصعب أنواع اختصاصات النقد في النظريات الأدبية الحديثة، لأن النص الشعري حمال أوجه، ورؤى ودلالات جديدة على الدوام،ودليلنا أن النص مهما تنوعت قراءاته،وتعددت طبقاته الدلالية يبقى يستقبل مزيداً من التأويلات، ومزيدا من القراءات المتعاورة والمتناقضة أحياناً،مما يعني أن النص الشعري خلاق أوجه، ورؤى، ودلالات لاتستنفدها قراءة، أو قراءات محدودة، ولهذا يصعب تحديد رؤاي المستقبلية في مسار نهائي، جامع ومانع، هذه الرؤى تقبل مزيداً من التطور في المستقبل ،تبعاً لتطور النتاجات الشعرية في المراحل القادمة،ويخطئ من يظن أنه بإمكانه أن يضع نظرية، أو منهجاً نقدياً معيناً لدراسة أي نص شعري،يمتلك خاصيته الإبداعية الفريدة،وأقول: أخدع نفسي وأخدع القارئ إذا زعمت أنني قدمت له رؤية نقدية جديدة لايأتيها الباطل من خلفها أو بين يديها، لأن ذلك يبدو مستحيلاً، لأن الحركة الشعرية والإبداعية في تطور رؤيوي مستمر؛لا يكاد ينتهي،وبمنظورنا: إن الدراسة النقدية المتطورة تنبني على الأسس والمقومات التالية:
دقة المصطلح،وفاعليته في الكشف عن قيمة الظاهرة المدروسة:
لاشك في أن أية دراسة نقدية مهمة تنطلق من مؤثرها النقدي الناجع، والأهم وهو المصطلح النقدي المعتمد،ومدى فاعليته في الكشف عن الظاهرة المدروسة،فالفوضى المصطلحية تضعف من قيمة الدراسة النقدية، وتضعف من مردودها الجمالي، ومصداقيتها الكشفية، وأحكامها المستوحاة،لاسيما حين تكون المصطلحات وليدة إبراز عضلات معرفية، ومفاهيم، ومصطلحات غربية لا تمت إلى واقع نصوصنا الشعرية بصلة،وهذا يقلل من قيمة المصطلح، وفاعليته في الدراسة النقدية، ومن ثم تضعف قيمة الدراسة النقدية،ومؤثرها الجمالي الدقيق الناجع.
– الكشف النقدي الدقيق:
لاشك في أن الكشف النقدي الدقيق لايتأتى إلا من عمق الرؤيا، وبداعة المنظور الرؤيوي في التقاط المحاور النصية، والقيم الجمالية التي تنطوي عليها القصيدة، فالناقد إن لم يتغور أعماق الرؤيا النصية من الداخل يبقى نصه الشعري في عزلة عن القراءة المتميزة التي تدخل عمق النص وسراديبه الداخلية المتشعبة،لاسيما إذا أدركنا أن القراءة الناجعة هي التي تخدم المبدع والنص والمتلقي الجمالي لهذا النص؛ وهذا يدلل على أن الناقد المبدع هو الذي يستنطق النص بمافيه، وليس فيه، محققاً قراءة جمالية أو رؤيا جمالية في تحليل النص، من خلال الدخول أتون التجربة الشعرية من الداخل.
وبتقديرنا: إن الموهبة النقدية الفذة هي التي تمتلك أسهمها الجمالية الخاصة في الكشف النصي، لاسيما حين ترتكز على وعي رؤيوي عميق،ومؤشر نقدي دقيق وكاشف عن عمق النص،وعمق مردوده الإيحائي الذي يرتكز إليه، فكم من القراءات النقدية مازالت رهينة وريقاتها وصفحاتها الجافة لأنها لم تدخل نبض الواقع النصي، أو المناخ النصي الذي تشي به النصوص الشعرية،ولو دقق القارئ الحصيف في هذه الدراسات، لأدرك أنها لم تكن سوى إحالات نصية، أو شذرات نصية إحالية لاتغني النص،ولاتحقق مردوده الجمالي الفاعل، فكل نص يبقى رهين حركته السرابية،أورهين رؤيته العشوائية التي ينطوي عليها ،وهنا، يأتي دور القارئ الناجع الذي يكتشف النص، ويرى ما خلف زجاج الكلمات من إيحاءات ودلالات جديدة،ما كانت لتظهر لولا هذا التغور النصي في البواطن الخفية أو السراديب الخفية للنص المنقود،والرؤى المستعصية التي ينطوي عليها، وكم من النصوص الممتعة جمالياً لم تظفر بقارئ ناجع أو ناقد حصيف، وذلك نظراً لضحالة الرؤيا النصية، التي تنطوي عليها ،وغناها بالتقنيات، والمؤشرات، والفواعل الجمالية،لكن ما إن دخلت حيز الرؤيا سرعان ما تدرك العجز الرؤيوي، أو الاضمحلال الدلالي في المكنون النصي.
ومما لاشك فيه أن كثافة المعارف النصية من مؤشرات الحركة الجمالية في تفكيك النصوص الشعرية، وإبراز ملمحها الجمالي،لاسيما إذا استطاع الناقد أن يستثير الرؤيا الشعرية من الأعماق، وهذا يرتد إلى شعرية الموقف،وشعرية الحدث،وهذا لن يحدث بتمامه وكماله لولا شعرية الموقف الذي تنطوي عليها الحركة الجمالية في مثل هذه القصائد.
ج) دقة الحكم النقدي:
إن أبرز مؤثرات الحكم النقدي دقة إصابته جوهر الرؤيا في الصميم،وهذا يعني أن دقة الحكم النقدي تعتمد على براعة الاكتشاف عما تختزنه القصيدة من مضمرات، فالناقد لايحقق حكمه النقدي الدقيق إلا من تغوره عمق المضمر النصي؛ وبتقديرنا : تظهر قيمة الحكم النقدي من شعرية التحليل، وتضافره مع الأحكام النقدية الأخرى،وهذا يؤكد أن الحكم النقدي البليغ، يظهر من إصابته مرمى القصيدة، وتفاعله مع مؤثرات الموقف الشعري.
ء)التركيز على النتائج المبئرة لجوهر الرؤيا:
إن النقد البليغ المؤثر هو الذي يعتمد الحكم الموضوعي والأحكام الموضوعية التي تنطلق من عمق النص، ولا تكون مسقطة عليه من الخارج،وهذا يعني أن المقدمات والنتائج الشعرية تصب في بوتقة واحدة،أو تكون نتيجة عن بعضها البعض، بمعنى أن لكل مقدمة حكمها النقدي، ونتيجة ماتتمخض عنها، ولذلك فالدراسات النقدية الموفقة، أو المؤثرة هي التي تخلق نتائجها من مقدماتها، وهذه المقدمات هي بمثابة الفرض في النظريات الرياضية ،وتأتي النتائج بمثابة البرهان، مما يدلل على أن الحكم النقدي البليغ هو الذي يصيب الموقف الشعري، ويحقق القيمة البليغة في الكشف عن جوهر الرؤيا النصية ومضمونها الرؤيوي.
وبتقديرنا:إن التركيز على النتائج المبئرة لجوهر الرؤيا من مؤثرات الدراسة النقدية المؤثرة أو المثمرة التي تكون خلاصة جهد نقدي لابأس به من الكشف، ودقة الحكم النقدي، وعمق التحليل.
ه) الخلاصة المعرفية،والموقف الرؤيوي الجمالي المتخذ:
لاشك في أن أية قيمة نقدية في الحكم على شعرية التحليل، تكمن في الخلاصة المعرفية، والموقف الرؤيوي الجمالي المتخذ في التحليل النصي، وهذا يعني أن قيمة الكشف النقدي تكمن في عمق الدخول أتون النص، وكشف مضمراته الخفية ،ورؤاه العميقة،ومحاوره المفصلية التي يرتكز عليها، وتقنياته الفنية والجمالية التي يثيرها في تكوينه الفني؛ووفق هذا التصور والوعي المعرفي يمكن القول: إن دهشة الحكم النقدي تتأسس على الوعي المعرفي والموقف الرؤيوي الجمالي المتخذ في الوقوف على تقنية نصية، أو قيمة جمالية يرتكز عليها النص في تحقيق مظهر هذه الإثارة، ولولا شعرية الموقف الرؤيوي الجمالي المتخذ لفقدت القصيدة عمق إثارتها، سواء في الكشف النصي ، أو مراوغتها القارئ، لارتيادها مرات ومرات،ووفق هذا التصور، يمكن القول: إن قيمة الكشف النصي، وفاعلية الدراسة النقدية المؤثرة تكمن في براعة الاكتشاف، ودقة الحكم النقدي، وعمق الوصول إلى جوهر الرؤيا الشعرية التي ينطوي عليها النص، وهذا ما يحقق إثارتها، ومكنونها الجمالي المؤثر.
وصفوة القول:
إن أية دراسة نقدية ناجعة لابد أن تحقق ما قلناه في هذه الجولة السريعة من دقة الحكم النقدي،ودقة المصطلح، وبراعة التحليل، والموقف الرؤيوي الجمالي المتخذ، لاسيما إذا استطاع الناقد أن يأتي برؤيا جديدة، وموقف رؤيوي جديد، ومنظور مغاير، وهذا يضمن شعرية التحليل، ومنتوجه الجمالي والرؤيوي العميق ،وحكمه الموضوعي،وتأسيسه المعرفي
ماهو منظورك للنقد المؤسس، أو النقد الموضوعي، الذي يدخل عمق النص؟ وما هي مقومات الناقد المؤثر؟!!.
لا شك في أن النقد المؤسس أو النقد الموضوعي هو الذي يدخل عمق النص،وعمق الرؤيا من الصميم، مما يدل على أن النقد المؤسس هو الذي ينبني على ركائز ومقومات وأسس موضوعية لايستهان بها، فالناقد المؤسس هو الناقد الذي يتطور في رؤاه،تبعاً للمتغيرات الجديدة، وتبعاً للمواقف، والرؤى الجديدة التي تفرزها حركة الحداثة الشعرية في عالمنا اليوم، وهذا يعني أن النقد لايمكن أن يركن لأسس ومنطلقات ثابتة،فهو متغير،ومتطور دوماً،تبعاً لكل مرحلة،وتبعاً لكل تجربة،وتبعاً لكل قصيدة، ووفق هذا المنظور،فالناقد الحقيقي هو الناقد المتطور الذي يسعى إلى شحذ أدواته النقدية، ورؤاه المعرفية، على الدوام، تبعاً لكل تجربة، ورؤية، وموقف جديد،وإحساس رؤيوي متطور؛ وهذا يؤكد أن الناقد الحقيقي هو الناقد المؤسس أو الناقد الذي يكسر نمطية الرؤيا السائدة،ويخلق منتوجه الرؤيوي المغاير، فكم من النصوص الحداثية اليوم قد افتقدت إلى المرجعية النصية،وافتقدت إلى الرؤيا المركزية المبئرة للحدث والموقف الشعري، وهذا دليل أن المرجعية الرؤيوية والخبرة الجمالية، والوعي الجمالي هي من مقومات الناقد المؤثر الذي يكتشف ماهو مضمر وخفي في باطن النص.
وبتصورنا: إن الحركة النقدية في عالمنا العربي اليوم تفتقر إلى تلك الدراسات المؤثرة التي تدخل عمق النص بمكتشفاتها الرؤيوية والجمالية الجديدة، ولانبالغ إذا قلنا: تفتقر إلى مركزية الرؤيا، ومنبع لذتها الرؤيوية والجمالية، وهذا بالتأكيد يدلل على أن النقد المؤسس هو النقد الذي ينطلق من فرائض ومقدمات ومنظورات معينة،وينتقل من خلالها إلى قضايا عامة وكبرى، فالناقد المؤسس هو الناقد الخلاق الذي يؤثرفي نقده، ويستنطق بما في داخل النص بترجمان النص ذاته، أي قراءة( النص بالنص ذاته)، ولاشيء سواه؛ وهذا ينقلنا إلى نتيجة مؤداها: إن النقد الخلاق الفاعل هو الذي يرتقي بالنص برؤاه ومنظورته،ومتغيراته الجديدة، ولايقيد النص أو يقولبه في مغزى معين، أو رؤيا أحادية الجانب، فكم من النصوص الإبداعية لم تنل هذه الحفاوة والرعاية والاهتمام لولا تلكم الدراسات النقدية الموفقة التي طورت المنظورات والرؤى الجديدة إلى النص، وهذا يعني أن النقد المؤسس يحيي النصوص الأدبية بماء الحياة،ويكسبها النضارة والإشراق، فالنقد سواء في جانبه السلبي أو الإيجابي مفيد للنص، فهو يوجه عدسة المتلقي إليه، ولايمكن أن يخلد النص برؤاه إلا إذا تناولته الأقلام الناقدة،وأغنت الحركة الجمالية فيه، ودليلنا : أن التجارب النقدية المعاصرة ارتقت بالكثير من نصوصنا الشعرية،حين اكتشفت ماخارج النص أكثر بما فيه،وهنا نتساءل هل القيمة تعود للنص الإبداعي الذي حقق قسطه الإبداعي والجمالي المميز، أم للنقد الخلاق الذي يكتشف عمق النص، ويكشف عن مضمراته، ورؤاه العميقة.
وباعتقادنا: إن القيمة تعود للطرفين:( النص الإبداعي المميز) و( النقد الجمالي الخلاق) الذي يكتشف عمق النص،ويظهر رؤاه،ومؤثراته، وقيمه الجمالية المتوالدة، ولذلك،يمكن أن نعد النقد البنَّاء أو النقد المؤثر هو الذي يغني النص، ويرتقي بمصدر جماله، ويظهر مؤشرات غناه الجمالي والفني.
ومما لاشك فيه أن الكثير من نقادنا قد أدركوا أن اللعبة النقدية تكمن في جمالية الكشف النصي،والمهارة في التقاط المقوم الجمالي الأبرز في النص،والكشف عنه. وهذا لن يتحقق بلا موهبة فذة، وبلاغة رؤيوية في الكشف والالتقاط، واستخلاص النتائج والأحكام النقدية بحيادية وموضوعية، فالناقد الحصيف أو المؤثر هو الذي يدخل عمق النص،ويكشف عن رؤاه، ومقوماته، ومنظوراته العميقة.فكم من الشعراء قد أسهمت الأقلام النقدية المنصفة في رفع سوية نتاجاتهم،ووضعها موضعها الإبداعي اللائق، فالنقد كان ومازال بؤرة الكشف،والوعي ،والحس الجمالي والمعرفة وهو الذي يحيي النصوص الإبداعية،ويميز الغث من الثمين فيها،ولذلك،تأتي أهميته، ودوره المؤثر في تطوير الكثير من النتاجات والتجارب الإبداعية على اختلاف توجهاتها وينابيعها المختلفة.
وبمنظورنا: إن تطور النقد يحتاج إلى عمل شاق طويل،ووعي معرفي واسع ،وحس جمالي دقيق ،ورؤية ثاقبة، تقف على المتغيرات الإبداعية،ومن خلالها نصل إلى دقة النتائج ،وبلاغة الأحكام النقدية. وهذا لن يتحقق إلا بتعاور الجهود النقدية، في مختلف المجالات، سواء اللغوية، أم الصوتية، ام الإيقاعية، أم النفسية، أم الدلالية،أي أن تكون ثمة دراسات شاملة لمختلف الجوانب النصية التي تخدم الرؤيا الشعرية،وتصيبها في الصميم.
أما أهم مقومات الناقد المؤثر،فهي مايلي:
الحساسية الجمالية،و براعة الكشف النصي:
لاشك في أن الحساسية الجمالية، و براعة الكشف النصي من أهم مقومات الناقد المؤثر الذي يشتغل على تحليل النصوص الأدبية، واكتشاف الظواهر الأسلوبية المميزة فيها، تلك الظواهر التي ترتقي بسوية النصوص الإبداعية جمالياً، وهذا يعني أن الحساسية الجمالية،وبراعة الكشف النصي هي التي تحدد درجة جودة الناقد وتميزه،لاسيما إذا وُفِّق الناقد بالخلوص بنتائج جديدة،ورؤى مميزة، تؤكد بصمته الخاصة، ورؤيته المعمقة.
2-الخبرة الجمالية:
إن الخبرة الجمالية هي الشرط الأولي الضروري،للناقد، الذي يريد أن يتغور أعماق النص،ويكشف عن مخزونه الرؤيوي، ومصدر حراكه الجمالي، ولايمكن للناقد أن يؤسس رؤية منطقية خلاقة دون امتلاك أقصى درجات المعرفة والخبرة الجمالية؛وهذا يعني أن درجة رقي الناقد تظهر من خلال رؤيته الجمالية وإحساسه الجمالي،ولهذا، يتميز كل ناقد عن الآخر،بمقدار رقي درجة هذه الخبرة، واختمارها في تحصيل الدراسات المعمقة،والرؤيا الثاقبة.
3-الوعي الجمالي:
إن الوعي الجمالي هو المقوم البارز في التأكيد على قيمة الناقد، وأهميته، وبداعة كشفه النقدي،ولهذا لن ترقى رؤية الناقد إلا إذا توافرت درجات الوعي الجمالي،وخصوبة الرؤيا الجمالية، التي ترتقي بالدراسة النقدية واكتشافاتها المعمقة.
عمق التحليل وبراعة الاستنتاج:
لا شك في أن عمق التحليل، وبراعة الاستنتاج من مقومات الناقد الحصيف الذي يكتشف ما خلف النص من الرؤى والدلالات المستعصية، وهذا يعني بمقدار الوعي الجمالي والتلذذ في اكتشاف الرؤى العميقة يحقق الناقد جودته النقدية،وقيمته العالية، وكم من الدراسات النقدية قد سبقت النص المنقود قيمة وشاعرية .
رشاقة اللغة النقدية،وسهولة مدلولاتها:
الناقد الحقيقي لايلغز ولا يأتي بالأحاجي في نقده،إنه يعيد صياغة النص بإحساس إبداعي نقدي،ووعي جمالي في التشكيل، لاسيما عندما يتأنق باللغة،ويكشف عن سراديبها العميقة،وأغوارها البعيدة،فكم من الدراسات النقدية ارتقت درجات فوق سنام اللغة الإبداعية، وسمت فوق آفاق تلك النصوص،لأن الحس الجمالي العالي الذي يمتلكه الناقد المبدع يصل إلى مرتبة توازي الشاعر المبدع وربما ترتقيه في سلم الإبداع.إذاً، إن النقد الإبداعي يسمو درجات فوق النص الإبداعي إن امتلك الناقد جسارة الطرح، وعمق الرؤيا ،وبراعة الكشف، ودقة الحكم النقدي.
اقتناص الأحكام النقدية،والخلوص بنتائج جديدة”
لاشك في أن اقتناص الأحكام النقدية الدقيقة، والخلوص بنتائج مرضية من الأمور المهمة التي ينبغي على الناقد أن يتصف بها لتحقيق دراسة نقدية ناجعة، لاسيما إذا كانت الأحكام جديدة والرؤى غير مسبوقة،والأحكام مستنبطة من عمق النص،ونتيجة من نتائج الكشف النقدي الجديد، الذي امتازت به مثل هذه الدراسات، بمعنى أن قيمة النص النقدي تنبع من دقة أحكامه، وجودة التحليل، وعمق الأحكام النقدية المستخلصة.
توليد الأفكار الجديدة،والمنظورات المبتكرة:
إن الناقد المكتشف هو الناقد الخلاق الذي يستطيع أن يولد أفكاراً جديدة، ومنظورات مبتكرة،وهذه المنظورات لا تأتي من محض المصادفة،وإنما تأتي من بداعة الكشف وعمق التحليل،والوعي الجمالي باللغة النصية ، واللغة النقدية، والخلوص بنتائج مرضية نابعة من صلب البحث،لا مسقطة عليه من الخارج.
وصفوة القول: إن النقد المتميز هو حصيلة كشف نصي متميز، و ذخيرة معرفية ،وخبرة جمالية،ولغة رشيقة،تصل إلى قلب المتلقي بأقصر الطرق،وأدق التفاصيل، وبهذا ينماز النقد المؤثر عما سواه من أنواع النقد الأخرى، خاصة النقد الوصفي التراكمي الساذج الذي يقف على طفيف الأشياء،لا عمقها وجوهرها الإبداعي الحقيقي.
أي نوع من أنواع النقد مارسته في دراساتك النقدية؟!! وما مدى رضاك عنها؟!!
إن توجهاتي النقدية انصبت على الجانب التطبيقي أكثر من الجانب التنظيري، وهذا ما أثبتته دراساتي النقدية على شعر الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل،لاسيما كتابي( ظواهر أسلوبية في شعر بدوي الجبل)، الذي نلت من خلاله درجة الماجستير،ودراستي النقدية (مستويات الإثارة الشعرية عند شعراء الحداثة المعاصرين) الذي نلت من خلالها درجة الدكتوراه، وهذا يعني أن اشتغالي النقدي كان اشتغالاً أكاديمياً،يعتمد الأسس الموضوعية، والأحكام المنطقية، وهذا يؤكد أن معظم توجهات كتبي لم تكن انطباعية أو مجرد انطباعات حدسية، إنها نابعة من جوهر النص الشعري ،وليست مسقطة عليه من الخارج.
وأعتقد أن الكتب التي أصدرتها عن الشاعر العراقي الكبير (حميد سعيد) أهم ما كتبت في هذا المجال،لاسيما كتابي الموسوم ب(فضاءات جمالية في شعر حميد سعيد) الذي أرشحه إلى أن يكون أهم كتاب في مسيرتي النقدية المتواضعة.
ولن أكرر الحديث عن مؤلفاتي السابقة التي تجاوزت الأربعين، بين كتاب نقدي وكتاب حواري، جلها نشرت في دور نشر مهمة عربياً،ولها سمعتها المشرفة بين دور النشر العربية.وأخدع القارئ وأخدع نفسي، إن أكدت رضاي عن جميع إصدارتي، لاسيما بعدما تطورت رؤاي،وخبرتي النقدية،وحساسيتي الجمالية، لكن رغم ذلك فإني راضٍ تماماً على المستوى النقدي الذي وصلت إليه.
وأعتقد أيضاً أنه لا يوجد ناقد جماهيري (يروق) الجميع، لكل ناقد أسلوبه،ولكل ناقد مبغضون ومحبون، وقد غمرني المحبون في وطننا العربي،خاصة( القراء في المغرب وتونس والجزائر) وكم تسعدني اتصالات هؤلاء،مثنين ومعحبين بإصداراتي لديهم، وهذا ما يحملني مسؤولية مضاعفة لتطوير أدواتي،ورؤيتي النقدية باستمرار.
ما هي طموحاتك على الصعيد الإبداعي والنقدي؟!!
أنا أحب الشعر،لكن لا أستطيع امتطاء صهوته،على الرغم مما أمتلكه من الحساسية الشعرية، والموهبة التي تفتقت لدي منذ الصغر، لكن مارست هذه الموهبة ناقداً لا شاعراً، لأن الشعر موهبة ودربة ومران،وهذه ما مارسته في سلك توجهاتي النقدية وولعي وعشقي الزائد للنقد الذي غطى كل شيء في حياتي.
أنا أحلم بدراسة تبصمني، ورؤية نقدية ترتقي سلم الكبار،وتضرب عرض الحائط افتراءات المجرمين الذين أدموا مقلتي في فترة من الفترات،وكانوا السم الزعاف لكل ما كتبته خاصة( الدعي المجرم أحمد محمد ويس، والمجرم سعد الدين كليب، والمجرم أحمد محمد قدور)،هؤلاء لا يرتضون الملعب إلا لهم،ولا يرتضون الساحة النقدية إلا لمن يروقهم،ويهلل ويزمر بما يكتبون،وإن كان ما يكتبونه لايرتقي السلك الجامعي، ويبقى رهين قفص أنانيتهم وضحالة منظوراتهم وتقليديتهم المميتة.
وأعتقد أني قسمت ظهورهم بعدما فشلوا في تعطيل مشروعي في نيل درجة الدكتوراه بعد محاربتهم لي في سوريا مدة(15) عاماً ، إلى أن نلتها مؤخراً من وطن أحن علي من وطني،وأتمنى يوماً ما أن يكحل عيني بنهايتهم الأليمة التي يستحقونها، وأعتقد أن نهاية هؤلاء الظلمة رحمة للعلم والثقافة والأدب.وأتمنى من الله الكريم أن تكون قريبة.
ماهي أمنيتك الأخيرة للقارئ؟!!
أتمنى له أن يكون موضوعياً في حكمه على مؤلفاتي، وأن يكون صبوراً،وجسوراً في محاربة الغث،والإشادة بالثمين من القول(نقداً وإبداعاً) لا أن يكون ببغاوياً مقلداً، ينطق بأصوات الآخرين ،ويقتدي آثارهم،وكم أكره المقلدين ولو قلدوني،وكم أشمخ بمن يتجاوزوني، وكم أتمنى أن أهب علمي لكل طيب وإنسان وودود في الحياة،وأتألم من أعماقي إن قرأ كتابي مجرم أو قاتل، أو عنجهي ظالم،فأنا أكره الدنسين والمجرمين،وأتألم من رؤيتهم، فكيف معاشرتهم؟ وأرجو الله أن يكون قارئي طيباً نقياً كنقاء الثلج، وهذه مكرمتي لمؤلفاتي التي أبتغيها وأتمناها.
هل ترتضي التكريم إن كرمتك إحدى المؤسسات الثقافية داخل سورية وخارجها؟!!
التكريم وسام شرف لا اعتقد أن المبدع الحقيقي ينأى عنه ولا يرتضيه،لكن عندما يأتي التكريم ممن ظلموك ونالوا منك،وهضموا حقك اعتبره إهانة، ولهذا أرفضه وأرفضهم معاً، وكم أتمنى أن أُكَرَّم خارج سوريتي، خاصة في البلد الذي منحني درجة الدكتوراه، بعد معاناتي في وطني الحبيب (15) سنة من ظلم هؤلاء،ولم ينصف مظلمتي أحد، وكم أتمنى أن أهب جنسيتي للوطن الذي نصرني ورفع شأني ومنحني حقي المستلب. ودائماَ أقول وأكرر: سوريا بلد المواهب والإبداع وبالمقابل إنها أكثر بلدان العالم قتل لهذه المواهب،ودليلي أن أنصاف المواهب عندما تهاجر تجد من يكرمها وينميها ويرعاها ويحرص عليها فترقى أعلى درجات التميز والإبداع. وكم أتمنى أن يعود وطننا إلى أحضاننا حنونا عطوفاَ ونعود إلى أحضانه مسالمين،فالوطن لا يكبر إلا بأبنائه،ومواهبه، وطاقاته الخلاقة، فهم زاده الحضاري والوجودي في ركب الحياة وخارطة الزمن. —