أدلى عضو القائمة العراقية السيد حيدر الملا بتصريح أَعْتَبِرُهُ في غاية الخطورة. ولأهميته أدرج نص ذلك التصريح أدناه في الهامش رقم(1) وسأناقشه فيما يلي:
أولا: لماذا يهرب “إئتلاف العراقية” من حكومة الشراكة الوطنية المقترحة إذا إتحد إئتلافان ذوا برنامجين سياسيين وطنيين وديمقراطيين هما إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي؟ علما أن إئتلاف العراقية طَمَحَ إلى التحالف مع كلا الإئتلافين فيما لو ترأّس زعيمه السيد أياد علاوي الوزارة؟… هو المنصب إذاً، وليس الإتهام الفارغ بالطائفية. والمنصب لا يعني الكرسي وحسب بل عليه إستحقاقات للداعمين وهي إستحقاقات خطيرة تتقاطع ومصالح الشعب العراقي الآنية والمستقبلية.
في مقدمة هذه الإستحقاقات تقف مسالة فك عرى التحالف الستراتيجي بين الإئتلاف الوطني العراقي وإئتلاف دولة القانون من جهة وبين الأكراد من جهة أخرى. ومن ثم المضي إلى الزيادة في تشتيت الحزبين الإسلامين المنوه عنهما واللذين كانا منضويين تحت خيمة الإئتلاف العراقي الموحد (3). المطلوب من وراء التشتيت التمهيد لعودة البعثيين بإنتخابات مزورة ليقوموا بمهمة شن حرب على إيران بارواح عراقية وأموال سعودية وأسلحة أمريكية وإسرائيلية. والهدف هو تدمير المفاعلات النووية الإيرانية المتهمة بالسعي لإنتاج السلاح النووي لمواجهة السلاح النووي الإسرائيلي، علما أنه ليست للعراق صلة بكلا السلاحين ويطالب العراق بخلو منطقة الشرق الأوسط برمتها من هذا السلاح الفتاك.
أما التهديد بإنسحاب ذلك الإئتلاف من حكومة المشاركة المقترحة فهو، بإعتقادي، كلام فارغ. أولا: أرى أن خلو الحكومة من “إئتلاف العراقية” هو قوة لها من حيث ما سيتوفر للحكومة الجديدة من ديناميكية وفعالية ومن حيث “صرامة” المعارضة وهي مطلوبة في النظام الديمقراطي الحقيقي. لذا فسوف لا ينفع بشيء إذا ما ولول “إئتلاف العراقية” بكونه مهمَّشا. لأن الولولة ستعني إستهانته بالبرلمان والحياة الديمقراطية ودور المعارضة البرلمانية وغير البرلمانية. ثانيا: أعتقد أن رعاة “إئتلاف العراقية” خارج الحدود سيدفعونه إلى الإنضمام للحكومة لإزالة الصبغة القوية التي تُلَطِّخُه بكونه وكيلا لقوى خارجية ذات أجندات تتقاطع والمصالح الوطنية كثيرا أو قليلا؛ كما أن رائحتها البعثية الطغموية تزكم الأنوف، فلا بد من تلطيفها، وذلك إستكمالا وإستعدادا لمواصلة الستراتيجية العظمى التي إنطلقت منذ دخول الأمريكيين للعراق. علما أن دور “الإحتضان” الأجنبي، الجار والقريب والبعيد، لإئتلاف العراقية ذو أثر محدود في الداخل العراقي قد لا يتعدى المجاملة، لسبب بسيط وهو أن الديمقراطية العراقية في خطر وهو أمر مصيري ومن سيموت، في حال خرابها أو تشويهها، هي الملايين من أبناء شعبنا وليس غيرهم.
ثانيا: التهديد بالإنسحاب من العملية السياسية برمتها: هذا تهديد خطير ولا يوجد من يريد أو يتمنى أن يخرج الآن أي إئتلاف شارك في العملية السياسية منها رغم المآخذ عليه ورغم إحتواء إئتلاف العراقية على أعداد غير قليلة من غير المؤمنين بالديمقراطية والعملية السياسية وقد دخلوها لأجل تخريبها ونسفها من الداخل. غير أن السبب الذي يعلنه إئتلاف العراقية للإنسحاب هو سبب غير مقنع لكل ذي بصيرة ويثير السخرية. فما شأن أي جهة إذا قررت جهتان أخريتان التحالف أو الإندماج؟ أليس عيبا على إئتلاف العراقية أن يبتز الآخرين طالبا منهم التشتتَ والتنافر (وغداً قد يطلب الإقتتال!!)؟ أليست هي سمة بعثية قديمة إتَّبَعَها صدام يوم كان يوعز بتلطيخ سمعة الوطنيين الشرفاء أحزابا وشخصياتٍ ظناً منه أن ذلك سيرفع من قامته وقامة حزبه القميئين.
بتقديري ستُبذل جهودٌ إعتيادية لإقناع إئتلاف العراقية بالإقلاع عن هذا القرار في حالة إتخاذه، وهو غير مبرر وغير حكيم. وأرى أنه إذا أصرَّ على إبتزازه فسوف لا يُستجاب له ولو على حساب فقدانه من العملية السياسية. غير أنني أتوقع أنَّ حلفاء إئتلاف العراقية، وبالأخص الأمريكيون، سوف يثنونهم عن الإقدام على هذه الخطوة للأسباب التالية: 1:- المبرر غير وجيه، 2:- إن القوات المسلحة العراقية وقوات الأمن والإستخبارات أصبحت بمستوى يمكِّنها من إحباط أية مضاعفة في الأعمال الإرهابية خاصة وأن الربط بين إرتفاع وتيرة الإرهاب وإنسحاب إئتلاف العراقية من العملية السياسية سيكون حاضرا في أذهان أطراف المجتمع الدولي ما سوف يوفر غطاء لتبرير أية شدة تبديها الأجهزة الأمنية العراقية حيال كل متهم بالإرهاب. 3:- أثنى العالم على الإنتخابات العراقية رغم التزوير الذي شابها لصالح إئتلاف العراقية. لذا فإن الدول الرئيسية وأعضاء مجلس الأمن سَيَرَوْن في تصرف إئتلاف العراقية تماديا في الإستهانة بالعملية السياسية وسيتعرض ذلك الإئتلاف للإدانة، 4:- أشك في أن تَتْبَع جبهة التوافق، وبالأخص الحزب الإسلامي، خطى إئتلاف العراقية في حالة إنسحابه من العملية السياسية لسخافة التبرير ولإحتمال التسبب في إنقسام العراق. من هذا فلا يستطيع إئتلاف العراقية الإدعاء بأنه يمثل السنة العرب ما يُضعف موقفه من جهة الإدعاء بعدم شمول العملية السياسية لكافة مكونات الشعب العراقي. وحتى إذا تضامنت جبهة التوافق مع إئتلاف العراقية وإنسحبت من العملية السياسية فسيكون التأثير الكلي ضعيفا لعدم وجود المبررات الكافية ولإنكشاف الجذر الطائفي في مجمل التصرف، وإنكشاف التصميم على إستعادة الحكم الدكتاتوري الطغموي ورفض الديمقراطية.
إنَّ وَقْعَ الإنسحابِ الآن من العملية السياسية، بعد قَطْعِ كل تلك الأشواط المُضْنِية، سوف لا يكون له ذلك الأثرُ كما كان عند بداية إنطلاق العملية. فشرعية النظام الجديد، القائم على الديمقراطية، بحساب رضى الجماهير وبحساب رضى المكونات، قد تحققت سلفا وإنتهى الموضوع. أما المقاطعة والإنسحاب الآن، ففي أحسن الأحوال والتبريرات سيُنظر إليها كتكتيكات وألاعيب سياسية ستزول إن عاجلا أو آجلا، ولا يمكنها نقض شرعية النظام القائم بتاتا. وأكثر من هذا، إذا إستمر الإنسحاب من العملية السياسية لفترة طويلة فسوف تعزز الرأي بأنه خطوة يائسة لإستعادة النظام الطغموي السابق.
وإذا عوَّلَ إئتلاف العراقية على الإرهاب والتخريب وتعطيل حركة المجتمع والتنمية فسوف لا يحصد سوى الخيبة والخذلان وفق التحليل التالي:
– قد يقود نهجه هذا إلى تقسيم العراق وسوف يتحمل هو المسئولية جملةً وتفصيلاً،
– إرتفاع كفاءة الأجهزة الأمنية للتصدي للإرهاب ككل. وبتقديري ستتضاعف الجهود لرفع الكفاءة وخاصة الجهد الإستخباراتي، متجاوزين ألاعيب العرقلة والمماطلة البرلمانية والتعكز على / والمبالغة في التعويل على كلام الحق الذي يراد به باطل كحقوق الإنسان وغير ذلك (4).
– من الملاحظ أنَّ مؤيدي إئتلاف العراقية يقطنون في رقعة جغرافية واحدة إضافة إلى بغداد. وإذا قرر ذلك الإئتلاف القيام بأعمال تخريبية وإرهابية في تلك الرقعة الجغرافية فسوف لا يضرون إلا عموم الناس الأبرياء في تلك المناطق وأنفسهم . وإذا حاولوا، وهم سيفعلون ذلك بكل تأكيد كخيار أول، تصدير إرهابهم وتخريبهم إلى بغداد والمناطق العراقية الأخرى فأعتقد أن البرلمان سيتخذ خطوات مشددة بضمنها عزل تلك المناطق أمنيا وربما حجب التمويل عن المراكز التي تتبنى الإرهاب حسبما يبيحه الدستور وذلك لحماية أرواح الناس في تلك المناطق وفي بغداد والمناطق الأخرى من العراق،
– أما الإرهاب الذي سيرفعون وتيرته الحالية في بغداد، فأعتقد أن الجماهير العراقية ستطلق غضبها وتُطالبُ الحكومة بإجراءات جذرية حاسمة ما قد يدفع الحكومة إلى توحيد كافة الأجهزة الأمنية والإستخباراتية والشرطة والجيش من حيث العقيدة الفكرية المرتكزة إلى المهنية والولاء للدولة الديمقراطية لا غير ووضع ستراتيجية موحدة متكاملة مع أدق التفاصيل التكتيكية للقضاء على الإرهاب وتطوير العمل الإستخباراتي إلى أقصى الحدود وبجميع الوسائل الممكنة والتخلص من جميع المشبوهين ومكافئة المُضَحِّين بسخاء والتكفل بعوائلهم؛ وبالتوازي مع ذلك ضرب الإرهاب بشدة وذكاء ودون تردد حتى إذا ترك بعض الوزراء مناصبهم وإستقال بعض النواب وإنسحبت بعض الإئتلافات إحتجاجا، وإحتجت بعض المنظمات الدولية لأنَّ الجماهير قد ملَّتْ القتلَ الجماعي وسئمت شلالات الدم التي إستمرت لسنين طويلة لا لذنب إقترفته سوى أنها لم تدافع عن نظام دكتاتوري طائفي عنصري أذاقهم الموت الزؤام ولعب لعبة أكبر من حجمه فسقط وإنفتح المجال لتأسيس دولة ديمقراطية للجميع دون تهميش أو إقصاء. لكن أعوان النظام الطغموي نهضوا لإستعادته عن طريق الإرهاب الأسود بحجة مقاومة الإحتلال تلك الحجة التي أثبت الواقع زيفها وسقوطها، علما أن الطغمويين وحلفائهم الإرهابيين لم يكلِّفهم الشعب العراقي أن “يجاهدوا” نيابة عنه ولن يكلِّفَهم إذا وجب الجهاد. والأكثر من ذلك ملَّتْ الجماهير من تكبيل يد الأجهزة العراقية لإيقاف شلالات الدم التي طال أمدها واصبحت تنعكس سلبا على الحكومة و “الأحزاب الكبيرة والمتنفذة” حتى أن الإرهابيين وحماتهم في كل مكان بضمنه مجلس النواب صاروا يؤلبون الجماهير ضد الحكومة ويتهمونهاُ بعدم الإكتراث والإستهتار بأرواح الناس بل أصبحوا يَتَّهمونها بفعل الإرهاب نفسه.
ثالثا: يبدو لي أن الطائفية تعني، لإئتلاف العراقية، هو أن يتوحد الشيعة وطنيا ولا يتناكفوا مع بعضهم البعض أو لا يتناحروا أو أن “يتجرَّأ” الشيعي على القول “أنا شيعي” أو أن يمشي مرفوعَ الرأس كما يجب أن يرفع كل مواطن عراقي رأسه كإنسان، أو أن لا يمشي الشيعي قرب الحائط متخوفا متهيبا.
كما يبدو لي أن السيد أياد علاوي ورفاقه كانوا ومازالوا يخلطون بين الطائفية بمعناها السياسي(5) وبين شيوع ثقافة شعبية إنطلقت بعد تحررها من أسارها وقمقمها الذي وضعها فيه النظام الطغموي. وهي ثقافة لا تسيء إلى أحد ولا تُفرض على أحد ولا تتنافى مع بنود الدستور العراقي بل هي منسجمة مع حقوق الإنسان، ولا يهم إن كانت تلك الثقافة تقدمية أو متخلفة؛ وإن لم تَرُقْ لأحد فليناضل من أجل تغييرها بالإقناع لا بالإقصاء والقتل والتفجير.
ويبدو أيضا أن محاولة تصحيح ظاهرة الإقصاء والتهميش للآخر التي تميَّز بها النظام البعثي الطغموي، ومحاولة إنصاف المظلومين والسجناء والمعذبين والمضطهدين وذوي الشهداء والأرامل واليتامى والمطاردين والمهجرين والمفصولين وإعادة حقوقهم إليهم وتعويضهم، تعتبر من مظاهر الطائفية التي يتحدث عنها قادة إئتلاف العراقية الذين يتباكون، بنفس الوقت، على مَنْ شَمَلَهُ قانون المسائلة والعدالة فراحوا يطالبون بإلغاء القانون والهيئة التي تشكلت بموجبه، كما إنهم يحتجون على من يُلقى عليه القبض بتهمة الإرهاب (كما حصل في تفجيرات السفارات والعمارات السكنية مؤخرا) ويمتعضون من حصول مداهمات في منطقة معينة أو أخرى حَدََّدَتْها المعلومات الإستخباراتية دون غيرها، طارحين الموضوعَ وكأنَّه مسالة توزيع “جكليت” ينبغي أن يكون بالتساوي وليست القضية أمنية أودت بحياة العشرات من الأبرياء إقترفها مجرمون تجب مطاردتهم سواء كانوا هنا أو هناك أو كانوا منتمين لهذا الفصيل أو ذاك!.
رابعا: من الذي أدرى إئتلاف العراقية بأن الإئتلافين إذا إندمجا فسوف لا يخرجان من المنطقة الخضراء، علما أنهما الآن يخرجان من تلك المنطقة بكل حرية إذ ولَّت أيام “دولة شارع حيفا الإسلامية”؟ أما يعني هذا أن إئتلاف العراقية يُهدد الإئتلافين بمحاصرتهما بالمنطقة الخضراء؟ أما يعني هذا تهديدا بإستخدام العنف والإرهاب؟ وهل يدرك السيد أياد علاوي ورفاقه خطورة هذا الكلام بإعتباره يمثل إعلان حرب أهلية؟ أنصحهم ألا يطرقوا هذا المسلك الشائك لأن الجماهير العراقية على مختلف إنتماءاتها، حتى معظم الذين صوتوا “لإئتلاف العراقية”، سوف يُغْرِقونَ قادةَ هذا الإئتلاف، المُتَحَرِّقين، على ما يبدو، لإشعال حرب أهلية بكل إستهتار، بما لا يليق بإنسان محترم!!! قبل أن تُمسك بهم القوات الأمنية وتُقدمُهُم إلى القضاء بتهمة الإرهاب. وليتذكَّروا يوم تمَّ تفعيل قانون المسائلة والعدالة، حيث أن حضور السيد جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، لم يبدّل شيئا بالنسبة لمن شملهم القانون لأن أمريكا لا يمكنها أن تتجاوز القانون وخاصة في مسائل الإرهاب، فهذه أمريكا وليست السعودية أو سوريا أو إيران. فرغم عظمة أمريكا العسكرية إلا أنها تهاب الجماهير؛ ورغم ضعف وهزالة حكام السعودية (الذين هزمهم الحوثيون المساكين وشبه العراة من شدة الفقر) إلا أنهم لا يهابون الجماهير داخل السعودية وخارجها.
خامسا: الإصطفاف الطائفي يعني وجود طرفين طائفيين متقابلين على الأقل. فإذا كان إندماج الإئتلافين سيشكل، بنظر إئتلاف العراقية، طرفا من الطرفين، فمن هو الطرف الثاني، إذاً؟ أليس هذا إعترافا ضمنيا من جانب “إئتلاف العراقية” بأنه هو الطرف الطائفي الثاني؟ فكيف بيح ذلك الإئتلاف لنفسه الحديث عن كونه فوق الطائفية؟ أليس هذا ضربا من ضروب الديماغوجية وهي إحدى سمات الطغمويين (راجع الهامش (2) أدناه رجاءً)؟.
سادسا: لماذا ستعاني العملية السياسية والحكومة عزلة سياسية؟ أليس هذا حلما فارغا أجردا ؟ كيف يعاني عزلة من يمثل 160 نائبا رغم التزوير، علما أن السيد جلال الطالباني حَثَّ هذا اليوم 15/4/2010 على ضرورة الإسراع بدمج الإئتلافين الوطني ووحدة القانون وقال إنهما الحليفان الطبيعيان لنا، ويعني الكرد؟(6). هذا سيعطي الحكومة الجديدة أكثر من 210 أصوات من أصل 325 صوتاً. فأين العزلة، أيها “الديمقراطيون”!!؟
كيف يريد “إئتلاف العراقية” تشكيل الحكومة وهو مُشَبَّعٌ بطغمويين يقتربون من الفكر الفاشي في موقفهم من الأكراد وحقوقهم التي كفلها الدستور وكذلك من الشيعة؟ إنهم يؤمنون بنظريات بعضها أجوف وبعضها منتحل كحراس البوابة الشرقية وحديثي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وهي أدوات سبق أن إستخدمها النظام البعثي الطغموي من أجل الإقصاء والتهميش وتبرير إستلاب السلطة من صاحبها الشرعي وهو الشعب العراقي.
سابعا: كيف عرف إئتلاف العراقية أن الإئتلافين سيعانيان من عزلة إقليمية؟ قبل كل شيء أذكّر “إئتلاف العراقية”، الذي لا يقرأ على ما يبدو، بتصريح السفير المصري في بغداد هذا اليوم 15/4/2010 حيث قال بأن حكومته ستحترم وتتعاون مع أية حكومة ينتخبها الشعب العراقي وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع (7).
من جهة أخرى: مع إحترامي للمبادئ الدبلوماسية التي أعرف بعضها إلا أنني أقول تباً للعلاقات الدبلوماسية مع كل مَنْ يَرفضُ ستراتيجية العراق الجديد في إطار السياسة الخارجية التي أَوْجَِزَتْها الحكومة العراقية بما يلي: “الصداقة مع الجميع والإستقلال عن الجميع والولاء للعراق وشعب العراق”. وهذا الرفض هو الذي يتبجح به ممثل إئتلاف العراقية وربما كان من بركات رئيسه.
مبادئ الدبلوماسية التقليدية صيغت على أساس المصالح المتبادلة والأمن المتبادل. وأحد مبادئها يحث الدول على محاولة الإبقاء على التمثيل الدبلوماسي حتى ولو كان بأدنى المستويات. لقد حاولت الحكومة جديا، مثلما بان للعلن، تطبيع العلاقات مع السعودية وسوريا بالذات وحتى تغاضت الحكومة ولحد هذا اليوم عن كشف الكثير والكثير من المعلومات المتعلقة بالإرهاب الذي صدَّراه إلينا والذي إطلع وزير خارجية تركيا على بعضه، بعد يوم الأربعاء الدامي، ونوَّه بمصداقيتها ولكن دون جدوى حتى إشمئزَّ الناس وصاروا ينتقدون الحكومة على مساعيها وإعتبروها تبدي نوعا من التذلل فتوقفت الحكومة عند هذا الحد.
العراق بلد غني والسنون القادمة ستشهد نهضة عمرانية متعددة الجوانب من شأنها أن تجعل العراق ورشة عمل رغم الإرهاب الذي طالما يهددنا به تنظيم القاعدة (دولة العراق الإسلامية) والسيد أياد علاوي. لذا فستكون أمنية الكثيرين في دول الجوار كأفراد وكشركات أن يعملوا في العراق وسيعارضون كل حكومة تمنعهم من المجيء لكسب الرزق فيه (8).
وبعد إكتمال مشروع ميناء البصرة الكبير سيصبح العراق بغنى عن الموانئ والمنافذ البرية للدول المجاورة سواء لمرور البضائع التجارية أو لنقل المسافرين. كما إن العراق الغني قادر على الإعتماد على النقل الجوي للمسافرين والبضائع الخفيفة من دول العالم مباشرة إلى المطارات العراقية وبالعكس.
أما السعودية فليس لدى العراقيين ، بإعتقادي، أدنى إستعداد لتلبية طموحها الرامي إلى التخلي عن الديمقراطية لمداراة الخوف من إشعاعاتها على العمق السعودي.
العراقيون يتمسكون بالديمقراطية لأنها ضمان للحفاظ على أرواح الملايين الذين مورست ضدهم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي وحفرت لهم المقابر الجماعية وأقترفت بحقهم جرائم ضد الإنسانية أيام النظام البعثي الطغموي وبعد سقوطه حتى هذا اليوم، والعراق موعود بتهديد صريح بإبادة قادمة ومنها تهديدات القاعدة (دولة العراق الإسلامية) وإئتلاف العراقية الضمنية (ولا أعرف إن كانت تهديدات هذين الطرفين مستقلة عن بعضها البعض أم متناسقة مع بعضها). (9).
أخيرا هل لدى “إئتلاف العراقية” تأكيد من الدول الإقليمية بأنها ستقاطع الإئتلافين الوطني ودولة القانون؟ وكيف يتفاوض هذا الإئتلاف حول مثل هذا الموضوع، وهو عراقي بحت، مع حكومات أجنبية تعلن عدائها لحكومة العراق المنتخبة ولشعب العراق الذي ترسل له الإرهابيين والبهائم المنتحرة، وكيف يتقبل إئتلاف العراقية فكرة فرض العزلة على كيانات سياسية عراقية كبيرة ويتعكز عليها في صراعه الداخلي؟
من ناحية أخرى، هل هو بالأمر الجديد أن تفرض بعض الدول “الحليفة” ل “إئتلاف العراقية” عزلة على “إئتلاف دولة القانون” و “الإئتلاف الوطني العراقي” بل وعلى العراق الجديد بأكمله؟ رغم ذلك تطورت العملية السياسية وإزداد العراق الديمقراطي الجديد ثباتا وقوة رغم الإرهاب والتخريب الداخلي والخارجي وقد نال العراق إحترام دول الإتحاد الأوربي وروسيا والصين واليابان وغيرها خاصة بعد عقد إتفاقية الإطار الستراتيجية مع الولايات المتحدة وجولات تراخيص النفط الشفافة.
لكنَّ تهديدَ فرضِ العزلة يبدو وكأنه موجه نحو طائفة بأكملها وليس نحو كيانات سياسية محددة؛ وفي هذه الحالة ينبغي على إئتلاف العراقية، إذا أرادت أن تمتلك الهوية العراقية ولا تسعى إلى تقسيم العراق، الوقوف إلى جانب أكبر طائفة للشعب العراقي التي لا تتقاطع مصالحها مع مصالح أي مكون من مكونات الشعب بل هي ذاتها كانت ضحية النظم الطغموية التي يعتز بها أطراف في “إئتلاف العراقية”، بينما يحصل العكس إذ يتبجح بهذه العزلة “إئتلاف العراقية” ويُلوّح بعَصاها المُتَهَرِّئةِ التي لا تخيفُ حتى العصافير.
آمل أن يعود قادة “إئتلاف العراقية” إلى رشدهم ووطنيتهم ولا تَغُرُّهْمْ الصفقة الأمريكية – الإيرانية – السعودية – التركية – السورية التي ستصب في النهاية في صالح الأمن الإسرائيلي سواء وعى المشاركون أو لم يعوا. وأخيرا فليس هناك أقوى، في المطاف الأخير، من صوت الشعب العراقي (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): “حذرت القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي من أنها ستنسحب من العملية السياسية برمتها إذا اندمج ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، مبينة أن ذلك سيجعل الائتلافين لايخرجان عن اطار المنطقة الخضراء
وقال عضو القائمة العراقية حيدر الملا ان قائمته تتوقع ان يؤدي تشكيل تحالف كهذا للعودة بالبلاد إلى المربع الأول من الاصطفاف الطائفي، لأنها ستؤدي إلى عزلة جدية للعملية السياسية والحكومة المقبلة ، فضلا عن أن الائتلافين سيعانيان من العزلة الإقليمية، حسب قوله.” (عن موقع فضائية الفيحاء في 15/4/2010).
(2) : الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية والقومية والبعثية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
(3): يُخْطِئ من يظن بأن الأمريكيين يريدون تشتيت حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري وحزب الفضيلة وغيرها لأنها أحزاب دينية، رغم أن كثيرين من غير الطغمويين، للأسف، ينتظرون هذا التشتيت. أعتقد أن السبب الحقيقي هو قدرة هذه الأحزاب مجتمعة ومن ورائها السيد علي السيستاني على دعوة الملايين من أبناء الشعب العراقي إلى القيام بإعتصام مدني سلمي فعّال إذا ما تعرضت سيادة العراق أو ديمقراطيته أو إحدى مصالحه الستراتيجية للخطر، الأمر الذي سيثير الراي العام العالمي ويهرع إلى دعم الشعب العراقي وحكومته المنتخبة. مثلا: أنا مقتنع أن الأمريكيين كانوا يريدون زج العراقيين في حروب مع الجيران خاصة إيران وسوريا لتعزيز أمن إسرائيل. وقد إعترف بعض المسئولين الأمريكيين بهذه الحقيقة. غير أن حكومتي الجعفري والمالكي أعلنتا صراحة سياسة الصداقة مع الجميع وعدم التدخل في شئونها الداخلية بغض النظر عن نوع الأنظمة القائمة. بناءً على هذا أثار الأمريكيون والطغمويون وحتى بعض العلمانيين الديمقراطيين والدكتاتوريون في الخارج حملة متنوعة الأوجه لم تنقطع حتى يومنا هذا مستخدمين جميع وسائل الإعلام بضمنها الفضائيات الرخيصة والمحترمة كفضائية “الحرة” ضد تلك الأحزاب مفادها: الإتهام بالطائفية، التبعية لإيران، المحاصصة، فقدان الأمن، شل عملية التنمية الإقتصادية، البطالة ، الفساد، الفقر، نقص وغياب الخدمات وفي المقدمة منها الكهرباء والماء والصحة، نقص المدارس، سوء العلاقات مع دول الجوار، بعض الإرهاب، وغيرها وغيرها وبإختصار لصقوا بها كل رذيلة حواها القاموس.
أرادوا إبعادَ الناخبين عن صناديق الإقتراع في أماكن، وحثَّهم على الإقدام على الصناديق في أماكن أخرى بحساب وتخطيط؛ فنجحوا جزئيا. أرادوا الإنتقال إلى الصفحة التالية في معركة تمزيق الأحزاب الإسلامية الديمقراطية وذلك بفرض السيد أياد علاوي رئيسا للوزراء ودعمه بتعليق الإرهاب وتجيير كل منجز إيجابي حققته حكومة المالكي إلى الحكومة الجديدة مع مدّها بكل المساعدات لتدوير عملية الإعمار ورفع صوت الطبول والأبواق المحلية والإقليمية لإقناع المواطن العراقي بأن الأحزاب الإسلامية الديمقراطية هي التي كانت عاجزة ومنشغلة بالسرقات ولم تلبِ مطالبه. هذه خطوة تُُراد منها تهيئة عقول وسيكولوجية العراقيين لتقبل عودة البعث خطوة خطوة وعزل الأحزاب الدينية. تَتْبَع هذه الخطوة خطوات أخرى: إلغاء قانون المسائلة والعدالة، القمع السري المسكوت عنه بإتفاق مسبق، حملة إعلامية ظالمة، تقييد حرية التعبير ومضايقة منظمات المجتمع المدني، تزوير الإنتخابات، تفجيرات وأعمال إرهابية عند الضرورة، تطهير القوات المسلحة والأمن وإستعادة طغمويين مشمولين بقانون المسائلة والعدالة، إحتمال القيام بإنقلاب عسكري (إذا لم تكن القوات الأمريكية متواجدة في العراق ).
أعتقد أن إجهاض كل هذه الآمال بقرار إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني الإندماجَ أو التحالف، ومن ثم التحرك للتحالف مع التجمع السياسي الكردي أدى إلى إحباط شديد لدى إئتلاف العراقية فهدد بالإنسحاب من العملية السياسية برمتها.
(4): ناقش القياديان الإسلاميان الأردني السيد حمزة منصور والمصري السيد منتصر الزيات في فضائية “العالم” الإيرانية بتأريخ 19/12/2004 فتاوى سعودية دعت إلى “الجهاد” في العراق. تطرقا إلى القتل الذي كان يصيب العراقيين نتيجة ذلك “الجهاد” المعوج وغير المرحَّب به، فعلَّلا وحلَّلا ذلك من منطلق أنْ لابد من وقوع ضحايا أبرياء أثناء “الجهاد”. للتذكير فإن أكثر من عشرين بريئاً عراقياً كان يُقتل مقابلَ جندي أمريكي واحد. ونوعية “الجهاد” كشفتها الايام بكونها إرهابا محضا. فإذا كان هذا هو حال السماح “الشرعي” مع “الجهاد” الإرهابي ولم يعترض عليه السادة الذين أصبحوا فيما بعد نوابا عن القائمة العراقية وجبهة التوافق وأمثالهما، فلماذا نراهم خلال الدورة السابقة للبرلمان يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يُحْتَجَز شخص للإشتباه به وضحايا التفجيرات بالعشرات والمئات. حتى هذه الأيام إحتجت السيدة ميسون الدملوجي والسيد أياد علاوي على إلقاء القبض على بعض المشتبه بهم أو المتورطين في تفجيرات السفارات والعمارات السكنية لأنهم ينتمون إلى إئتلاف العراقية. ماهذا يا أياد ويا ميسون: “طالع واكل نازل واكل”؟.
وهذا تذكير أيضا للأمريكيين أيضا حيث أقام السفير السيد زلماي خليل زاد الدنيا ولم يقعدها بدعوى وجود تعذيب في موقف الجادرية وكان الأمريكيون مسئولين عنه كما كانوا مسئولين عن سجن أبي غريب بموجب تفويض مجلس الأمن رقم 1546. لكن السيد زلماي رأى أن يتهم وزير الداخلية السيد باقر جبر الزبيدي لأنه كان وزيرا كفوءً وأوشك أن يقضي على الإرهاب وهي خطوة لم تَرُقْ لوزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الإستخبارات المركزية المناوئتين للمعارضة العراقية منذ ما قبل السقوط والسيد أياد يعرف ذلك.
(5): الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى العنف والحرب والكراهية. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كل شخص قومية ودين ومذهب وفكر الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو محاولة للتغيير قسرا دون إقناع.
أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري – الصدامي. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى.
لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية الديمقراطية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. فكيف سوّغ “إئتلاف العراقية” لنفسه أن يتهم إئتلافين بالطائفية إذا ما إتحدا أو إندمجا. إنه موقف عاطفي ديماغوجي منفعل أكثر مما هو موقف علمي رصين من جانب “إئتلاف العراقية”.
هناك خلط خاطئ بين الطائفية وبين إنطلاق ثقافة طائفة من قمقمها لتأخذ حجمها الطبيعي في المجتمع مهما كانت طبيعة تلك الثقافة، متقدمة أو متخلفة، منبعها صفوي أو سلجوقي، شريطة أن تكون مسالمة ولا تدعو للعدوان ولا تُفرض بغير الإختيار الطوعي. ومن يريد تغيير هذه الثقافة أو تلك فليس لديه سوى النضال الإجتماعي والإقناع سبيلا.
(6) و (7): حسب فضائية “الحرة” في 15/4/2010.
(8): حصلت في التأريخ القريب ثلاثة حالات رََكَضَ العرب وراء النظام الذي أدار لهم ظهره وهي تحديدا ما يلي، علما أن العرب كانوا على حق في قضيتين وفي الحالة الليبية كان الأمر غامضاً:
– عند زيارة السادات لتل أبيب، طرد العرب مصر من الجامعة العربية وكان النظام البعثي الطغموي العراقي على رأس المتحمسين. وَعَدَ السادات الشعب المصري بأن العرب سيأتون إلى مصر زاحفين. وهذا ما حصل فعلا إذ ذهبوا إلى مصر لدعوتها للعودة إلى الجامعة العربية ونقل مقرها ثانية إلى القاهرة من تونس، وكان رأس النظام الطغموي العراقي صدام على رأس المعتذرين لأنه كان يستلم بقايا أسلحة سوفيتية الصنع من مصر بعد أن فرض مجلس الأمن حضرا على بيع الأسلحة للعراق بعد شن صدام الحرب على إيران.
– تجاوبا مع قرار مجلس الأمن الدولي، تجاوبت الدول العربية مع القرار ونفذت الحضر التجاري على العراق. أخذ صدام يستعين بعمالة وخدمات وفنيين من دول جنوب شرق آسيا. شكى العرب لدى أمريكا الصعوبات الإقتصادية التي عانوا منها تَأَثُّراً بالأزمة الإقتصادية العالمية وأنهم لا ينتفعون من السوق العراقي الذي كان ينتفع منه البعيدون. فسمحت أمريكا لهم بالتجارة مع العراق وكسروا الحصار من جانبهم.
– طرح العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية مشروعا لحل القضية الفلسطينية. أجّلت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بحث المشروع إلى مؤتمر قمة بيروت. لما عقدت القمة العربية في بيروت وإذا بمشروع حول القضية الفلسطينية قدمه الملك السعودي يُطرح للنقاش ويُنسى مشروع القذافي. فما كان من القذافي إلا أن أعلن إنسحابه من عضوية الجامعة العربية. بدأت الزيارات المتوالية والتوسلات من جانب السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة ودخل على الخط الرئيس المصري السيد محمد حسني مبارك إذ سافر إلى ليبيا أكثر من مرة فقط لإقناع العقيد بالعدول عن رأيه.
(9): كتبتُ عدة مرات وقبل ثلاثة سنوات بأن الأساس المادي للديمقراطية العراقية هي حاجة العراقيين، من جميع مكونات الشعب وجماعاته السياسية، إلى هذه الديمقراطية لتَقِيَهِمْ شرورَ الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي والعقائدي على يد الطغمويين وحلفائهم التكفيريين الذين يلجأون إلى الوسائل العنفية الإرهابية لكبت الشعب وسلب السلطة منه. لذا فإن تحالف كافة الديمقراطيين العراقيين، وخاصة الشيعة والأكراد، لهو أمر تفرضه الحياة على رغم أنوفهم ، إذا لن يُريدوا أنْ تَتَعرض جماهيرهم للإبادة ثانية.
(10): لدى مراقبتي تحركات ومواقف وتصرفات الإئتلافات والجماعات والشخصيات السياسية العراقية والدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، لم أعد أشك في عقد صفقة بين أمريكا وإيران والسعودية وتركيا وحلفائهم وذيولهم في المنطقة كسورريا والأردن وإئتلاف العراقية. كل طرف من هذه الأطراف له مصالح خاصة به، وجميعها تعارضُ المصالحَ الوطنية العراقية.
دولُ المنطقة تَرْهَبُ الديمقراطيةَ العراقية وخاصة النظام الفيدرالي الدستوري. إضافة لذلك، فتركيا تريد العودة لمنطقة الشرق الأوسط ويُقال أنها تريد إعادة هيكلته. فهي تريد المساعدة السعودية لهذا الغرض ولدخول أسواق الخليج. لذا فقد عقدت إتفاقية سرية مع السعودية عام 2007 لمواجهة “المد الشيعي” حسب وكالة الإستخبارات الأوربية . بناء على هذا فهي تقف موقفا سلبيا من العراق رغم سياسة الصداقة والشفافية والمنافع المتبادلة التي إعتمدتها حكومة المالكي حيال تركيا.
أما مصالح أمريكا وإيران من وراء الصفقة فهي كالتالي:
أعتقد أن هذا هو إتفاق هدنة مؤقتة قائم على تبادل التنازلات لبناء أرضية لكليهما يمكن الإنطلاق منها مستقبلا لإنقضاض أحدهما على الآخر، وستكون الأرض العراقية ساحة المعركة ويكون العراق هو الخاسر الأول والأكبر وأولُ ما سَيفقدُ هي ديمقراطيتَه بعد تولّي علاوي رئاسة الوزارة بفترة قد لا تطول .
فإيران تُريد موافقةً أمريكية، ولو مؤقتة، على برنامجها النووي مقابلَ المساعدة في فَرْضِ علاوي وأصحابه على رأس الحكومة العراقية. تأملُ إيران، وفقَ حساباتِها، أن تستفيد من الهدنة في تطوير أسلحة نووية دون ضغوط خارجية (غير شكلية وجعجعية) لتعودَ، مستقبلا، وتُعَيّنَ مَنْ تشاءُ على راس الحكم في العراق من موقع القوة التي سَتتمتعُ بها إفتراضا وتبدأ الضغط على إسرائيل. (وهذا يذكّرنا بمحاولة صدام الخائبة عندما شنَّ حربه على إيران بأمل إمتلاك القدرة العسكرية من الأمريكيين تمكّنه لاحقا من توحيد الأمة العربية بالقوة بدءً بإبتلاع سوريا، التي كانت، أيام المرحوم حافظ الأسد، مكروهة إسرائيليا وأمريكيا).
أما الولايات المتحدة، الرافضة مطلقا للتسلح النووي الإيراني، فإتفاقُها مع إيران لا يبدِّلُ شيئا من ستراتيجيتها ولكنها تُعيدُ صياغة التكتيك الموصل لتدمير السلاح النووي الإيراني. يقول السيد فريدمان، المحلل السياسي الأمريكي (إن تدمير هذا السلاح لا يمكن أن يتم عبر ضربات جوية). إذن لابد من جهد عسكري على الأرض يسبقه جهد إستخباراتي مُحُكَمٌ. من هذا فإن أمريكا تَأْملُ من علاوي، ورفاقِه ومَنْ سيُعيدُ من القياديين البعثيين إلى الحياة السياسية والعسكرية ، أن يُهيأ لها الساحةَ العراقيةَ من جميع النواحي لتَبقى القوات الأمريكية في العراق أو يُعيدُ إستقبالََها لاحقا بعد إنسحابها لتكون جاهزة لإنطلاق حملة عسكرية ضد إيران بمشاركة إسرائيلية ومباركةِ الحكام العرب وخاصة الأردنيين والسعوديين وبتمويل سعودي وأرواحٍ عراقيةٍ.
علاوة على ذلك فإن أمريكا، بتقديري، تهدف من تنصيب علاوي إلى كسبِ مردودٍ من السعودية فحواهُ إحباطُ أيِّ تحركٍ عربيٍّ جديٍّ لمقاومة التعنّت الإسرائيلي الصَلِف في مسائل بناء المستوطنات في القدس الشرقية ومحاولة إبتلاع القدس بالكامل وعرقلة حل الدولتين وإجهاضه، ومن جهة أخرى دعم مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق حسب المشيئة الإسرائيلية، كما يمكن لأمريكا أن تحصل على مكاسب إقتصادية ونفطية إضافية من النظام السعودي الموسوم بالشمولية والتخلف والخوف من الحداثة وحقوق الإنسان والديمقراطية.
الإجراء الآني لهذه الأطراف هو إستغلال فرصة الإنتخابات العامة في العراق لإبعاد السيد نوري المالكي عن رئاسة الوزارة وإسناد المنصب إلى السيد اياد علاوي وذلك لمنع إئتلاف دولة القانون وحزب الدعوة والمالكي من صب المنصهر العراقي (الذي صهره الأمريكيون) في قوالب عراقية بحتة ومن بعد ذلك فلكل حادث حديث (سأتناول ذلك في مقال منفصل).
بناءً على هذا التوجه، شَدَّدت الأطراف المذكورة الحملة التي بدأها الأمريكيون وحلفاؤهم الطغمويون منذ سقوط النظام الطغموي. طبيعة هذه الحملة تشويهية متعددة الأوجه ظالمة وشديدة ضد المالكي وحزبه وإئتلافه ساهم فيها حتى بعض الطيبين من علمانيين ودينيين ببراءة وسذاجة وأخص بالذكر بعض المثقفين والكتاب والأدباء والفنانين والتيار الصدري وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى. إضافة إلى ذلك جرت أعمال إرهابية مبرمجة التوقيت والأهداف. وفي هذا المجال فإني أدرج ضمن هذا الجهد الإقصائي الأحداث الخارجية التالية: – سيطرة إيران على حقل فكة النفطي لإحراج المالكي وحزبه. – تقليل مستويات تدفق المياه الواردة من كل من تركيا وإيران. – إحتضان سوريا لطغمويين متورطين بأعمال إرهابية في العراق – تمويل إئتلاف العراقية من قبل السعودية على ذمة صحيفة الإنندبندنت البريطانية بتأريخ 14/4/2010. – تصريحات الرئيس الإيراني المتكررة التي توحي بهيمنة إيران على العراق وهو يقصد من ذلك إحراج وعزل المالكي الذي لا يتيح لأحمدي نجاد المجال لتحقيق أمنيته. – سماح تركيا لعراقيين متهمين بالإرهاب وأعمال مسلحة بعقد إجتماعات لهم على الأراضي التركية.
يبدو لي أن هذا الإتفاق – الصفقة قد إصطدم بالإرادة العراقية التي مثّلها إئتلاف دولة القانون وعلى راسه المالكي الذي أعلن شعاره حول السياسة الخارجية ومارسه بحق طيلة الفترة الماضية: “الصداقة مع الجميع والإستقلال عن الجميع والولاء للعراق وشعبه”. أما الأكراد فهم يشعرون بأنهم أمام تحديات ستراتيجية لا تقف المجاملة حائلا دون الوقوف بصلابة حيالها رغم إلحاح أصدقائهم الأمريكيين والإيرانيين والسعوديين؛ لذا فهم مع الحل العراقي. أما الإئتلاف الوطني العراقي وغيره فقد وُضِعوا بين خيارين: أما الإصطفاف مع علاوي والمجازفة بإنسلاخ معظم نواب الإئتلاف وإنضمامهم لإئتلاف دولة القانون أو الإنضمام لدولة القانون وتقديم تنازل لأصدقائهم الإيرانيين والأمريكيين والسعوديين بالدعوة إلى حكومة شراكة وطنية ورفض دعوات مشبوهة مثل دعوة السيد زلماي خليل زاد السفير الأمريكي السابق في العراق ذي السمعة السيئة. يبدو لي أن إئتلاف دولة القانون والأكراد وافقوا على حل حكومة الشراكة الوطنية التي حذّر منها السيد المالكي، رغم قبولها، بكونها ستصبح ضعيفة أيضا. وهو على حق، كما أعتقد.