في عاصمة إحدى الدول العربية كان هناك طالب اسمه وليد ، يدرس الكيمياء في كلية العلوم ، كان وليد يكتري شقة برفقة طالبين آخرين يدرسان العلوم الشرعية ، وليد شاب خلوق ، مسالم، نجيب في تحصيله الدراسي، يقرأ الكثير من الكتب شهريا، رصيده المعرفي غني جدا، بالرغم من ذلك لايتظاهر أمام أصدقائه بالمعرفة ولايتبجح أمامهم. من سمات وليد أنه ليس شخصا ثرثارا، يمضي معظم وقته في اكتساب المعرفة و قراءة الكتب.
الشابان اللذان يكتريان الشقة بمعية وليد هما شابان متدينان ملتزمان، إبان نقاشهما يلاحظ وليد أن أسلوبهما في النقاش أسلوب نمطي خال من التفكر و التدبر و الإبداع، فقط يستظهران الأحكام الشرعية والفتاوى والنصوص الشرعية ، يقبلان كلما تعلماه دون طرح أي إشكالات أو تساؤلات. رغم أن هذا الأسلوب يضايقه إلا أنه ظل يكن لهما الاحترام و التقدير ولم يتدخل ولو مرة واحدة لتغيير أسلوب تفكيرهما. مرت أشهر عديدة على هذا الحال . في احدى الأيام سأل أحد الطالبين الآخر مستغربا :هل لاحظت ما لاحظته؟
أجابه صديقه : ماذا لاحظت؟
الطالب1: وليد لا يصلي و خطابه مجرد من أي شئ يدل على أنه مسلم!
الطالب2: نعم منذ أن اكترينا الشقة لم أره ساجدا ولو مرة واحدة !
إتفق الشابان على أن يستفسراه عن السبب، وأن يقوما بدعوته إلى التوبة، وطلب المغفرة من الله.
في مساء ذلك اليوم عاد وليد من الكلية ، دخل الشقة وهو يتأبط محفظته المليئة بالكتب كالعادة وسلم على صديقيه ، جلس و أخد احدى تلك الكتب والذي كان عنوانه “مستشفى المفكرين”.
نظر إليه أحد الطالبين و سأله : وليد ألن تصلي العشاء ؟
أجابه وليد بكل برودة و بدون حتى أن يزيل عينيه عن الكتاب: لا لن أصلي.
قال الطالب بصوت مرتفع شيئا ما: يجب عليك أن تصلي فترك الصلاة معصية كبيرة .
أجابه وليد : اولا لاترفع صوتك علي. ثانيا لماذا يجب علي أن أصلي ؟ طبعا ستقول لي لأن الله أمرنا بذلك. هل يمكنك أن تثبت لي أن الله موجود أصلا؟
صعق الطالبان من ما قاله وليد وقال أحدهما بتلعثم: ماذا قلت !!؟ يالك من ملحد منحرف ألا تؤمن بالله يا كافر !!
إبتسم وليد و قال: هل تنعتني بالكفر فقط لأنني طلبت منك أن تثبت لي وجود الإله الذي تصلي له يوميا، وتصوم له في رمضان ؟ ما فائدة أن تعبد إلها لا تستطيع إثبات وجوده ؟
الطالب: لقد تماديت كثيرا، لم نعد نرغب بتواجدك معنا في هذه الشقة ، ابحث عن شقة أخرى لتسكن فيها .
وليد : لكما ذلك يا صديقاي، سأغادر .
غادر وليد تلك الشقة، وأنتقل إلى شقة صغيرة قرب الكلية التي يدرس بها، هذه الشقة يكتريها شاب آخر يدرس الفلسفة اسمه عمر، وهو طالب يوشك أن يحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة، عمر هذا شاب حكيم، مرح، صامت ، كل زملائه يحترمونه ويقدرونه لتمتعه بأخلاق رفيعة .
تعرف الشابان على بعضهما البعض في اليوم الأول، بعد مرور بضعة أيام لاحظ وليد أن عمر يستيقظ يوميا ليصلي الفجر، وكلما سمع نداء الصلاة يخرج مهرولا إلى المسجد ، ويتلو شيئا من القرآن قبل أن ينام. على العكس من ذلك لاحظ عمر أن وليد لا يصلي ، ولا يعبر عن إنتمائه إلى دين معين، وسلوكاته لا تدل على أنه متدين بتاتا. استنتج عمر من كل هذا أن وليد ملحد، لكنه يتعامل معه بشكل عادي كأنه لم يلاحظ ذلك أبدا. إستغرب وليد من تعامل عمر لأنه ظن أنه سيدعوه للصلاة والتدين و الإلتزام كما فعل الشابان اللذان يدرسان العلوم الشرعية. لكن عمر لم يفعل أي شئ من ذلك القبيل.
اللجو داخل الشقة يميزه الصمت كأن الشقة فارغة، فكل واحد منهما يجلس في مكان ليقرأ كتابه دون إزعاج الآخر، لا يهدران الوقت في أشياء تافهة كالثرثرة و اللهو، بل يجدان ويجتهدان في التحصيل، لدرجة أنهما لا يجدان وقتا للنقاش والحوار ، ونادرا ما يناقشان موضوعا إلا إذا كان موضوعا فكريا يستحق النقاش .
كلما كان عمر ذاهبا إلى الجامعة يلقي عبارة على مسمع وليد وعلى محياه إبتسامة عريضة مفادها << أحب المتميزين>>!
لا يفهم وليد قصد عمر من هذه العبارة، لكنه يبادله الابتسامة رغم أن العبارة مبهمة بالنسبة له.
مرت شهور على هذه الحال، دفع الفضول وليد في أحد الأيام، وقرر أن يطرح مجموعة من الأسئلة على عمر .
عند عودة عمر في المساء ، تناولا معا وجبة العشاء، و قام عمر ليأخد كتابه ليشرع في إتمام القراءة. نظر إليه وليد لبرهة وقال : عمر أيمكنني أن أطرح عليك بعض الأسئلة ؟
عمر: نعم بالتأكيد يا صديقي تفضل.
وليد: لا شك أنك لاحظت أنني غير متدين ، لا أصلي كما تفعل ، ولا أقوم بكل ما يفعله المسلمون. أليس هذا أمرا مريبا بالنسبة لك؟
أجابه عمر دون أن يزيل عينيه عن الكتاب : أمرك ليس مريبا فأنا أحب أمثالك .
صعق وليد من هذا الجواب وقال: لهذا تقول لي دائما أنك تحب المتميزين!! و لكن ما المميز في شخصي ؟
عمر: أنت شخص منطقي، ولا تعترف بشئ إسمه “المسلمات” !
ازداد استغراب وليد من أجوبة عمر المعبرة والقصيرة، وأعجب بأسلوب تفكيره، وقال : حسنا، ولماذا لم تقم بدعوتي للإسلام و التدين ؟
عمر: لا تحتاج أن أدعوك ستصل للحقيقة بمفردك، لهذا أنا مطمئن، ومتأكد من أنك ستدرك الحق عاجلا أم آجلا.
وليد: أول مرة أقابل فيها شخصا متفهما مثلك. سأسألك بضع أسئلة إن أجبتني عنها سأعتنق الإسلام، وهذا وعد مني.
عمر :لا تواعدني فحتى لو إستطعت الإجابة عنها سيضل لك الإختيار لن ألزمك أن تعتنق الإسلام.
وليد: حسنا ،إتفقنا، سأحكي لك قصتي ،أولا، كيف أصبحت ملحدا.
في طفولتي كنت طفلا عاديا أنتمي إلى عائلة مسلمة ، أقلد كل ما أرى أبي يفعله، أصلي كما يصلي، أرافقه إلى المسجد رغم أنني لا أفهم ما يفعله إلا أنني كنت أقلده وحسب، عندما بلغت من العمر 14 سنة، أصبحت أطرح بعض الأسئلة و الإشكالات على أبي و أمي، لكن إما أنني كنت أتلقى إجابات تافهة غير مقنعة، أو لا أجد أية إجابة إطلاقا.
عندما صار عمري 18 سنة لم أعد ذلك الطفل الذي يقلد كل ما يرى. أصبحت أنتقد كل شيء، وبدأت أطرح أسئلة من قبيل: لماذا نصلي ؟ أين يوجد هذا الإله الذي نعبده ؟ هل هو موجود أصلا ؟ إن كان موجودا هل هو متعدد أم واحد فقط ؟…
كل هذه الأسئلة لم أجد لها جوابا، و جعلتني أمتنع عن الصلاة لأنني أشعر بالضجر والغباء أثناء ممارسة كل تلك الشعائر الدينية، وأقول في نفسي إن كل هؤولاء الناس الذين يقصدون المساجد بشكل متكرر، يصومون في رمضان سذج و يهدرون الوقت فقط، و من هنا بدأت قصتي .
عمر: لهذا دائما أقول أنني أحب المتميزين. فأنت متميز عن الآخرين لأنك تحاول معرفة الحقيقة ، لحد الآن كل النتائج التى توصلت إليها من إلحاد ووصف المتدينين بالغباء كل هذا منطقي، لكن بعد أن أجيب عن أسئلتك لن يبقى منطقيا ، و الآن تفضل بطرح أسئلتك.
وليد : هل يمكنك أن تثبت لي بأن الله موجود ؟
عمر : حسنا ، كيف نعرف أن فرسا مر من طريق معينة ؟
وليد: نعرف ذلك عندما نرى أثر حوافره على تلك الطريق. هذا بديهي !
عمر : وجود أثر الحوافر يدل على مرور الفرس من ذلك المكان. الأمر كذلك بالنسبة لله. وجود هذا الكون يدل على وجود مالكه وخالقه : الله عز وجل. النتيجة تدل على وجود السبب ، وجودك أنت يدل على وجود من تسبب في وجودك. وبالتالي كل هذا يدل على أنه لهذا الكون رب.
وليد : حسنا الله موجود لكن من الذي خلق الله ؟
عمر: قبل أن أجيبك تدبر سؤالك جيدا يا صديقي !
وليد : سؤالي واضح قلت لي أنه لكل نتيجة سبب إذن من الذي خلق الله؟
عمر: سؤالك ليس منطقيا أساسا ! ركز جيدا. عندما تريد تشغيل التلفاز تقوم بالضغط على زر التشغيل، إذن هناك الضاغط الذي هو أنت ، وهناك الضغطة التي قمت بها ، ونقول أن لكل ضغطة ضاغط. لكن هل من المنطقي أن نقول أن لكل ضاغط ضاغط ! كذلك هو شأن سؤالك ليس منطقيا أصلا، فكأنك تقول من الذي خلق الخالق. الله سبب مطلق في وجود الكون وليس نتيجة .
وليد: حسنا، لماذا يجب أن نعبد الله إذن ؟
عمر: أولا لنتفق على شيء. الله عز وجل غني عن صلاتك و صيامك و قيامك و صدقتك وكل عباداتك. فهو لايستفيد شيئا. لن يزيد في ملكه شيء، حتى لو عبده كل البشر، ولن ينقص من ملكه حتى ولو كفر به كل البشر. ولكن المستفيد الوحيد هو الإنسان، فالله عز وجل وعد المؤمنين به والذين يعبدونه بالجنة. لذا يجب أن نعبد الله رجاء في جنته، وخوفا من عذابه، وحبا في ذاته.
وليد: حسنا المسلمون يؤمنون بشيء اسمه القضاء و القدر ، حيث أنهم يقولون أن كل شيء مقدر و”مكتوب”. أي أن كل ما يقع للإنسان يتدخل فيه الله ، وتارة نجد القرآن يقول أن الله أعطى للإنسان الحرية في الإختيار (العبادة أو العصيان) .ما هذا التناقض ؟ هل الإنسان مسير أم مخير ؟ إن كان مسيرا فما معنى أن يحاسبه الله بشيء ليس له دخل فيه ؟ وإن كان مخيرا في تصرفاته فهذا يعني أن الله لايعرف إن كان فلان سيعصاه أم سيطيعه، وهل يعقل أن يكون علم الله ناقصا؟
عمر: أحسنت! سؤال ممتاز! سبب وجود هذا التناقض هو أنك فهمت مسألة القضاء والقدر بشكل خاطئ. فهم يظنون أن الله يكتب كل أفعال الإنسان، ثم يأتي الإنسان ليطبق كل ما قدر له أو عليه بشكل حرفي، وهذا خطأ ! فالإنسان يفعل والله يكتب وليس العكس، فقط لأن الله يعلم ما كان وما سيكون يكتب تلك الأفعال قبل وقوعها.
إذن إنطلاقا من هذا التعريف الصحيح نستنتج أن الإنسان مخير في كل التصرفات التي يقوم بها. فهو حر في أن يعصي الله أو يطيعه، الأشياء التي ليس مخيرا فيها هي الأشياء التي لا يحيط بها علما ،مثلا: لا يختار جنسه، لايختار والديه، لايختار الوقت الذي يموت فيه… وبالتالي فإن الإنسان مخير فيما يعلم، ومسير فيما لا يعلم.
وليد : حسنا إذا كان الله يطلع على الغيب، ويعلم ما سأفعله قبل أن أفعله، فلماذا يتركني أفعل المعاصي ولا يتدخل ليصلحني كي أدخل الجنة ؟
عمر : جيد ، أثناء إجتياز التلاميذ للإمتحان، إذا مر الأستاذ بجوار أحد التلاميذ ولاحظ أنه أخطأ في حل سؤال وقام بمساعدة ذلك التلميذ وصحح له الخطأ، هل سيكون ذلك عادلا في نظرك؟
وليد: بالتأكيد لن يكون من العدل أن يقوم بذلك فهذا إمتحان !!
عمر :هذا هو جواب سؤالك ، إذا قام الله بتصحيح أخطاء أحد عباده ، فلن يكون عادلا و حاشا لله أن يكون غير عادل فمن صفاته الحسنى “العدل”. و إذا أراد أن يصحح أخطاء كل عباده ويصلحهم فلن يكون لهذا الإختبار الدنيوي أي معنى. لهذا فالله عز وجل لا يتدخل و يترك للإنسان الحرية ليتحمل المسؤولية الكاملة اتجاه تصرفاته في يوم الحساب.
وليد: حسنا، تقولون أن القرآن الذي نزل على محمد هو كلام الله ، هل يمكنك أن تثبت لي ذلك؟
عمر: سؤال جيد! كما تعرف أن ألبرت أينشتاين عندما وضع نظرية النسبية وضع معها طرقا للبرهان عن خطإ هذه النظرية، و في قانون النظريات من وضع نظرية ووضع معها طريقة تكذيبها فإن نظريته تستحق المناقشة. جرب العلماء تلك الطرق لكن لم يستطيعوا أن يبينوا أن النظرية خاطئة كلية، وعجزهم هذا أكد صحة النظرية النسبية التي لا زالت قائمة إلى الآن. كذلك هو الأمر بالنسبة للقرآن حاول العديدون تكذيب الحقائق التي جاءت في القرآن، لكن محاولاتهم باءت بالفشل لأن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يتطابق محتواه مع العلم ، والشيئ العجيب في القرآن هو أن الحقائق التي اكتشفت قريبا وردت فيه مند أزيد من 14 قرنا، كنظرية الإنفجار العظيم وكروية الأرض ومراحل تشكل الجنين في رحم الأم…قد تعقب قائلا ربما محمد هذا كان عبقريا و اكتشف كل هذا. سأقول لك يا صديقي العزيز الرسول محمد كان أميا لا يفقه لا القراءة و لا الكتابة، وكل هذا يدل على أن هذا الكتاب ليس من صنع البشر بل كتاب منزل من عند الله.
وليد: يالك من شاب حكيم و ذكي لقد إستطعت أن تقنعني بحجج و براهين عقلية. كنت أظن أن المتدين لا يمكن أن يكون فيلسوفا ، لأنه فقط يسلم بصحة كلما يقال له دون أن يعمل العقل، لكنك برهنت لي على العكس.
عمر: للأسف يا صديقي حاليا أصبحنا نرى أن البعض مسلمون فقط لأن آباءهم كانوا مسلمين لكن إذا سالته بخصوص أمر يتعلق بدينه يعجز عن الإجابة، و هذا ما يجعل إيمانهم ضعيفا ، ولا يتذوقون حلاوة العبادة.
وليد: صديقي أريد كتبا تتعلق بالإسلام من فضلك ، فحقا إنك جعلتني أتحمس لأعرف المزيد عن هذا الدين.
عمر : حسنا ، سأقدم لك ما تشاء من الكتب إن شاء الله.
قرأ عمر مجموعة من الكتب المتعلقة بالإسلام ،و بعد مدة وجد نفسه في أحد المساجد يردد الشهادتين،و أصبح شابا ملتزما مؤمنا متدينا، وبدأ يشتغل في الدعوة إلى الله بعد إجتيازه لدورة تكوينية في حفظ القرآن و السنة للنبوية.
—