بعد الحادث المجرم الذي حصل في قتل المصلّين في جوامع نيوزيلندة ، خطرت ببالي أن أقلّبَ في ذاكرتي الصورية حين كان الليل يسمى هوشيمن ، لكي أرى صورةً جمعتني ذات حفلٍ فردوسي تسيلُ له أصابع البوح مع نسوةٍ من نيوزيلندة ورجل نيوزيلندي من أصل أرجنتيني . بينما كانت النفسُ المطربة تدندنُ أشجانها بلساني ( غريب آنا ..غريب آنا.. وأهلي تركوني..يابوية) للمطرب كريم منصور ، وأنا ماسكا بيدي بقايا زجاجةٍ من البيرة نوع Saigon( سايكون ) ، سايكون هو الاسم القديم لـمدينة (هوشي من في فيتنام) فاستبدل بإسم قائدهم الشيوعي العظيم ( هوشي من) . في المنعطف الأول من زقاقٍ ضيقٍ وجدتُ نفسي أمام خمسة نساء ورجل وسيمٍ ينتصف الجنس اللطيف وكان يجاور زوجته كتفاً بكتف بصحبة الصديقاتِ ألأخريات اللواتي جئن للاستجمام والتطلع لهذه المدينة التأريخية . الحفلُ بسيطُّ للغايةِ ، حيثُ إكتفوا بالتحاف دكة فندقهم للجلوس والسكر ومايأتي به الخمر من أحاديث ولهو ، فهو الفاتح للقريحة والإنشراح والمجاملة المفتوحة الودودة المطلقة . وبدون أدنى حاجزٍ رفعن الأنخاب بصحتي ( جيييييييرس) وأنا بدوري وعلى خجلٍ رفعتُ زجاجتي وقلتُ جييييرس..ثم باديء الحديث الشائع Wher you from من أين انت ، أنا عراقي ، O my god . وماذا تعمل هنا ، لاشيء غير السياحة والتسكع والتعارف وهاهي قدماي إنزلقت على منعرجكم الجميل هذا . إذن تعال إجلس ياعراقي هاهنا بيننا وعلى هواك ، ولم لا فأنا القاحلُ الستيني العمر منذ كنت مراهقا لاأعرف غير سواد العباءة والنظر بشبقٍ من خلفهن والفضل للريح اذا مرّت فتبرز الجمال بفردتيه المثنى ، لأن النظر من الأمام تتحكمُ به لغة العيون والحياء كما وأنه في التقليد العراقي عيباً على عيب فيتوجب عليك أن تبقى بحسرتك التي لايطفئها سوى ربع عرقٍ مع حفنة من الأصدقاء الفحول البائسين كما بؤسي وخيبتي .
إتخذتُ دكة الفندقِ كرسياً بينهنّ فبدت لي أجمل أريكةٍ صادفتني فقلتُ تعيش نيوزيلندة وأنا أرفع مرة أخرى كأسي الذي حصلتُ عليه هدية بينما الجميع كان يصدحُ بأغنية سيلين ديون أنا أعيش ( I am alive) والخمرُ يعطي للشجاعة والجرأة أخلاقا خفيفة أخرى فيذهب عنك الخجل الأولي في التعارف والرسميات ، وعلى عجلٍ صرتُ سابعهم في الصداقة والمرح الذي طار بي بعيدا عن لقبي بشبوش فصار مايكل أو ميكائيل وماشاكلهم . إنتهت كاسات البيرة والفجر حط بذراعيه علينا يشير الى الرابعة صباحا ، فهممتُ بالنهوض وشمّرتُ وداعي المطرّز بالحب والثناء ووقفتُ على باب فندقي الألكتروني الذي يجانب فندقهم بعشرة أمتار وإذا بي قد نسيت رقم الكودة الخاصة بفتحه فيتوجب عليّ البقاء للصباح أوالإتصال لقدوم أحدهم ليفتحُه لي . النسوة عرفن ماحصل ولم أصدق حين عرض عليّ البقاء والنوم في فندقهم وبكامل النوايا الطيبة البعيدة عن أي غرضٍ آخرٍ كما وأنني عجوز لو قورن الأمر بأعمارهنّ الفيروزيّة . رفضتْ مرة وأثنتين لكن الإصرار تسوقه دعابة الخمر اللذيذة في الرؤوس . الرجل وزوجته في غرفةٍ ، فوجدتُ نفسي داخلاً غرفةً رباعية الأسرّةِ للنسوة الأخريات وكنبة أخرى فارغة وكإنها أعدت لي أنا المسكين المنذهل مما أرى وأرى . فأنا قضيتُ صباي أنام فوق دولاب الملابس حين يعج البيت بالضيوف. رفضت مرة أخرى وإذا بجثتي تنسحب مرغمة الى الأريكة ومعها لغة آمرة مداعبة أنْ نم ياعراقي ولا تثرثر فالصبح قريب . نمتُ مدلولا ثملاً وفي الآوان غفوت حتى صحوت على مشهدٍ بريء ، فالنائمُ لايدري بحاله فيترك شكل نومه بأوضاعه التي لايمكن أن تتخيلها نفسه فما بالك مع الخمر فكيف ستكون أوضاع النسوة النائمات النصف عاريات ، نهدُ يتحدى القميص ، فخذ يتوارى بين الشرشف الأبيض ، ردفين منقسمين بين مايسمى بكلسون الحبل ، ووجه باسمُّ ربما كان يحلمْ ، وأخرى تنام على بطنها تاركة عجيزتها الطرية لعيون السقف . كلها مرقت في رمشة عيني التي أصابها الحياء فانغلقتْ احتراما للثقافة الأوربية في ترك الجسد حراً عاريا كما نراهم على السواحل وتحت الشمس في الحدائق العامة . إستيقظتُ باكرا الاّ أنّ الآخريات نياما ولذلك بقيت في سريري أنتظر يقظة الجميع وحتى أزفَ الوقت هممتُ بالرحيل مودعا شاكرا والى الأبد وبعدها بيوم غادرت فيتنام الى الفلبين وإنتهى أمر هذا الكرم النادر. رن جرس التلفون وأنا في الدنمارك وإذابإحداهن تقول لي نحن آسفون ياهاتف لماحصل لكم في بلدنا نيوزلندة من إرهاب أودى بقتل المصلّين . فقلتُ مع النفس: ماالذي قدمه المسلم في أوربا وماالذي قدمته أوربا لنا في جميع نواحيها . لاشيء عرضناه من بضاعتنا غير تخلفنا والغائنا للآخرِ بإعتباره كافرا يجوز قتله مما أدى الى ظهور هكذا جرم عنصري لقتلنا بدمٍ بارد ، فلكل فعلٍ ردة فعل . فما هو الفرق بين هاته النسوة وهنّ يدخلن على خدورهن رجلاُ مسلماً جاء من أقاصي التخلّف والحرمان ومايفعله المتطرفون المسلمون من أفعالٍ لاترتقي الى الحيوَنة .
هاتف بشبوش/شاعر وناقدعراقي /دنمارك