أنا الآن أمام كتاب شعري، قرأته مرتين، أبحرت في بحوره وقوافيه، ووجدتني أمام شاعرة ناظمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، هي تتقن عملها بجدية ادهشتني فهذا النوع من الشعر يعد هو الاصعب في حمى تهافت الشعراء على الشعر الحديث او قصيدة النثر.
ظمأ الطوفان عنوان مثير، وهو عتبة كتاب الشاعرة سمية المشتت الصادر عن دار الادب البصري في البصرة عام 2019. الطوفان الذي باغتنا واحالنا الى مجرد ارقام في انسانية تتطلب ان نتحلى بكل صفاتها وهو ما تشير اليه الشاعرة في اكثر من قصيدة حيث العادات والتقاليد والدين والتمرد على كل هذا بالنسبة للمرأة الشرقية هو الموت!
انّ التمرد ها هنا في شرقنا يعني الموات بلا جدال كافره
دين تقاليد وعرف اسود ماذا ستفعل بالمعارك شاعرة (قصيدة اهواك ص39)
هي اذن في معركة دائمة تحاول الخلاص تارة من خيوط شرنقتها الشرقية وتارة اخرى ترى فيها الخلاص من كل اثم كما في قصيدة (جريمتي نقابي) في الصفحة 58:
فطبعي حشمة من اصل طيب نقابي والحجاب هو اكتمالي
في الكتاب نقرأ مزيجا من التمرد والاستسلام ، الوفاء والخيانة، متناقضات الحياة اليومية ترصدها الشاعرة بعين مركبة فاحصة فهي في قصيدة اذنبت صفحة 57 تقول:
قسما اقول وفي المقالة حسرة ما عدت أيقن بالوفاء ثوابا
وفي قصيدة قناع لطف تؤكد ذاك الزيف قائلة:
يا سارق القلب لا تقتل مودته واكشف لنا الزيف كي تبدو نواياه
هي لحظة التجلي لمعرفة الحقيقة او الزيف ونجد هذا كثيرا في الديوان فيما بدت انثى القصيدة مقاومة للمحيط فهي تعيش في دائرة لا يمكن الخروج منها وتكتفي في احايين كثيرة بالكتمان او البوح الخجول!
وكيف أصبر والكتمان يغلبني ولوعة الحب في اعماق وجداني (رفيق الروح ص75)
او في قصيدة رحماك ربي صفحة 79:
شغاف قلبي له والشوق يسكنه اقسمت في ذكره دوما سأعتكف
سأزفر الآه قهرا ثم اكتمها وأجرع الصبر للذكرى وأرتشف
هي المحنة الكبرى التي تكتنف كيان كل انثى شرقية فما بالك بالشاعرة التي تتضخم عندها الاحاسيس والمشاعر وترى ما لم تره الاخريات. ولأن القلب هو بؤرة العواطف وبوصلة القرب ومفازة الالم عند الهجر او الخيانة جاءت قصيدة ألوذ من الهوى ، هي لا تلجأ اليه بل تهرب منه:
اني ألوذ من الهوى وفعاله وأسد أبواب الفؤاد اذا نزل (ص38)
في ديوان ظمأ الطوفان للشاعرة سمية المشتت كثير من الافكار التي جاءت بشكل مباشر وكأنها تتقصد المباشرة في طرحها بالرغم من ان القصيدة العمودية ترتكز على تنوع الاساليب البلاغية البديعة مثل التشبيه والاستعارة والكناية وهي تعطي القصيدة قوة ايحائية وابداعية جميلة فضلا عن اتقان الايقاع الشعري وتنوع البحور الشعرية والقافية.