نحتاجُ لألف نبيٍّ
كي نُثبت َ أنَّ الأرضَ بها
بعض نعيمْ
لكنّا نحتاجُ لدكتاتور ٍواحد
كي نُثبت َ أنَّ الأرضَ
جميع الأرض جحيمْ
وإذا كانت هذه الذراعُ سترافقُ صاحبَها عند الشهادة، فإنَّ راحتها ستندى باحتضان تراب الوطن وغاباته وجماله .
وطن ٌ بكفّكَ يرتمي
وتفيقُ غابات الدموع..
براحتيك ْ
والأرض ُ أنثى أسدلت عشّاقها
لكنّها من فرطِ موجدة ٍ..
وقد فارقتها..
هرعت.. إليك ْ!
عشق صاحبُ هذه الذراع وطنه وكلّ ما فيه من حيوات على نحو ٍصوفيّ ، فقد أحبّ
فيه كلّ شيء،فتقبل ما كان منه من وجع وجنون وضير وحزن وقهر،لا بل أحبَّ زنازينه وسجونه ومخبريه وسكاراه ولصوصه وبغاياه، وحتى من أيّد حكامه الباغين
من أجل أن يبقى موحّدا ًرافضاً للانقسام والتشظي،فكلّ عراقي هو بحدِّ ذاته عراقٌ موحّد ،فكم عراقاً سيقسّم دعاة التفرقة والتقسيم؟ :
وطنٌ ليس يدري
سوانا هواهُ
إذا غلّف العشقُ
صوتَ الجنون ْ
وطنٌ لا نبوحُ بأوجاعهِ
لكنّنا نشتهيها
ونمشي……
على صوته إذ ينادي
ولا نسأل الإذن َ
من يطلبونْ…؟
وطنٌ…كلنا
والجنان – منافي –
ونشتاقه…..
حدَّ أنّا نحبّ ُ اللصوصَ به،
والسكارى،وحرَّ الزنازين في صيفه،
والبغايا،ومن أيّدوا،ثمَّ من عارضوا،
والمخبرين،ومن أ ُخبروا،والسجون ْ
وطنٌ لا يُقسَّم مثل الخرائطِ
لكنّه نحنُ
كلّ ُعراقي….عراق ٌ…!
فكم وطناً يقسمون ْ…؟
إنَّ هذا الحبَّ العجيب يفتح مغاليق الشعر ويصل به إلى خلاصات الوعي الإدراكي للمبدع الذي يعبّرُ عن صوفيّة الرؤية التي توحّد الجميع مهما كانت إثنيّاتهم أو أطيافهم أو طوائفهم:
وطن ٌ…نحن سيماؤهُ…
ولهُ….
طبعُ أكرادهِ عاشقاً
حِلمُ سنتهِ غاضباً
حزن ُ شيعتهِ…..
عندما يحزنون ْ.
ومثل هذا الحب يذكّرنا بقول الجواهري العظيم:
يا شبابَ الغد ِ:هذا وطن ٌ
كله فضل ٌ وألطاف ٌ ومنّ ُ
ليسَ ندري من خفايا سحرهِ
غير أطيافٍ وأحلام ٍ تظنّ ُ
وهو حتّى إنْ تجافى عنك َخدن ُ
وهو حتى إنْ تخلّى عنكَ حصن ُ
يُفتدى إذ يرخصُ الفادي بهِ
وبهِ إذ توهبُ النفس يُضنّ ُ
فاستمنّوهُ بما تُعطونَه ُ
من دم ٍ إنّ الحِمى لا يستمنّ ُ
إنَّ حبّاً من هذا النوع يشكّلُ اتّساقاً مع الداخل عبر البناء النفسي والقيمي والوجودي،وما صاحبه من تقاليد وأعراف نضاليّة أسهمت،أو شاركت في تنْبيتِ العراقة وغرسها تكويناً،وهذا ما يفسّرُ تردّد الذات الشاعرة في تركها للوطن،واختيار المنافي بدائل مرحليّة ،وإن كان ثمّة ما يبرّر المغادرة من كونها طلباً للنجاة،وطمعاً في تنفّس هواء الحريّة،لذلك كانت الأعماق تتمنّى أن تخفق المحاولة،ويتم إرجاع الذات الشاعرة إلى الوطن( مكبّلة ً عند الحدود)،وعدم السماح لها بالاجتياز،لتجد تبريراً خارجيّا لفعل العودة قسراً.
أمّا حين جازت الذات الشاعرة الحدود وشرطتها سنة 1992م، حبّاً بالنجاء، فإنّها أبقت معها ما كانت قد غرسته من محبّة العراق في حلّها وترحالها،ومذاقها،وتوقيتها، فكان العراق تعويذتها على الدوام:
قبل عامين…
لمّا احترفتُ الرحيل
تركتُ على دفتر ٍ أخضر ٍ صورتي
ثمَّ أمسكتُ فيها ملامح وجهي
وكنتُ الوحيد الذي يتمنّى
إعادته في ثنايا الحدود
وأبقيتُ حالي على حاله…
لم تغيّر به غربتي من مذاقي
وأدمنتُ توقيتَ بغدادَ
– في ساعتي –
ثمَّ أوثقتُهُ بوثاقي
وصرتُ أصرفُ كلَّ الزمان
بوقتٍ عراقي
لقد عاد الشلاه إلى بابل الحضارة،وأثّث بيته،وتصالح مع ذاته الشاعرة التي ظنّت أنّ العودة مستحيلة:
بكت عتبة ُ الدار ِ
– لما رأتني –
وصاحت لماذا أتيت ْ…؟
– لقد ضاع وجهي
وضيّعني ما عرفت ُ
وأنكرني..من رأيت ْ…!
وحين أفقت ُ على وطن ٍ
– ليؤثث خوفي –
توهّمت ُ بابكَ…
بيت ْ !
…………
……….
……………
ووصلَ إلى خلاصات ذاته في ضرورة جعل الآخرين يفتحون عيونهم المغلقة،ويرصدون بها صانعي الموت،وممتهني الدمار،ومحترفي التفخيخ:من الأرهابيين وحلفائهم من الصدّاميين أدوات جمهوريّة الخوف،ومنظمتها السريّة.
شلت الأيدي التي أرادت لذراعك السوء يا عليّ،وحمداً لله على سلامتك يا صديقي الوفيّ.
ألهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في يوم الاثنين 10/5/2010م،فجّر الإرهابيّون القتلة سيّارة مفخّخة قرب معمل النسيج في بابل،وحين سمع الشلاه بالتفجير الإرهابي سارع مثل بقيّة الغيورين لتفقّد المكان،ومعرفة الأضرار بعد أن ركن سيّارته قريباً من الموقع،وحين اقترب من مكان الانفجار ،فجّر القتلة سيّارة مفخّخة أخرى كانت مركونة هناك،فأصيب عليّ الشلاه بالحادث،وتعرّضت ذراعه اليمنى إلى كسرٍ مركّب أدخل على إثره إلى المستشفى،وأجريت له عمليّة إرجاع العظم المكسور إلى موضعه،أما أعصاب اليد فيبدو أنّها بخير ولله الحمد ،وإن كانت الشظيّة قد استقرّت في موضع حسّاس ،حال دون تمكّن الأطباء من استخراجها في الوقت الراهن.
(2) عليّ الشلاه لمن لايعرفه :
ـــ ولد في بابل(الحلة) في 10/2/1965م.
ـــ بكالوريوس في آداب اللغة العربيّة/جامعة بغداد،1987م.
ـــ ماجستير في الأدب العربي الحديث ونقده من جامعة اليرموك/الأردن،وعنوان رسالته ” أسئلة المأساة..كربلاء في الشعر العربي الحديث “
ـــ دكتوراه من جامعة بيرن السويسريّة،وعنوان رسالته “المرأة شاعرة..القصيدة النسويّة العربيّة الحديثة”
ـــ مؤسس ومدير المركز الثقافي العربي السويسري(غاليري الأرض) منذ العام 1997م.
ـــ شاعرٌ وناقد أصدر الكتب الآتية:
• ليت المعري كان أعمى(1992م).
• ألتوقيعات( 1994م).
• شرائع معلّقة(1994م).
• كتاب الشين(1995م).
• ألعباءات والأضرحة(1996م).
• ألبابلي عليّ(2001م).
• غروب بابلي (2004م) بالعربيّة والألمانيّة والإسبانيّة والصربيّة.
ـــ ترجمت بعض نصوصه إلى عدد من اللغات العالميّة.
ـــ مؤسّس مهرجان المتنبّي الشعري العالمي الدولي باللغتين العربيّة والألمانيّة،وقد أقيمت منه ست دوراتٍ حتّى الآن.
ـــ شارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات العربيّة والدوليّة.
ـــ حائز على عدّة جوائز وميداليات ثقافيّة عربيّة وأجنبيّة،لاسيّما مهرجان أصيلة سنة 2003م.
ـــ عضو اتحاد الأدباء العراقيين،وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب.
ـــ عضو نقابة الصحفيين العراقيين،وعضو اتحاد الصحفيين العرب،وعضو المنظمة الصحفيّة الدوليّة.
ـــ حصل على مقعد في البرلمان العراقي الجديد(انتخابات 2010م) ممثلاً عن محافظة بابل.
أ.د.عبد الرضا عليّ