انتهى قبل ايام عرض المسلسل التلفزيوني العراقي (الفندق) من تأليف السيناريست (حامد المالكي) واخراج الفنان حسن حسني ، وهو عمل اثار لغط وضجة كبيرة بين الاوساط الشعبية والثقافية والفنية منذ عرض الحلقة الاولى، نظراً لطرحه مواضيع جريئة تعد من المسكوت عنها والمضمر في ثقافتنا المجتمعية، ومنها موضوع ( الاتجار بالبشر، تجارة الاعضاء ، تجارة المخدرات ، مراكز المساج المشبوهة والملاهي الليلية ، عصابات التسول ، الفساد في المنظومة الامنية..الاشباح ، الامراض النفسية…) وهي مواضيع خطرة ومهمة في ذات الوقع والمؤلف يجب ان يكون حذرا في تناول مثل هكذا مواضيع حساسة ، ثيمة العمل تدور حول مقولة (الوطن ليس فندقًا نغادره عندما تسوء الخدمة) وهي تحكي قصة روائي وصحفي (كريم نعمان) يدير فندقاً يسكنه مجموعة من المجرمين واللصوص والعاهرات وتجار الفساد وضحايا المجتمع ، وتدور كل الاحداث حول مصائر هذه الشخصيات وتحركاتها وتعاملاتها بالمجتمع ، ويكشف حامد المالكي وحسن حسني العديد من القضايا المتعلقة بالفساد باشكاله كافة في مجتمعنا العراقي من خلال هذه الشخوص التي تمثل القاع المنفلت والمنحدر والمنحرف ، وفي ختام العمل يتضح ان هذا الروائي مصاب بمرض نفسي ، وكل هؤلاء الذين كانوا في الفندق انما هم اخر نزلاء قد ماتوا او لاقوا مصيراً بائسا في هذا الفندق ( اللعنة/ المسكون) وانما تعرف على مصائرهم من ذلك المجنون الذي يمر دائما بالفندق والذي حكى له عند اول يوم قدومه للفندق عن قصة الفندق فقرر ان يكتب رواية حول هذه الشخصيات التي تسكن الفندق من قبل مجيئه حتى ، طبعاً سابدأ من النص وبغض النظر عن الجدل الذي اثير حول عائديته او ( سرقته) من رواية ما ، ولاني اثق بقدرات الصديق حامد المالكي في مجال الكتابة ولكن هذا لا يمنع من القول ان العمل استوحى من عدة اعمال سابقة ثيم وافكار ساورد بعضها في هذا المقال ، ولكن ثمة اشكالية كبيرة على عدة حوارات وردت في هذا العمل وبخاصة على لسان بطل العمل (محمود ابو العباس) والمجنون (عزيز خيون) من قبيل طرح فكرة مقتل المفكر (فرج فودة) او الحديث عن (الاشتراكية ) (الرأسمالية) او الحديث عن عشيقة هتلر إيفا براون او غيرها من الجمل الفلسفية والمثالية، اقول ان العمل التلفزيوني الدرامي يقدم للشارع بتباين مستوياتهم الثقافية ومثل هكذا حوارات اعلى مستوى من المشاهد العادي (صاحب البسطة او عامل النظافة او الانسان الامي) وغيرها من الحوارات وبخاصة تلك التي كانت مفرطة في المثالية على لسان اريج (ايناس طالب) ناهيك عن اخطاء وردت في الاخراج وحتى التمثيل واخطاء شخصها الكل ، ولكن يبقى اداء (عزيز خيون) (ذو الفقار خضر) (محمود ابو العباس) (سناء عبد الرحمن) والذين قدموا درساً رائعاً في الاداء لشخصياتهم علامة مميزة في العمل ، ولن ابالغ كثيراً بتشخيص الجوانب الفنية سواء بالاخراج او التمثيل وساتحدث فقط عن مرجعيات النص ، وسادع القارئ هو من يحكم لن اضع الحكم بصورة قطعية هنا ، اولا ساتحدث في مجال الرواية وبحسب اطلاعنا ، ان ثمة رواية للكاتبة البوليسية اجاثا كرستي بعنوان ( جريمة الفندق) تتحدث حول وقوع جريمة امام الفندق (بوترام) وبقي التساؤل حول مقتل الضحية كما حدث لمؤيد في فندق حامد المالكي ، والذي بقي التساؤل حتى اخر الحلقة!وهناك رواية (جثة في الفندق) للروائي والكاتب آلايسلاندي (أرنالدور أندريداسون) وهي من روايات الرعب والتشويق ، وعوالم الجريمة الغامضة ، وايضا هنا يتم العثور على جثة احدهم مطعونا حتى الموت كما حصل لمؤيد في فندق المالكي ، وفي رواية ارنالدور هناك (التحري إرليندور) كما يحصل ذلك في فندق المالكي ثمة ضابط يتابع ويترصد الفندق، وهناك كذلك رواية فندق سانت جريجورى للبريطاني (ارثر هيلى) والتي تتحدث عن عدة قصص انسانية تدور بين طيات غرف الفنادق ، وتعبر عن الواقع المعاش ،وايضا رواية (فندق كوكول) ليحيى صاحب يتخذ فيها شكلا يسمى الروية التسجيلية التي يكون ففيها السارد الكاتب ذاته ، وهو ما حصل في فندق المالكي الذي اطلق على عمله (رواية تلفزيونية) كما ان السارد في فندق كوكول يقوم بتسجيل انطباعاته عبر المدونات اليومية ، وهو ما يفعله بطل المالكي (كريم نعمان) عبر الفيديوهات التي يسجلها يومياً ، وهناك رواية (فندق الغرباء) للكاتب البلجيكي ديمتري فيرهولست التي تحولت لفيلم فيما بعد من اخراج وكتابة مانو ريشي وستيف هاوس بعنوان فندق المشاكل (بروبلمسكي هوتيل) ،وهو فيلم بلجيكي هولندي عن حياة اللاجئين ومعاناتهم ومجتمع القاع ومنغصات حياته. والاهم من كل هذا هو فيلم البريق The Shining وهو فيلم رعب سيكولوجي درامي ، مقتبس من عمل ادبي كذلك ، وصادر 1980، ومقتبس من رواية ستيفن كينغ واخرجه ستانلي كوبريك ، وتدور قصة الفيلم حول تولي جاك تورانس وهو كاتب وظيفة حارس ويكتشف داني ابن جاك أن الفندق مسكون بالأشباح ، وهو من أفلام الإثارة والغموض ، وكذلك بطل فندق المالكي كاتب والفندق مسكون!. وهناك مسلسل (الفندق) المصري الذي يتحدث عن تواجد مجموعة من الأشخاص في أحد الفنادق، تأليف اسامة وﺇﺧﺮاﺝ عاطف شكري ، وايضا يتكلم عن المسكوت عنه في الخيانات وفتيات الملاهي الليلية وتناول المخدرات ، وهذه الثيم كذلك موجودة في فندق المالكي، وهناك مسلسل جراند أوتيل هو النسخة المصرية من المسلسل الإسباني Gran Hotel من إخراج محمد شاكر خضير تم بث المسلسل لأول مرة 2016 اذ ان المسلسل الاسباني Grand Hotel المنتج سنة ٢٠١١ عمل يحمل سمات دراما الغموض والجريمة كما يحصل في فندق المالكي وبخاصة يشتركان في ثيمة اختفاء اخت جوليوا وهروب دينا ،وهناك فيلم (أيام سيئة في فندق الرويال) وهو من أفلام الجريمة والإثارة والتشويق، والذي استخدم فيه المخرج في كشف الحقائق بالختام (اسلوب الاسترجاع: فلاش باك) مثلما حصل مع فندق حسن حسني وحامد المالكي ، وعضو المباحث دوايت برودبيك مكلف بالتحقيق بما يجري في الفندق ومعالجة المشاكل في فيلم ايام سيئة في فندق الرويال كما حصل مع فندق حامد المالكي . وهناك كذلك فندق أرتيميس (Hotel Artemis) هو فيلم حركة وجريمة ودراما انتج في المملكة المتحدة والولايات المتحدة سنة 2018،وتدور احداثه حول الممرضة التي تدير غرفة طوارئ سرية لكافة الخارجين عن القانون الذين يعانون من حالات طبية طارئة ، وفندق المالكي ضم ايضا الخارجين عن القانون، ولكن يمكن القول ان حامد المالكي حول فندقه الى عراق مصغر ومرآة عاكسة للواقع المأساوي في العراق في ظل شيوع وتسيد طغمة الفساد وادواته ، ولكن اتساءل الم تكن نهاية الفندق المدهشة والتي تحتوي المفارقة هي نفسها نهاية مسلسل (الحُب والسلام) لحامد المالكي ذاته؟ ارى ان المالكي وبقراءاته المتعددة ومشاهداته الكثيرة ربما قد توارد بعض الشيء مع الفنادق الاخرى. ان عمل الفندق رغم استلهامه الكبير من دلالات الفنادق التي سبقته الا انه ذا بصمة في مسالة التطرق لموضوعات عانى منها العراق كبيئة محلية لاحداث العمل الدرامي ، الذي يبقى مدار الجدل والنقاش حتى الان وهي علامة عافية في جسد الدراما العراقية مهما تنوعت واختلفت الاراء حول الاعمال الفنية. يبقى المالكي عبر حوار الحلقة الاخيرة ذا بصمة مهمة في توجيه رسالة للشباب باخذ دورهم بعد ان عجز المثقف عن النهوض بالبلد وبناءه ، فلا يمكن للشباب ان يغادروا هذا البلد ان ساءت خدماته فهو ليس فندقاً وانما وطن. وهنا يكمن الانتقال من الخاص للعام في هذا العمل ، ولو كانت نهايته متوقعة لي شخصياً وهي اساليب مطروقة كثيراً في الادب واصبحت ثيم واضحة الا وهي (انا وانت حقيقة فقط والباقي وهم) كل الذين كانت تدور حولهم الاحداث ويتجاذبون الحديث مع هذا الروائي انما هم كانوا اخر نزلاء هذا الفندق ومصائرهم قصها المجنون لكريم نعمان ليحولها لرواية حول اخر نزلاء هذا الفندق المعلون. تحية للصديق حامد المالكي وللكبير حسن حسني على هذا العمل مهما كان مستواه ومهما اختلفت حوله الاراء ، فهم قدموا عراقنا بصورة مصغرة على هيئة (فندق). ورغم كل ما قيل انه من الاعمال التي تربط المشاهد بالمكان ويتمنى لو كان حاضراً في ذلك الفندق الذي سيبقى طويلاً في ذاكرة المتلقي العراقي.