كذئب جريح
مصطفى حميد جاسم
لمجرد شعوره بالحرية والحياة كانا له بمثابة مهدئ او مخدر ولكن ذلك سرعان ما تلاشى وظل يتظاهر ان رغبته في ان يعيش حياته وتوقه لها ما زال قائماً، بعد ان قضى نصف عمره في زنزانة ضيقة رطبة لا يدخل اليها حتى ولو خيط واهن من ضياء الشمس، كان معه في تلك الزنزانة شاعر تهمته انه كتب ذات ليلة وهو تحت تأثير الخمرة قصيدة لعن فيها سلاطين الحروب… وهل ثمة بقية حياة… آثار من الحرمان وأسئلة جنونية وفقر مدقع وانت ستظل مراهناً على تلك اللوحة التي كانت هاجسك اليومي، تركتها حين سلبوك من متعتك في الرسم ، أنت مولع حد الثمالة في عالمك الذي علمك ان تتمرد ضد قوانين الكون تتطلع الى ارض كانت ذات يوم فيها حشد من نخيل باسقات شاهقات، اليوم لا نخيل في رؤوس مقطوعة وارض جرداء تنوء بالحزن، وكنت تقول هذه هي الحياة التي كنت اتوق اليها، تبصق على كل شيء فيها، كيف لك ان تضع رأسك على الوسادة وتغمض عينيك دون ان تتقلب في الفراش ويظل ينهشك الارق مثل كل ليلة. حتى الحلم يأبى المجيء لكي يخلصك ولو لبعض الوقت من ليل معاق، صارت الحياة تسيرك على مزاجها وكما تشاء، وتلونت سماء الفجر الحزين بخيوط من الدخان بيضاء ودوائر حمر واشياء اخرى تتصادم في الافق الحزين، ارجاء بيتك صماء ولا حتى خيط شمعة ، رحمة الله عليك يا أبي . البيت الوحيد الذي تركته لي، لم ارفع نعشك بين يدي، لم اودعك، لم اذرف عليك دمعا منعوني من كل ذلك، رحلت غريباً وانت توصي بي ، تضع رأسك على الوسادة لاول مرة منذ سنوات متنازلا عن كل احلامك التي راهنت عليها من له القدرة على ان يمنحك طمعا للحياة من وحدتك وتسكعك في المقاهي الحزينة، كل شيء فيك حتى الذاكرة اصيبت بالاعياء، حلمت ذات يوم بحب امرأة ولكنها اغلقت بوجهك مسارات ذلك الحلم واصبحت منهكاً من هذا الحب الخرافي، فمن الصعب ان يتخلى المرء عن اخلاقه بسهولة وارتضيت ان تقف على مشارف ذلك الحلم وترنو اليه ولو من بعيد وذلك اضعف الايمان. هل لحياتك بقية ؟ وانت تقبع في زنزانتك اندلعت الحرب ما اتعس الحروب تجعلنا نفقد احلامنا وتحيل ضوء الحياة الى ظلمة مخيفة، لا تحد برئ في الحروب دائما نحن الضحايا، لا نريد موتاً مجانياً وفقداً للاحلام والحياة نحن الذين نمنح الحرب الحياة لتمنحنا صوت نعيقها بطريقة جنونية، وانت خلف قضبان زنزانتك كنت تشخبط في اوراق يمنحها اليك حارس الزنزانة، كان يتعاطف معك، مرة رآك شارد الذهن وهو يتلذذ بتدخين سيجارة ، دفعه الفضول ان يسألك عن سبب شرودك، قلت له منذ الامس انك لم تذق طعماً لسيجارة، سرعان ما دفع لك بسيجارته متخليا عنها من هذا الموقف عرفت ان للحياة معنى بعد، كان زميلك الشاعر يقرأ لك بعض من قصائده ويبادلك حديثاً ذو شجون ثقافي ذات مرة ظل عالقاً” ذاكرتك مقطعا من قصيدة كان قد قرأها لك ، ان من يكون الى جانب امرأة تعشقه لن يخسر شيئاً، ايها الرسام المتسكع على ارصفة الجوع”.