الحوار مفهوم يقوم على علاقة تبادلية بين شخصيات لها ارتباط بموضوعة البناء الحكائي المدعم بلغة الحوار، والذي هو أساس أفعال وسلوك مشتركة تبين الأحداث وصفة المتحاورين، بطريقة يتم التأكيد من خلالها على الكلمة الرابطة بالموجودات البشرية، والتي تكون حواراً قد يتيح للمتلقي مشاهدته بعيداً عن السمع. نكتشف من خلال ذلك أن اللغة او النطق بالكلام ليس أداة توصيل حقيقية، بل هي أفعال تؤكد أن الحوار يتضمن شيء ما. وهذا ما ينسحب على الحوار المسرحي الذي يجب أن يكون مختلفاً عمّا سواه، وذلك لأنه لا يعتمد على الكلام فقط، وإنما تتداخل فيه عناصر أخرى مثل: الإيقاع والموسيقى واللون والإضاءة والحركة، وهذا ما يؤكد على البناء المشترك في إنتاج أفعال العرض المسرحي، على اعتبار أن للمسرح قيمة جمالية تعتمد على القيمة الفكرية التي تطرح الاسئلة، وايضا على حوار الممثل، والقيمة الفلسفية التي ترتكز على محرك الصراع في الحوار بطريقة مختلفة، وذلك لما له من انفعالات ذهنية تلامس العقل والعاطفة، وهذا ما تجسد بمسرحية (في انتظار غودو) لصموئيل بيكيت.. التي استمر فيها الحوار، أو أحاديث “الانتظار” المحملة لبعض القصص والأسئلة الغريبة، ليأتي مع قرب ختام المشهد الأول الصبي الصغير، يحمل رسالة من “السيد غودو” مفادها أنه لن يأتِ اليوم، لكنه غداً بالتأكيد آت.. يميز الحوار هنا وجود اللغة التي يثق بمعانيها كوسيلة من وسائل الاتصال المتعارف عليها، بل هي تعبر عن جوهر التجربة، حتى وأن كانت في بعض الأحيان لغة فنية مشوشة، تقدم السخرية فى الأنماط الكلامية الاصطلاحية، بالتالي يحاول المسرح أن يجعل الجمهور على دراية بإمكانية الغوص فيما وراء الكلام، من أجل الاتصال المباشر بالحقيقة الطبيعية لايماءات اللغة والحوار.
هناك حوار يكون مع النص، وذلك أن لكل نص – لغة – تقول لنا شيئاً ما، أي أن كل حوار مع النص هو حواراً بين شخص وآخر، لا يمكن أن يتجاوز ما يقوله النص إلى ما وراءه، معتمداً بذلك على اللغة، والأفعال المشفرة داخل مضمون النص، الذي رسمه المؤلف برؤية تحمل قيم إبداعية متعالية المعنى، وتعد هذه العملية آلية اتصال تنقل فكرة المؤلف إلى النص ثم إلى القارىء، وهنا يكون النص وسيط يحمل ما يفكر فيه المؤلف إلى القارىء، على ضوء ذلك لا يمكن أن يعامل النص على أنه الآخر والذي يكون طرفاً في عملية الحوار. لو عدنا تاريخيا منذ الإغريق حتى الوقت الحاضر، سنلاحظ خلال هذه الفترة تحرر النص المسرحي من سيطرة الممثل، وأصبح للمخرج الدور الأكبر في بلورة العرض وتسيير عناصره وفق ما يقتضيه النص المسرحي المتكون من عناصر متعددة تلامس مخيلة المتلقي، ومن أبرز عناصره: الحوار الذي يؤثث المكان والزمان والحدث والحل والصراع بين الشخصيات، والهدف من ذلك ترجمة الجزئيات المكملة للعرض والتي لها تماس مباشر بأحداث الفكرة، فالنص يتحدث احياناً، ويصمت احياناً أخرى، ينفتح وينغلق، وعملية الفهم والتفسير الحواري هي كشف الأفعال المستترة، عبر استرجاع الذاكرة لمعرفة المعنى الذهني الذي يقوله النص.
كما أن هناك الحوار الحركي المثبت على أنه لغة، لها أدوات متقنة بشرط وجود ممثلين يتقنون هذه اللغة ويستعملون جملها ومفرداتها بشكل سليم، وضرورة التركيز على هذا الحوار لعلاقته بالفعل المؤكد في كل مسرحية منذ أزمنة بعيدة، إلى أن بدأ البحث عن الخروج من الأشكال التقليدية، وإيجاد محاولات تعمل على إنتاج وتأليف الفعل.. وهذا ما جاء به المخرج (أدولف آبيا) في القرن الثامن عشر، حيث ميز بين أثر الموسيقى والضوء داخل منظومة اشتغال العرض المسرحي، وخلق دوراً اساسياً لهذه العناصر المصاحبة للفعل الجسدي في الأداء المسرحي، عبر ربط التعبير الحركي مع عنصر الموسيقى الذي يُعد لغة علينا ان نفهمها حتى نعرف كيف أن نوظفها بدقة، ومن الممكن استبدالها بحوار الممثل فهي تعطي معنى واضح، فضلاً عن إيديولوجية الطرح المرتبط ببراعة فنون الحركة والرقص، وهذا ما يميز اللغة الجسدية التي تعطي المعنى، وحوار الممثل الذي يشكل مع الجماليات الجسدية صراع شاعري للشكل المرئي بالارتكاز على الجانب الفكري والسمعي، ليتم بعد ذلك انتاجاً تعبيراً حكائياً كاملاً.
أرى أن لغة الجسد او لغة الفعل ليست باللغة المرتجلة، بل هي كلمات وجمل تنتهي بعمل فني كامل يستخدمها المخرج كما نستخدم الكلمات في كل مانكتب لوضع تصور محدد، وبالتالي يفعل الحوار عبر تبادل الكلام أو الإنصات إليه، رغم أن الكلام وحده لا يؤسس للحوار، بل أن للفعل الجسدي للمثل منظومة صراع سردية درامية، قد لا يمكن توفيرها بأغلب الحوارات اللفظية المتصلة بين الشخصيات المتجادلة والتي غايتها تعزيز السلسلة الدرامية، وتنمية مشاعر وعواطف المتلقي.