تنتقل البانوراما الى أحاديث الناس عن ساحة الحبوبي وأبطالها في الناصرية بينما دانيال يتذكر سلوان فهو الآن لم يجد أنيسا غير فرقد1 بينما العنتر الأزرق يأكل بالضحايا ولايكل ولايشبع من الجثث الآدمية . ويبدأ يقص لأول مرة على فرقد وعلى قبر سلوان الإفتراضي الذي بناه في مخيلته ، ويقول لهم من انهُ ليس إنسانا عاديا وإنما هو عالمُّ بأصول الدين اليهودي ، ومن أتباع عنان بن داوود ( اليهود القرائون) وضد اليهود التلموديين في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور فزجوه في السجن فرتبوا له تهمة الزنا والزندقة بأحداهن ، وهنا نعرف من أنّ دانيال قادم من الماضي ، يأتي فينصطدم حين تبدو له السجون أشد بشاعة و فتكا من ذي قبل . فهنا يتبين من أنّ دانيال يشبه الكثيرين الذين ذكرهم (ميشيل فوكو) في كتابه تأريخ السجون في الماضي والحاضر وماحدث لأحد السجناء في زمن القرون الوسطى الذي عّذب من قبل الكنيسة بقطع جسمه باربعة أحصنة ثم رش الرصاص عليه وهو يحمل مشعلا وزنه كيلو غرام ثم تقطيع لحمه و حرقه و كل هذا لإظهار قوة خطاب السلطة أنذاك لكي تخرِس ألسنة الناس ومعارضيها.
بعد ذلك يلتقي دانيال برجل يكلّمه عن الأحزاب وعن صدام حسين والأمريكان ثم عن النشيد الوطني الذي سمعه توا و(التوك توك) فيهز رأسه دانيال من أنه لايعرف فيقول له الرجل هل أنت غريب عن هنا فكيف لاتعرف صدام المجرم الذي سفر الكثير من هؤلاء المنتمين للميليشيات وهاهم يعودون كمخابرات ، فاستغرب دانيال وقال من هذا صدام؟ فيقول له الرجل ياعماه مابك هل انت من كوكب أخر .
تنتقل الرواية الى ( ميس وسامي) حيث يقفان ينظران لعملية تشريح صدر سلوان لإنتزاع قلبه ، وكان الطبيب المشرّح مثليّ الجنس لأنه بدأ ينظر الى وجه سامي الجميل والطبيب الآخر ينظر الى ميس بدافع الغيرة من صاحبه سامي لأنه أحب ميس أيضا ، هذا يعني حفنة منحرفين إسلامويين من أطباء وسياسيين . ميس وسامي أثناء تشريح عضو سلوان أثيرت غريزتيهما ومارسا الجنس فصوّرتهم إحدى الفتيات التي يبدو أنها سحاقية فاشتعلت عندها الغيرة فراحت تفضحهما ونشرت صورهم في التواصل الإجتماعي.
يتبين من خلال السرد أعلاه أن هؤلاء تربوا على أخلاق الدين الزائف ولذلك نشأوا منحرفين مثلما تلك القصة الواقعية لإمرأة آيرلندية ( فيلومينيا )التي تلد طفلا غير شرعي ( أنتوني) في العام 1953 فتأخذه الكنيسة منها بمشهد قاسٍ لايمكن تحمله ، بحجة أنه سينال تربية جيدة في الكنيسة وتُحبس أمه ( فيلومينيا) لأربع سنوات في الدير بالأشغال الخدمية كعقوبة إلهية . لكن الكنيسة أنذاك تتاجر بألاطفال للحصول على المال فتبيعه على أحد أثرياء أمريكا وتوصي أنْ يربيه تربية مسيحية تليق به لكنه يكبر فيصبح رجلَ قانونٍ كبيرٍ ومستشار للرئيس الأمريكي (جورج بوش) الاّ أنه مثلي الجنس فيموت بالآيدز في العام 1995 . فأين هي التربية التي ناشدت بها هذه الكنيسه وأين هي التربية التي حلّت برجال السلطة السياسية اليوم في العراق وهم بهذه الأخلاقية التي قرأناها في الثيمة أعلاه إذا ما إبتعدنا عن تفسير مفاهيم المثليّة والوقوف معها أو ضدها ، المثلية اليوم التي وصلت الى ذروتها في العراق بحيث أنّ رجل الدين البارز ( مقتدى الصدر) قبل يومين تحدث عنها وعن إنتشارها بين الشباب .
يعرف جد (ميس) بخبر الفيديو الذي نشر في صفحات التواصل فيذهب ويقتل سامي بعد إنْ صوب المسدس على عضوه . أما (ميس) تموت بعد أنْ تهرب من البيت وفي الشارع تصطدم بصهريج نفط لأن أبوها كان مهرّبا للنفط لدول مجاورة عن طريق الشمال فياللصدفة التي رسمتها الحكمة السردية المدهشة لوفاء . سلوان يسمع الخبر وأفرحه هذا الأمر أثناء تشريح قلبه وقال سأقص عليكم قصتي . فيقول (بعد تسفير (سعدة) ورجوعه الى الجامعة لم يحب بعدها سوى طالبة إسمها دلسوز ( وتعني بالكوردي القلب المخلص ) وهذه أشفقت عليه لتزيل همه عن (سعدة) فهي تعرف كل تفاصيل قصته وحبه معها وبقي مع (دلسوز) حتى نهاية مشواره الجامعي . وبعدها دخل سلك الجيش فوقعت بحبه (أم فراس) . هذه الفتاة جميلة في شكلها الخارجي لكنها من الدواخل تحمل من الشرّ المطلق ، ترمي حبائلها على سلوان لأنه كان صديقا لزوجها في الجيش وينام في الثكنة بالقرب منه فهما صديقان حميمان ، (أم فراس) تغوي سلوان لكنه الشهم الذي لايخون صديقه ، وبالرغم من كل المغريات ، وأولها وليس آخرها حين أجبرته على الدخول الى بيتها بطريقة ذكيه راحت تخلع ملابسها وترتدي زي المنام وسحبته من يديه الى الفراش ففر هاربا متقيئا في الشارع من هول الموقف والخيانة . هجرها ولم يعد اليها حتى بعد تسريحه من الجيش فإذا بها تدعوه الى حفل خروج أخيها المغتصب طفلا من السجن وهناك يذهب فيجد مدير المخابرات وبعض مسؤولي أمن صدام المجرم في الحفل فيعرف أنها كانت عاهرتهم واستطاعت أن تخرج أخاها من السجن والثمن هو جسدها الجميل . وهنا ينصبّ الهول كلّه على سلوان ويخرج من الحفل مسرعاً مرعوباً وبهذا إنطوت صفحة أقذر ساقطة عرفها في حياته .
من هنا نستنتج أن مفاهيم وفاء بمايشبه ماكتبه فيلسوف اللذة والمجون المركيز ( دو موساد) الذي منه إشتق مصطلح السادية ومن أشهر اعماله (جوستين ) تلك الفتاة التي تنتهج مبدأ الفضيلة والشرف وتنتهي بالتعاسة والإعدام ثم تاتي أختها(جوليت) التي إنتهجت الرذيلة والملذات حتى أصبحت من سيدات المجتمع المخملي وتحاول تخليص أختها عن طريق معارفها من أسياد السلطة ، مثلما نرى اليوم الكثير من العاهرات في السلطة اللواتي إتبعن سلوك الرذيلة للوصول الى غاياتهن وأصبحن هنّ الآمرات الناهيات في هكذا سلطة متردية في جميع نواحيها . والرواية قال عنها المؤلف نفسه ( دو موساد) انها من أنجس الروايات في تاريخ الجنس البشري لما فيها من جنس مع القاصرات والأطفال والبالغات مثلما يحصل اليوم في زمن السلطة العراقية ومايفعله الأكليروس .
تأخذنا أحداث الرواية الى مابعد تشريح صدر سلوان حيث يذهب الطبيب المختص الى البيت ففتح سخان البيت فانفجر عليه وأحترق وجهه وصدره ويديه لتتحقق الإنتقامية الأخرى من قبل روح سلوان.
بعد ذلك تتوسع ثورة تشرين بأبطالها ويزحفوا الى جسر السنك لكنهم يواجهوا طعناً بالسكاكين من قبل السرايا المعروفة لدى عامة الناس ، أنها السرايا التي تشبه اليانكي الأمريكي الذي كان يقتل الزنوج بإسم المسيحية وأفضلية العرق الأبيض .
بعد هذا الفصل يبدأ تشريح العمود الفقري فيتذكر سلوان وهو بروحه المعذبة قصة (زينب) الأميرة الجميلة المودرن في زيّها وسلوكها وهي جارة أحد أقارب سلوان والتي ضحك عليها أحد دعاة الدين اليوم فتزوجها ولأجله إرتدت الحجاب ، وبمرور الزمن ظل يضربها مستندا الى قوّامة الرجل على المرأة . ولم يكتف بذلك بل ظل يربطها بالحبال في البيت ويقفل عليها حتى ظلت تصرخ فسمعها أحد أقارب سلوان وكان صبيا يافعا فقفز الى بيتها وخلصها من هول الموقف . وفي يوم جاءت الطامة الكبرى فضربها هذا الرجل على عمودها الفقري وكليتيها لتتوقفا وعلى أثرها نقلت الى لبنان للتداوي وماتت هناك وقبل أن تموت بصقت بصقة كبيرة لعلها تصل عبر الأثير من لبنان الى وجه هذا الساقط المتديّن زوجها الذي إرتكب كل الموبقات بحقها .
يخرج دانيال مرة اخرى فيسمع ثار الله ، بينما المتظاهرون لازالوا بالتظاهر السلمي رغم تسلّح الاخرين وإتهام ثوار المطعم التركي من أنهم زناة وعاهرات وبلطجية .
في تشريح الدماغ وأثناء وضع الدريل على جبهة سلوان سمع صوت صراخ سعدة التي كانت تقبله أكثر من مرة في جبهته ، ولذلك ظل سلوان يقول لهم ..اتركوا لي »جيفارا« و»بوشكين«، »علي بن الجهم ، لا مارتين ، ناظم حكمت ، طاغور ، فهؤلاء كلهم لهم وجه واحد في عقل ورأس سلوان . ثم نقرأ عن موت الطبيب الذي قام بتشريح رأس سلوان بنزيف في الدماغ .
حين عادوا الى تشريح الصدر والقصبة الهوائية مرة أخرى هناك طالب اسمه (عامر) إدعى انه من المعارضة أيام صدام وهرب الى السويد وهو طبيب وظل الباقون يتهامسون من أي حزب هذا (عامر) ، فسمعهم وقال أنا من جماعة الصدر ، وهنا برعت وفاء في وصف الكوميديا السوداء لاتلك الكوميديا المهرّجة وهذه قد إستخدمها صدام أثناء سؤاله من ٌقبل أحدهم وهو لماذا أعدمت ( محمد باقر الصدر) فأجاب ..ياصدر يارجل . واستمروا بتشريح صدر سلوان وبينما هم على هذا المنوال هناك طالبة تساهم في التشريح إسمها (ريم) ظلت تبكي فتذكّر سلوان الفتاة البكّاءه التي أحبها . فذات يوم شتائي بارد جاءته موظفة معه في عمر الثانية والعشرين تعاني من نوبة حب مع رجل نذل من خارج الدائرة وأرادت أن تعرف بيته وأين يسكن فذهب معها الى قضاء الخضر وبحثوا عنه شبرا شبرا فلم يعثروا له على أثر ، رجعا خائبين وهي تندب الحظ وبعدها إختفى هذا الرجل من حياتها على الإطلاق . وبذات الوقت ابتدأ مشواره العاطفي معها في الحب والبكاء إذ انها ظلت تترد عليه لمليء فراغها المحطم وهو حينها كان متزوجا يعني استحالة التفكير بالإرتباط معها . مع تقادم الوقت والعشرة مع تقديم الإستشارة لها في كل صغيرة وكبيرة بدأ مشوارها مع البكاء والدمع الهطول . لم يفهم السبب حتى جاء اليوم المخيف بالنسبة له ، اذ وجدها ترتمي عليه وتطوقه في غرفة الفحص المختبري حيث كان مسؤولا للقسم ، واضعة رأسها على كتفه وتبكي بدموع كاحلة فقال لها مابك يا إبنتي لأنها تصغره بالسن كثيرا، وهو يضحك فقالت ألعن بابا واسم بابا . قال لها هل عاد حبيبك ..قالت أريده لايعود ..فرفعت رأسها واذا بشفاهها البندقتين قرب فمه ..فارتجف أيما ارتجاف وقالت أطبق فمك على فمي واصمت ثم بكت بدموع جارية وقالت أحبك فهل تفهم ، ماذا فعلت بي فانت لست أبي ولا أخي ، أنا أحبك بجنون،. واستمرت الأيام فإذا به يجد نفسه متعلقا حد اللوعة وصار يدافع عن حبها له أمام الموظفين لأنهما أصبحا حبيبين مشهورين كما روميو وجوليت هكذا كانوا يلقبونهم في الدائرة . وفي يوم التقيا في بيت وبقيت ساعتين وهي تبكي و لايجف دمعها ، وعندها قال لها أنت حقا بكاءة ومنذ ذلك الوقت إذا ما أرادوا أن يضحكوا يقول لها اسكتي أيتها البكاءه . هذه هي قصته التي روتها روح سلوان عليهم والتي من بعدها أدت الى موت ( ريم) مختنقة من موجة ضحك هستيري ويموت (عامر) مشنوقا معلقا بسقف المروحة ومختنقا . الكل كان خائفا من انّ غرفة التشريح بها أرواح شريرة منتقمة ، هذا مارواه (وجدان) أخ (سعدة) بسرّه الدفين حين يقول للمشرّحين أنا كنت صديق سلوان وأعرف ماهو إنتقامه . وهنا برعت وفاء في الحديث عن السرّ الذي إحتفظ به ( وجدان) ، فحياكة هذا النوع من الأسرار هو من العوامل المهمة في النسيج الدرامي كما في الكثير من الروايات العالمية على سبيل المثال حين يريد شخص أنْ يتعرف على فتاة لكنها تصدّه وتذهب تاركة روحه متيّمة هيّامة ، لكنها تنسى منديلها بالقرب منه مما يكون عاملاً مهما في تعارفهما لاحقا عن طريق هذا السر المتمثل بالمنديل .
تنتقل بنا البانوراما الروائية الى دانيال حيث يلتقي بشاب إسمه (نور) ويأخذه الى بيته فيرى التلفزيزن فيستغرب ويقدمون له الشاهي ويرى أمه و طفلة صغيرة اسمها (ثنوة) على إسم أول شهيد وهناك امرأة بأسم (ثورة) خالة نور ، فظل دانيال يترك فرقد 1 مع ثورة حين يخرج الى ساحة التحرير .
ثم تشريح الكبد والطحال بينما سلوان يتوعدهم بالإنتقام فيقول أنه كبدي أولاد الحرام فكان غالبا ما يُسمّي حبيبته بكبدي ، ففي عمله الأخير في الدائرة تعرّف على فتاة بكالوريوس اقتصاد وأطلق عليها السندريلا لأنها فتاة في الثلاثين من عمرها بينما سلوان يعتبر بمثابة أبيها وكأن الزمن يدور به ليحصل له ماحصل مع البكاءة قبل عشرين عام . السندريلا مسؤولة قسم . في بداية تعارفها معه قالت له عرفت عنك من أنك شاعر وأريد اللقاء بك في غرفتي وبالفعل يذهب اليها وأول ما يفتح الباب يرى الغرفة فارغة لكنها كانت متخفية وراء الباب فتفاجأه بمعانقة من الخلف فيرتجف ثم بدأت تبكي بعد ان أرخت نفسها. هذه السندريلا تبين فيما بعد لها قصة غريبة حيث أنها كانت متزوجة ولديها طفل ومضى على زواجها عامين وفي يوم تكتشف أنّ إبن خالة زوجها نائم في فراشها فهربت منه وإذا به يلحق بها ويهددها ويقول لها أنا منذ فترة طويلة أمارس الجنس معك وبعلم زوجك فهو صديقي الحميم وكنا نعطيك أقراص منوم أو مخدر ياللهول . ثم يتبين أنّ زوجها يمارس جنس المحارم مع أخت صديقه الذي بدوره يمارس الجنس مع عمته وكإنه جنس جماعي والكل يحمل أسرار الكل . السندريلا تخبر زوجها ولم يفعل شيئا فتطلّقه دون أن تخبر أهلها بالسبب لإنها كارثة ستحصل بين قاتل ومقتول بين أخوانها وأهل زوجها ففظلت السكوت . لكنّ الأمر الذي يعذبها هي شكوكها بإبنها وتتساءل من أبوه ؟ لكثرة ما مارسوا معها . السندريلا حين تتعرف على سلوان لاتستطيع ممارسة الحب معه لأنها كرهت الرجال . ولكن بعد فترة طويلة إستطاعت أن تسترد عافيتها مع سلوان فهي قد مضى عليها ثمان سنوات لم تذق الجنس أبدا وهكذا إستمرت مع سلوان لأنها وجدت به الرجولة الحقيقية التي بها من الحب مايسد حاجتها المفقودة منذ زمن طويل .
في التشريح الأخير تخّلص سلوان بطريقة أخرى عن طريق فايروس كورونا الذي تغلغل الى رئة الطبيب ومات مخنوقا ، فالفيروس الذي تتناحر على أصله كل من أمريكا والصين نفعه هذه المرّة بأنتقام جديد .
ملخّص ما أريد قوله حول الرواية المتشعبة في أكثر من فصل وفصل من أنّ وفاء عملت وكإنها كاتبة سيناريو ملّخص معد للإخرج فأغلب المناظر السردية جعلتها مصغرة أو مايطلق عليها ( ماكيت) ، فأوضحت من انّ الحياة البشرية عبارة عن مجموعة من العواطف المتباينة والإنسان فيها يعبر عن إظهار هذه العواطف وقوة التعبير تتوقف على طبيعة الشخص نفسه وأوضحت لنا كيف نشاهد أنفسنا على حقيقتها أو كما يجب وهذه هي الحساسية التي بقيت لدى الأفراد كما هي منذ خمسة آلاف عام كما قال سقراط ( إعرف نفسك بنفسك). لذلك عندما يلتقي (دانيال) و(ثورة) على طاولة الطعام في بيت (نور) وتسأله لماذا لم تتزوج وماهي هويتك ومن أين أتيت . فيقول أناغير صالح للزواج فأنا جئت أبحث عن صديقي سلوان والعناتر تلازمني دائما على مر التأريخ ، الذنب ليس ذنبي أو ذنب صديقي الذي تاه بل نحن حطب الحياة . في ذلك الزمان البعيد نحن حطبه واليوم أيضا فلم يختلف الأمر سوى فارق الأزمان. هذا قدرنا وسوف أترك لكِ ذات يوم (فرقد) ليكون فرقدك وأنت ثورته ، وقال لها سأغيب عنكم ، وكان كل تفكيره أنْ يرجع لغرفته في السجن ولصديقه سلوان والعناتر الزرقاء .
الرواية تنتهي مع (نور) وهو يقول لأمه هناك حديث لدى الناس من أن هناك جثة في التشريح تنتقم من المجرمين والغريب في الأمر أنها تاخذ في إنتقامها نفس العضو الذي يستأصل منها فتقول الأم ياساتر هل هي جثة تمشي على قدمين . ثم يطفق نور مستعداً ليأخذ معه الحلويات الى بيت فرقد وخالته ثورة إشارة الى إستمرار ثورة تشرين ، هذا يعني أنّ الروائية وفاء تركت النهاية مفتوحة لعل ذات يوم تنتصر ثورة تشرين فتكون النهاية الحقيقية للرواية .
وأخيرا أقول من أنّ الرواية إعتمدت على البناء التأليفي السينماتوغرافي بدءً من العنوان والخلاصة ، والأشخاص ، المناظر ، الروي . فالعنوان على سبيل المثال كلّ ما كان مختصرا فهو جاذبا ويعطي القبول في معرفة موضوعة الرواية لدى القاريء أو الناظر بشكل مباشر . الرواية إزدهرت بما يعرف بالسينما توغراف كأصوات المصادمات ، لون الدخان الكثيف ، حركة الناس وغيرها . أضف الى ذلك أحداث الرواية معظمها وكإنها صوّرت على ضوء مصباح قوي الإنارة ( رفلكتور) . ومما زاد الرواية بهاءً هو التقطيع الحلقي sequnses والمنظري decors الذي قسم السرد الى صور مختلفة لكل منها معناها وشكلها البنيوي والزمكانية المرتبطة بأحداثها . لذلك نرى دانيال و هو يودع الأمكنة ، سمع أحدهم في الساحة يقول :
(قرأت من أنّ ملياردير يهودي ساهم بتأسيس إسرائيل : “سنجعلهم يسرقون أموال شعوبهم ويضعونها في بنوكنا، ثم نعيد إقراض شعوبهم من أموالهم، ولم يتطلب الأمرسوى وزير مالية من جنودنا) .
في النهاية أرى أنّ الرواية قد تغذت بعلم الأركيولوجي أي الحفر في المعرفة ، كما وأنها بمحتواها العميق تعطينا صورة واضحة عن خطاب السلطة الطاغية التي تضع معارضيها في سفينة الحمقى الشهيرة في العصور الوسطى . هذه السفينة وضعوا بها كل من إتسم بالجنون والحماقة من نساء ورجال ، أيٍ كانت الحماقة فهناك مثلا كان أحد المجانين يتجول عاريا ويشتم المسيح ، هناك إمرأة سليطة اللسان وتخطب علنا أمام الناس من أنها لاتحب زوجها ، هناك من هو مرابي ، هناك بما يسمى بالمهذار ، أو المهرطق ، أو معارض فكري لسلطة الكنيسة ، كل هؤلاء وضعوا في سفينة الحمقى وظلّت تبحر الى ما لانهاية في الماء دون أية رعايةٍ أو معونةٍ تذكر . وقد مثلت هذه القصة المثيرة في فيلم مبكي للغاية ليوضح لنا كيف كان خطاب السلطة أنذاك في إحتقار الإنسان . وما نحن اليوم في عراق الفوضى الاّ عبارة عن هذه السفينة التي لانعرف الى أين ترسو بنا كما أوضحتها كاتبة الرواية وفاء عبدالرزاق في إبداعها هذا الموسوم ( تشرين) التي إذا ماقرأها المرء سيخرج بحصيلة قالها يوما الفيلسوف الريطاني (برتراند راسل ) مفادها (مشكلة العالم أنّ الاغبياء واثقون بأنفسهم أشد الثقة ، أما الحكماء فتملؤهم الشكوك ).
————-
هاتف بشبوش/شاعر وناقد عراقي