التصوف لدى الأديب هاني أبو مصطفى يحتفي بالمختلف والمؤتلف، كما علمته سعة المحبة لدى أساطين الخرقة المضاءة بالوجد..
يكتب الشعر بمهارة وعيه الحداثي فينسجُ جلالبيب شفيفة بصيغة قصائد
تجعلنا نستروح البسطامي وأبن الفارض والنفرّي وبقية القبيلة، ويتقرب أبو مصطفى من الحلاج بالسرد الروائي الشيّق. وبين السرد والشعر ينسج خيمة معشوشبة بالصفاء والصفوة، تستقبل كل الذين يحملون لؤلؤة الكلام ويرصعون بها تاجيّ المعرفة والعرفانية.. ولهذه السجايا التي يتحلى بها حملت اسئلتي ونقرت زجاج نافذته.. اطل بهدوئه وكرمه المعرفي.. حواري معك سيكون عن الصوفية والتصوف:
س . ما هو دور التصوف هل يسلك طريق الحلاج أم طريق الشبلي؟.
ج . ثمة فارق كبير بين الحلاج والشبلي وهو أنّ الحلاج رغم علو مكانته فهو مريد وكان شيخه الجنيد البغدادي ولم يكن الحلاج سوى شاعرٍ عارف انحصر شعرُهُ العرفاني في تجربته الشخصية الجذبية وقد غلب عليه الشوق فقتله , بغض النظر عن التطابق بينه وبين الكثيرين من أصحاب الطريق . ولذا لا يُمكن لنا أن نوفق بين شعره الخاص وبين ( قواعد العشق الأربعون ) في عموم روحها التي تفتح للمريد طريق العروج إلى الحقيقة أو المواقف والمخاطبات أو مع كتابات ابن عربي الشيخ الأعظم بنظام معرفي دقيق , أو مع المناهج المتأخرة القويمة , وأما الشبلي فكان شيخاً لطريقة من بعد الجنيد وكان يعمل مرشداً للمريدين بمقدار فسحته بلحاظ الضغط السياسي والحيطة . ثم أنّ الطريقة ترتكز في مسيرتها على دور الشيخ فقط لا على حال المريد . ولكل شيخٍ مقام وحال ودور مختلف يتناسب مع وقته , بوفق خطة ربانية واحدة هي الإصلاح ونشر المفاهيم الاخلاقية السامية …
س . هناك من يرى أن التصوف لم يحتفظ بنقاوته بل اقترض طقوساً ومفاهيم من الحضارتين الصينية والهنديةماهو رأيك بهذا القول؟.
ج . التصوف في الاسم وبعض التقارب . موجودٌ في كل الديانات السماوية والوضعية كما هو الحال في البوذا فالبوذية لم تثبُت أنها دين سماوي ولكن يشك بعض العلماء أنهُ كان نبيّاً فمن يقرأ تعاليم شريعة بوذا يجد أنها شريعة فيها كثير من الاعمال المتوافقة مع الدين كحرمة القتل والسرقة والزنا وغيره وإن لم يعمل بها أكثر البوذيين كما عندنا في الإسلام , وبالتالي عندهم وعند غيرهم ثمة طقوس فيها نفع روحي للإنسان ولكن للدين الإسلامي تصوفه الخاص والأوسع كونه يُنطلق من شريعة تامة ومن نبي لهُ خلفاء وأولياء مازالوا يعملون وفق منهج قويم , كما يرى الصوفية وقد ورد بعض التشابه في الطقوس وليس فيها خلل كونها طقوس تُعبّر عن عاطفة بشرية , إلا أنّ الطقوس الصوفية على كل واحدٍ منها يوجد دليل شرعي ولهُ فائدة روحية ولنضرب مثلاً فاليوكَا عند بوذا تجعل الاعصاب هادئة ومستقرة وهذا شيء جميل . أما عندنا في التصوف فحركات الذكر والسماع مع الذكر تقودنا إلى قوله ( ألا بذكر تطمئنُ القلوب ) وبالتالي فالتصوف لم يأخذ من الهند والصين طقسه , بل يأخذ من شريعته ما ينفع للعاطفة والفكر وكل الطقوس محترمة مالم يقع فيها ضرر على الآخرين.
س , الدائرة الصوفية اكتملت بأساطينها العظماء النفرّي، سنائي، جامي، الحلاج، السهروردي، الرومي، وبقية الأعلام الوارد ذكرهم في موسوعة (الصلة بيت التصوف والتشيع ) للمفكر العراقي مصطفى الشيبي، الان هل توجد حركة صوفية تمتلك عرفانيين بمستوى الذين ذكرناهم؟
ج . أولاً كتاب الصلة بين التصوف والتشيع هو عبارة عن رسالة ماجستير وليس موسوعة وقد تناول فيه الشيبي : التقارب اللفظي والمعنوي بين الشيعة والصوفية مُشيرًا إلى أنّهما ينطلقان من ركيزة واحدة وهو الكتاب والعترة . فهو يقرب بين كلمة قطب عند الصوفية . وكلمة إمام عند الشيعة غير مُلتفت إلى كلا الكلمتين يُستخدم عند الطرفين , والتصوف لا يتوقف على أحد باعتباره سلسلة مبدأ مرتبط بالحقيقة الالهية المطلقة ولكل زمن ٍ شيوخه ومريدوه . فاليوم في كل بلد يوجد شيوخ طرق وعرفاء ومدارس ومريدون . ففي ايران يوجد مدرسة الحكمة المتعالية التي تدرس الفلسفة العرفانية منطلقةً من فلسفة ملا صدرا في الأسفار الأربعة ويوجد طرق صوفية . وفي المغرب وسوريا ومصر وأفريقيا والأشهر في العراق لدينا الطريقة الكسنزانية فالشيخ محمد الكسنزاني لهُ موسوعة من أربع وعشرين جزء تُعتبر أكبر موسوعة صوفية . ولهُ كلية معتمدة وزارياً ومركز صوفي عالمي في أمريكا ولهُ مدرسة في العراق للتصوف ويتبع لهُ الالاف المريدين من أساتذة الجامعات والحوزات وغيرها . وبالتالي فهو من أكابر الأعلام العرفانيين ومن أهل المقامات والأحوال والبركات
س . هل ثمة كتابات صوفية جديدة وأين عناوين مؤلفاتهم ؟
ج . نعم يوجد ولكن الأعمق هو الموسوعة الكسنزانية فيما اصطلح عليه أهل العرفان والتصوف . وقد نالت وسام الجامعة العربية من اتحاد مؤرخي العرب كأفضل موسوعة صوفية معاصرة
وتمتاز بثلاثة محاور عن بقية الموسوعات السابقة ( ايضاحات لأشهر المطالب ) اضافات جديدة للمطالب نفسها ) آراء جديدة في مقابل تلك المطالب )
س, ماهي العلاقة بين الدرويش والصوفي وما الفرق بينهما ؟
ج . لا يوجد فرق بين الدرويش والصوفي إلا باللفظ . فقد بدأ الصوفي بكلمة سالك ثم مريد ثم درويش . وكلها عبارات تُستخدم عند الصوفية.
س. ما هو موقف الصوفية من الحداثة ؟
ج. موقف الصوفية من الحداثة فهو أنهم هم رواد الحداثة فقد قال أدونيس عن النفري : النفري سلف لقصيدة النثر العربية . واستفاد أغلب فلاسفة وشعراء أوربا والعرب من كتاب ( المواقف والمخاطبات ) لما فيه من قوة الحداثة والنثر فضلاً عن بقية ما كتبه الصوفية كفصوص الحكم لابن عربي الحكم وكقواعد العشق الاربعون للرومي وما كتبه سنائي في حديقة الحقيقة وغيره فالحداثة عندهم تكون في فهم الدين وفي مواكبة العصر في شتى تجليات الحقيقة وبحسب عقيدتي فأنا أعتبر أنّ شيخ الطريقة الكستزانية الآن الشيخ نهرو من دعاة الحداثة الصحيحة كونه يرى أنها مخزون معرفي من الدين نفسه ومن ذات الإنسان وليست كما يفهما الآخرون
س . إذا كانت هناك حركة صوفية معاصرة فما هو برنامجها ؟ ولماذا لاتعلنه للكافة ؟
ج . جميع الصوفية لهم برامج عملي توعوي ولكن بحسب امكانياتهم والبرنامج الأوسع هو برنامج شيوخ الطريقة الكسنزانية كونهم أسسوا كلية السلام المعتمدة وزارياً وهي تمنح بكالوريوس في القانون والفلسفة والحاسوب والصيدلة واللغة وغيره بإدارة أساتذة دراويش , وتأسيس المركز الصوفي العالمي في أمريكا للدراسات الروحية الإسلامية ويشرف عليه الدكتور هيلان أحد دراويش الطريقة , ومؤخراً تأسيس المجلس الثقافي الكسنزاني وله مقرات في كل محافظات العراق ويعمل على جميع الاقسام الفنية والأدبية والدينية والمجتمعية فضلا ًعن دروس القران والتفسير في كل تكية والحث على التعايش السلمي ومواجهة التطرف بنشر ثقافة التسامح والمحبة في العالم وهذا برنامج كبير يسعى لبناء الفرد المسلك وانتشاله من التطرف والتعصب والفهم السيء للدين
س , من أوصلك إلى هذه الطريق، تجربة اجتماعية صادمة، نزوع وراثي ؟
ج. من طفولتي وقد كنتُ أستمع إلى مدائح الصوفيين مع أنّ أهلي ليسوا صوفية ولكن أسمعها هنا وهناك فأشعر بلذة غريبة تجتاحني وعندما كبرت درستُ مقدمات الحوزة العلمية وبدأت أمر بتلك الأسماء العرفانية فأشعر بجذب نحوهم وارتياح نفسي فلما عرفتُ أنّ الدراويش أصحاب المديح هم كيان مدراس هؤلاء العرفاء ولأني أحببتُ فثمة ذوق في داخلي لقيمة الحب , ثم تعرفت على شيخ عارف وسلكت عنده سنة ثم عدلت منه إلى شيخ محمد الكسنزاني بعد أن تعرفت عليه وسلكت على يده ووجدتهُ أعمق معرفة من غيره فكنتُ كلما تنكشف لي حقيقة وتتجلى لي معرفة . أزدادُ حُبًّا له وفناءً فيه وقد نفعني بما لا أُحصي له عدداً وبالأخص في زمن الطائفية أدركتُ يقيناً أن لا حل للمسلمين إلا بالتصوف
س , من خلال تجربتك , أصحاب الطقوس الصوفية الادائية هي سعت في تطوير التوجه . أم تكرار التقاليد الراسخة ؟
ج. الطقوس تقوم بتحريك العاطفة عند الإنسان ففي الأعراس تجد أنّ الناس يعيشون حالة الطرب السريعة وهم يستمعون إلى الأغاني , وكذلك في رقص المهاويل في الهوسات العشائرية .وفي أناشيد الحرب التي تُحفّز الجندي على القتال , وتجد أن لكل دين ومذهب وعشيرة وملة طقس معين يتناسب مع رغبتهم . فالطقس الصوفي يقوي حالة ربط قلب المريد مع الله ويعمل على تهييج روحه نحو الذكر
وهو عبادة كونه يقودك إلى الله وكما قال مولانا الرومي : العبادة لا قاعدة لها فكل عملٍ بصدق عبادة . وهي ليست تقليد بل صلاة من نوع آخر .
س , هل علاقات التكايا فيما بينها يسودها التعايش السلمي ؟
ج . نعم التعايش جداً حميم بين مختلف الطرق لأنهم يعملون بمنهج أخلاقي واحد وإن اختلفت قابلياتهم ومساحاتهم
وكذلك التكايا في طريقتنا تعمل بنظام وإدارة واحدة وإشراف مكتب التصوف العام في السليمانية حيث مقر الشيخ .
س .ما الذي يجعلك تنحاز إلى طريقتك الصوفية هل ترى أنها الطريقة الوحيدة الصحيحة ؟
ج . جميع الطرق الصوفية صحيحة وهي معروفة لدينا لذلك حاول البعض اختراقها سياسياً ففشل ولكن في نظري أنّ طريقتي هي الأوسع والأكثر دقة في العمل والتصرف ولأنّ مريديها مختلفون ففيهم الشيعة وفيهم السنة وفيهم المسيحي المسلم والصابئي المسلم وهكذا وهذا انجاز كبير في لم الصف تحت خيمة لا تحمل سوى الخير للآخرين . وذلك يعود لهمة وقابلية ومعرفة شيخنا الحاضر .وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه
س , هل لديك منجز مخطوط حول الصوفية , هل تناولت تجربتك أم التجربة الصوفية ؟
ج . لدي ديوان ثامن سيصدر قريباً خاص بالشعر الصوفي فقط ( أكذب العاشقين ) ولدي كتاب ( المداولات والإشارت ) وهو كتاب يأخذ الإشارة النافعة بشكل فلسفي وحل منطقي من بعض المداولات العامة للدين سواء في العرفان أو الفقه أو التاريخ , قيد الإكمال . إن شاء الله
س , من خلال تعمقك في الوعي الصوفي ما هو دوركم في الحراك المجمتعي ؟
ج . باعتباري مرشد مجاز من شيوخ الطريقة بإعطاء الطريقة والتعليم والتسليك لربط المريد بشيخه . وكذلك فعملي وعمل جميع منتمي الطريقة المجازين هو نشر ثقافة التسامح والمحبة ومعرفة الله بين الأديان والمذاهب وحتى مع غير المتدينين والبرنامج بحسب الهياكل سواء من خلال المجلس الثقافي الكسنزاني أو من خلال شعرنا ومقولاتنا وهكذا.