ليكن دفاعاً، عن كتابي الشعري (سريرها وما يليه)هذا الذي أكتبه، لكنني، أريده مدخلاً لحوار قضية الشكل في القصيدة، والتي تتجدد في أحاديث الثقافة دائماً. فقد كنت أصدرتُ الكتاب هذا وأنا أنشد تغييراً ما، أردته له أن يقع بين دفتي الشعر والسرد في آن، وهي محاولة كتابية، ليست بجديدة، فقد سبقنا لها الكثيرُ من الشعراء في العالم والعرب والعراقيين، لكنها مسعى شكلي قصدته، لإنقاذ تجربتي في الشعر من وقوعها في رتابة ونمطية الشكل التقليدي (قصيدة التفعيلة – قصيدة النثر) المدؤوب بها كتابةً ونشراً، ثم أنني وجدتُ- وهو أمرٌ شخصيُّ جداً- بأنَّ الشكل ذاك بات ساكناً وجامداً، أمام العين القارئة، بما يستدعي تجديد صورته، فالعين تكتب وتقرأ وتتأمل أيضاً.
مرة، وفي حديث خاصٍّ مع الناقد د. حاتم الصكر قال فيه بانّه لم يعد يطيق معاينة شكل القصيدة العمودية، إلا في تزمينها(زمن كتابتها) بوصفها موروثاً. وهنا، نرى بانَّ الشكل بات عائقاً قرائياً، مفسداً للتلقي. وإذا كان جيرار جينيت في (مدخل لجامع النص)يرى بأنْه(لا يوجد صنفٌ واحدٌ للسرد، بل لا يوجد حتى الصنف للسرد) فهذا قولٌ يأخذنا الى الشعر أيضاً، بوصفه الجدير بالتجديد، والاحرى بإنقاذه وتحريره من الوقوع في شكل واحد. أليس (الرائي) الشاعرُ هو صاحب الذكاء المفرط، أو صاحب العين الزائدة بتعبير هولديرين، ألم يكن الشعرُ فنَّ المحاكاة عند ارسطو؟ لذا، وجدتني في كتابي(سريرُها وما يليه) وفي كثير أكتبه اليوم شعراً ونثراً قد ذهبتُ الى مجاورة الشعروالسرد في القصيدة الواحدة، ولم أجد حرجاً في تقديم متن سرديٍّ، حكائيّ، عبر لغة محملة حدَّ ما تستطيعه بشحنات الشعر.
في متون روائية وسردية كثيرة غالباً ما نرتفع بأصواتنا صارخين) :هذا شعرجميل) وأحمّلُ مفردة (جميل) أبعادَ ومعاني الاقناع، كلها، وهنا أرى بأننا نستطيع القول، في قراءتنا لبعض الشعر، الذي أقصده شكلا وموضوعاً، بهمسنا قائلين: ( هذا سرد جميل) بعد تحقق الغرض، بتحقق الدهشة والاعجاب، فالقصيدة بعامة على غرار الخطاب، أو الرسالة، تتمحور على فكرة أو احساس، وقد تكتفي القصيدة بعرض أحدهما، أو بالتعبير عنه، بحسب جينيت أيضاً.
وفي العودة الى كتاب (سريرُها ومايليه) وجدتُ أنَّ لوحة الغلاف والتخطيطات التي خصّني بها الفنان ضياء العزاوي قد منحت الشكل القرائي معاينةً مضافة، وجمعت في المتن الواحد ثلاثة أقانيم للجمال. فيسجد متصفحُ الكتاب الشعرَ والسردَ والتشكيلَ، في اصطفاف حروفي ولوني، وبمعنى ما، فقد اندغمت لغة الشعر بلعبة السرد، محمولتين على طبق الرسم (التخطيطات) لتمنح القارئ بغيته، فالشكل المفارق الجديد، بالسطر الممتلئ، أو ما يدعونه بالطريقة الفرنسية في كتابة الشعر قد تحقق بصرياً، بنفيه الكشل التقليدي، وإنْ لم يتحقق الشعر فيه فقد يتحقق السرد والمتن الحكائي، وإن لم يتحقق الشعر والسرد معاً فقد تحققت فسحة اللون (التزييني) فالتحف الفنية، استثنائية الجمال، التي أبدعها العزاويُّ انتشال آخر للعين، من رتابة الحرف الى فردوس اللون والخطوط، المشغولة بمعاني الجمال كله.