يسعدنا أن نجري هذه المقابلة الصحفية مع إنسان اشتغل في حقل الفن التشكيلي وقدم له الكثير من العطاء فأهلا وسهلا بك
س/ بداية نود أن نعرف شيء من معلوماتك الشخصية ؛ من هو حسن عبد الشهيد ؟
حسن عبد الشهيد حمود عباس إنسان بسيط ، من مواليد البصرة ١٩٨٣ ، ماجستير فنون تشكيلية اختصاص رسم ، متزوج من الفنانة التشكيلية يقين الغالبي ولي طفلة واحدة.
س/ حدثنا عن طفولتك وملاعب أترابك في المنطقة التي نشأت بها وأهم الذكريات والمواقف التي أثرت بشخصيتك كإنسان أولا وفنان ثانيا ؟
طفولتي بسيطة وعيت على الدنيا كنا نتنقل بين المحافظات مثل النجف وبابل والقادسية وكربلاء هربا من حرب الثمانين وبعد انتهاء الحرب عدنا و بدأت حرب التسعين و الحصار وآلامه.
بطبيعة الحال نسكن في منطقة زراعية في قضاء شط العرب في منطقة (الحوطة) ، وهذه المنطقة تمتاز بالنخيل و الأنهار والمساحات الخضراء المزروعة و أشجار النبق و البمبر او البنبر ، كنت اعشق هذه المساحات و اتحسس الجمال بها .
س/ بداياتك والواقع الاجتماعي الذي كنت تعيشه هل شجعك او كان سببا في تخصصك في مجال الرسم والفن التشكيلي أم أن الموضوع كان محض صدفة ؟
على الرغم من بعد منطقتي عن الجانب الفني إلا ان الشغف لدي انتقل ربما من إخوتي الأكبر حيث كانوا يهتمون بالرسم والخط منذ أن مسكت القلم وحاولت أن ارسم بعض الأشياء فضلا عن ذلك فقد كنت أشاهد وأتابع برنامج المرسم الصغير (للفنان خالد جبر) حيث كان يرسم بالألوان لا اعرف ما هي الا إنني كنت أعجب وأحاول تقليد ما يرسم ، فرسمت من الطبيعة والشخصيات الكارتونية وتعلمت رسم الوجه وقياساته و أنا في الصف الأول الابتدائي ، إلا أن صعوبة الحياة خاصة في فترة التسعينات فرضت علينا الرسم بأقلام الرصاص فقط والأقلام أتذكرها من خشب سيء الصنع غير مشذب وغير مطلي وينكسر بين أصابعنا اما الورق فالفائض في العطلة الصيفية من الدفاتر المدرسية والأوراق كانت اغلبها من النوع الخشن والمصنوعة بطريقة رديئة .
وبالإضافة إلى دروس خالد جبر كان احد أقاربنا مدرس في معهد الفنون الجميلة وهو الأستاذ شوقي بدران يزور أخته بين فترة وأخرى وعند الزيارة أما أن يقوم بتعليمنا قواعد الرسم انا وبقية الأطفال او يأتي لنا بأعمال فنية من اجل أن نراها.
ومنذ منتصف التسعينات عندما انتقلت إلى المتوسطة بدأت باستخدام كارتون علب السكائر او ما يسمى بال ( تكة ) السومر الأسود والأزرق و الوالكيس ، كنت ارسم موضوعات رومانسية واهتممت بفن الخط ولا زلت لا امتلك ألوان حتى خشبية .
كنت أشاهد المعارض في التلفاز وأتمنى ان أكون يوما ما فنان حتى عملت معرض في غرفة طينية في بيت متروك عرضت فيه رسوماتي وعشت تلك اللحظات كأني فنان وقمت حينها بدعوة أبناء عمي وهم كبار وأنا بعمر أولادهم فبعضهم شجع وبعضهم استهزأ وبعضهم صمت .
عندما أكملت دراستي المتوسطة أردت أن ادخل معهد الفنون الجميلة لكن صعوبة الحياة وبعد المنطقة ورغبة الأهل حالت دون ذلك ، فالدوام في المعهد بتطلب أجور نقل لا نستطيع توفيرها في ذلك الوقت . فأكملت الدراسة الإعدادية الفرع العلمي وفي عام ٢٠٠٣ وبعد دخول القوات الأمريكية امتحنت السادس الإعدادي وصادف أن معدلي قليل ولم يؤهلني إلى شيء فقدمت إلى كلية الفنون الجميلة وقبلت في قسم الفنون التشكيلية وبذلك تحققت رغبتي في الدخول إلى التخصص .
س/ما هي أهم المعوقات التي واجهتك في دراستك هذا الإختصاص ؟
في بداية دخولي التخصص كنت مرتاب إلا إنني كنت واثقا بموهبتي ، و زملائي من خريجي المعهد كانوا متفوقين في بعض المعلومات التي كانت جديدة بالنسبة لي فكثفت التمرينات حتى أصبحت في نفس المستوى معهم في التقييم ، وفي المرحلة الثانية كان هناك شخصان تعرفت عليهما كان لهما الأثر الكبير وهم الفنان الدكتور أزهر داخل والفنانة هديل أياد ، فقد كانت قاعة الدكتور أزهر مفتوحة لنا معظم الوقت فنجلس نرسم ونخطط الموديل ونلون ، ولكي أكون أمينا فقد تعلمت منها الكثير كونها خريجة معهد فنون . وخلال هذه المرحلة وما بعدها تميزت مع هديل على أقراننا وحتى التخرج .
س/ كيف تجد نظرة المجتمع العراقي إزاء الفن التشكيلي وكيف ممكن للإعلام أن يتوجه بالتأثير على هذه النظرة ؟
الإنسان يحب الفن بالفطرة ، سواء كان عراقي ام غير عراقي ، سواء كان الفن التشكيلي ام غيره ، الا ان هناك بعض الفروق في الحكم .
خلال تجربتي مع المجتمع العراقي وجدته محبا جدا لفن الرسم والتصويري على وجه التحديد او ما يعرف بالواقعي فقد وجدت حب الرسم عند الفلاح وعند عامل البناء وعند النجار وعند الطبيب وعند المهندس وعند مختلف طبقات المجتمع ، إلا أن هناك قطيعة فرضت بين الفن والمجتمع بسبب الحروب والأوضاع الاقتصادية والتفكير بلقمة العيش فضلا عن أن الفن العراقي ولد في منتصف القرن الماضي ولم يستمر طويلا حتى تحول إلى الفن غير التصويري او التجريدي او الحداثي فزادت الهوة لان الإعمال أصبحت غير مفهومة لدى غير المختص .
أما دور الإعلام في توجيه المجتمع فهو مهم جدا ، من خلال تسليط الأضواء على فنان معين او لوحة معينة كما هو الحال مع الموناليزا , هذا الموضوع عملت عليه الإدارة الأمريكية ومن خلال الإعلام فرضت حركة ما بعد الحداثة في الفن وجعلتها تسحب البساط من أسفل الحركات الفنية غير الأمريكية .
س/ ما هي أبرز المعوقات والمشاكل أو التحديات التي تواجه الفنان التشكيلي في العراق ؟
كما قلت أن هناك قطيعة بين المجتمع والفن غير التصويري او غير التشبيهي او غير الواقعي ، وهذه القطيعة وضعت الفنان بين المطرقة والسندان فهو يحاول إقناع الجمهور بمشاهدة أعماله و بين مواكبة الفن العالمي المعاصر ، لذلك فهو إما ان يعمل للمجتمع ويبقى بعيدة عن الأعمال المعاصرة او ان يعمل بعيدا عن المجتمع وهذا التحدي جعل الفنان يفكر في البحث عن أساليب توازن بين الاثنين
أما التحدي الآخر هو عدم وجود قاعات عرض متخصصة لعرض الأعمال الفنية فضلا عن ضعف تسويق الأعمال .
والتحدي الأهم هو ان العراقي ملتزم بعلاقات اجتماعية كالزواج و العائلة وعادات وتقاليد تجعله غير متفرغ تمام للفن فهو موظف ينجز أعماله في أوقات العطل.
س/ ما هو مشروع الأستاذ حسن عبد الشهيد الذي يسعى دوما لتحقيقه ؟
أما عن مشروعي فهو مشروع كل فنان وهو أن يعم الخير والجمال في بقاع الأرض ودورنا كفنانين هو أن نكون قادة لتحقيق هذين الهدفين .
ومشروعي الآخر هو الوصول إلى إنتاج عمل او أسلوب فني يكون مثال الجمال ويحقق عالميته .
وهناك مشروع قطعت فيه مراحل متقدمة وهو توثيق الحركة التشكيلية في البصرة وقد أكملت جزء منه تمثل بكتاب يتناول الحركة التشكيلية منذ ١٩٢٠ حتى ٢٠١٨ وبانتظار طباعته في يوم ما .
س/ ما هي أهم النشاطات التي تقوم بها؟
في الحقيقة هناك الكثير من الأنشطة الفنية التي أقوم بها ، منها المشاركة في المعارض الفنية ذات المستوى العالي مثل معارض جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في بغداد والبصرة فضلا عن معارض مهرجان المربد وبعض المعارض الجماعية الأخرى والتي كان آخرها معرض رحلة الحضارات ، والنشاط الفني الآخر متمثل بسفرات الرسم في الهواء الطلق مع مجموعة من الفنانين في تجمع أطلقنا عليه (رحلة الحضارات) ، ونشاط آخر مع مرسم الغدير متمثل بإقامة المعارض الفنية منها معرض للرواد ومعارض للتشكيليات ومعارض للشباب و سمبوزيوم عدد ٢ ، وكذلك مهرجانات لرسوم الأطفال حوالي ١٥ مهرجان في أماكن متعددة ، ونشاط آخر متمثل بالجانب النقدي متمثل بكتابات وقراءات نقدية آخرها كان حول معرض الدكتورة جنان في جلسة أقيمت باتحاد الأدباء بالبصرة ، فضلا عن الإسهام مع جماعة لارسا في إقامة محاضرة فنية وفلسفية للدكتورة جنان محمد .
كما عملت كتاب عن تاريخ الفن التشكيلي في البصرة تحدثت عنه في السؤال السابق
س/ حدثنا عن أول معرض تشكيلي شاركت به ؟
أول معرض شاركت به هو معرض نتاجات طلبة كلية الفنون الجميلة وكنت حينها في المرحلة الثانية وصادف وقتها مهرجان السياب الأول عام ٢٠٠٤ الذي أقامته جامعة البصرة .
س/ لوحة تشكيلية كنت تتمنى أن تكون لك من حيث الفكرة والمضمون؟
بصراحة أميل إلى لوحات رينوار وكل لوحاته أتمنى أن تكون لوحتي فهو يرسم الأشخاص بحيث يجعلها تنطق رغم انه من المدرسة الانطباعية .
س/ هل أن الحركة التشكيلية في العراق والبصرة على وجه التحديد بتطور مستمر عن السنوات السابقة ام هنالك تراجع ؟
وصلت الحركة التشكيلية في العراق إلى الذروة في نهاية السبعينات وبعدها بدأت تستقر على مستوى واحد دون تقدم رغم المحاولات الكثيرة ، إلا إنني اعتقد أن الفن في البصرة حاليا أو بعد ٢٠٠٣ نشط نشاطا ملحوظا وهو يتقدم بخطوات جيدة كون الفن في باقي المحافظات بقي على التقليد الثابت في الفن العراقي وفي البصرة هناك محاولات للخروج عن النمط التقليدي للفن العراقي واعتقد ان بعض التجارب تقدمت بخطوات في طريق تطوير الفن العراقي .
س/ اذكر تعليقا إزاء الأسماء التالية :
١. فائق حسن
فائق حسن مدرسة اللون والرسم العراقي الذي لا يزال الفن العراقي يمشي على خطاه وتكويناته في إنتاج اللوحات الواقعية
٢. محمد غني حكمت
محمد غني حكمت نحات له بصمة واضحة في الفن العراقي وله نصب وتماثيل لها وزنها في إضفاء الطابع الجمالي منها كهرمانة وفي البصرة له نصب المرأة البصرية في المطار وكان له نصب إعادة الإعمار في الكرمة الذي هدم بعد ٢٠٠٣ .
س/ ما هي نصيحتك للرسامين وهم في بداية مشوراهم؟
على الفنان الشاب في بداية مشواره البحث والقراءة والإطلاع على تجارب الفنانين السابقين سواء كانوا عالميين او محليين ويستمع إلى نصائحهم و آرائهم
فمن خلال ذلك اي الإطلاع والقراءة تتشكل لدى الفنان الشاب صور لأساليب بناء العمل الفني وفق أسس تكوين رصينة
وانصحهم كذلك بالثقة بالنفس والتواضع في الوقت ذاته ، والابتعاد قدر الإمكان عن البقاء على تجربة واحدة أو تقليد اتجاه واحد كما يحصل الآن وكان الفن هو فقط رسم البورتريه بالفحم ، هو ليس شي خاطئ لكن هو جزء بسيط من الفن فالفن أسمى وابعد من ذلك .
س / فنان أو شخصية من السابقين أو المعاصرين تتمنى اللقاء بها؟
فائق حسن وجواد سليم
س / ما هي أمنيتك الشخصية؟
أمنيتي أن أكون فنان
س/ في النهاية كلمة أخيرة تحب أن تضيفها و ماذا تقول لصحيفة المشهد البصري ؟
شكرا جزيلا للصديق الأخ الأستاذ عبد العزيز الربيعي على الكثير من الأنشطة التي يقوم بها ولا سيما هذه المقابلة التي اعجز عن شكره تجاهها .
المصدر: صحيفة المشهد البصري