ويليام . س . بريانت
المجموعة الشعرية ( زهرة الرمان) للشاعر والناقد ( مقداد مسعود) ليست تجربته الوحيدة ، فله مجاميع شعرية أخرى ( الزجاج وما يدور في فلكه) و ( المغيب المضيء) وكتاب نقدي ( الإذن العصية واللسان المقطوع) وأخرى مخطوطة.
باعتبار أن الشعر سجلا يدون فيه أروع الدقائق وأسعدها ( وأحزنها) وأكثرها إثارة ورصداً للمألوف وغير المألوف، بطريقة الحدث المولود بالأحاسيس المخرجة فنياًَ ذات تقانات معينة ، بمعنى ونظام مرتب بصورة طبيعية كما يجيء الشعر ، فهو الكلام الذي لا يقوله أي احد أطلاقا بل من يقوله هو ( شاعراً) وان اللغة الشعرية كما هي تستمد لغتها من العالم بطريقة التصوير وان النصوص بما تحوي من طراوة وشفافية ستجدها تعبر عن واقع الأنا المتكلمة لدى الشاعر وما يكتنفه من محيط ( اجتماعي ، ثقافي ، سياسي) فاشتغالات المسعود الشعرية بهذه المجموعة صهرت في بوتقة من الالتقاطات الأليمة لتذوب على لسان ابن الوطن المغترب داخل الأوطان والذي يبكي خيبات هذا الوطن الرحب الذي صيروه الإغراب بعنجهيتهم ونرجسيتهم الممقوتة الى ( يسكن خيمة حيث ينام الجميل على زند أمه ولا يستطيع الوصول إلى حضنها) ولعل الإهداء سينقلنا إلى صورة الطرف المعاش بين الذات والعالم .
الى المفكر العراقي
كامل شياع
حيا …وحياً
أن الرؤية للإحداث في النصوص تبرز الكوامن المشتعلة حيث ثمة كابوس أحال الأفق إلى جنون …يجول فيه الغراب الأسحم…وان الخيال الثر واللغة الرشيقة تولد المعاني بلغة شعرية صافية وحركية في بنيه النص .
ص 7 ( قصيدة يوسف الخيمة)
هذه الخيمة لمن
– هذه خيمتي
– صمتك يا وطني ؟ خيمتك يا ….
حسافة !!
أن البنية التصويرية تنطلق من بؤرة اشتغال لتوظف بتقانات أسلوبية بديعية ،
ص 10
وطني
ينزف في خيمة ثقبتها الفوهات
هذا وطني
هذا يوسف
جردوه إخوته حتى من رؤياه
والقوه في هذه الخيمة
( الخيمة ) ( سجن العراقي )
( الجب ) ( سجن يوسف الملقي به انئذاك بصورة موقتة)
حينما تكون رمزية العبارة قابلة للتأويل فهي مدعاة لاشتراك القاري مع الكاتب في النص واغناءه بوحدة التأويل هذه التي تبتدع تفسيرات للمرسل المرمز المشفر …فرغم أن الخيمة
( ضيقة المكان) مع معية الإطار البيئي لهذه المرمزة ( إحالة العمران ( الفوقي ، التحتي ) الى صحراء قاحلة توضع بها الخيمة) مع السلاح الذي ثقبتها لتحيلها .
وطن خطية
والموت يا سياب
أهون من خطية ص 11
ولان النص هو عملية اتصال بين الذات والعالم وثمار تماس ومواظفة للحاضر والماضي فان هاته المنظومة تجعل من المسافة النصية المتخيلة لدى الأنا الشعرية أكثر إحاطة بالهم العام ( العراقي)
بقية البياض ص 15
العراقيون
يفرح فيها البغيض : إحزانهم ،
هذا النخيل : حليب أمي
ولا يدفنونه
يقتلون العراقي ولا يدفنونه
لئلا يقوم ، قبيل الظهيرة
والظهيرة
ليت وقعتها كاذبة
أن التشكيل الهندسي لبنية النص حينما يتداخل بالتوكيد اللفظي في اللغة داخل بوتقة النص لذاته يشكلان غواية قرائية خاصة في أسلوب مقداد مسعود في التقديم والتأخير فهي تجعل القارئ يتم العبارة ويعيد يطمئن الذات لتنال إشباعاً من الوصيف…فالخيال الذي يبني الخطاب الشعري يكون مرارا قيمة تشكيلية بالنص .
قصيدة الرصاص ص 19
السماء صافية
مثل نوايا القرى / تجلس في أواخر
الباص
يدها على
خدها
فاتها الباص
منذ سنين
لا احد في المدينة يكترث للنوايا
والقرى لا تتذكر صمت القوى
ماذا جرى ص 20
يارفقة الأسى والياسمين / لماذا القرنفل
سرير الرصاص
يتهجى المدينة
يعيد التهجي
متعثرا
بعفونته المزمنة
الرصاص
الرصاص
الرصاص
الرصاص
الرصاص
الرصاص
رصا…….ااا ص ( ص 21 )
في زمن يتداخل الشعر والسرد وبعضهم راح يتنبأ بقصيدة القصة القصيرة يجب مع هذه الشائكية ،ان يكون الشعر صافيا ، وكما يشير فاليري ( في كل قصيدة عظيمة ، قصيدة ثانية هي اللغة) .
أسئلة عراقية ص 29
لماذا أموت
لماذا نموت
لماذا نموت جميعا ؟
لماذا كثير نموت؟
هل الأرض ضاقت ؟ هل العقل ضاق ؟
بأهل العراق
كيف اتحدوا كلهم ضدنا ؟
ان هذه الصورة لهي إفصاح تام عن المشهد المأزوم المصور نصوص المجموعة حتى صارت حتمية الموت الذي حكم على العراقي ليكون هاجسا بأسئلته المستدامة منذ الأزل ، وخاصته !!!
ان تجميع الأفكار لتكون نصا شعريا هي بمفترق في البحث عن اللفظ الجميل المستساغ الذي يعبر ذهن المتلقي ، ورشاقة المخيلة المصحوبة بالتجربة والإحاطة ، فكل هاته المنظومة بالتأكيد تساعد النص على ان يبدع داخل النص المكتوب …وحتى الإشارة الرمزية يجب أن تكون موضع تطابق مع المضمون النصي ولا يحتم ان يكون التطابق متعارف عليه روتيني أقناعي فقط ، فالإشارات الاعتباطية في التصوير الشعري دائما ما تجعل هوة بين الدال والمدلول فهي تجعل المتلقي القارئ، منصب بالتركيز على الدال تاركا محتوى النص عاريا من المكاشفة حسب ما ينظر النقاد .
نخيل يهرب – نخيل يفر ص 37
لا النهار رغيفنا
ولا شرشفنا الليل
وسائدنا مزقتها حوافر الجدار
وعابرات المحيطات
تحت أي ظل
أوصد يقظتي
ليحرسني النوم
الدم
يصل
الى الحقيقة
قبلنا ص 40
أن هذه التعرية للوطن من قبل المزيفين تجعل الأنا الشعرية بدون قناع تكشف عن سوداوية الظلاميين الذين أحالوا جسد الفكر والثقافة والعمران الى مغيب ومهمش داخل الأوطان …
أيها العراقي الحزين
كيف تغدر بنا
وتغادرنا
ونحن بانتظارك كل هذه
السنين
والأمهات ؟
يفتشن عنك في خطوط الفناجين
بين سطور القرائيين ص 49
أن الاختيار والتركيب في مجموعة مقداد مسعود وانتشار الأفعال في النص تشكل دراما للنص وكذلك إلصاق الصفات التي تعبر عن السخرية وأسلوب النفي الخبري الذي ينفي الحكم الايجابي ( المتفق عليه) إنما يتداخل في إغواء المتلقي للنص بيد انه يبقى يزيد النص جمالية إيقاعية مع رمزية اللون الذي يقدم لنا فاكهة تعبيرية داخل النص .
( الضوء + البياض = كلنا نسعى لفتح النافدة)
( السماء الصافية = العصافير تتراقص فوق حبال السماء + والحمام: يرفرف فوق سطح المنازل)
ولا أنسى قصيدة المسعود ( بلاغة الرهان ) ص 57
مع الإهداء:
الى المناضل كامل شياع
حيا ….وحيا
أيها الجميل الذي لم يتقوس للعاصفة
لا خيار لنا غير هذا الخيار
الحقائب ، صحراء
والبلاد
يريدونها اسطوانية
منافقة كدموع
المواسم
وصفراء صفراء مثل ملامح هتلر ص 61
هناك رؤية تكلم عنها تودوروف هي الانتقال من الخطاب الى التحليل داخل النص تنبض حيوات وحوارات طرية تزد من بلاغته الجمالية ودائما ما تكون لغة التحليل خاتمة بصورة التشظي او الإدهاش او غيرها،وقد رأى بعض النقاد ان هناك موضوع منفرد للقصيدة وليس العكس بينما راي آخرون عكس ذلك …النتيجة ومخلصها تبقى أمام أنظار حيوية القصيدة وانتقاء الصور هو من يحكم في نهاية المطاف ، ويبرز أو يخفت من تفاعل الآخرين معها .
من أين يأتي هؤلاء
الهي …
من أين يأتي هؤلاء
ويغرزون قلاعهم في المدينة
من أين يأتي هؤلاء بالنقود
يا الهي ؟
والبلاد لا خبزه يابسة
و
لا لحظة آمنة
الاتحاد بين الفقر الاقتصادي والأمني عاملان مرهقان للمرء داخل الأوطان اشد ما فيها فساد الحكام الذين ينشغلون ببناء قلاعهم العاجية تاركين نفوسهم خربة.
الهي من أين يأتي هؤلاء بالنقود
والبلاد
جيوش من الخائفين
قطيع من العاطلين ص 77
يرى سارتر بان الكاتب يستعين بحرية القارئ كي يشترك معه في نتاج مدلولاته وكذلك الكاتب احيانا يستعين بتجربة القارئ المعاشة في الأفق الجغرافي المحاط به لكي يخاطبه شعرياً بعيداً عن التعقيد الذي يملئ قصائد الكثير من الشعراء المعاصرين .
أحب بلادي واكره حكامها
فقد أوصلونا الى سلة مهملة
فيما عثرنا على ما توهمناه مفتاحا
ثم اكتشفنا
: صاعق القنبلة ص 81
المجموعة الشعرية ( زهرة الرمان) للشاعر والناقد مقداد مسعود لوحة تشكيلية ومقطوعة موسيقية ونص شعري متماسك في نقل الهم العراقي بما يجول بهذا الوطن المذبوح من قبل الأقرباء قبل الغرباء .