غريبـة هي الروح عندما تبحـث عن ذاتهـا وسط الوجوه ومع عبق الأمطار وبين أسطر الشعر …
( بكـائيات الربيع ) المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر عبد الزهرة لازم شباري وتضـم ” 36 ” قصـيدة تحمل رائحة الوطن بطيورها ونخيلها .. يرتدي الحب وترتديه أوراق الأشجار مع خفقات النجوم .. مرثاة وتأمل وتألم وخوفا من الماضي والحاضر والمستقبل .. الماضي كـذكرى .. والحاضر معاش .. والمستقبل ملئ بالضـباب .. أنه زمن المخاوف ..
في زوايا المجموعة تشم رائحة الأرض والتألم , ثم لا يلبث أن يرحل وحيدا .. انه نوع من الشقاء .. انه يسير ببطء متشكـكا حذرا حتى يصل إلى عتبات جرحه المستيقظ ..إن الشاعر المبدع يمسح وجهه بطيب البصـرة .. يحلم بحضـنها .. ملتصق بالأرض والتراب ويصعب أن تميز الوطن من الشاعر أو الشاعر عن الوطن ..
نحس بحزنه وهو حزن هادئ وعميق .. كنت الجرح على خاصرة الأرض وتفتح من نافـذة الفجر عيون الحب المحمولة بالهم ..
البصـرة ..
منذ ذلك الزمن الأجـوف
كنت في عـيون البحارة
ألقـا ً يبوح بتنهداتـك الدافـئة
لكـن بقـايا دموعـك المنحـدرة ..
فوق الطـلول
لن تكـفي لجـلب أشـرعة
الرحـيل !!
بكـائية على أنفسـنا تمزقها نسـمة على قـمة جبل تصـنع للروح روح جديدة .. في زمن الغربة تخترق الروح حجاب الصـوت وتسـبح خلـف سـياج الضـوء .. وتوقف النبض فجأة وترحل على طلل الذكـريات ..
قلت للربيع
وأنا ما أزال ..
في منافي الغربة !
ما أكـثر المتعبين ؟
أما آن أن نرتدي
الصـباح ؟
إن الشعر الحقيقـي يهبنا قـدرة غير متوقعـة في النظـر إلى العالـم كـكـل وان الفكـر المحـوري ينـور وجـدان الشاعر من الداخـل .. ويشـعره بأنه مشـدود إلى مثـله وإلا فكـل شيء يبدو باهـتا ً ومعتـما ً وضـيقا ً …
في صـحارى التيـه نعلـن الحرب على نافـذة القهـر .. ونحـتج على عـري الزمـان وتكـبر الصـرخة في القلـب ..
وتفـتح نافـذة الأسـفار فينبـض شـريان النـهار ..
ولأني شـاعر
احـمل قلب يمـامة
أتبعثـر بين الأوراق
ابحـث عن قـوس في قلـب الصـحراء
انسـج منـه خاتمـتي
واتشـظى مصـلوبا
في كـل الأجـزاء !!
هنـاك الصـمت .. صـمت يتنفـس كـالبحر الهادئ .. نلمس البسـاطة في الكـلمات العميـقة في المعنـى ونشـعر بها وكـأنها ملتـصـقة بالسـطور .. والمشـاعر .. والأحاسـيس الصـادقة .. والهموم الإنسانية ..
الضـمائر التي باتت
تتسـلق الصـمت
كـان لزاما علـيها
أن ترتـدي عباءة الـزمن
في مسـاء الغربـة يشـدني إصرار عينيـك نحـو الفجـر .. من يعـرف ما في القلـب .. من يعـرف أن قافلـة الريـح لا تـرحم .. فقـد فقـدنا الحـب والنار في شـذى الجـرح .. وأخذتنا رجـفة الشـوق تتراقـص فوق الغـيم الصـاعد وتمـتد الدنيا فيـنا حلـما أزليا ..
تبكـي / تبكـي
ما أكـثر ما تبكـي !!
وحراس الوطـن المسـبي
ينتظـرون الحـب الأزلـي
يتأجـج جـمرا ً
ضـوء اخـضر يبحـر مع فيـض البحـر .. تبتـدي خـبزا ً.. حلمـا ً .. يزيـح عن صـدرك ثقـل الموت .. وموج يرقـص في بحـر عيـونك والريح تجـئ هـضابا تحـمل أفـئدة الفقـراء .. ويتجلى في الأفق مسـافة العيـون وتسـافرين في بحـر الحـزن عند مرسـى البحـر والصـحراء ..
تحمل الضـوء للقادميـن
من الجـنوب
لكـني أرى أرتال النمـل
تنزوي تحـت القـناديل
المفقـوءة العيـون
وتزدري السـنابل
بينما الفقـراء ينتظـرون
ملـح الأرض
ويلهثـون وراء الرغـيف
في الصـباح الجـميل يضـحك للموج الآتي .. يصـرخ وفي عـينيـه موت المسـافات .. ويزرع أوجاعه عند نجـمة تجـاهـلت مـداه .. ويتـرجل الحـزن .. والغيـوم تسـحب قطعاتـها مرتحـلة ..
حين مضـيت عنك
هـز فلـبي صـداك
فقد طـوقتنـي الليالي
وأثـلجتني السـنون
وقالت خطـاي
ارتحـل هنا أو هناك
فلا ضـير في هـذا وذاك
فأحلام صـباحاتنا كـل يوم
ترتسـم على محـياك
وانا ما زلت أرتـق جرحـي
وشظـايا طـفولتي
لا تنتظـر من البحـر آن يرقـد مسـتريحا بين أزهارك الليلـية .. أو تذكـرة من رسـومك التعبـة .. أو رسـالة بللهـا المطـر .. أنت يا بحـر الأحزان ودموع كـل الأطفال لـتبق الأزهار عـارية لضـفاف الحـزن تحـمل شـموع وثيـاب العـرس وقصـائد التائهـين ..
نسـي البحـر هـمومه .. لقـد أغـلق الحلاج كـتابه .. أما البحـر .. فليظـلله الزمـن لأن أمواجـه سـتبقي سـفـينة تبحـث عن مرفـأ بلا طـيور وأمواج …