لم تكمل تموز عامها الخامس عندما نحروها، فقد تجمع أعداؤها من الامبرياليين و الرجعيين من قومانيين، عربا وأكرادا، وحتى الظلاميين من رجال الدين، و تفرق صانعوها وأعوانها. وزُفّت مومس ثورات الردة في 8 شباط، وكان مهرها دماء الشيوعيين والديمقراطيين ، تعدد أسماءهم إذاعة في الكويت نصبتها المخابرات المركزية الأمريكية. وبمساعدة الاستعمار والرجعية مرة أخرى عاد البعث ثانية في السابع عشر من تموز 1968 ، وبعد أسبوعين كشف للشعب وللعالم برنامجه من خلال التلفزيون : رشاشة يحملها المجرم صدام ، المشارك في محاولة إغتيال ثورة تموز بمؤامرة إغتيال قائدها عبد الكريم قاسم. فأناخ على العراق ليل أين منه ذاك الليل الذي أرخى سدوله على إمرئ القيس و ناء بكلكل، فإن بدت له نجوم الليل ثابتة لا تتحرك لتخيله أنها قد شُدّت بحبال كتان الى صُم جندل فليل البعث قد بات أسود معتما بلا نجوم. وصار صدام البعث يتحكم في اعناق اهل العراق.
غير ان شعاع 14 تموز 58 بقي يجدد الامل بأن ليل الارهاب مهما طال لا بد له من اخر و سيعقبه لا محالة فجر جديد. و يومها، عندما إندلع الفجر شكل انتصار تموز دهشة و مفاجأة ، ما كان إنهيار المعسكر الاشتراكي مثلهما. فاصدرت واحدة من كبريات الصحف في اوربا الغربية – وذلك لاول مرة بعد الحرب العالمية الثانية- ملحقا لعدد يوم 14 تموز، و انزلت امريكا و بريطانيا قواتهما العسكرية في لبنان و الاردن لضرب الثورة ، مثلما فعلتا في آذار/ شعبان 1991 إذ تركتا قطعان صدام البعث تضرب إنتفاضة الجماهير في الجنوب و في كردستان.
كان تموز للشعب العراقي و للشعوب العربية و القوى المعادية للاستعمار و الرجعية يوم اعراس و فرحة عمر،غطت على انتهاكات القتل و السحل يومئذ. .
لكن ما كان حلما أُريد له و به تحقيق التحرر من حلف بغداد و من التبعية للاستعمار و تحقيق الاستقلال الوطني الحق قد أُنجز. فالعراق كان مستقلا شكليا منذ تشرين أول عام 1932، لكن بالاستقلال الحق ينفتح الدرب صوب الديمقراطية و تحقيق التقدم الاجتماعي و السير مع حركة التحرر العربي، وضمان حقوق الشعب الكردي في العراق.
و من المطالب التي اجمعت عليها القوى الوطنية المتحالفة في جبهة الاتحاد الوطني، تحققت المهام الوطنية منها كالخروج من حلف بغداد و مقاومة التدخل الاستعماري و انتهاج سياسة عربية مستقلة اساسها الحياد الايجابي ، ومن المهام الداخلية تم ليس فقط تنحية وزارة نوري السعيد و حل المجلس النيابي بل الغيت المَلَكية و اعلنت الجمهورية و اعتبار العرب و الاكراد شركاء في الوطن، و تم اطلاق سراح السجناء والموقوفين السياسيين ( كان من بينهم 4 بعثيين فقط )، و اعادة المفصولين لاسباب سياسية الى وظائفهم ، غير ان المطلب الاساسي في ميثاق الجبهة : اطلاق الحريات الديمقراطية و الغاءالادارة العرفية ، الشرط الجوهري لاقامة النظام الديمقراطي ، لاقامة المجتمع المدني ، لم يتحقق. وجرى فصل الرابطة العضوية بين الوطنية و الديمقراطية.
و بدل الإصرار على السعي من اجل إقامة النظام الديمقراطي انفرطت الجبهة و انشغلت الأحزاب بتكتيكات من اجل الفوز ببعض غنائم الثورة او على الأقل فرض بعض التصورات الحزبية ، و لكن متسترة وراء واجهات : الوحدة الفورية او الاتحاد الفدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة، وتعمق الاستقطاب بين اليساريين و القوميين عبر التحزب لعبد الكريم قاسم او لعبد السلام عارف، وهما يتنافسان على قمة السلطة. واحتدم الصراع بين أعضاء المنظمة العسكرية بعد ان ابعد او حجم دور الضباط الشيوعيين و اليساريين ، والذين كان الحزب الشيوعي يلزمهم بالدفاع عن قاسم حتى انقلاب 8 شباط 63 الفاشي.
و سيبقى تموز موضع دراسة لازمة لاستخلاص العبر و التي ستكون متباينة بتباين وجهات النظر و التجربة الذاتية. ومع الإقرار بوجوب تجريد تموز و رجالها من كل تقديس والتخلي عن التحامل والأحكام المسبقة من اجل التوصل الى استنتاجات اقرب للواقعية فان من غير الإنصاف تحميل تموز وزر ما وصل العراق إليه على يد المؤسسة العسكرية و نظام صدام، كما و ليس من الصحيح إجراء مقارنة كمية بين العهدين دون مراعاة الظروف التاريخية ، ونسيان او التقليل من مظالم و ارهاب الحكم في العهد الملكي ، و الذي كانت تحكمه مجموعة من العسكريين السابقين نزعوا البزة ، لا الذهنية العسكرية ، و الذي صارت الإطاحة به شرطا للانتقال الى نظام ديمقراطي مستقل. و لربما كان شكل الإطاحة بالنظام عبر انقلاب عسكري ساندته جموع الجماهير مبررا، دون ان يعني ذلك تبرير التجاوزات ايضا، و مع هذا فان مسيرة تموز و تسلط العسكر و تحكمهم منذ تموز كان لها أن تثير التساؤل فيما لو كان بامكان وسائل العنف ، بله الغزو الأستعماري ، تحقيق اقامة نظام ديمقراطي يعتمد الوسائل الديمقراطية السلمية لحل الخلافات. ان الحرب أطاحت بنظام صدام و لكنها لم تكن النهج المفضي لاقامة نظام يقر” بمبدأ التداول السلمي للسلطة و نبذ العنف و اللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية ” الذي أعلنت وتعلن كل القوى انه هدفها المنشود بعد الاطاحة بصدام. اما كان التوجه لاعطاء الاولوية لفرض حل سلمي ديمقراطي مثل ” المطالبة باجراء انتخابات عامة في العراق باشراف دولي محايد” إعتمادا على قرار مجلس الأمن 688 ، وكما ورد في الموضوعات للمؤتمر السادس للحزب الشيوعي العراقي رغم انه كان الاصعب في التقبل، لكنه كان الاقل تضحية و اكثر ضمانا.
تجربة 14 تموز 58 بينت ان الديمقراطية لا تتحقق بوسائل غير ديمقراطية ، و ان العنف لن يرسخ نهج الحلول الديمقراطية السلمية.
كما وأن تجربة تموز أكدت أن نهج مناهضة الامبريالية والرجعية والصهيونية بجبهة وطنية واسعة ، عمودها الرئيسي حركة شيوعية موحدة ، واضحة النهج ، تعبئ الجماهير عبر نضالات مطلبية، ودون التراخي في خوض النضالات الفكرية ضد كل المفاهيم غير السليمة، حتى التي يطرحها حلفاء لنا، مما يتطلب التمسك باستقلال فكري صارم، وكشف أي سلوك أو مظهر غير شيوعي، هو النهج الذي يحقق الديمقراطية والسيادة الوطنية، ويقف سدا أمام فساد اللِصُّقراطية ودّمُـــقراطية الإرهاب.
غير ان شعاع 14 تموز 58 بقي يجدد الامل بأن ليل الارهاب مهما طال لا بد له من اخر و سيعقبه لا محالة فجر جديد. و يومها، عندما إندلع الفجر شكل انتصار تموز دهشة و مفاجأة ، ما كان إنهيار المعسكر الاشتراكي مثلهما. فاصدرت واحدة من كبريات الصحف في اوربا الغربية – وذلك لاول مرة بعد الحرب العالمية الثانية- ملحقا لعدد يوم 14 تموز، و انزلت امريكا و بريطانيا قواتهما العسكرية في لبنان و الاردن لضرب الثورة ، مثلما فعلتا في آذار/ شعبان 1991 إذ تركتا قطعان صدام البعث تضرب إنتفاضة الجماهير في الجنوب و في كردستان.
كان تموز للشعب العراقي و للشعوب العربية و القوى المعادية للاستعمار و الرجعية يوم اعراس و فرحة عمر،غطت على انتهاكات القتل و السحل يومئذ. .
لكن ما كان حلما أُريد له و به تحقيق التحرر من حلف بغداد و من التبعية للاستعمار و تحقيق الاستقلال الوطني الحق قد أُنجز. فالعراق كان مستقلا شكليا منذ تشرين أول عام 1932، لكن بالاستقلال الحق ينفتح الدرب صوب الديمقراطية و تحقيق التقدم الاجتماعي و السير مع حركة التحرر العربي، وضمان حقوق الشعب الكردي في العراق.
و من المطالب التي اجمعت عليها القوى الوطنية المتحالفة في جبهة الاتحاد الوطني، تحققت المهام الوطنية منها كالخروج من حلف بغداد و مقاومة التدخل الاستعماري و انتهاج سياسة عربية مستقلة اساسها الحياد الايجابي ، ومن المهام الداخلية تم ليس فقط تنحية وزارة نوري السعيد و حل المجلس النيابي بل الغيت المَلَكية و اعلنت الجمهورية و اعتبار العرب و الاكراد شركاء في الوطن، و تم اطلاق سراح السجناء والموقوفين السياسيين ( كان من بينهم 4 بعثيين فقط )، و اعادة المفصولين لاسباب سياسية الى وظائفهم ، غير ان المطلب الاساسي في ميثاق الجبهة : اطلاق الحريات الديمقراطية و الغاءالادارة العرفية ، الشرط الجوهري لاقامة النظام الديمقراطي ، لاقامة المجتمع المدني ، لم يتحقق. وجرى فصل الرابطة العضوية بين الوطنية و الديمقراطية.
و بدل الإصرار على السعي من اجل إقامة النظام الديمقراطي انفرطت الجبهة و انشغلت الأحزاب بتكتيكات من اجل الفوز ببعض غنائم الثورة او على الأقل فرض بعض التصورات الحزبية ، و لكن متسترة وراء واجهات : الوحدة الفورية او الاتحاد الفدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة، وتعمق الاستقطاب بين اليساريين و القوميين عبر التحزب لعبد الكريم قاسم او لعبد السلام عارف، وهما يتنافسان على قمة السلطة. واحتدم الصراع بين أعضاء المنظمة العسكرية بعد ان ابعد او حجم دور الضباط الشيوعيين و اليساريين ، والذين كان الحزب الشيوعي يلزمهم بالدفاع عن قاسم حتى انقلاب 8 شباط 63 الفاشي.
و سيبقى تموز موضع دراسة لازمة لاستخلاص العبر و التي ستكون متباينة بتباين وجهات النظر و التجربة الذاتية. ومع الإقرار بوجوب تجريد تموز و رجالها من كل تقديس والتخلي عن التحامل والأحكام المسبقة من اجل التوصل الى استنتاجات اقرب للواقعية فان من غير الإنصاف تحميل تموز وزر ما وصل العراق إليه على يد المؤسسة العسكرية و نظام صدام، كما و ليس من الصحيح إجراء مقارنة كمية بين العهدين دون مراعاة الظروف التاريخية ، ونسيان او التقليل من مظالم و ارهاب الحكم في العهد الملكي ، و الذي كانت تحكمه مجموعة من العسكريين السابقين نزعوا البزة ، لا الذهنية العسكرية ، و الذي صارت الإطاحة به شرطا للانتقال الى نظام ديمقراطي مستقل. و لربما كان شكل الإطاحة بالنظام عبر انقلاب عسكري ساندته جموع الجماهير مبررا، دون ان يعني ذلك تبرير التجاوزات ايضا، و مع هذا فان مسيرة تموز و تسلط العسكر و تحكمهم منذ تموز كان لها أن تثير التساؤل فيما لو كان بامكان وسائل العنف ، بله الغزو الأستعماري ، تحقيق اقامة نظام ديمقراطي يعتمد الوسائل الديمقراطية السلمية لحل الخلافات. ان الحرب أطاحت بنظام صدام و لكنها لم تكن النهج المفضي لاقامة نظام يقر” بمبدأ التداول السلمي للسلطة و نبذ العنف و اللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية ” الذي أعلنت وتعلن كل القوى انه هدفها المنشود بعد الاطاحة بصدام. اما كان التوجه لاعطاء الاولوية لفرض حل سلمي ديمقراطي مثل ” المطالبة باجراء انتخابات عامة في العراق باشراف دولي محايد” إعتمادا على قرار مجلس الأمن 688 ، وكما ورد في الموضوعات للمؤتمر السادس للحزب الشيوعي العراقي رغم انه كان الاصعب في التقبل، لكنه كان الاقل تضحية و اكثر ضمانا.
تجربة 14 تموز 58 بينت ان الديمقراطية لا تتحقق بوسائل غير ديمقراطية ، و ان العنف لن يرسخ نهج الحلول الديمقراطية السلمية.
كما وأن تجربة تموز أكدت أن نهج مناهضة الامبريالية والرجعية والصهيونية بجبهة وطنية واسعة ، عمودها الرئيسي حركة شيوعية موحدة ، واضحة النهج ، تعبئ الجماهير عبر نضالات مطلبية، ودون التراخي في خوض النضالات الفكرية ضد كل المفاهيم غير السليمة، حتى التي يطرحها حلفاء لنا، مما يتطلب التمسك باستقلال فكري صارم، وكشف أي سلوك أو مظهر غير شيوعي، هو النهج الذي يحقق الديمقراطية والسيادة الوطنية، ويقف سدا أمام فساد اللِصُّقراطية ودّمُـــقراطية الإرهاب.