كانت اللحظات كئيبة تتأرجح في الصمت الراكد في فضاء الساحة الجانبية للقسم الاول ,بينما كنت أغالب إغفاءة تبعثرت على أجفان تحتفظ ببقايا حلم لزج, أنهى ألحرس تعداد السجناء وثبت الرقم في دفتره الصغير وتمتم كمن يهمس مع نفسه بصوت خفيض
– ثلثمائة وأربعة عشر….
وضع قلمه في جيب خفي بذراع قميصه الأيسر ومضى مسرعا ليغادر الساحة, فكانت وقع أقدامه المتجهة الى مشبك الباب الحديدي إشارة تحمل البدء ليوم جديد من السجن والفزع والغثيان .
كان أديم الأرض في الساحة الجانبية ميت مثل باحة واسعة لبيت مهجور تتطاير فيها الأتربة الدكناء من تحت وقع أقدام السجناء فيما يصدر الحصى المتناثر صلصلة مذعورة اذا ما سار فوقها احدهم سيرا جادا .
بعد ان نهض الجميع من جلسة التعداد النخاسية, كانوا أيضا على موعد يائس لكي ينبعثوا الى الحياة من لحظات الملل والسأم وينتشلوا انفسهم من تباشير الصباح الى لحظات أسوا يسيطر فيها الوعي وتطفوا فيها خلجات النفس حيث اللاجدوى . كان مضي تلك اللحظات مثل فقاعات تنبجس من مرجل يغلي لكي تتفجر بين خيبات الماضي والخيبات المرتقبة , اذ حاول البعض ان يخبئها فمنهم من يرجع لينام في سريره الحديدي مرة أخرى ومنهم من يذهب ليعد فطورا سريعا . كنت في تلك اللحظات اشعر بالخيبة تبتلعني و اشعر ان جدران السجن تلتهمني وكأن يدا خفية تهصر بدني لتسحلني بعدها على ارض الساحة المملوءة بالأتربة و الحصى والصخور الصغيرة. كان السجن يبدو مثل مدينة محاصرة و كأن كل شيء فيه اجوف يصفر هازئا ان تباغته رياح كانون الباردة كل شيء أجوف من اعمدة الكهربا الى الجدران و الابواب الحديدية والغرف الصغيرة والاسرة الحديدية حتى وجوه الحرس كانت تبدو مثل وجوه اموات بعثوا توا من القبور .
وضعت يداي على ركبتي محاولا النهوض بتكاسل واضح تزيده خيوط النعاس العالقة في عيني حتى استنفرني صوت شاكر الدليمي
– صباح الخير دكتور
– صباح الخير حجي
اقترب مني وهو يحمل لحظة ود يريد بها متكأ لشيء لم أدركه ربما اقرب الى المجاملة كان لون عينيه واليشماغ الاحمر يفسر المسافة بين البصرة والانبار مدينتي ومدينته لكننا التقينا هنا هكذا كما كنا نقرا اسفار الحياة بعين واحدة هي عينه الزرقاء, وعيني الكليلة وراء زجاجة النظارة الشفافة , طبيبا بصريا يبحث عن الحرية مسكونا بعناوين مستلة من الكتب الصفراء السرية التي يتداولها مع رفقاؤه وأشياء اخرى ,كان صاحبي قد نهض بنشاط اكثر واقترب مني بهدوء لمحت في عينيه صور الفاتحين العرب وهو يتحدث عنهم وعن المجد العروبي في الزمن الاثيل .
-هل تسمح لي بسؤال حول السياسة ؟
تمتم بهدوء وعلى وجهه ابتسامة أظهرت فلجا واضحا في أسنانه
ابتسمت وداخلني شيء من الدهشة قلت:
– تفضل ……..
قال مبتسما
– هل البنسلين يفيد الرشح؟
قلت وانا ادر ك ان لديه مأرب آخر فأجبته مبتسما :
– ربما
كنت اتامل عينية الخضراوين وهو يحدق ساهما بالاشياء القريبة بينما كانت سنوه التي تجاوزت الخمسين تستعيد ارقامها مع كل كلمة تخرج من فمه, كان يرتدي دشداشة دكناء ومعطفا قصيرا اسودا وكان يكن لي كل الود بعد ان عالجته و شفي من (حمى مالطا)قبل بضعة اسابيع كان اريحيا معي , بدويا , لم انس يوم دعاني الى وليمة غداء مع بعض من اصحابه اذ قدم لنا بسخاء لحم الضان المعد مع الرز والخبز معا بطريقة لم نعهدها نحن في الجنوب كانت وجبة دسمة خالية من البهارات ولم يكن مذاقها جيدا ,اضطررت ان أتناول الطعام فيها بيدي ومن دون ملعقة وهو شيء لم اعتد عليه
كنا التقينا معا في السجن نحمل خيوط دامية لجريمة كبرى بنظر الدولة فكنت انا من تنظيم حزب الدعوة الاسلامية و حكمت بالسجن لمدة سبعة سنوات وفق المادة 156 وكان شاكر الدليمي نزيلا معي يتكلم في الوحدة العربية برؤية ناصرية وكانت تلك تهمته التي حكم بسببها خمسة سنين مع زيادة بضعة سنين أخرى لإفشائه سرا من اسرار الدولة بان تفوه يوما انه رأى اسرى كويتيين في احد سجون الموصل
التفت الى شاكر الدليمي بابتسامة عريضة قلت مازحا بعربية فصحى :
– تكلم ايها العربي ياصاحب المملكة الحزينة , اصبحت وامسيت
سجينا للمرة الثانية وانت هنا بلا ارض ولا سلطنة وبعيدا عن زوجاتك الثلاث , كان ينظر لي بصمت و لمحت في عينه ابتسامة كانها تفتح وردة عرفج في احدى بوادي الرمادي الدافئة كانت ابتسامة خجولة تتعثر بين طيات يشماغه الاحمر وتمتم:
– ما ذا تعني كلمة (مَرِدْ)
قلت
– لا ادري .. احسبها كلمة انكليزية تعني ……. ولكن اين سمعتها؟
اخد يفرك صدغيه وجبهته بهدوء وبدت عيناه الخضراوتين كانما تباعدتا من محجريهما كنت اتامل جبهته المستوية وانفه الضخم بينما كانت الشعرات الناتئة من شاربه الرمادي تهتز تارة بهدوء وتارة بعنف واسترسل
– كنت في سنة 1986 معتقلا في مديرية الامن العامة اي قبل عشرة سنين و كنت بأسوأ حال اتوقع كل شيء حتى الاعدام رميا بالرصاص.
– امممم…… هكذا ياحاج
تساءلت مندهشا بينما كانت يداه تتحركان كسيف مثلوم
كنت متفاجئا من غرابة الحديث اذ كان الكلام في موضوع مثل هذا لا تحمد عقباه وأصغيت له هو يرسم بدقة صور السجن الرهيب في مديرية الامن العامة وصور الياس من الحياة في تلك الحقبة , اقترب مني واخد يتكلم بهدوء وحذر مسترسلا :
– كان الخوف من الموت إحساسا يكاد ان يثقب راسي بمثقب كمثقب الحجر فحينما تطرق اسماعنا في الصباح الباكر قائمة الاسماء اللذين حكموا بالاعدام كنا ننتشل انفسنا من هواء القبر لنعيش بضع ساعات من الحياة بعيدة عن شبح الموت الى الفجر القادم و اردف شاكر الدليمي:
– مكثت في تلك الظروف بضعة اشهر وانا اكاد ان اموت في كل صباح صمت قليلا وبدت اللحظات تتشظى في ملامح وجهه واسترسل بصوت متعثر:
– كنت تعرفت على شاب من اهل الديوانية اسمه جواد هكذا اسمه جواد كاظم البديري كان يقضي نهاره وليله بالصلاة والعبادة ويبدو انه كان متدينا ينتمي الى حزب اسلامي فكان يصل الاسبوع بالاسبوع والشهر بالشهر صياما , كان دمث الاخلاق هادئا رغم ان الموت كان يزحف اليه في كل ساعة بل يكاد ان يراه في معاطف السجانين ولون الزنزانة وبلاط الزنزانة الاسمنتي بل في كل شي, كأنه مرسوم في جبهة كل فرد تقع عليه عيناه , لكن جواد بأسنانه البيضاء لم تبرح الابتسامة وجهه من بين نداءات الموت وكأنه يعيش في عالم ليس عالمنا… وحدث ان تدخل أهلي بشأني لدى مدير الامن العام وقتها كنَّا في حقبة الثمانينيات والحرب مع ايران مستعرةعلى طول الجبهة من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب , وقد استطاع اهلي ان يظفروا بعفو خاص لي من رئيس الجمهورية لان والدي كان ضابطا يعرف مدير الامن الذي نسيت اسمه الان .
قلت مقاطعا:
-احسبه ذاك الذي اسمه فلان ال …. الدوري
وقد استطاع اهلي ان ينتشلونني من براثن موت محقق كل ذلك حدث فجأة في يوم الثالث عشر من كانون الثاني اذ أمرني الحرسي بلملمة حاجاتي والتجهز بسرعة لمقابلة العقيد , تركت وجبة الطعام في ذلك اليوم ووقفت لأودع رفاقي وهم ثلاثة محكومين بالإعدام سعدون صديقي الشيوعي وجمال الكردي وجواد البديري لقد كانوا فرحين لما حصل لي وان كانوا يغالبون الحزن ويخفون صرخة استغاثة وخوف اذ كان جمال من اليأس يود لو يرضخ رأسه بالجدار لكنه كان مسرورا لإطلاق سراحي ومن خلفي شعرت بجواد يمشي وئيدا بكل اتزان , لمحت عينيه الكئيبتين الواسعتين ورأيت كيف يكاد البشر يختبيء بين خطوط الحزن التي حفرت بجانبيهما , اعطاني سيكارة يندر ان تجدها عند احد في زنازين الاعدام وشد على يدي وهو يشق فسحة الهواء الساكنة بيني وبينه و اذ بدات عيناه تبتسم قال لي وهو يحتضنني بعنف ايها البدوي الطيب حسنا فعلت حينما كففت عن مداعبة الموت قلت له ايها الطيب لن انسى تلك الامسيات الحزينه ولن انسى ما تكابده في انتظار الموت ولوكنت اصلي لدعوت لك , قال لي انك امام تصلي ليل نها ر بلا مسجد , قبلت جبينه فانحنى يهمس في أذني :
– ان لي أم ..
ونظرت الى دمعة يغالب نفسه كيما يخفيها بابتسامته المعتادة وتذكرت كيف كان يحمسنا ويقوي عزيمتنا عندما يردد (الحياة عقيدة) واسترسل هامسا قرب أذني وهو يعانقني
– سلم لي عليها
أطلق سراحي فمكثت بضعة أيام في بيتي , لم تتركني هواجس الموت فمازالت تلاحقني في نومي وفي يقظتي , لم استطيع ان انسى نسيج الأشهر الماضية من شبح القبر والدفن ورائحة الموت , وما ان استعدت بعضا من حيويتي حتى قررت بعدها ان أسافر الى الديوانية , المدينة التي كفنت اسم جواد البديري , انطلقت اليها من بلدتي في اعالي الفرات فسرت بحذاء النهر الى حيث اوصلني الطريق الصحراوي المعبد المودي اليها بعد مسير ستة ساعات بسيارتي السوبر كراون التي تحمل رقم الانبار
كانت المدينة تكاد ان تغرق بالصمت حتى اني لم اسمع حفيفا لطير او رفيف جنح طائر يحوم في سماءها الا لون الزرقة الكئيبة وكانت وجوه المارة ترمقني بصمت يحمل مئة سؤال يتدحرج مع القش الذي تحركه الريح بين الفينة والاخرى ,كانت الدكاكين وجدران البيوت تسحب نظراتها بعيدا الى اروقة مخفية حتى سئلت رجلا يشتغل بتنظيم بضاعته في متجر صغير وكان يختلس النظرات لي بين الفينة والاخرى سألته عن بيت شخص أسمة جواد كاظم البديري قلت انه رجلا سجينا منذ اربعة اشهر ,اجابني بسرعة ملفتة للنظر بالنفي كأنة يحاول الفرار من اي سوال اخر قد يبدر مني , صمتُّ قليلا , أردت معاودة سؤاله مرة اخرى لكنه اختفى داخل دهليز داخل المتجر كنت ارتدي دشداشة بيضاء ويشماغ احمر حتى لمحت رجلا اقبل متجها صوب المتجر استوقفته فرحب بي بابتسامة عريضة قلت وكأن السؤال يتدلى من أسفل شفتي ,كان الاسم الذي ذكرته للرجل جعله يتوقف متقهقرا كمن رفس في بطنه , تأملت لحظة القلق والحيرة وكيف حاول إخفاؤها فعلمت انه صمت قليلا حتى أجاب بحذر::
– لا اعرف
كانت الدماء قد بدأت تتصاعد الى راسي ,تذكرت وجه جواد القمحي وشاربه الخفيف و كيف كان دحداحا يميل الى القصر, يجلل هامته شعر مفروق من جانبه الايمن تصدعت فيه ستة وعشرون سنة , اخذت اتصفح وجوه المارة الواحد تلو الاخر لعلي اظفر باحد يشبه ملامحه كنت في حيرة اذ احسست ان كل العيون تنتمي اليه وتحمل بعضا من العذوبة التي قراتها في ابتساماته في الشهرين الماضيين
لم يتبقى الى ساعة الظهر سوى بعضا من سويعة , كنت اقف في ظل قرب عمود الكهرباء المتطاول نحو زرقة السماء , كل الوجوه التي رايتها كانت غامضة تنبعث من مساماتها خيوط الحيرة , كان الصمت يفر منها ليستقر بين العيون الخائفة و كنت امام هذي الوجوه لوحة مليئة بالالغاز المحيرة لكن لغزا واحدا ادركته من الوهلة الاولى وهو يشماغي الاحمر ولهجتي المميزة ولوحة سيارتي الغريبة (الانبار) ياويلي !! لم يبق الا ان يستعلموا عن رتبتي العسكرية, وانني ضابط سري , لكني تجرات ورجعت الى صاحب المتجر كنت ازمعت ان اتحدث معة بكل التفاصيل من سجني الى اطلاق سراحي الى لقائي بجواد ووصيته لي ان ابلغ اهله وبينما انا احث الخطى نحو المتجر فاذا بالرجل يبرز فجاة وكأنة يرصد حركتي بل استقرأني من راسي الى اخمص قدمي تقدم الي وقد هجرت تلك الملامح المتغضنة وجهه وكانها مزقت ذلك الوجه المنحوت من الصوان ليبتسم تاركا صورته الاولى لمحت ابتسامة حزينة في عينية العسليتين ,صاح بصبي معه ان يأتي لي بكرسي ودعاني للجلوس فتح علبة سيكاير فاخرة وناولني سيكارة ثم عمد الى اشعالها ولم تكد تصل الى شفتي حتى همس بأذني اردت ان اعاتبة او اشكره او.. او .. لكنه سبقني بالجواب الذي لم اظفر به في الوهلة الاولى وتمتم
– حياك الله ….
واشار بيدة اليسرى الى بيت قريب واردف بصوت خافت
– انظر الى ذلك البيت الشامخ وذلك الباب الحديدي الاسود انه بيت جواد البديري … هو ابن اخت لنا
كان لابد لي ان انهض لكيما اتصل بعائلته , نهضت بصمت شاكرا حسن صنيعته وكررت مستفهما مرة خرى:
– هل تعني ذلك الحائط المبني من الطابوق
اجابني بايمائة خفيفة تخفي الكثير من الحزن وقليلا من التسائل
اراد ان يرافقني الى حيث بيت الحاج كاظم البديري كما وصفة لكني قلت لا داعي لها , كان البيت يشبه اعلانا للخوف والضياع وبدا الآجر القديم يشبه عظام الموتى اذ جرتني خطواتي في مدائن لم اسمع بها في حياتي من قبل (حي البنوك) و(شارع ستين) وعمارة (حجي فاخر) حتى اقتربت من البيت وضغطت زر الجرس مرة او مرتين فانفتح الباب ليطل شيخ في السبعين من عمره, نظر لي نظرة عطوفة لكنة اخذ يتفحصني بصمت حتى باغته بجواب لسوال خفي ينعقد في زاويتي فمه هو قلت :
– ضيف…
فكانت هذه الكلمة سحرا فتح يديه وحرك طباعه العربية, تساؤلات اغلقها الصمت ازاء رجل غريب لم ير ه قط في حياته وتمتم :
– أهلا بالضيف
لكن سيلا من الاسئلة الساخنة لاتزال تحفر في جبينه وعندما صافحته كانت عيناه تكاد ان تضيعا في محجريهما , لكني لا ادري كيف اعتنقته واعتنقني هو ايضا كان بريق الحزن في عينية بدا ينثر حروف الهزيمة, قادني عبر دهليز ضيق وهو يتمتم بعبارات الترحيب و الاحترام ثم فتح باب غرفة مظلمة ازاح ستائر سميكة عن شباك باربعة درفات فانسكب ضوء غامر على الجدران و الاريكة الخشبية مما اضفى على الغرفة نهارا صافيا حارا لولا تثاؤب المروحة المترنحة .
جلست على اريكة خشبية مطلية بدهان اسو د واخذ ينظر لي مبتسما قلت :
-لم تسئلني و ما ورائي ؟
قال :
– كل الخير في وجهك
كان وقع كل كلمة مثل امواج البحر اواقتراب الشمس والقمر من الأرض بينما كانت عيناه تحتفظان بابتسامة مبتسرة وهما تتجولان بين قسمات وجه غريب و بين حين واخر تكاد التسائلات تفلت من بين مسامات وجهه المتغضن الاسمر , وضعت يدي على جانبي الاريكة , كنت اتامل ذلك الوجة المنكسر الذي لم تفارقة تلك الابتسامة الحزينة , حتى أخبرته اني قادم من الانبار فرحب بي مرة اخرى , تلك الاثناء جلب فتى مراهقا آنية ماء , يبدو انه احد أحفاده , سكب لي ماءا مثلجا وترك الإناء على حافة الشباك وما ان احتسيت قدح الماء حتى اخبرته ان جوادا كان معي في زنزانة واحدة وانه حي يرزق , كنت اتحد ث وقد شد بصري الى البساط المخملي الذي يغطي ارض الغرفة وقد تلون بازهار ارجوانية ونقوش مشاهد حرب و سهام ورماح ومضيت اصف له ما رأيت عبر شهرين من السجن وانتظار الموت معا وكيف كان يقضي كل ليله وكيف كانت ساعات النهار لديه , نظر لي الاب متأملا وأشار لي بيده سأدعو أمه لتسمع منك
قلت ..ربما لا تتحمل اخبارا كهذي , ان سمعت حديثي هذا, وهو خصوصا ينتظر عقوبة الاعدام …كنت انظر الى وجهه وقد استحال فجأة الى لحاء شجرة ميتة وكأن الخبر باغته مثل صعقة كهربائية وقد ترك اثرا حزينا اذ لم ينبس بعدها ببنت شفة ونادى بصوت واهن امرأته
– ام جواد
– فدخلت امراة تقترب من الستين متلفعة بالسواد لم املك الا ان نهضت اجلالا لها وهي بدورها حيتني بصوت واهن أوهنه ترادف العلل وصروف الدهر, كانت تبتسم ابتسامة باهتة نحتتها في وجهها لتخفي اضطرابا يجثم فوق انفاسها لم تستطع ان تخفية لتفضحه رعشة الحيرة في يدها التي تمسك عبائتها السوداء وأتخذت مجلسها قرب أبي جواد , شعرت بالاضطراب في اعماقي وكيف افلتت كلمة انتظار الإعدام من فمي وماذا دهاني كيما أتفوه بها امام ابيه ليتني اخبرت ذلك الرجل صاحب المتجر وبعدها انطلق متخفيا برعبي من بين زجاج المحلات وبين ظلال العابرين , كنت اشعر اني تامرت عليهم من اعماقي … وربما كانت لحظة فجة تبشر بالموت تركتني اتململ مثل ذبابة هاربة وكأن العقل انطلق معها هاربا من راسي …. جلست المرأة صامتة , سوت عبائتها بهدوء وبادرتها قائلا :
– ان جواد أوصاني ان آتي الى هنا وجئت من الانبار اجلالا له , لم انس تلك الأيام التي قضيناها معا , توقفت قليلا ….كنت انتظر صور الماساة كيما تظهر امامي صورا هزيلة يرسمها ضعف المراة وانهيار الام وهي تسمع ان ولدها سوف يساق الى الاعدام او ربما كان قد نُفِّذْ به,الآن أيقنت من شحوب شفتيها انها سمعت كلامي في لحظة دخولي الى البيت, مضت اللحظات صامتة تتعثر بزفير الحسرات العميقة, حاولت ان اقول شيئا ..لكنني ترددت كادت الحيرة ان تسحبني الى جوف الحائط لكي أتوارى او ترسم حول بدني دوائرا سحرية تجعلني اختفي عن انظار الجميع , كنت انتظر من يسئلني عن تفاصيل يومه و ليله ,عن الموت الذي داهمه لكنني استرسلت أتحدث عن تفانيه ومحبة السجناء له …صمتَتْ الام كان وجهها استحال الى كرة صوف شاحبة وخدها الغائر ينتظر باطن كفيها ترصده لحزن طويل , لكنها بادرتني على حين غرة بسؤال لم أدرك معناه اذ تساءَلَتْ بهدوءْ :
– هل كان مَرِدْ …؟
قلت في سريرتي وأنا لا أدرك معنى هذه الكلمة
– نعم هو مرد
14 تموز 2022