معانقة، دون تردد النفس البشرية،..كونه عاطفة منغمة أخترقت غمار الواقع، وسجلت، الصور فكانت ناقلة الخارج الى الداخل، مع عزل السطحي وتنحيته، عن مكنونات النص، وبنائه بصورة لاشعورية خالية من القصدية..اذ ان هدفه تصوير تجربة ألأحساس
بالحياة وربط المتلقي بواقعه العام من خلال القصيدة الهاجس الذي
لايفتأ عالقا في ذهن مبدعه ،صاحب هذه ألأيقاظية،التي خالدلاتنتهي..كون مغامرة الشعر،تكمن في قدرته على التجاوز وألأبداع
والتخلق،في عالم يرتكز على مرتكزات أجتماعية وصور متوالدة،
داخل المقطع الشعري،وهي تحلق صوب مدن الحلم عبر مناخ أيقاعي ورمزي فيه تتركب الصور التي تتشكل ببناء عضوي يشد متلقيه…و(أمرأة من رمل)/المجموعة الشعرية،الصادرة عن دار الينابيع/دمشق/2009 للشاعرة بلقيس خالد،والتي ضمت بين دفتيها
ستة عناوين رئيسة،حزمة من ضوء /حضور الغائب/تقاسيم الليل والنهار/ أراجيح/ مروج ملونة/ وأخيرا تهويمات الرمل.
عنوانها..أطار شكل لافتة التجربة المختمرة،داخل دفتي الديوان
والمستل من بين قصيدة(بلقيس ونقرة السلمان)…
(أنقطاع النفس
جعلني..أمرأة من رمل
هكذا تقول أمي
حين تسألها النسوة عن
شحوبي.
أسمع أمي تقول: أبنتي
ترملت
ترملت/ص24)
وقد تفرع كل منها الى عدة عنوانات، وحمل كل عنوان نصا شعريا قصيرا نستطيع أن نطلق عليه (ومضة شعرية)..في معظمها تفرش
الشاعرة روحها مراقصة أيقاعها الذي هو الفعل الداخلي والخارجي أو هو الحركة الخفية..الظاهرة المؤثرة في النفس والوجود بتنويعاته، وتبايناته الخاضعة لحالات شعورية ومتغيرات
طبيعية،
(في الربيع
بين وردة وسذاها
صرت..
زوجة
وأما
و…….أرملة/ص14)
أنه البؤرة التي يمكن ألأنطلاق منها لمقاربة النصوص والولوج الى عالم الشاعرة ورؤيتها ألأبداعية..فألأنكفاء والتأمل في(أمرأة من رمل)،يكشف عن نوع من السخط،على الواقع،..مع محاولة لكسر الواقع، حواجز الجسد وألأنطلاق الى عوالم الروح،على المستوى
النفسي..أضافة الى تجاوز حواجز ألأيقاع..وألأبحار في خضم الذاكرة، بأستخدام أسلوب السرد، واللجوء الى الماضي (ألأسترجاع) الذي هو نوع من ردة الفعل الوجودي،..
(حين ولدت وضعوا في يدي
زهرة
كلما نأيت عني أتأملني
في
الزهرة/ألمرآة
أفتشها بحثا عني
ورقة
ورقة
سعيدة..حزينة
سعيدة..حزينة
س..ح
…
…/ص56-ص57)
فالتكرار يشكل ظاهرة أسلوبية في شعر الشاعرة،كونه يرتبط أرتباطا،وثيقا بالدلالة النفسية،التي تختمر في ذهنها..أذا أنه يعكس
جانبا من الموقف ألأنساني وألأنفعالي…فالشاعرة تكرر لفظتي(سعيدة-حزينة)حتى التلاشي(…) و(التنقيط هنا دلالة كلام محذوف قد يكون نهاية الوجود)..أضافة ألى أنه يسهم في أبراز
الجانب الصوتي والتشكيلي،لجمالية النص الشعري..وفيه يقول
الدكتور أبو صبع(التكرار ظاهرة موسيقية حالما يصبح تكرار
الكلمة،أو الجملة أو الحرف أشبه باللازمة الموسيقية، أوالنغم
ألأساسي الذي يعاد ليخلق جوا نغميا منسقا)..فالشاعرة بلقيس
خالد،..توازي في معظم قصائدها بين عالمين،عالم الطفولة
ألأولى، والطبيعة،وعالم الرعب والموت..أضافة الى انها تعمل
الذات ومحاولة ألأنفلات من قيود الواقع وألأنطلاق في عوالم
الحلم..اذ ان القصيدة عندها بناء ذاتي معبر عن كونها الشعري
بصور تشكل مضمونها وكيانها الفني والجمالي…مع أستثمار
الوجه ألأنفعالي، وألأشاري للغة، التي تصور الكون وألأشياء..اذ أنها تجسد المعنى في بنية لفظية يؤطرها معجمها الصوري الذي
يشكل نسيج ذكرياتها ومدركاتها المرتبطة بالحياة وثنائياتها(الحركة والسكون)،فرست صورها الجدلية، بلغة أشارية،في حوارية تجسد، المنولوج، تجسيدا شعريا مستثمرا نمطية التكرار
(:قطعة
قطعة
ت
س
ا
ق
ط…المخمل
تراقصني…طيب أنفاسك
فأراك صديقي شتائي
تزيل الستائر عن النافذة
تراقب النجوم
ثم تلعب مع النجوم لعبة
ألأختباء/ص37) .
لقد حاولت الشاعرة خلق القيمة،التشكيلية للكلمة ضمن بناء نصي..هندسي..اذ تمزيق ألأنسجام التقليدي في شكل كتابة
البيت الشعري كما في(تساقط) وفي قولها:
(تذوب أنت مثل الجليد
خلف قطارات الزمان
مثل
ال
ج
ل
ي
د
ت
ذ
و
ب /ص47-ص48)
ان استعمال الكلمات المتناثرة الحروف،يحمل دلالته الفنية،..اضافة الى دلالته،المضمونية، فالشاعرة،حين تنثر لفظة (تساقط) ولفظتي(الجليد تذوب) تخلق مناخ السقوط، بشكل ايحائي، يتساوق
مع المعنى العام، بشكل رخو غير متماسك فيحقق أمر التساقط والذوبان
الشاعرة تتكىء على تصوير الطبيعة،التي تشكل عملية الحياة والحركة العضوية،بأكملها كما يقول هربرت ريد،وفيها تستمد
الشاعرة بلقيس ..كينونة وحيوية وجودها بمحاورتها والكشف
عن الذات،من خلال بالرموز والدلالات التي تبعث فيها الحيوية
وتوقظ في جسدها الروح
(في مدينتي يمد النهر
سواقيه نسغا
لترتفع خيمة النخيل
تحت ظلالها
نتقاسم الطيبة/ص21)
فالساقية والنخلة تلتصق بتجربة الشاعرة…لا كمظهرين من مظاهر الطبيعة،حسب عنصرين، أساسين،من عناصر تجربتها في الوجود
والصراع فتعطي الشاعرة، الترابط الجدلي بين المشهد الطبيعي وحالتها النفسية، تماسكا للمشهد نفسه وقدرة على النمو المتتابع
بما يوازي حركة النفس ويطابقها من خلال غلبة طابع النثرية
والسرد،…ألأ أنها تحقق تكنيكا شعريا يجمع بين الحلمية والواقعية
من خلال ألأنبثاق من ذاكرة التأريخ بسرد حكائي يتصل بقسوة
الواقع:
(حين فتحت با ب الحوار
مع وطني
صاحت أمي:لاتحاوريه
يابنيتي
وطن المرأة
:رجل/ص108)
فصور الشاعرة الشعرية:حسية..بصرية،لاتخلو من درامية تستمد
وجودها، من تفاعل ذات الشاعرة وواقعها..مع ذهنية تجنح نحو التجريد الفني الذي يمنح ألألفاظ ،دلالاتها الرمزية، ليرتفع باللحظة
صوب التأمل:
(كلما تعصرني الحروب
أملأ عيون ألأزهار بالندى
أسحب شموسا لأروي
عطش النخيل
النخيل:سقف النهر بجدائله
كي لايهجره العطش/ص110)
فألأفعال..(تعصر/أملأ/ أسحب/ أروي/ يهجر/) جمعت بين الدلالة الحسية والمعنوية، مع أحتفاظها بمدلولها الزمني،فالشاعرة تختار
العنصر الذي يرتبط، بتجربتها، النفسية، والفكرية، وتنتزع منه،
القيمة الفنية، فتحوله، الى معادل فني أو زمز تبني عليه تجربتها،
الشعرية، التي تتشكل من صور بأعتبارها(مجموعة ثقافية وعاطفية معقدة في برهة من الزمن)كما يقول عزرا باوند
وبهذا كانت صورها متحركة تعتمد التفاعل المتبادل بين الفكرة والرؤية..من خلال رصد خطوات الواقع ألأجتماعي ومنحه نفسا
حياتيا متجددا من خلال تجاوزه بتفاؤل مبني على وعي تأريخي