” آس وتراب ” المجموعة الشعرية الأولى للشاعر احمد العاشور وتضم ( 37 ) قصيدة .. . لماذا اختار الشاعر هذا العنوان لمجموعته الشعرية الأولى .. فالعنوان له أهميته في فك مغالق النص ومسالكه .. فالعنوان ليس عملا ً اعتباطيا بقدر ما هو تجسيد لقصدية الشاعر .. وقد يكون الأسم يحوي دلالة او رمزا ً وكما يؤكد الدكتور ” فاروق مواسي “:
( انه يقدم اشعاعا ً أوليا ً للتأمل .. يفتح آفاقا ً للحوار .. فعناوين الشعر هذه الأيام فيها أبعاد ودلالات مختلفة , وفيها اغراب وتفتيت .. ولا ندري بعد هذا كله كم يصح القول :
” يقرأ الكتاب من عنوانه ” ) ..
الشاعر احمد العاشور يستوحي العبر عبر المرايا المعتمة مع سكون الظلام عندما يعانق صوت الألم .. آهات تتناثر بصمت .. وهمسات تعلن الرحيل .. تحت قطرات المطر .. تحمل أشرعة الحزن .. تسطـّر وجعا ً من رحم الذكريات …
قبل أن ْ يُطبق َ الليل ُ
بالآمه ِ
رحلت ْ أوجاعُنا
تحمل ُ الوشـم َ
كيفما اتفقت ْ مع العابرين ,
وفي كفـّينا نحمل ُ المطر َ
بين طيات الصمت ومع ندى الجرح الدفين .. يستيقظ بين الدروب الموحشة وتتوقف الحياة مع لحظات الحزن .. ويعيش كل تفاصيل الموت .. محمود البريكان عاش غريبا , مغتربا حتى عن نفسه .. هو سر البصرة وطلسمها الأكبر …
من صمت ِ عزلتك
مذهبة ً بموجات ٍ بحرية
كافية ٍ لترويض ِ الأرق ِ الجديد ْ
القديم ُ يأبى
الا ّ صحوا ً أبديا ً
في صباح ٍ صامت ٍ حزين .. اقتطفت وردة ٌ ولفـّت بورق الحنان .. هذا من تدابير القدر .. قلمه الباكي سطر أسطورة الحلم .. قلب مليء بالأوجاع مع تفسير مؤلم لحروف الفراق , مع الطيور المهاجرة .. انه زمن الرحيل في نهاية المطاف .. وتبقى الذكريات على أوراق الزمان .. تنبض بالأحزان , ويبقى الجرح عميق في الجسد النحيل …
حين استأذنت ِ للرحيل
قلت ِ :
سأسكن ُ شجرة َ الآس
التي في الحديقة ِ
اعتصرت أوجاعي ,
ثم اعتصرت أوجاعي
لا يمكن أن ننكر دور الأساطير باعتبارها مظهرا ً ثقافيا ً وإنسانيا ًقادرا ً على مساعدتنا لاكتشاف ذواتنا .. وقد ألهمت الأساطير والشخصيات الأسطورية الأدباء والشعراء ..
تعتبر الأسطورة داعما ً كبيرا ً من دواعم الرموز في الأدب الحديث ..
ويؤكد الدكتور محمد لطفي اليوسفي :
” خلق رموز أسطورية , سواء مستحدثة يلتقطها من الواقع أو تاريخية يستمدها من التأريخ الثقافي , والعمل على جعل تلك الرموز تستقطب جميع مفاصل النص الشعري وحركاته وتصهرها في قالب وحدة متناغمة ” …
عند الرجوع تغرق الأشرعة وتنتظر الريح لتغتسل بالمطر .. ويستظل كظل لا تكشفه
الشمس ويجري مسرعا ً ويتسابق نحوه ” ايروس ” اله الحب والخصوبة والذي كان ملازما ً دائما ” لأفروديت ” .. و” ثاناتوس ” اله الموت يتأمل الظل الساكن والملقى إليه بشيء من الوجد .. عندما يوشك المساء ويعود يمتطي كلمات طيف الواحة الخضراء …
عند رجوعي
فاجأني ظلي
منقسما أثنين :
ظلا ً يتعرى بجناح مكسور
والآخر
ليس له ظل :
ايروس
ثاناتوس
يتسابقان نحوي
ولا وقت لنا
أسرعي
أسرعي
فأنا وأنت ِ
ظلا ّن
ترحل الطيور إلى حيث تعلو الأشجار ويبقى الظل سفينة الأمان والأمل .. فهذا زمن لا نرى فيه غير الظل .. ترهقنا الخطى وتعصف بنا ريح الوحشة .. ويتملكنا إحساس الغربة والوحدة مع جرح حنايا الروح …
أرهقتني الخطى
والطريق ُ انحدار ,
لا أرى غير ظلـّي
جرداء ٌ هي الروح
فما جدوى الندى
مغترب ٌ
ها أنا وحدي
أتلظـّى على جمر ِ صمتي
الآم الليل تنسج حزنا ً , وغيمة تمطر أوجاعا ً .. وشمسا ً مختبئة خلف الغيم .. توقف في عينيه عقارب الزمن .. وتختصرها إلى علامة استفهام .. عندها يتوقف النبض وتتفجر الأوجاع ..
ان الغيمة في عمري تمثال ٌ أو وهم ٌ
ما عادت ْ تحمل ُ في داخلها الأمطار َ ,
والآلات الموسيقية
ما عادت ْ تـُطرب ُ
أو تتراقص ُ في داخلها الأوتارُ ,
وتسألني محتقنا ً بالأحزان لماذا ؟
وتبقى الكلمات كالينابيع النقية تسافر في أحداق الشاعر.. وينتظر صوتا ً أو صدى يأتي بما في الأرض من ظلال.. ويعانق أطراف الأمواج الخضراء التي تتداخل عبر كل عصور التأريخ في لحظة صمت .. وتكبر في رحم الليل ظلا ً منسيا ً .. ويتألم حد الجرح كطير حط عند النبع …