كما هي الحال في تأرخة الجواهري للأحداث الجسام العراقية والعربية، بل والعالمية أيضاً، والتعبير عن مواقفه ورؤاه الوجدانية والسياسية والفكرية منها، جاء موقفه، وقل مواقفه، بشأن التغيير الرئيس ، وربما الأهم في تاريخ العراق الحديث، ونعني به حركة الرابع عشر من تموز عام 1958… والتي أشعلت ثورة عارمة انهت النظام الملكي، واستبدلته بالجمهوري، الذي قيل ما قيل، ويقال، إيجاباً وسلباً حوله…
جيشَ العراق ولم أزلْ بك مؤمنا … وبأنك الأملُ المرجى والمنى
وبأن حلمك لن يطولَ به المدى وبأن عزمك لن يحيق به الونى
جيش العراق اليك ألف تحية، تستاف كالزهر الندي وتجتنى
حمل الفرات بها اليك نخيله، ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
فلقد اعدت اليهما صفويهما، من بعدما غصا بأدران الخنا
ثم تلت “جيش العراق” قصائد عديدة أخرى تؤرخ للحدث، ومسيرته، وتوجه الجماهير الشعبية لاسناده وتأطير مساره، محذرة من الاضطرابات واستغلال الأمور، بما يقود لخلاف ما آمن به الجواهري من ضرورات ومباديء من أجل النهوض والارتقاء والوحدة والتلاحم، بعيداً عن العصبوية والفئوية والحزبية والعنصرية، وسواها من آفات اجتماعية ووطنية…
وفي عودة للديوان الجواهري الحاشد، نجد ثمة قصائد كثيرة في شؤون، وشجون الحدث، والأحداث التي نعنى بها في هذا التوثيق ومنها: باسم الشعب، انشودة السلام، عيد العمال العالمي، المستنصرية… وغيرها عديد.
ومن بين ما يقع تحت أيدينا بصوت الجواهري لقصائد تلكم السنوات الاستثنائية نونيّة مطولة خاطب بها شبيبة وطلبة العراق عام 1959 راح خلالها موثقاً، وحادياً، ومحرضاً لحب الوطن والدعوة لازدهاره ورقيه، ومما جاء فيها:
أزف الموعد والوعد يعنّ.. والغد الحلو لاهليه يحن ُ
والغد الحلو بنوه انتم، فاذا كان له صلب فنحن
فخرنا انا كشفناه لكم، واكتشاف الغد للاجيال فن
ثم وقع ما وقع من تنابز فانحرافات وتفرد وعسف، كما واحتراب بغيض بين التيارات الشعبية والسياسية، طال حتى الجواهري ، وهو ذو المنصبين: رئيس اتحاد الأدباء، ونقيب صحفيي البلاد، في آن واحد، فتعرض لتجاوزات وحملات اعلامية واجراءات سلطوية، وصلت حدّ اعتقاله، وإن لساعات، مما اضطره للاغتراب بعيداً عن البلاد عام 1961، هضيمة واحتجاجاً، واحترازاً من ايذاء اكبر، قد يصل حد اغتياله… ولتلك الحال تفاصيل مطولة وذات أكثر من مغزى، تناولها الجواهري في الجزء الثاني من ذكرياته الصادر عام 1991، وكذلك في قصائد عديدة، ومن بينها نونيته الأشهر دجلة الخير عام 1962 ومما جاء فيها بذلك الصدد:
يا دجلة الخير أدرى بالذي طفحت، به مجاريك من فوق الى دون
ادرى بانك من الف مضت هدرا، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ارواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمم المسحور مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت، بحملات على اكتاف دلفين
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آت فترضيك عقباه وترضيني
وعلى أية حال، فقد ترضي هذه الايقاعات والرؤى، الموجزة ، بعضاً، أو تغضب آخر، إلا انها سعت لكي تكون بعيدة عن العواطف ، والتي عمرها ما كانت حكما موضوعيا في تقييم الوقائع التاريخية…. كما نجتهد، وقد نصيب…
من تموزيات الجواهري ، بصوته، على الرابط ادناه :
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2096203.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com
الصورة :الجواهري بين جمع من رجال تموز1958