في الخامسة والنصف عصر اليوم حدثني العراف في مقهى الصفا عن كل شيء متوفر وطازج.
وفي تمام السابعة افترقنا قبالة الكرنك حيث تحجرت ذبذبات الافلام السعيدة الى خرسانة وزجاج بعد ان اشترى جبن غنم, وصمون من مدخل شارع المطاعم, اقلاما للصغار, ابرا للخياطة من جانب جامع البحارنة, وملابس داخلية من ام البروم.
كل ما اذكره انه عند الرابعة ونصف كان وعيي قد تفتح للتو في عتمة غرفتي الباردة كتابوت الامراء النفيس. حين تلفن لي العراف كاظم حسن سعيد ( ما رايك ننزل للعشار؟).
قلت لأربكه: (انا متعب من العمل. وليس لي مزاج).
فتساءل: ( فكيف تقول انك مستعد ان تمضي لجهنم في اي ساعة؟).
فضحكت ( لم قاطعتني! كنت سأقول لك انا ناهض لأرتدي ملابسي).
في الخامسة, انتظرته لربع ساعة عند المقهى الذي يتوسط دربونة كبة ابو صباح. وهو مقهى حديث بالتبريد والخدمة لولا النركيلة. ولم يكن اسمه الصفا بل هو اسم محل كماليات قبالة المقهى.
هناك وجدت مجنونا نائما قبالة المقهى يسب (ويعفط) اظن ان المجنون يصحب تركيبته الاصلية معه في جنونه. كان يرتدي ساعتين. يغطي نصفه الاعلى بقطعة فسفورية يرتديها المرور. اليست (مجانين البصرة) موضوعة تنتظر من يملك (رؤية وروح ).
انتظرت العراف حتى بان بعد ربع ساعة. ولج مطعمه المفضل لكن مالك المطعم اعتذر( لقد نفذت الكبة). يا للسرعة. ويا لجودة الكبة. اذن فلتحتمل معدتك الشاي والحامض.
في المقهى، قال لي العراف؛ لو كان احد قد كتب عن البريكان لما مضيت لأكتب عنه. الطهمازي فقط له مقالة بائسة اضطر البريكان وهو الصموت ليرد عليها. ثم جهر ،(ساكشف سر موتة صديقي غضبان المجهولة, ورسالته المرمزة لي احتفظ بها). ثم حكى عن منقذ الشريدة : قرات عنه عشرات المقالات. وبعدها شرعت انزل استذكاراتي عن فنه وتركيبه وتراثه. لكنه تحسر: كتبت عن منقذ 50 صفحة لا اعرف اين ضاعت!
فماذا حدثته انا؟
مررنا بازقة ومحال العشار ونحن نتشارك الانطباع ذاته. ان الباعة يجلسون مثل المانيكان من الملل بانتظار الزبائن. وراح العراف يفسر لي كيف ان حب التزعم من اقوى الدوافع البشرية يتخذ شكل دين او ادب او سياسة.
كلانا معا طالما ذهبنا للزبير والمعقل والبصرة واحشائها والفاو والتنومة ودرابين العشار. كلما نزلنا نستصحب معنا عينين وقلم الكتروني. فنعود بنص استذكاري. نوثق به البصرة او يومنا . فهل انهكنا الامكنة استكشافا وتدوينا. ولم نتعب بعد رغم الشرجي او المطر. فما هو المحرك لنعانق الحياة. نتشابه لنختلف. نتوازن لنمضي.
ولا ادري الان هل التقيت العراف حقا في المقهى الذي اكتشفناه لانفسنا.