من المستحيل أن ترى أجمل الأشياء إلا إذا أغمضت عينيك.
ألملم أشلائي من فوق أرصفة السماء
وأتنزّة على ضفاف النجوم
تلوّح لي الشمس بأهدابها
فأتمطى في أرجوحة المطر
لأمسح عن وجه أمي طحالب الغبار والدخان
ليصهل الحلم في مقلتيها
وتتباهى بعشق أرض الفراتين.
أمي…
ألق البسمة في إشراقة الصباح
مضمّخة بأريج البنفسج
خفقة القلب تغرغر حباً باتساع الكون
وتسقي الطيور عصير نشوة الآفاق
وتفتح نافذة على امتداد المعابد والصوامع في الأرض
لتطعم الكائنات فاكهة البصائر والإبصار
وسلالا مترعة بالأنوار
ثم…
ترقد في رحاب الملكوت بين خمائل الآلهة
على أطلالها الزاهية.
أمي…
مذ علمتني أناشيد الجوع
ورأيت أناملها تضيء كالسنابل
أدركت بأنها أبهى من نور الشمس
حين تهب رحيق الخبز للساغبين
حين ألمح صورتها في زنابق الصباح
تصدح الحرائق بين ضلوعي
وأنا أراها تشق طريقها إلى السماء
في أيقونة قوس قزح
تشيّع طيفها قطرات ضوء>
أمي… ياترى
متى ستخلع أكفانها التليدة
وترتدي حلّة النشور القشيبة؟.
يتناسل فيك دمي مسكاً وطيبا
تقدحين برفيفك لواعج سنابل قلبي
تضيئين برونقك في ارتعاشات زنابق روحي
وتختالين فوق رذاذ العطر السماوي
في منتزهات القلب والذاكرة
أتوق إلى لثم أزاهير أناملها الذابلة التي كانت تمسّد شفاهي
فأنام في أحضان الآلهة
وأرش دمي على التراب الذي تمضين عليه.
هذا التراب المقدّس
يختمر في دمي
وينعكس في ابتسامات شقائق الأرض
وفي مرايا السماء.
من ألف عام
قال لي ملاك حارس القبور
أوعدك… بأن أمك المتألّهة
ستعود من مجاهل الموت
شامخة كالبريق
وسترى عينيها تشع في تضاريس السماء
ويخفق نبضها في أحاسيس أزمنة الولادة
وينهمر سطوعها على الروابي والتلال التليدة
تتوهج فوق القمم كامرأة ترتدي حلّة الشمس
تجرّد الحرف من غمده
وتنحت قصيدة القيامة فوق صخور السموات
ثم تعترش أريكة الأزل
وتتقيّل في أرجوحة الله.
الوطن المستباح… القفص الموصد
المسيّج بالأوراق الصفراء
وبالأنبياء المتفسّخين
والرسل الدجّالين
تفر منه العصافير بحثاً عن حبّات الأنوار
لتحرّر أجنحتها من صدأ الصلوات المهترئة.
—-
* عضو اتحاد الكتاب العرب سابقاً.