قِـطط تعُـج فضاء المدينة شرقا وشمالا. ! وتستعمر الازقة والزقاق غـَربا !بحيث تتجول فيه بتوأدة ! وتنتشر في والدروب والشوارع جنوبا ،؛ وتسترخي جسدها بغنج ؛ أينما شاء لها دون خوف من المارة ! ولا وَجـَل من الراجلين! إنها قطط فاسِـيَّـة : قيل أنها كانت تخاف من ظل طفل ! وتـَفـِر لحظة تصفيق أحَـدهم ! لكن في إحْـدى الأزقة التاريخية؛ القريبة من مدرسة ” الصهريج” إحدى معالم المرينيين؛ وآثر السلطان أبو الحسن. أخرجت ُقِـنينة ماء من محفظتي المعلقة بين كـَتفي ؛ لكي ارتوي عَـطشي من حرارة ذاك اليوم . فاذا بقطة لا ادري من أين جاءت ،لترتمي على يدي محاولة اختطاف الكيس البلاستيكي الذي يحْـمي القنينة من سيلان عفوي لقطرات ماء على ما في داخل المحفظة. معتقدة أن فيه مأكولات هكذا أحَـسَّت وأدركت؟ فقفزتُ من هَـول الارتماء التي أحْـدثته تلك القطة ! وأخـرى اعترضت سبيلي، بلمسات جـِسمها على قدمي الأيسر: استعطافا ؟ إنَّـهم يريدون عشاء : هكذا قالتها إحدى السيدات التي شاهدت المشهد. لكن ابنتها لم تفـْتر من الضحك،،،ربما ضحِكت:
على قفزتي المفاجئة ؟
أم على ارتماء القطة على الكيس البلاستيكي ؟
أم على القنينة التي ساح ماؤها في الأرض؟
أم على صراخ أحَـد المارة بلكنته الجبلية ؟ :
البلاد أصبحَت ْزريبة ، ما تكفينا مع بَـز*؛ تزادوا القطوط والكلاب…البلاد ولاتْ زريبة… أتفو….. أتفو….أتــفو
تابعْـت طريقي ورأسي يطنطن بأسئلة ربما بليدة:
مـن سمح لهاته القطط أن تنتشر في كل الطرقات والحواري؟
وما الهدف من وراء هذا العَـرمرم من القطط؟
لماذا لم تـعُـد القطط خائفة من البشر؛؛؛؟
هَـل هي روح بشرية ؛ في صفة قِـطـَّـية ؟
ربما ستحتل مكان البشرية ؛ وستكون لها السيادة وسلطة القرار، رغـْم بكمها ؟
حتى ولِجْـت دكان أحَـد الجزارين ؛ لاقتناء بعض الحاجيات؛ فانتظرت دوري؛ وإذا بسيدة طاعنة في السن، تنطق بانفعال: لم تعـُد القطط ولا الكلاب تعترض سبيل الناس؛ بل حتى الدجاج ! انظر ياسيدي إلى ساقي؛ إنها منخورة كأن رصاصة اخترقتها… نظرتْ إلى ساقها سيدة تجاوزتِ العقد الأربعين فتأففت؛ وقالت:
قلت لكم قبل قليل؛ لم يبق إلا الحيوانات ، التي ستهجم علينا ؛ وفي عقر منازلنا ؟
ابتسم شاب في مقتبل العمر؛ بعدما نظر إلى ساقي تلك السيدة : دجاجة فعلت كل هـَذا ؟ ردت عليه السيدة بقول حزين:
ليست دجاجة … بل ديك أكثر مني شيخوخة ! ارتمى علي من الخلف ، غارسا أظافره في ساقي هكذا… رفعت يديها؛ وفتحت أصابعها بقوة؛ حتى بدت كمخالب، ووضعتهم على ظهر الشاب .
نطق الجزار بلكنته الصحراوية:
يا حفيظ …يا حفيظ… وماذا بعْـد يا أمِّي السَّـعْـدية ؟
حتى كِـدت أن أسقط على وجهي؛ فلولا أحَـد المارة ، جزاه الله خيرا ، الذي أنقدني من الهجوم والسقوط لكان وجهي مهشما …. ولن آتي عندك ؛ لكي أقتني بعْـض شطائـر اللحم .
ربما عَـشقك الديك يا مي السَّعـْدية؟ نطقها الجزار وهُـو يضحك ضحكات رنانة .
انتهى زماني؛ وجمالي يا الجيلالي ؟ هكـذا ردَّت عليه تلك السيدة ، لكن تدخلت تلك الأربعينية :
هل العاشق سيتهجم هكـذا بوحشية أسي الجيلالي ؟
رغـْم أن مشـواري لازال طويلا لكي أصل لعـُشتي ؛ استحليتُ الانتظار؛ وعَـشقتُ حِـوار أهل المدينة القديمة… حـوار العـفـْوية والبساطـة ؛ ،،، حوار البـُسطاء والشعْـبيين ؛ بحيث نطق ذاك الشاب:احمدي الله ؛ آلوليدا * أن ديكا نـَطَّ عليك وكفى، أما أنا فلقد تهجمت علي ثلاث قطط … عَـم الضحك في الدكان ؛ والجزار وضع السكين الذي كان يقطع به قطع اللحم لقطع صغيرة * فـقال والضحك لم يفتر من فمه : أبوك لـَم يكـْذب ولو مرة في حياته ….
إذن، أنا كـذاب… انظــر إلى قـَدمي؛ هاهو الأصبع الأكبر يعطيك دليلا … إنه منخـور بأسنان القطط ! هل كنت نائما ؛ أم سكرانا يا ولـدي ؟ سألته التي تنتظر” الكباب”
بل كان في غيبوبة “حَـشيشية” كعادته ؛ أجابها الجَـزار والضحك لم يفتر من فمه .
وأنت نسيتَ نفـسـك ؛؛؛ نسيت يَـوم خـطفَ القط من داخل دكانك “كِـلية ” أحَـد الخرفان المعلقة ؛ هل كنتُ في غيبوبة وحضرة عـيساوية ؟
لم أنتبه لدخوله؛ لأنني كنت منهمكا في إعْــداد…قاطعته المُـسِــنة ؛ وهي جالسة على أريكة الانتظار ؛ ذات اللون الأحمر:
السَّـبْـسي ومـا أدراك مـا السـبْسي*، قـُـلـْها ولا تـخـف أسي الجيلالي ؟
أي نــعَـم ! السـبْسي ومـا أدراك مـا السَّـبْـسي ! أحسن من الحشيش؛ أليس كذلك ؟
هـُــوَ كذلك أبا الجيلالي ؟ لكن لتعلم أن قدمي كانت آنذاك مبللة بقشور وبقايا السمك الذي أنظفه للزبائن؛ ولم أشعر إلا وبانقضاض مباغت على أصابعي؛ تضرر الأصبع الأكبر فقط … هيا اضحك الوالد؛ كيْـفما شئتَ… إنها قطط فاسية وليست صحراوية…
وهل هناك فرق بين القطط الآن…كلهم يريدون الأكل والبحث عنه ؛ قالتها الأربعينية وهي تـهُـمُّ بالانصراف بعْـدما تحوزتْ بطلب “الكباب” ليأتي دور ما تبقى من الزبائن….
—-
توضــيح :
* أطــفال صغار
* الأم / الوالدة
* الكباب ( نوع من أنواع اللحم)
*آلـة لتدخين عشبة الكيف