طائر ٌ بلا جناح .. يهاجرُ خلف الحدود .. يحمل ُ آلامه إلى العالم المغلق .. يمضي باتجاه الليل عبر متاهات الزمن .. يحضن الرماد والصخر وأصوات السكون .. هل تبكي طفولته الرمال ؟ .. تمنحه الروح خفقة الريح وآخر ومضة ٍ من بقايا حلم كان .. معتــّـقة جرار الحزن المشحونة بصوت الجرح المشـّرد عن تراب الوطن …
سـأطلق ُ كل ّ ما فيك َ
لتكون َ لي
أيها الطائر ُ الحجري ّ ُ
يا صمت َ قيثارة ٍ ضائعة ٍ
في ضباب ِ القرون ْ
حيث يجد مسـّراته قلبــــي
وتجد أسماء ً لهــــا
هذه الوردة ْ
وهذه الصيـادة ُ الماكـــــرة ْ
الرواية ليست رواية شخص واحد , بل هي رواية عشرات الشخصيات والمدن والأمكنة والأزمنة .. هناك عشاق وعاشقات وذاكرات مدن وصحارى وتأريخ وديانات .. هي جماع رؤية من منظور ألوان طيف …
هكذا يشير ” الأسعد ” حتى على صعيد السرد لا يمكن تناولها كرواية ذات وحدة تقليدية .. أولا هي منقسمة على عدة أسفار وأحد أسفارها يشبه دفتر يوميات وآخر تجد فيه سبع قصص قصيرة مستقلة ..الحدائق هنا هي موضع التشديد الدلالي ” السيمانتيكي ” لا العاشق الفرد …
ولدت قصائد يونانية غريبة في أمكنة هي كل ما يتبقى من ذكرى الإنسان .. أميرات ذهبيات يتقد ّمن في فضاء أزرق إلى قمة الأكروبولس .. على الدرجات الحجرية يسترخي السائحون .. وفي وسط أثينا يكتب ” كازنتزاكيس ” أشعاره بين أزهار بوكنفيليا ورّمان وداندليون …
وفي وحشة ينحدر طائر وحيد في زاوية ما من زوايا هذا العالم ذات وجه متعب .. جاء من قرية ٍ صغيرة ٍ مصنوعة من تراب وغبار وطرقات متربة .. يسقط متحجرا ً في حضن امرأة ساهمة ٍ على مقعد ٍ تقلــّب جسده المتحجر .. لا الأزمنة تلتقي ولا الأمكنة , ربما الزمن هو ما يلتقطنا في شبكته مثل أشباح …
حديقة العاشق مضمون رمزي في كل الثقافات .. نجدها في الكثير من التقاليد الدينية والأسطورية .. الأساطير سرد بشري يكشف الواقع أكثر بل وأفضل مما تكشف عنه الوقائع والوثائق والسجلات …
يؤكـد ” الأسعد ” .. الأساطير عناصر جوهرية في بناء دعائم رواية ” حدائق العاشق ” ولا يمكن الاستغناء عنها .. وسواء كانت هذه الأساطير بابلية أو يونانية أو مستمدة من ألف ليلة وليلة فهي أضواء تنير تضاريس الشخصيات وعالمها .. هي ليست أسماء فقط بل هي تجارب تستحضر للوصول إلى معنى بتعارضها أو بتناغمها مع الوقائع أو الواقع كما نعرفه …
في صوفيا يلمس الإنسان حافة الميلاد بيد ٍ وحافة الموت باليد الأخرى .. من السهل أختصار الحياة إلى أفعال إيمائية صامتة متواصلة .. ثم تجئ النهاية ويموت الناس ملوثين بالسكون مثل أغصان جافة ..
لا يـُعرف حتى الآن ما إذا كانت سافانا مدينة نهرية أم مدينة صحراوية , موطن أمة واحدة أم موطن أمم متعددة .. لا يـُعرف هل تحد ّث سكانها بلغة ٍ واحدة أم تعددت بينهم اللهجات واللغات .. قرية صغيرة مصنوعة من ترابٍ وغبار ٍ ورغبة ٍ مكتومة .. تتنفس تحت عقودها العباسية رطوبة مياه تترقرق خلف الجدران العالية ..
في نيقوسيا شعاع ٌ نحيل ٌ من الضوء ينحدر مستقيما ً من كــّوة ٍ في زاوية السقف البعيد , يصل إلى الرواق بين الزنازين .. ” جزيرة اللاجئين ” يقول القبطان ستكون مجتمعا ً تختفي فيه الأنانية والتمييز لأن الكل هارب من عالم الأنانية والتمييز .. لعنة يحملها اللاجئ الفلسطيني ” أنت تحمل وثيقة سفر وليس جوازا ً ” …
عاش ” الأسعد ” السجن والأبعاد والترحال من بلد إلى آخر في ظل حياة داخلية تمد ّه بأسباب الاستقرار والسلام .. يقول ” الأسعد ” :
” تجربة السجن .. أضافة لي .. ازداد إصراري على أن الإنسان يجب أن يكون صادقا ً في أي مكان يكون فيه , وتحت أي ظرف مهما كانت الخسائر , ومن تخلى عن المطامح لا يملك شئ يخسره ” …
أمسيات كثيرة تمـّر لا نمنحها ثقلها , لأن لنا أيضا حماقات ُ البراءة ِ بأن في الغد سيكون متسع بأن الجميل لا يحتاج إلى عبادة ربما , أو أن الصدق والنقاء ليس بحاجة إلى أسوار .. لم نكن نسو ّر أنفسنا لهذا سيتساقط بعضنا بلا ضجيج .. لليل ِ صوت ُ وشوشة ٍ وتمتمات متقطعة تتباعد كما تتباعد الأشياء وتنفصل تاركة ً لنا الظلال وحدها وتهجع في الهزيع الأخير من الليل …
يلاحظ في روايات ” الأسعد ” .. ( أطفال الندى – نص اللاجئ – شجرة المسـّرات – حدائق العاشق – أم الزينات تحت ظلال الخروب – أصوات الصمت ) استخدام الأسماء الحقيقية التي يحملها الناس في حياتهم , وكما يقول ” أليس لذيذا ً وممتعا ً ونوعا ً من الفن أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية ؟ أنا أحب تسمية الأشياء بأسمائها وأبتعد عن إخفائها , أود أن يحضر الشئ بذاته والإنسان بذاته ” …
على رصيف الميناء يتجول غرباء فقدوا سفائنهم , ومنحهم القلق والشرود مظهر نوارس أثقلها الليل , فلم تعد تستطيع التحليق أو الصياح في حضرة البحر القاتم .. البحر الذي ينام الآن بلا فجر قريب .. كل شئ ذهب معهم .. راحلين مع ظلام الأزمنة .. الزمن لم يعد يتقدم أو يتراجع .. لم يعد زمنا ً لشئ من الأشياء , كأن يكون زمن إنسان أو شجرة أو عشبة , حتى الزمن مصمت ٌ وساكن مثل حصاة ٍ ملساء ..
الطريق يبتعد .. الطيور ترحل .. تأخذ نا الحدائق والصحارى وتمضي بنا في وحشة العمر .. وتجر وراءها طرق القوافل .. في عمق الليل والأماكن المظلمة .. بحثا ً عن الوطن .. تأخذ نا غابة الكلمات .. ويفاجئنا طائر الفجر ..
فلسطين كان المنفى الأول إلى جنوب العراق وخروجه من الكويت بسبب الغزو العراقي أصبح المنفى الثاني وانتقل إلى المنافي الغربية الجديدة .. لم يكن أمام اللاجئ سوى البحث عن ملجأ آخر والخروج من مجريات الأحداث العابثة …
” ثقيل هذا الطريق الصحراوي إلى عمـّان لأنه لا يفضي إلى مكان , ثقيل هذا الليل المقتطع من آلاف الليالي وملايينها ” ..
دعنا نخرج من هذه الممرات التي لا تصلح لأجنحة النور .. راحلين كما ارتحلوا ذات يوم إلى الأنين القادم من حريق التأريخ .. تأخذهم إلى ملجأ اللغة وهي تجوس ظلام الأزمنة في أرخبيل الموت اليومي .. لغة لم يعد يفهمها أحد , وحقيبة ممتلئة بأشياء لم يعد يتذكرها أحد , هو الناجي الوحيد من قبيلة مفقودة ربما كانت قبيلة من القواقع أو النوارس أو عصافير الدوري أو أزهار النرجس التي أغرقتها وحول الشتاء , ربما كانت قبيلة من رمال لا يتذكرها أحد ..
” أنا ناج من قبيلة مفقودة , الناجي الوحيد ربما , لأن لغتي لم يعد يفهمها أحد , وحقيبتي ممتلئة بأشياء لم يعد يتذكرها أحد , ولأنني وهو الأكثر أهمية ً , أنادم أناسا ً وهميين من عصور ٍ غابرة , أدعوهم إلى مائدتي , أو يدعونني إلى منازلهم , وما أن ترتفع شمس النهار حتى تختفي الموائد والمنازل , ولا تظهر علامة تقودني إليهم أو تقودهم إلي ” …
هذه هي حديقة العاشق الذي يتحول إلى حجر ٍ حين يغلبه ُ الألم .. والحجر الذي يتحول إلى عاشق حين تغلبه ُ البهجة .. ويتناثر زهر الرمـّان في ضباب الفجر الخفيف , ويترقرق صوت النبع وتتمايل الأعشاب مع أرتعاشة نهر يتدفق وحفيف أوراق تتساقط …
لتكون َ لي
أيها الطائر ُ الحجري ّ ُ
يا صمت َ قيثارة ٍ ضائعة ٍ
في ضباب ِ القرون ْ
حيث يجد مسـّراته قلبــــي
وتجد أسماء ً لهــــا
هذه الوردة ْ
وهذه الصيـادة ُ الماكـــــرة ْ
الرواية ليست رواية شخص واحد , بل هي رواية عشرات الشخصيات والمدن والأمكنة والأزمنة .. هناك عشاق وعاشقات وذاكرات مدن وصحارى وتأريخ وديانات .. هي جماع رؤية من منظور ألوان طيف …
هكذا يشير ” الأسعد ” حتى على صعيد السرد لا يمكن تناولها كرواية ذات وحدة تقليدية .. أولا هي منقسمة على عدة أسفار وأحد أسفارها يشبه دفتر يوميات وآخر تجد فيه سبع قصص قصيرة مستقلة ..الحدائق هنا هي موضع التشديد الدلالي ” السيمانتيكي ” لا العاشق الفرد …
ولدت قصائد يونانية غريبة في أمكنة هي كل ما يتبقى من ذكرى الإنسان .. أميرات ذهبيات يتقد ّمن في فضاء أزرق إلى قمة الأكروبولس .. على الدرجات الحجرية يسترخي السائحون .. وفي وسط أثينا يكتب ” كازنتزاكيس ” أشعاره بين أزهار بوكنفيليا ورّمان وداندليون …
وفي وحشة ينحدر طائر وحيد في زاوية ما من زوايا هذا العالم ذات وجه متعب .. جاء من قرية ٍ صغيرة ٍ مصنوعة من تراب وغبار وطرقات متربة .. يسقط متحجرا ً في حضن امرأة ساهمة ٍ على مقعد ٍ تقلــّب جسده المتحجر .. لا الأزمنة تلتقي ولا الأمكنة , ربما الزمن هو ما يلتقطنا في شبكته مثل أشباح …
حديقة العاشق مضمون رمزي في كل الثقافات .. نجدها في الكثير من التقاليد الدينية والأسطورية .. الأساطير سرد بشري يكشف الواقع أكثر بل وأفضل مما تكشف عنه الوقائع والوثائق والسجلات …
يؤكـد ” الأسعد ” .. الأساطير عناصر جوهرية في بناء دعائم رواية ” حدائق العاشق ” ولا يمكن الاستغناء عنها .. وسواء كانت هذه الأساطير بابلية أو يونانية أو مستمدة من ألف ليلة وليلة فهي أضواء تنير تضاريس الشخصيات وعالمها .. هي ليست أسماء فقط بل هي تجارب تستحضر للوصول إلى معنى بتعارضها أو بتناغمها مع الوقائع أو الواقع كما نعرفه …
في صوفيا يلمس الإنسان حافة الميلاد بيد ٍ وحافة الموت باليد الأخرى .. من السهل أختصار الحياة إلى أفعال إيمائية صامتة متواصلة .. ثم تجئ النهاية ويموت الناس ملوثين بالسكون مثل أغصان جافة ..
لا يـُعرف حتى الآن ما إذا كانت سافانا مدينة نهرية أم مدينة صحراوية , موطن أمة واحدة أم موطن أمم متعددة .. لا يـُعرف هل تحد ّث سكانها بلغة ٍ واحدة أم تعددت بينهم اللهجات واللغات .. قرية صغيرة مصنوعة من ترابٍ وغبار ٍ ورغبة ٍ مكتومة .. تتنفس تحت عقودها العباسية رطوبة مياه تترقرق خلف الجدران العالية ..
في نيقوسيا شعاع ٌ نحيل ٌ من الضوء ينحدر مستقيما ً من كــّوة ٍ في زاوية السقف البعيد , يصل إلى الرواق بين الزنازين .. ” جزيرة اللاجئين ” يقول القبطان ستكون مجتمعا ً تختفي فيه الأنانية والتمييز لأن الكل هارب من عالم الأنانية والتمييز .. لعنة يحملها اللاجئ الفلسطيني ” أنت تحمل وثيقة سفر وليس جوازا ً ” …
عاش ” الأسعد ” السجن والأبعاد والترحال من بلد إلى آخر في ظل حياة داخلية تمد ّه بأسباب الاستقرار والسلام .. يقول ” الأسعد ” :
” تجربة السجن .. أضافة لي .. ازداد إصراري على أن الإنسان يجب أن يكون صادقا ً في أي مكان يكون فيه , وتحت أي ظرف مهما كانت الخسائر , ومن تخلى عن المطامح لا يملك شئ يخسره ” …
أمسيات كثيرة تمـّر لا نمنحها ثقلها , لأن لنا أيضا حماقات ُ البراءة ِ بأن في الغد سيكون متسع بأن الجميل لا يحتاج إلى عبادة ربما , أو أن الصدق والنقاء ليس بحاجة إلى أسوار .. لم نكن نسو ّر أنفسنا لهذا سيتساقط بعضنا بلا ضجيج .. لليل ِ صوت ُ وشوشة ٍ وتمتمات متقطعة تتباعد كما تتباعد الأشياء وتنفصل تاركة ً لنا الظلال وحدها وتهجع في الهزيع الأخير من الليل …
يلاحظ في روايات ” الأسعد ” .. ( أطفال الندى – نص اللاجئ – شجرة المسـّرات – حدائق العاشق – أم الزينات تحت ظلال الخروب – أصوات الصمت ) استخدام الأسماء الحقيقية التي يحملها الناس في حياتهم , وكما يقول ” أليس لذيذا ً وممتعا ً ونوعا ً من الفن أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية ؟ أنا أحب تسمية الأشياء بأسمائها وأبتعد عن إخفائها , أود أن يحضر الشئ بذاته والإنسان بذاته ” …
على رصيف الميناء يتجول غرباء فقدوا سفائنهم , ومنحهم القلق والشرود مظهر نوارس أثقلها الليل , فلم تعد تستطيع التحليق أو الصياح في حضرة البحر القاتم .. البحر الذي ينام الآن بلا فجر قريب .. كل شئ ذهب معهم .. راحلين مع ظلام الأزمنة .. الزمن لم يعد يتقدم أو يتراجع .. لم يعد زمنا ً لشئ من الأشياء , كأن يكون زمن إنسان أو شجرة أو عشبة , حتى الزمن مصمت ٌ وساكن مثل حصاة ٍ ملساء ..
الطريق يبتعد .. الطيور ترحل .. تأخذ نا الحدائق والصحارى وتمضي بنا في وحشة العمر .. وتجر وراءها طرق القوافل .. في عمق الليل والأماكن المظلمة .. بحثا ً عن الوطن .. تأخذ نا غابة الكلمات .. ويفاجئنا طائر الفجر ..
فلسطين كان المنفى الأول إلى جنوب العراق وخروجه من الكويت بسبب الغزو العراقي أصبح المنفى الثاني وانتقل إلى المنافي الغربية الجديدة .. لم يكن أمام اللاجئ سوى البحث عن ملجأ آخر والخروج من مجريات الأحداث العابثة …
” ثقيل هذا الطريق الصحراوي إلى عمـّان لأنه لا يفضي إلى مكان , ثقيل هذا الليل المقتطع من آلاف الليالي وملايينها ” ..
دعنا نخرج من هذه الممرات التي لا تصلح لأجنحة النور .. راحلين كما ارتحلوا ذات يوم إلى الأنين القادم من حريق التأريخ .. تأخذهم إلى ملجأ اللغة وهي تجوس ظلام الأزمنة في أرخبيل الموت اليومي .. لغة لم يعد يفهمها أحد , وحقيبة ممتلئة بأشياء لم يعد يتذكرها أحد , هو الناجي الوحيد من قبيلة مفقودة ربما كانت قبيلة من القواقع أو النوارس أو عصافير الدوري أو أزهار النرجس التي أغرقتها وحول الشتاء , ربما كانت قبيلة من رمال لا يتذكرها أحد ..
” أنا ناج من قبيلة مفقودة , الناجي الوحيد ربما , لأن لغتي لم يعد يفهمها أحد , وحقيبتي ممتلئة بأشياء لم يعد يتذكرها أحد , ولأنني وهو الأكثر أهمية ً , أنادم أناسا ً وهميين من عصور ٍ غابرة , أدعوهم إلى مائدتي , أو يدعونني إلى منازلهم , وما أن ترتفع شمس النهار حتى تختفي الموائد والمنازل , ولا تظهر علامة تقودني إليهم أو تقودهم إلي ” …
هذه هي حديقة العاشق الذي يتحول إلى حجر ٍ حين يغلبه ُ الألم .. والحجر الذي يتحول إلى عاشق حين تغلبه ُ البهجة .. ويتناثر زهر الرمـّان في ضباب الفجر الخفيف , ويترقرق صوت النبع وتتمايل الأعشاب مع أرتعاشة نهر يتدفق وحفيف أوراق تتساقط …