في رواية (ديالاس) الأبن لما أراد زيارة وطنهُ، كظمت الأم شوقها لولدها الوحيد، فهي تخشى عليه من وطنه، بسبب الصناعة الامريكية للفوضى الخلاّقة في العراق. ومنعته ُ من زيارتها. ورواية (طائر القشلة) هي البينة الفاتكة على مصداقية كلام الأم في رواية (ديالاس). في رواية (شامان) الأمير إيهاب نفاه وطنه بمرسوم من ملكي. داخل الوطن ذبحوا والد الأمير. في رواية (كلاب جلجامش) من الصعوبة أن تعود إلى وطنك حتى ولو كنت جثة !! في (خاتون بغداد) تنتحر مس بيل لأن الذكورة الاستعمارية تمقت أسلوبها الانثوي في التعامل مع العراق أرضا وشعبا.
(*)
للعنكبوت تكرّست الرواية البكر للروائي شاكر نوري ..للفراشة شخصيتها المشعة في رواية (نزوة الموتى) .. للكلاب وظيفتها الرامزة في (كلاب جلجامش). وها هو السرد يرتقي صعودا شاهقا مع الصقر(شامان) وهو الشخصية المحورية وثريا نص الرواية. وهو الدال والمدلول، والاسطورة والواقع وهو التمرد على رتابة اليومي والنفاذ من الحيز إلى سعة اللانهائي (يرى الأمير إيهاب في شامان العالم غير المرئي، الوجود المقدس لهذا الصقر الذي يبعث النشوة في أعماقه، وحين يراه يخترق السموات السبع/151 ) الصقر يطير ويحلق نعم. لكن يخترق (السموات السبع) مسألة ٌ !!..
وإذا كان الأمير بكامل قواه العقلية كيف إذن (لايزال الصقر يفاجئه بعالم من الغرائب والعجائب/ 155 ) أليس التشبث بالصقر شامان استعارة لتشبثه بالإمارة جانين؟ وعلى حد قول يوسف البازيار : أن الأمير إيهاب لا يتخيّل شيخوخة ً تصيب شامان ذات يوم!! ويعتقد أن شامان خالد لا يموت !! وينصحنا السارد /المؤلف شاكر نوري (ينبغي على كل منا أن يبحث عن شامانه الضائع، فإن لم يكن موجوداً فيه، فعليه أن يخلقه في ثنايا روحه ودروبها العميقة)..وهذا يعني أن الصقر شامان هو مثال الأنا الأعلى الذي علينا اجتراحه وتحصينه من أي أذى. أما القول بموت شامان فيتسبب بتفجير كارثة (لم يكن أحدٌ منّا قادراً على وضع نهاية لشامان لأننا بذلك نصنع نهاية لحياة الأمير إيهاب/ 143 ) صناعة الاسطورة لا تختلف عن صناعة الصنم فنحن بطبعنا نبحث دائما عن أب قائد (ألسنا نحن، من نخلق أساطيرنا، و نصوغها كما نشاء؟ / 142 )..والاسطورة متوفرة بنسختها العراقية مرتين مرة بثريا النص( كلاب جلجامش) ومرة ثانية بحضور أنكيدو على منكب جلجامش : رمزاً واستعارة معاصرة في رواية (كلاب جلجامش)
(*)
لا يمكن الفوز مرتين بالشيء نفسه، لا الفوز بالحكم ولا بالطير ولا بأي شيء إلاّ بالقوة الباطشة على مستوى السلطة أو بالغش كما يجري بالانتخابات في كل تنويعاتها ..والنجاة لا تتوفر دائما، نجا شامان من محاولات صيد عديدة
قبل أن يصادر حريته الأمير إيهاب، ويقنن فضاءه حسب مشيئته ُ هو لا مشيئة الصقر، ولذة الفوز البكر زادت من تعلق الامير بالصقر وترمزت تأنيثيا !! والسبب( هو أول من صاده، كمن فض بكارة فتاة شابة، متعة خارقة، اكتشاف أول، يتذكره على الدوام..).. ومثلما نكّل الحاكم بعائلته
: قتلُ الأب وتزويج أخت الأمير إيهاب كرها للحاكم فكان النسق الثالث
هو تحرر شامان من قبضة الأمير بعد أهانته له بتقنين طعامه (ضاع الطير بعد أن تتبع أثر ثلاثة حبارى، منعه الأمير إيهاب من أكل لحومها/ 107 )
وهكذا صار الامير يحلم حلمين معا : العودة لحكم الامارة جانين وعودة شامان إليه وكلا الحلمين مرقنين (فالطير الحرّ لا يمكن اصطياده مرتين في حياته / 126 ) وكذلك السلطة. وهكذا تصبح استعادة شامان من الفضاء الرحب استعادة الامير لذاته المهدورة وبشهادة الأمير ( شامان إرادتي../ 140 ).. وهذا التصريح يعني لا إرادة للأمير بدون عودة شامان، وعودة شامان من خلال فريق من الصقّارين بقيادة يوسف البازيار، وحين أسرفُ في التأويل أرى في هذه الفعلة كأن يشكل حكومة ً بالمنفى وهي حكومة تعويضية نفسية.. موكب ضخم ( يتألف من قرابة مائة صقّار وخادم وعامل../ 92 ) حكومة سيكون وزير ثقافتها السارد المشارك في تصنيع شامان روائيا. وهذا الصانع الأمهر يعي مرضَ الأمير إيهاب فهو(آمن بأن الشمس تشرق من إمارته لكي تنير أصقاع الأرض بكاملها، وشامان يبرق في رأسه مثل قدح زناد، يعود إلى الاشتعال كلما أطفأتها رياح الصحراء../ 158 ).. وبهذا التعويض يعود الأمير إيهاب من الفرد خارج العالم إلى الفرد مساهما في تغير العالم على وفق مشيئته الأميرية . ويوسف البازيار يخاطب نفسه (لا تتعاطف مع شامان بل مع الأمير إيهاب. وهو يتحدث لك عن صقره الضائع هنا أو هناك/107 ) والسارد المشارك الذي أصبح النديم والحميم يرصد حالة الامير ويخبرنا بها(لم يؤرقه ُ مصير شامان بقدر ما أرّقه مصيره هو/ 141 ) وشامان هو صديق عزيز على الأمير بل هو الصديق الوحيد له، وعلاقتهما : شامان والأمير: هي علاقة جنكيز خان مع صقره (كان صقره يلازم يده في رحلاته، وخروجه على الرعية، لأن فيه من قوة الرمز ما كان يدعم سلطانه /85 ) والأمير إيهاب أيضا يشبه الربان آخاب في (موبي ديك) رواية هيرمان ملفل الذي ( يبدو سجيناً لفرديته وذاتيته ينصب نفسه ظهيراً مطلقاً للحقيقة/140 ) والأمير منفي يعيش مثل غويا في باريس
(*)
يستعمل الأمير مع شامان إنشاد المنادى حين يجترح اسما له ويناديه
ويلمس مؤثرية الاسم على المسمّى (ما أن منحته اسم شامان حتى شعر بالاطمئنان، لأنه يستفز كل حواسه، ويوّسع حدقتي عينيه، ليرى ما حوله، ويطلق الحركة في جناحيه متأهباً.. / 140 )
(*)
ثمة سؤال يراود قراءتي لماذا يبحث الامير إيهاب عن صقره في سماء فرنسا!! لماذا لا يقود فريقه أو يكلفهم في البحث في الصحراء العربية؟ والصقر شامان يكتنز خصوبة التأويل فهو إرادة الأمير المعلقة، يوسف البازيار يرى أن البحث عن شامان( كما لو كنا نبحث عن زمن ضائع، فوراء شامان أزمان أخرى لا نعرفها/ 93 )
(*)
شامان توارى .. تلاشى . ثم جاء المؤلف شاكر نوري ونفضَ عنه الرماد وايقظه ُ في سردية ٍ روائية جعلته حيا لا يموت محلقا في أفق تلقي القراء