هل كان متضايقا من السترة والكوفية والعقال .. او داهمته الحمى ..المجذاف ينغرز في الموج والبلم يتقدم وسط شط واسع وهو متكيء على وسادة بلون الجلنار .. متجهما .. وقد نبضت الغضون وتقلص فمه ..فتح علبة السجائر اللوكس وامتص نفس دخان عميق .. البلام صامت والشمس تهوي بمطارقها المتوهجة على قمة راسه ..ورفع لا اراديا كتفه كانه يؤكد قوة جسدية وروحية فيه دب فيهما الوهن ..ولمس بثلاثة اصابع مقدمة راسه من تحت الكوفية البيضاء المزخرفة بالاسود .. قفز البلام المسن وربط البلم وسبقه ليمسك يده ..وحين خطا مرهقا وراى ان الضفة خالية ولا احد يراه صفق يدا بيد متاسفا على ثروة اضاعها بغفلة شاطر واحس بان مصهورا من النحاس يغلي في جوفه .. وحاول ان يمشي باستقامة رافعا انفه محاولا ان يتبختر ..ونظر الى اربعة طيور هدهد تطير على بعد خطوات منه كانها اصيبت بالفزع ونظر الى اعالي النخيل والى السياج الطيني المتحجر المرتفع الذي يسور بستانه .. وتذكر امراة الفلاح ابو هادي البيضاء القصيرة بعيونها الواسعة السوداء وهي تشد حزاما من قطعة قماش وتقود العجل بحبل ..وتذكر زوجته .. المرتعدة في حضوره … سوف تسال وتسال بصمت ولا تجرؤ على الكلمات ..
بعد ثلاثة اشهر زاره صديقه من اهالي الموصل .. وبعد ان رنت ملعقة الشاي قال له
ـــ سلامتك ابو ارزق..
كان ممدودا على فراشه وقربه جرة ماء فخارية .. وقد ارتدى دشداشة بيضاء ..
ـــ ما الذي جرى لك ؟
ــ خسرت كل ثروتي ..
ــ تهون .. ساعطيك مبلغا تعيد به نفسك
ــ لالا … ادامك الله .. انت سيف مجرب ادري ..
ـــ انا جاد.. كم تمنيت ارد لك بعض فضلك
ــ لا منة بين الاخوة
ــ اذن هاك تقبلها ان كنت تعني ما تقول ..
بعد يومين تمشى ابو رزق .. وعادت له حيويته ورفعة الكتف وشموخ الانف واستقامة القامة وهيبته التي تسبقه وردد :
(تعود ان يغبر في السرايا ــ وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ في قَتَامِ.. ).
وتمشى مستطلعا الى مخازن الاخشاب فوجد تلا من الخشب بانواع مختلفة واشتراها .. وذهب بعد الظهر واستاجر عرصة ونقلها هناك.وباعها باربع امثال سعرها …
يعود.. تحييه بوجه مشع وابتسامة اصفى من اللؤلؤ وصوت يحرك الحجر لرقته.. <اهلا حاج > فيستقر على كرسي الخيزران وتاتي بطست النحاس وابريق نحاسي ثقيل وتضع رجليه في الماء وتسكبه عليهما وتدلك وتعصر وتخرط العروق في الساقين
حتى يخف توتر عروق الجبهة وفي الشتاء تضعهما بماء ساخن تعده قبل عودته .. وحين تغسل لباسه الداخلي تشعر بلذة او رعشة وتبقى تغسله لوقت اطول .. وفي الليل تنشب فيه مهارتها حتى تتركه في شلل كلي فينام بعمق .. وتتنبا بمعدته قبل ان ينطق فتعد له الشهي وما يتمنى بالضبط او يرغب .. غالبا السمك البني قليا وشواء في تنور الطين ..وتخدر له الشاي بقوري الفرفوري على نار هادئة وتهيّله.. وهي لا تعلم بما يجري ولماذ يغيب ليلة او ليلتين بحجة سفر للناصرية لاجل العمل .. او غيرها من الاعذار ولم يخامرها شك لقوة الثقة …
ومر احمد وهو شاب في العشرين مجنونا بهواية صيد الاسماك بالبلد والشص على رجال يفترشون الحصران قرب جامع المصطفي في دربوبة ترابية ضيقة وسلم فاتى جواب بارد من واحد منهم فقال سانظر كيف يحييونه وكمن خلف نخله وقبيل مرور الحاج ابو رزق قام الجميع مرحبين بحرارة رافعين ايديهم ويضعونها على الصدور.. كانوا مبتهجين لانه مر او لانه حياهم ..وتخطاهم ودلف لزقاق متعرج وبذل جهدا وهو يفك نعاله الزبيري عن الطين ونظر الى شباك من بيت شناشيل كان ايضا مغلقا ….ووقف يتامل العما ل ينزلون الحمولة .. كانوا يمدون الكلّاب من فوق اكتافهم ليمسك باكياس الجنفاص المملوءة بالرز حيث ينتهي نهر صغير وتتنفس السفن الصغيرة من عبئها …قريبا من سكة حديد تنطلق غربا للاهواز ..وتقدم خطوات وقرا للمرة الف (المغيسل ).. كانت التوابيت مكدسة سوداء وبلون البن بعضها فوق بعض وجوار بعض تترشح منها رائحة الفقد والموت .. وقال <هنا ذات يوم سيلقوني على دكة اسمنتية بلا سمع ولا نظرة ولا صوت ويغسلوني بالماء حيث لا اشم رائحة الكافور ولا اتوهج رغبة تحت الشباك المغلق ابدا .) وتخيلها <فم صغير عقيق توهج الشمس لمسات الديرم على الشفتين .. رغد ارملة التنديل الذي هوى من اعلى الباخرة ولم تظهر جثته الا بعد اسبوعين ..كان يفرح وهو يرى في عيونه ذلة الجوع (حاج ابو رزق ننتظر العربون \الاجرة مسبقا\… الم تصل الحمولة ؟!)..
واستغرب ان تكون ام رغد الجميلة زوجة لرجل بلون طين اسود…رقبته داخلة بكتفيه..ويتكلم بلغة التمتمة .. وتخيله يفترس تلك الجوهرة الرقيقة في الليالي المثلجة الماطرة ويمتص الرحيق من وهج العقيق وتمر اصابعه على خصر بحجم انية فخار صغيرة يتكسر على ردف مكتنز لولا العباءة لازهق الجميع ..في مرة كلفوه ان ينقل جلة التمر لمكان فاوصلها فارغة .. كان يرفع يده ويتناول قبضة تمر زهدي حتى افرغها.
بعد ان تعبت من شط الدموع .. وزهقت روحها من اللون الاسود ونهشت بما يكفي من غربان الروح بعد فقدها ابو رغد وملت من استرجاع الذكريات .. اشترت بطة وفحلها ودجاجة وديكها وانشغلت بالفراخ وصنع الليفات والحصران من خوص النخيل والزبلان .. كل اسبوعين ترتدي الثوب الماروني وتضع زينة معتدلة على الوجه وكحلا .. وتحمل بضاعتها الى السوق وتبيعها جملة لبقال كهل .. وتعود يكاد تراب الازقة ان يئن من مشيتها المرقصة وخصرها المتكسر .. وصادفها مرة الملاك ابو رزق وتفتت قلبه فاوقفها
ــ انا اشتريها بضعف السعر
ــ طيب يا حاج
هكذا اتفقا وكانت رغد تنقل الزبلان له وليف الحمام وبدلات الدمى وثياب الصغيرات المطرزة بعناية .
جسور من الخشب ابواب من الخشب سقوف من الخشب مهود من السعف والخشب ووصل الامرحتى الارواح ,فارواحهم تخشبت .
لكن مرزوق الاسمر النحيل القصير عيناه تذكرك بثعلب .. يجلس صامتا اخر القوم .. يسبح بمسبحة بلون العقيق سارحا بعالم اخر .. كانت الحسينية من الطين , لبخت بالجص وعلقوا عليه لوحات تجسد ثورة كربلاء اسند سقفها بجذوع النخيل المنقعة بالانهار والمدهونة بمادة سوداء درءا للارضة تصدرت اعلى جدارها صورة لعلامة جليل كتب تحتها < زعيم الحوزة العلمية ..> خلف كرسي صبغ بالاسود يستقر عليه الملا علي في ايام عاشوراء وليالي رمضان ..لم يكن يصغي لاي شيء حتى انتبه مرزوق الى صوت الملا يتلو (ان الله يحب المحسنين ) فصاح صارخا <صدقت واحسنت ملا ).. فانتبه اليه الجميع .. واستدعاه الحاج بعد ذلك وهمسا معا وابتسما معا (والله يا حجي هناك ارملة وحيدة امر عليها كل خميس واعفسها … خطية لا زوج لها .. وترغب ..وانت تدري …) فقال الحاج وهو يبتسم <لعنك الله >..<وهل تراك بهذا من المحسنين> …وضحكا ..
ــ غدا مر علي في المكتب لدي امر معك
ــ انا خادم لك يا حاج ..
ــ يا امي هذا مرزوق في الباب
ــ ماذا يريد
وعدلت حجابها والتفت تماما بالعباءة وفتحت الباب مقدار اظفر
ــ نعم
ــ مساك الله بالخير ام رغد .. هذا من ابو رزق
ــ ماذا به
ــ لا ادري
ـ لحظة مرزوق
وفضته واعادته …
ــ ابلغه سلامي وهاك .. فامسك ثانية بالمظروف …واغلقت الباب ..
(يظن كل كرة جوزا .. لالا يا حاج .. نحن الشرف .. انا بنت ابو البنات المستورات ..علمتني امي ان الرجل الغريب كلب ان راى امراة يسيل اللعاب وان سبح وصلى واستغفر وتعلى..)..(احذري الرجل ) حكمة امي التي حفظتها بدقة وترسخت .. <لا تقبلي منة احد ولا هدية من رجل >.. < يطمع الرجل بالمراة التي تقدم له الزبيل.. الرجال يهابون النساء المحصنات .. اللواتي لا فم يبتسم ولا صوت في شارع ولا اشارة بريئة في مجمع .. ولا اصباغ مبالغة على الوجه >.. تذكرت امها فبكت ومرت ذكرى زوجها فشهقت .. وقالت في نفسها (ان بقيت وحيدة ساكون رجلا .. ولو تجرا قرد فنعالي يلعب على رأسه .. انا ام رغد)..
بعد ان علم بموقفها مرض ابو رزق مرضا مرهقا .. كانت زوجته تبلل قطع القماش وتضعها على جبهته .. وتعد له المشويات وتقدم له عصير الليمون والتين والتمر بالراشي واللبن الخالص وتصنع له الاشهى ومعدته مغلقه وحلم بان ام رغد قد اعتلت الباخرة ومن وراء ظهره دفعته لعمق البحر بعد ان هشمت رأسه
بقازوق حديد.. وصحا لاهثا صارخا حتى اطمأن بانه حي على فراشه وزوجته تعصر رجليه وتضغط برفق على جبهته وهي بحالة مزرية .. بعد اسبوع تمكن من الوقوف وتمشى نحوهم : كان الفلاحون وقت الضحى يتناولون ثريدا في ماعون نحاسي كبير وينهشون البصل ويتذوقون الدقوز والفلفل الاحمر اللاذع.. اكلة اسموها محليا (محروك اصبعه ): ماء مع عصير طماطم وبعض السمن ومثروم البصل ويستوي على النار في قدر من الالمنيوم .. ويثرد فيه الرغيف .. انهم ياكلون بشهية عالية من الجوع والفاقة .. فقلما يتناولون اللحم .. لكن ابو رزق توقع ان الاكلة شهية ونادرة لهذا هم في معركة البلع والقضم .. فقال اريد ان تعدوا طبقا منه ومعكم غدا اتغدى ..
في يوم مثلج تراهن الحاج ابو رزق مع زميل ملّاك .. فاكل فجرا خمسة ارغفة خبز وخمس بيضات .. ونزلا العشار وجلسا في مقهى التجار ..واقترح صاحبه الملّاك مهدي ..(..الى الباجة وسنرى )..وبعد ماعونين كبيرين احس بالتخمة لكن ابو رزق واصل بنهم فاكل عشرين خبزة وثلاثة مواعين من الباجة ..وفي المنتصف دخلا الى جامع للصلاة (الى الكباب ..وساهزمك) هكذا قال مهدي فابتسم الحاج (ساهزمك واكسب الرهان ستخسر سعر الخروف )..ثلاثون شيشا واربعة عشر قرصا وانتفخ .. اما الحاج فواصل بجدارة كانت معدته اشبه بقزان عملاق ..فتناول ابو رزق خمسين شيش كباب وعشرين قرصا .. فاعلن الملاك مهدي الهزيمة ونظر اليه مستغربا (اشك ان لك معدة .. انه كيس جنفاص يتمدد..).
وقدم لهما الشاي باقداح صغيرة وصحون فرفوري رسمت عليها ازهار حمراء .. ورنت الملاعق واخرج الحاج سجائر الغازي وقدم واحدة لصاحبه واشعلهما .. وسحب نفسا ضبب المقهى .. وبين رنات صايات الدومنا.. قال لصاحبه
ــ والله محتار .. هي لا تستجيب
ــ خمس سنوات وانت تحاول وتحدثني عنها يا حاج اتركها ..هي متمسكة بشرفها والوفاء لزوجها ..
ــ لن اموت حتى اذوقها ولو خسرت كل املاكي ..
ــ الكثير من نساء الحي تحت امرك .. فطومة اجمل ..وشباب ..
ــ لن تملك حواء كخصرها والردفين وصفاء الوجه والفم .. اه من رقة شفتيها .. اوووف لو ..
ــ ستنالها يوما
ــ اكيد ..
ـ لدي ثعلب نساء ساناقشه بالامر لعله يحلها.. فيفكك الطلسم ويرى المفتاح .
ــ اتمنى ..وله هدية مغرية مني .
ـ (ولك واوي ).. هكذا يصف الفلاح او العامل .. ويخاطبه :(طرطور ).وكان اذا اعطى العامل اجره وبقيت فكة قدر درهم يسجله حتى اذا مر اسبوع يستقطعها جميعا فيمضي الاجير بلا اجر .. مفلسا ..قست عليه خسارته السابقة واصبح لا يترشح فلس منه ولا درهم يفر ..وصار ينظر للحياة بمجهر درهمي ..
لكن رغده جرحه الغائر .. ازمته الوجودية ومعركته التي لن تبرد واتاه ذات يوم مهدي
ــ يقترح ثعلبي الذي حدثتك عنه< اعمل ماتما نسائيا عند ام عبد الله الحفافة .. وستاتي ام رغد وهناك سيتم ترويضها..>.
كانا يتحاوران وقت الغروب في زقاق معبد متعرج ضيق حيث تستعد محال العطارين وبائعي الحبال والصابون الحلبي للغروب وتهبّ ضجة الخفافيش من شقوق الشناشيسل .. وفيما بدات برحلة القنص اشار الحاج ابو رزق لصاحب المقهى ( اثنين جاي من راس القوري ..سنكين )..واتى يحملهما بيمناه و يرنن الصحنين المطرزين ..يتقدمه من الوسط كيس الدارهم القماش المثبت بحزام جلدي عريض ..
ــ انا سازودك بخيوط الغزل ادوات الخياطة بربع السعر .. انت غالية ام رغد
قالت لها بعد ان غادرت الملاية وفض المجلس .. وصاحت على صغيرتها
ــــ فنجانان من النومي
ــ الله يوفقك انت بنت حلال وتعلمين انا ام ووحيدة .. ولا الذ من لقمة بعرق الجبين
ــ الم يمر بك خاطب .. انت جمال وطفولة وشرف ومن بيوت
ــ تدرين هي قسمة وحظوظ
ــ ذكرتيني ابو رزق الحاج …
ــ اتركي موضوعه.. عينه وسخة
ــ لكن ام رغد انا اعرف الحاج طيب القلب وحنين كريم .
ــ تدرين في مرة ارسل لي مبلغا بمظروف فلم اتقبله
ــ هو لا يقصد سوءا هو يحب مساعدة المحتاجين
ــ الله اعلم .. اخاف من الرجل الغريب
ـ اصابعك غير متساوية وهو بن اصول
ــ الله اعلم خيّة .
ـ له عشرون بستان ومعملان .
ــ هو في الخمسين
ــ بعده قوي
ــ صحيح .. من الخير
ــ تدرين يشتري خاطرج ورضاك ..اشارة من اصبعك وتغرقين بالذهب ..
وحين عادت وغمرتها برودة الفراش الناصع على سرر الجريد .. صفنت .. وتناولت من الطبلة الخشبية قطعة الديرم ..وكلما كوى لعقت شفتها باللسان ..ودخلت حماما يشبه صندوقا مستطيلا من الصفيح المتآكل واصابتها رعشة من طاسة الماء الاولى , فقبضت على رمانة الصدر المتوهجة .. ومر الماء على التقوسات والتضاريس المرنة والمتصلبة فقطع بمساره اغصان القداح والعقيق المشتعل , وتشكل في تموجات ولامس ظلال الجسد .فجلست على كتلة خشبية وتناولت قطعة طابوق نحتت ودلكت اسفل القدمين .. وخرجت متلفعة بمنشف حليبي طويل وقد سترت رأسها بقطعة قماش صفراء فيما كانت الخصلات المسودة الكثيقة تقطر قريبا من الردفين . وتمددت على السرير وقالت :
ـ (ماذا يريد مني الحاج … معقولة يتزوجني .. وهل ارضى بضرة .. انه واهم .. لالا.. مستحيل ).. وسمعت طرقا على الباب وارسلت البنت لترى وارتدت ثوبها وتحجبت لكن الوقت لم يسمح لتضع حمالة الرمانتين
ــ ام امجد بالباب
……..
ــ تدرين ما حدث
ــ لا
ــ زلزال
ــ ماذا ؟؟
ــ الحاجة ام رزق كشفت الحقيقة .. ظهر متزوجا وله طفلان
ــ مصيبة
بعدما وشت لها جارة اختلفت مع الحاج واقسمت ان له طفلين منها .. وتاكدت ام رزق.. استقبلته بعد صلاة المغرب .. متجهمة دامعة محمرة الاجفان وقد شققت الخدود وشقت النفنوف من موقع القلادة وهي تصرخ :
ــ هاي تاليها .. بعد العشرة والوفاء واضطراب الصحة لاجلك .. بعد اربعين عاما من الحلو والمر ..تتزوج !!اين الموت ولماذا لا تنشق الارض فتحتويني .. سازهق حرقا وكانت قد هيات النفط في قنينة قرب اعواد الثقاب ..وسبقته بتحطيم صورهما وصوره .. مزقت الاواني وكسرت المرايا …
للحاج سطوته وقوة هيبته .. لا نفس ان ظهر ظله .. ويتوقف نبضهم ان سعل او جحظت عيناه .. انه الان يراها تعوي وهو مطرق .. وحين قال واثقا (الله حلل اربعة )… قابلته بعيون جادحة وبتصميم لا تراجع منه
ــ اسمع .. ساظل معك شرط ان تعزل فراشك … او طلقني ..
بعد عشر سنين لم يتمكن أي منهما ان ينقض الاتفاق ..مضت السنوات وهما يتبادلان مختصر الكلام .. لا ظل لبسمة او كلمة مليّنة او تراجع في قرارة الارواح .. حل سكون ابدي في ذلك المنزل الذي زخر بالبهجة لعقود .. ماتت فيه الاشياء ماتت..وفقدت الوانها وتهرأت.. كانت الحياة تجري برتابة تديمها ضرورات .وبعد شهر على كشف زواجه الثاني وتمكن الملل منه استدعى الحاج ابو رزق الحفافة ام عبد الله في بيت معزول في احد بساتينه واعد لها السمك المشوي واشهى انواع الطرشي والشاي المهيل والكرزات وكيس نقود متضخم ..
ــ طالت ؟؟!!
ــ بل اقتربت يا حاج …
اخبرتها وفكرت لايام وقالت اريد ان ارى البستان .. اخبرتها انه 700 مترا يقع على النهر وسياجه مرتفع وفيه سدر ورمان ونخيل وبيت شيد من الطابوق وانه سيكون لها ملك صرف واخبرتني (فقط قبلة .. بوسة ولا غير.. لا يطمع بغير ذلك )..
كانت ام عبد الله الحفافة تحكي لها قصص الموروثات وان الحياة فرصة وقد تمر ولا تتكرر وان الحاج يكتم السر .. ولم تلن ام رغد بيسر واستغرق الامر اشهرا .. كانت تقدم لها الهدايا والوان الاطعمة والمبالغ وتشتري الطف الملابس لرغد وتزودها بالعطور ومبيض الوجه ومحمر الخدود .. ولم تعلم بانها من اموال الحاج .. وان ما يجري مؤامرة .. كانت تستيقظ في الليالي المطيرة الراعدة وهي فزعة تتخيله بعد القبلة الوحيدة يجهز عليها ويهم باغتصابها .. تصحو غرقى بالعرق فزعة ..
ويمر الحاج على شباكها مرارا ينتظر ان تطل تحرقه الشمس وتغرقه الامطار .. وقد خبر الوان الذل .. ذل التوسل والانتظار .. يركع له الجميع وتخشاه الرجال وتنحني له الانوف التي شمخت والبيوت التي سترت الا ام رغد .. فقد وافقت لكنها ترددت واصبح التاجيل قانون حياتها (نعم ام عبد الله انا اثق بك ستكتمين القصة ولكن بعد اسبوع .. اسبوعين .. راس الشهر.. اريد اهيؤ نفسي .. سيكون يوم الكرصة وساعة الكسلة .. بعيد الفطر بعيد الاضحى في فرحة الزهرة .. بدوران السنة ..بنتي مريضة فلينتظر لتشفى .. )
وتقول لنفسها <انها قبلة واحدة .. واحدة فقط مقابل بستان وسنقهر القحط فقد تعبت يداي من الغزل وصناعة الليفات .. المسعدات بلا جمال ورجالهن لهن خدم وانا .. ااه يا رب رحمتك وعفوك وحكمك ومقدراتك يا علام الغيوب … وكانت تتلو دعاء الفرج وايات الوحشة وتضع محبسا لمنع الضعف وتثبيت العفة .. وقررت زيارة الامام في كربلاء ليعصمها من المقدر .. فقد بدأ الضعف يدب وطمعت بالبستان .. وتخيلت نفسها ملّاكة .. وتسمى ام البستان وتضحك في سرها على الكنية وترددها <ام البستان>.
في صباح جمعة قصدت حي يوسفان , ان ام سجى صديقة الطفولة ولها حكمة .. طرقت بابا خشبيا ثقيلا وتعانقا
ــ والله لا مشكلة .. هي قبلة واحدة .. ومن يدري وان علم احد لا يصدقه الاخرون فانت يا ام رغد عفة وكمال سيقولون عمن يبث انه < همزة لمزة >
فقالت ام رغد (تبت يدا ابي لهب .. )..
وغادرتها وقررت ان تستسلم ..
وبعد ان ارتها الحفافة ورقة الطابو مسجلا باسمها قالت ام رغد
(قولي للحاج ابو رزق ان يقبل لداري مساء الثلاثاء بعد صلاة المغرب .).