التجارب التي ستظهر في المقالة ليست في المخترعات العلميّةوالتكنولوجيا حتّى يُشار لها بالبنانِ ،والكل يعرف أنّ نسبة المخترعين في الوطن العربيّة تُّعّد على الاصابع؛وهذا هو الإخفاق في ركوب منصّة التقّدم العلميّ،ولكن اردت أن اقف عند تجارب الإنسان العربي مِن مؤلّف الكاتب خيري منصور عنوانه” الكف والمخرز”
يتناول فيه الأدب الفلسطينيّ بعد عام 1967 في الضفّة والقطاع ،ويورد فيه مختارات من الشعر والقصص صوّرت حياة الشعب الفلسطيني عقب نكسة حزيران 1967، وهي تجارب في الإنسان العربي لبلد محتل دخل التهجير القسري وشرّد من دياره.
تقول. الشاعر سميرة الشرباتي من قصيدة لها “غموض القتل”ص175.
لم يقتلني الجرح الرابض في احشاء الشعب ألنامي
لم يقتلني ظمأ الروح إلى قارورة خمر دامي
لم يقتلني بعد حبيب
لم يقتلني خنجر خصم
لكن اشعِر إنّي اُقتلْ.
نجد الشاعر رغم إسلوب التكرار في القصيدة لكنها رفعت من معنوية الانسان الفلسطيني ينتابه شعور بالقتل .وتشير إلى المفارقة بين الحبيب والخصم لآلة الخنجر .وتكنّي عن ماسآة فلسطين بالجرح الرابض،وعن لحظة الغياب والنسيان تصف عطش الروح إلى تحقيق غايتها بالدم.
وتكتب الشاعرة ليلى علوش قصيدة “بهار على الجرح المفتوح”ص116
بكيت الآن/لانّ الساعة الشوهاء قد حانت /سأجلو عن عزيز الدار /وعن ماضيّ..والتذكار/إمين الطفل يسألني /(لماذاقد لممنا العفش يا جدّي إلى اين؟)
هذا النص تجاوز النفي والجزم عن القتل عند الشاعرة سميرة الشرباتي إلى أسلوب الشاعرة ليلى علوش في الحوار وشخصية الطفل إمين الذي يمثّل جيل مابعد النكسة وسؤاله في محور القضية ،والجّد الذي عاش المحنة يتلقّى سؤال إمين عن التهجير وعن المكان الجديد.بكناية عن توقّف الزمن بالساعة الشوهاء.
وياتي جواب الجد على لسان الشاعرة /فيصلبني السؤال على لظى جمر ويجلدني/ولا أدري إلى اين؟/
ويستمر الحوار بصورة بشعة تتمثل في الصلب والجلد من جمر الماساة.صورة شعرية مخيفة عن المستقبل.
وفي قصيدة للشاعر اسعد الأسعد”كلمات عن البقاء والرحيل ” يهديهاإلى كل الذين اُبعدوا عن ارض الوطن ص156./وطني/معذرة إن كنت بعيداً عنك /فانا لم ارحل طوعاً/اذكر ياوطني/في ذاك اليوم /ما كُنّا ندري /أين سنمضي./
يخاطب الشاعر وطنه بالاعتذار أنه كان بعيدا عن المحنة والتهجير القسري لكنه يتذكر عن عدم معرفته إلى أين الرحيل لمن تبقى .
ويسرد بالتكرار اللفظي عن حالات المنع ابتداءً من الأطفال وانتهاءً بالوطن و أسلوب التهجير المزري./منعونا رؤية الأطفال/منعونا تقبيل الاهل /منعونا حتى توديع الوطن المحتل ./
وفي السرد الادبيّ نجد نصوصاً اختارها المؤلف لتعبّر عن محنة فلسطين وشعبها في الضياع ،نجد في قصة “موت انسان” يكتب جمال بنوره في نهاية قصته عن البطل(كان لا يجد. مكاناً يذهب اليه،اراد أن يعود إلى وطنه ،والتقيت إليه :اخيراً ايّها الحبيب لقد وجدت لك مكاناً في ارضك..تستقر فيه إلى الأبد.)ص282
في النص نلاحظ أن العنوان نكرة إشارة إلى موته في الشتات المجهول المكان ،وكذلك فعل/ أراد /في القصة يعبّر عن المقاومة لاسترداد الأرض المغتصبة .
ونص آخر للقاص عادل الإسطى “البحث عن المدينة”يقول ص360/( أيّ مدينة تصبح أكبر من مدينتهم….مدينتنا..الوضع الحالي..العمل ابناؤنا بنوا بيوتهم..سواعدنا تبني لغيرنا ..كم مآسينا من عندهم..الأرض التي سيسكنها بنو إسرائيل يقطنون بيوتاً لم يبنوها)
هذا النص يسرد مدى توسّع المحتلين في أرض ملسطين ،وما بناه أهل البلاد سيذهب إلى مصادرة المحتلين وإنتقامهم من العرب ،ويؤكد على لفظة /الأرض/يوماً ماستسلب كلها من اهلها .
هذه النماذج من النصوص الادبيّة بالرغم من عنصر المباشرة والتقريريّة في نمطها الفنيّة في عنوان السبعينيات ،والنشر في الثمانينيات إلاّ إنّ فيها من مستجدات الربيع العربي الكثير ،حالات التشرّد بين المقاتلين العرب أنفسهم ومن يدعّي الشرعيّة من قيام الديمقراطية الفتيّة في واقع التربية العربية وتحتاج إلى الإختبار لسنوات قبل البناء المنحرف عليها سلوكاّ وعملاّ. ومن هذا الموقف الذي مرّ بابناء النكبة ، ونكسة حزيران 1967 نجده جروحاً وآلاماّ قد انفتقت ثانية بالتهجير والطرد ،والتشريد تحمل الهّم ،والحزن ،والضياع وتساؤل من اطفال التهجير والتشرّد العرب ..أين مدرستي ..أين معلمي؟وماذا ستكون عليه مهمة الأدب العربيّ في ظروف ليست إستثنائيةبل لظاهرةقد تكون عامة في الوطن العربي ؟واين ستكون المطابع في عصر الضّد والضّد الآخر في تقسيم الأرض في نفس البلد ،وصور التهجير، واليأس..
مانخشاه أن يكون جمع النكبة والنكسة بصيغة متساوية ..النكبات والنكسات في الدول العربيّة ،هذه تصدّر الأزمات ؛وتلك تتلقى النكسات بعدها ستنزل إلى الساحة معاول الهدم العربي_العربي في الصحة والثقافة والحياة الإجتماعيّة ،وسوف تختلط تجارب الإنسان العربي من النكبات المتراطمة على أسوار المُدن والقصبات ،هلاك في البشر ضياع وعناء ومشقّة في المعيشة التي يشكو منها الانسان العربي كثيراّ.وهذا كلّه يتطلّب من الأديب أن لا يبقى متفرّجاًاو متخفّياً عن الواقع العربي المرَّ .وان يجد الفوارق بين ما حصل من النكبات قبل خمسة عقود ،وبين ما يحصل الآن من تسلّط وغزو يجتاح البلاد العربيّة من عواصف السياسة وهناك سيكون للاديب الموقف المشرّف في التعبير عن هذه الأزمات المتلاحقة ،وهو يحتاج إلى إعلام ينقل بكّل صدق و مهنيّة الأحداث المتسارعة من تجارب الإنسان العربي وهو يصارع الظلم ،والإلغاء ،ويحاول جاهداٌ أن يحافظ على ارضه وحدود وطنه.