لم أعشقْ سواكِ
أيتها اللبوة ُ الشرسة ..
لقد حملتِـنِي تسعةً
وضيعِتـنِي تسعةً وتسعين ..
لم أرتوِ بماءٍ
إلاّ ماءَك الزعاف
ولم أستعذب هواءً
إلاّ هواءَك الزنخ ….
يا من تستلقين على خارطة العالم
مثلَ ضفدعةٍ مدهوسة على قارعة الطريق
…….
يسميك السيّاح :
البلاد الاستوائية
ويسميك اللآهوتون :
حديقة الآثام
والسياسيون يسمونك :
حمّام الدم ….
…….
ولأنكِ متّشحةٌ بالسواد أبداً
ومنفوخة العينين من البكاء
لم أحظَ منك بابتسامة
ولا بلمسة حنان
وحينما كنتُ أسألكِ ماءً
ونحن نعبر المفازات الموحشة
في قيظٍ بلا نهاية ..
كنتِ تشيحين بنهديكِ عني
وتؤجلين ارتوائي
…….
واذا ما حدثَ أنْ ضممتِـنِي
الى صدرك ..
فلكي تزقّيني
مزيداً من العذاب
العذاب الذي رسم تقاطيع وجهي
بقلم من الفحم
ومنحني هويتي
وحقيقتي الأسيانة الدامغة ..
…
لن أعشق سواكِ ..
تدعونني : ولدي
وأدعوكِ : بلادي
أربعينية السديم
حينما تمرّ بشارع ” عبدالله بن علي ”
عند الثانوية التي تخرجنا فيها
وتتجسد أمام عينيك جسامةُ الفاجعة
في هذا الشارع المنكوب …
لا تسأل عن عدد الضحايا
لأنك لن تجد جواباً ..
فأولئك الأناسُ المطمئنون
الذين كانوا قريبين من فوهات البراكين
التي انفجرت بهم فجأةً
لم يخلّفوا أيّ أثر
لقد احترقوا
وتبخروا
وصاروا سديماً هائماً في الفضاء …..
مثل هؤلاء
لن تجدهم بين الجرحى
على أسرة المستشفيات
ملفوفين بضماداتهم .
ولا بين المشوّهين المتفحّمين
في ثلاجات حفظ الموتى
ينتظرون من يتعرف عليهم .
ولا في التوابيت المهيأة للدفن .
بل أنك لا تطمع
أن تعثر منهم
على رأس أو قدم أو يد
ما بين أكداس الجثث الممزقة .
ولن تجد أسماءهم
في سجلات إحصاء الموتى
لقد تبخروا تماماً
وتلاشوا
وصاروا أرواحاً طافية على أرخبيل الكون
ولم يبق منهم إلاّ أسماؤهم
وكأنهم لم يولدوا
ولم يعيشوا
……..
لا تسأل عن السيدة (كريمة الحجاج )
فقد صارت سديماً
لا تسأل عن الأم ” زينب ”
ولا عن ولديها الصغيرين
فقد صاروا دخاناً
لا تسأل عن الشاب “حازم جمعة محمود “
فقد صار ذكرى
لا تسال عن هؤلاء
ولا عن غيرهم
بل اسألْ
عن ذلك الوحش الأعمى
الذي خطف في لحظةٍ واحدة
كلّ هذه الأرواح
وبهذه القسوة الغاشمة ..
ولا تصدقه أبداً
إن قال :
أنه يطلب بفعلته هذهِ
شيئاً آخر غير القتل