تدق الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل ..
تسير فى طريقك إلى هناك ..
تحمل بين يديك كل ما لذ وطاب من الفاكهة والحلويات وزجاجة كبيرة من الخمر؛ حتى تزيدك قوة ونشوة ..
الأمطار الغزيرة راحت تغرق الشوارع فجأة ..
والظلام الحالك بسط جناحيه فوق سماء القرية ..
رحت تسير .. وتسير فى سعادة إليها ..
حبك الشديد الجارف نحوها جعلك طوع إرادتها ..
هجرتك زوجتك ومعها أولادك؛ بعدما فشلوا فى بناء سد منيع بينك وبينها ..
فجأة ..
تتوقف .. تثنى بنطالك الذى شرب كثيرًا من ماء الأمطار ..
رحت تتلفت هنا وهناك نحو جانبى الطريق ..
تجد نفسك قد توقفت أمام مسجد القرية ..
على الفور تتذكر أيام كنت تؤم الناس فى كل صلاة ..
لم تفتك صلاة واحدة بالمسجد، حتى وأنت فى أشد حالات مرضك ..
يهمس إليك شيطانك الرجيم بكلمات، رحت تقولها على الفور فى خضوع واستسلام:
– ساعة لقلبك .. وساعة لربك ..
تعاود سيرك فى قوة ..
رحت تغوص فى ماء المطر دون وعي، بعد أن خُيِّل إليك أنها واقفة أمام بيتها تنتظرك فى شوق ..
رويدًا ..
رويدًا ..
تقترب من بيتها .. تتوقف .. تتذكر كلماتها إليك :
(اعمل حسابك فى طوبة كبيرة .. تضرب بها الكلب الموجود قدام البيت .. قال إيه المدعوق على عينه جوزى .. قبل ما يسافر وصى الكلب عليه .. أصلهم أصحاب قوى .. ومن ساعتها والكلب مش عايز يتحرك من قدام الباب ..)
تمتد يدك داخل الكيس ؛ لتخرج الطوبة فى غيظ ..
رويدًا ..
رويدًا ..
تقترب من البيت ..
الكلب الرابض أمام البيت ليس له أى وجود ..
عيناك تجوبان المكان بحثًا عنه ..
لم تجده ..
تحمد الله أن المعركة مرت دون إسالة نقطة دم واحدة ..
الباب (موارب) كما اتفقت معك ..
تدخل على الفور ..
شهوة اللقاء التى تسرى فى عروقك تنسيك أن تغلق الباب من خلفك ..
تتشمم رائحتها العطرة الذكية ..
رحت تتبعها ..
وتجد نفسك أمامها .. داخل حجرة نومها، وهى جالسة فوق السرير تنتظرك ..
تضع ما تحمله جانبًا ..
سعادتك الغامرة تسبقك إليها ..
وأنت غارق فى نشوة اللقاء المرتقب ..
فجأة ..
يدخل عليك ..
تجد نفسك فريسة سهلة فى فم الكلب ..
تجد نفسك تصرخ .. تبكى – كالأطفال – على قطعة اللحم التى انتزعها الكلب من كتفك ..
عُريانين .. تنزويان فى ركن الحجرة؛ بعد أن أجبركما على ذلك بنظراته التى تكاد أن تفترسكما ..
فى حب ووفاء يخرج لسانه .. راح يلتمس صورة وجه صديقه – رجل البيت الغائب عن بيته ووطنه – داخل بروازها الزجاجى فوق الكومدينو ..
تنتهز هذه الفرصة/ هذا المشهد الذى طال، فتغافل الكلب وتهرب من البيت ..
تجرى ..
وتجرى ..
وتجرى .. ناظرًا خلفك فى رعب !!
تتوقف قدماك المتعبتان؛ كى تهدأ أنفاسك المتلاحقة ..
تشعر بالبرد يسرى فى جسدك ..
تكتشف أنك خرجت من البيت عاريًا تمامًا ..
تحيطك الأسئلة من كل جانب :
-أروح فين ..؟!!
أعمل إيه ..؟!!
لو حد قابلنى دلوقتى حاقول له إيه ..؟!!
تخرج صفر اليدين دون أية إجابة ..
يداك تتحركان فى كل الاتجاهات، تحاولان أن توقفا الهواء الشديد بعيدًا عن جسدك ..
الدقائق تمر سريعًا ..
تخطف خلفها الساعات ..
الأبواب من حولك موصدة ..
والليل يلملم خيوطه فى طريقه للعودة من حيث أتى ..
خوفك من فضيحة أن يراك الناس على هذه الحالة يجعلك تهذى بكلمات لا معنى لها .. لا رابط بينها ..
تحاول أن ترفع يديك إلى عنان السماء، ولكنك سرعان ما تتراجع وتستحى من نفسك ..
صوت الكلب القادم إليك من بعيد جعلك تصرخ باكيًا فى وجه السماء :
– يارب ..
فجأة .. يخترق أذنيك صوت أذان الفجر ..
تجد نفسك مدفوعًا دفعًا إلى المسجد طالبًا الستر ..!!