لنقتبس بعض عبارات الكاتب المصري الراحل عبد الوهاب المسيري ـ الذي ننشر سلسلة نقدية حول نقده للعلمانية ـ التي تظهر بوضوح نقدا غير متماسك للعلمانية و للغرب عموما فيقول:
“و من أكثر الأفعال شيوعا فعل Depersonaize (إسقاط السمات الشخصية) الذي يصف اتجاها واضحا في المجتمع الحديث (على الرغم من كل الحديث عن الفردية) و يعود هذا إلى أن الحضارة الحديثة تتسم بالاتجاه نحو التنميط، كما أن الإنسان في المجتمع الحديث إنسان عملي مرن يحاول أن يتكيف مع واقعه، و لكن عملية التكيف هذه تعني في واقع الأمر الخضوع لعملية التنميط، و فقدان الإنسان لما يميّزه كفرد متفرد، و يصبح كتلة غير متميزة المعالم ليس له أبعاد جَوّانيّة، فهو سطح كامل لا شخصية له، و لكنه، مع هذا، أو بسبب هذا، قادر على أن يلعب أدوارا مختلفة بكفاءة عالية، و مما يُساعد على إسقاط السمات الشخصية هيمنة النماذج البيروقراطية و الكمية في المجتمعات الحديثة.” ـ العلمانية تحت المجهر ص ـ 82 ـ 83
فهذه العبارات نفسها تبسيط ليس بعده تبسيط لمدى قابلية الإنسان على استيعاب التعقيد و التناقض و محاولة القيام بخلق ما يشبه التوازن بين كل التناقضات، الفرد + المجتمع، المواطن+ الدولة، النظام + الفوضى، و غيرها، أما النمطية التي يكررها المسيري فهي ليست واضحة المعالم، و الإنسان نفسه يملك كلا الخاصيتين، أي الفردية و النمطية، فرغم أن الإنسان يملك كفرد خصائص معينة إلا أنه يبقى جزءا من موروث اجتماعي و عضوي، فنجد أن هناك مجتمعات قائمة كليا على النمطية، فنجد عوائل و عشائر تتوارث تقليدا دينيا و اجتماعيا و حتى ثقافيا، بل إن عائلات معينة تحتكر أسماء معينة حتى ليبدو لنا و كأن هذه الأسماء حكر عليها. فلماذا نحكم على المجتمعات الغربية بالنمطية لمجرد أن هذا الغرب قلل الفوارق بين الطبقات إلى حد تكاد الطبقية تنعدم في هذه المجتمعات، على عكس المجتمعات الشرقية الإسلامية، و من ضمنها الدول العربية، حيث نجد قيم الغلبة و القوة و التفاخر هي التي تتحكم بالمجتمع، فعندما جاء البريطانيون إلى العراق و فرضوا نظاما قانونيا صارما على العراق، فإن العدالة و المساواة كقيم لم يستوعبها العراقيون آنذاك لأنهم كانوا معتادين في العهد العثماني على أن يكون الناس طبقات يكون فيه الأغنياء و رجال الدولة و قسم من الوعاظ فوق القانون ، و فوق الشريعة أيضا، و من كان يمتلك المال و النفوذ يمكنه التطاول على الآخرين و دون أن يمسه سوء لأن باستطاعته أن يدفع للسلطات ما تريده من ضرائب و رشاوي.
عبر هذه الملاحظات نجد أن الوجود البشري نفسه لا يخلو من النمطية، و كلما كان المجتمع متخلفا، سواء في الجوانب العقلية و العلمية أو الاقتصادية، كلما كانت النمطية أكثر هيمنة و سيطرة، و من ضمن المجتمعات النمطية نجد أن المجتمعات الدينية هي الأكثر إغراقا في النمطية و التي هي توأم التقليد، و بدون فتح الأبواب أمام العقل في أن يفكر بحرية كاملة و بدون قيود، لا يمكن لأحد أن يعيش تجربة دينيّة أو دنيوية حقيقية، فبدون الحرية يتحول كل شيء إلى مجرد أكاذيب، و ما هي تلك الأبعاد “الجّوّانية” التي لا تتلاءم مع النظم الديمقراطية و الحرية و تعدد الرأي؟ فإذا كان هناك تعدد في العقائد و الأديان في أي مجتمع أفلا ينبغي علينا تبني العلمانية من أجل السلم الأهلي و الاجتماعي، و إذا كان هؤلاء الإسلاميون، و المسيري لا يختلف عنهم، يسعون إلى تعميم الإسلام و حصره في عقيدة بعينها، أفلا يكون هذا تهديدا فعليا و حقيقيا للحرية و حقوق الإنسان و فردية الفرد؟
و إذا كان الفرد سطحا كاملا لا شخصية فيه؟ كما يقول المسيري، فلماذا يلعب أدوارا متعددة و بكفاءة عالية إذا لم يكن بالفعل يمتلك ذلك الحس الإنساني الأصيل في إدراك وجوده ككائن حر و مخير، فالمرجعية المتجاوزة التي تدخل الإنسان في سلسلة أوهام من الحتميات السماوية و القضاء و القدر لا تعني إلا بأن تحول الإنسان إلى آلة مسيرة، كما فعل الاتحاد السوفيتي حينما حول الإنسان إلى عبد للنظرية الشمولية، فقد كان الإنسان في العالم الإسلامي ـ و لا زال ـ يخضع للحاكم الظالم و للملك و الرئيس و الزعيم و عصابته من اللصوص تحت شعار “الخضوع لله”، و الإنسان كان يخضع للحكومة السوفيتية و لسائر النظم الشيوعية (الصين ـ كوبا ـ كوريا الشمالية) و في النظم القومية العربية و غير العربية، لأقسى أنواع التسخير و القتل و الإبادة باسم “حكم الشعب” و “حكم الطبقة العاملة ـ البروليتاريا” و “مصلحة الوطن”!!، فأين هي “فردية الفرد” في كل الأنظمة التي تصادر حقوق الإنسان و حقه في اختيار نمط العيش الذي يريده و يراه مناسبا له.
و من خلال طرحه يستشهد المسيري بمقولات فاكيلاف هافل (رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة) و اعتباره “أنه لا يوجد فرق جوهري بين شركات كبيرة مثل شل، و آي. بي. إم. و الشركات الاشتراكية الكبرى، فكلها آلات ضخمة يتزايد غياب البعد الإنساني منها. و لذلك ـ و الكلام هنا للمسيري ـ تصبح مسألة طابع الملكية هنا (أي ما إذا كانت فردية أم جماعية، رأسمالية أم إشتراكية؟) إشكالية غير ذات موضوع.” المصدر السابق ـ ص 83
إن كون الدولة ملحدة كان من ضمن الأسباب التي جعلت المجتمعات تتحطم كون الدولة الملحدة هي صورة أخرى “للدولة الدينية”، كونها تفرض عقيدة معينة أو طابعا ـ محددا ـ لنظم قيمية أخلاقية أو اقتصادية ـ صحيح أن هناك قدرة للشعب تتدخل في إقرار قوانين أخلاقية أو تتعلق بمصلحة المجتمع، إلا أن الجميع يمتلك الحق نفسه في الاعتراض أو إقناع الآخرين بمدى صحة آرائهم، و ما أن تبدأ السلطة بمنع الأفكار و النظريات بحجة “الحفاظ على قيم و أخلاق المجتمع”، ما لم تكن هذه الأفكار باشرت بالعنف أو كانت لا تقر بحق من حقوق المواطنين الأساسية، هذه الحكومة هي حكومة دكتاتورية مستبدة سواءُ كانت ترفع شعارا دينيا أو علمانيا أو أي نظرية كانت.
إن الفارق بين الدول الرأسمالية و الاشتراكية، و هي فوارق شكّـك فيها المسيري و هافل، فارق كبير، ففي النظم الاشتراكية تكون الشركات احتكارا لفئة من الناس و لا يسمح للمواطنين التشكيك بها لأن هذا سيعني قطعا تشكيكا في “الدولة و الشعب”، بينما لا نجد في الدول الغربية و الديمقراطيات الجديدة، أي محاكمة تتناول الأفكار أو العقيدة أو نمط من أنماط التنظيم السياسي، و حتى تلك التنظيمات العنيفة و العنصرية “المحظورة” بموجب القانون، يتم التعامل معها بكل إنسانية و يبقى أفرادها كل الحقوق الأساسية، و إذا ما كان هناك انتزاع لنوع من حرية التعبير فذلك مردّه إلى التحريض الصريح على العنف و القتل، بالتالي يمتلك المواطن الحق الكامل في الاستفادة من هذه الشركات سواءٌ كانت هذه الاستفادة تتم عبر النظام الضريبي أو عبر نظم التعويضات، من هنا لا مجال للمقارنة بين دكتاتورية تتشابه رغم اختلاف العناوين و نظم ديمقراطية تتنوع في كل مجالات الحياة.
“و من أكثر الأفعال شيوعا فعل Depersonaize (إسقاط السمات الشخصية) الذي يصف اتجاها واضحا في المجتمع الحديث (على الرغم من كل الحديث عن الفردية) و يعود هذا إلى أن الحضارة الحديثة تتسم بالاتجاه نحو التنميط، كما أن الإنسان في المجتمع الحديث إنسان عملي مرن يحاول أن يتكيف مع واقعه، و لكن عملية التكيف هذه تعني في واقع الأمر الخضوع لعملية التنميط، و فقدان الإنسان لما يميّزه كفرد متفرد، و يصبح كتلة غير متميزة المعالم ليس له أبعاد جَوّانيّة، فهو سطح كامل لا شخصية له، و لكنه، مع هذا، أو بسبب هذا، قادر على أن يلعب أدوارا مختلفة بكفاءة عالية، و مما يُساعد على إسقاط السمات الشخصية هيمنة النماذج البيروقراطية و الكمية في المجتمعات الحديثة.” ـ العلمانية تحت المجهر ص ـ 82 ـ 83
فهذه العبارات نفسها تبسيط ليس بعده تبسيط لمدى قابلية الإنسان على استيعاب التعقيد و التناقض و محاولة القيام بخلق ما يشبه التوازن بين كل التناقضات، الفرد + المجتمع، المواطن+ الدولة، النظام + الفوضى، و غيرها، أما النمطية التي يكررها المسيري فهي ليست واضحة المعالم، و الإنسان نفسه يملك كلا الخاصيتين، أي الفردية و النمطية، فرغم أن الإنسان يملك كفرد خصائص معينة إلا أنه يبقى جزءا من موروث اجتماعي و عضوي، فنجد أن هناك مجتمعات قائمة كليا على النمطية، فنجد عوائل و عشائر تتوارث تقليدا دينيا و اجتماعيا و حتى ثقافيا، بل إن عائلات معينة تحتكر أسماء معينة حتى ليبدو لنا و كأن هذه الأسماء حكر عليها. فلماذا نحكم على المجتمعات الغربية بالنمطية لمجرد أن هذا الغرب قلل الفوارق بين الطبقات إلى حد تكاد الطبقية تنعدم في هذه المجتمعات، على عكس المجتمعات الشرقية الإسلامية، و من ضمنها الدول العربية، حيث نجد قيم الغلبة و القوة و التفاخر هي التي تتحكم بالمجتمع، فعندما جاء البريطانيون إلى العراق و فرضوا نظاما قانونيا صارما على العراق، فإن العدالة و المساواة كقيم لم يستوعبها العراقيون آنذاك لأنهم كانوا معتادين في العهد العثماني على أن يكون الناس طبقات يكون فيه الأغنياء و رجال الدولة و قسم من الوعاظ فوق القانون ، و فوق الشريعة أيضا، و من كان يمتلك المال و النفوذ يمكنه التطاول على الآخرين و دون أن يمسه سوء لأن باستطاعته أن يدفع للسلطات ما تريده من ضرائب و رشاوي.
عبر هذه الملاحظات نجد أن الوجود البشري نفسه لا يخلو من النمطية، و كلما كان المجتمع متخلفا، سواء في الجوانب العقلية و العلمية أو الاقتصادية، كلما كانت النمطية أكثر هيمنة و سيطرة، و من ضمن المجتمعات النمطية نجد أن المجتمعات الدينية هي الأكثر إغراقا في النمطية و التي هي توأم التقليد، و بدون فتح الأبواب أمام العقل في أن يفكر بحرية كاملة و بدون قيود، لا يمكن لأحد أن يعيش تجربة دينيّة أو دنيوية حقيقية، فبدون الحرية يتحول كل شيء إلى مجرد أكاذيب، و ما هي تلك الأبعاد “الجّوّانية” التي لا تتلاءم مع النظم الديمقراطية و الحرية و تعدد الرأي؟ فإذا كان هناك تعدد في العقائد و الأديان في أي مجتمع أفلا ينبغي علينا تبني العلمانية من أجل السلم الأهلي و الاجتماعي، و إذا كان هؤلاء الإسلاميون، و المسيري لا يختلف عنهم، يسعون إلى تعميم الإسلام و حصره في عقيدة بعينها، أفلا يكون هذا تهديدا فعليا و حقيقيا للحرية و حقوق الإنسان و فردية الفرد؟
و إذا كان الفرد سطحا كاملا لا شخصية فيه؟ كما يقول المسيري، فلماذا يلعب أدوارا متعددة و بكفاءة عالية إذا لم يكن بالفعل يمتلك ذلك الحس الإنساني الأصيل في إدراك وجوده ككائن حر و مخير، فالمرجعية المتجاوزة التي تدخل الإنسان في سلسلة أوهام من الحتميات السماوية و القضاء و القدر لا تعني إلا بأن تحول الإنسان إلى آلة مسيرة، كما فعل الاتحاد السوفيتي حينما حول الإنسان إلى عبد للنظرية الشمولية، فقد كان الإنسان في العالم الإسلامي ـ و لا زال ـ يخضع للحاكم الظالم و للملك و الرئيس و الزعيم و عصابته من اللصوص تحت شعار “الخضوع لله”، و الإنسان كان يخضع للحكومة السوفيتية و لسائر النظم الشيوعية (الصين ـ كوبا ـ كوريا الشمالية) و في النظم القومية العربية و غير العربية، لأقسى أنواع التسخير و القتل و الإبادة باسم “حكم الشعب” و “حكم الطبقة العاملة ـ البروليتاريا” و “مصلحة الوطن”!!، فأين هي “فردية الفرد” في كل الأنظمة التي تصادر حقوق الإنسان و حقه في اختيار نمط العيش الذي يريده و يراه مناسبا له.
و من خلال طرحه يستشهد المسيري بمقولات فاكيلاف هافل (رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة) و اعتباره “أنه لا يوجد فرق جوهري بين شركات كبيرة مثل شل، و آي. بي. إم. و الشركات الاشتراكية الكبرى، فكلها آلات ضخمة يتزايد غياب البعد الإنساني منها. و لذلك ـ و الكلام هنا للمسيري ـ تصبح مسألة طابع الملكية هنا (أي ما إذا كانت فردية أم جماعية، رأسمالية أم إشتراكية؟) إشكالية غير ذات موضوع.” المصدر السابق ـ ص 83
إن كون الدولة ملحدة كان من ضمن الأسباب التي جعلت المجتمعات تتحطم كون الدولة الملحدة هي صورة أخرى “للدولة الدينية”، كونها تفرض عقيدة معينة أو طابعا ـ محددا ـ لنظم قيمية أخلاقية أو اقتصادية ـ صحيح أن هناك قدرة للشعب تتدخل في إقرار قوانين أخلاقية أو تتعلق بمصلحة المجتمع، إلا أن الجميع يمتلك الحق نفسه في الاعتراض أو إقناع الآخرين بمدى صحة آرائهم، و ما أن تبدأ السلطة بمنع الأفكار و النظريات بحجة “الحفاظ على قيم و أخلاق المجتمع”، ما لم تكن هذه الأفكار باشرت بالعنف أو كانت لا تقر بحق من حقوق المواطنين الأساسية، هذه الحكومة هي حكومة دكتاتورية مستبدة سواءُ كانت ترفع شعارا دينيا أو علمانيا أو أي نظرية كانت.
إن الفارق بين الدول الرأسمالية و الاشتراكية، و هي فوارق شكّـك فيها المسيري و هافل، فارق كبير، ففي النظم الاشتراكية تكون الشركات احتكارا لفئة من الناس و لا يسمح للمواطنين التشكيك بها لأن هذا سيعني قطعا تشكيكا في “الدولة و الشعب”، بينما لا نجد في الدول الغربية و الديمقراطيات الجديدة، أي محاكمة تتناول الأفكار أو العقيدة أو نمط من أنماط التنظيم السياسي، و حتى تلك التنظيمات العنيفة و العنصرية “المحظورة” بموجب القانون، يتم التعامل معها بكل إنسانية و يبقى أفرادها كل الحقوق الأساسية، و إذا ما كان هناك انتزاع لنوع من حرية التعبير فذلك مردّه إلى التحريض الصريح على العنف و القتل، بالتالي يمتلك المواطن الحق الكامل في الاستفادة من هذه الشركات سواءٌ كانت هذه الاستفادة تتم عبر النظام الضريبي أو عبر نظم التعويضات، من هنا لا مجال للمقارنة بين دكتاتورية تتشابه رغم اختلاف العناوين و نظم ديمقراطية تتنوع في كل مجالات الحياة.