في مكان ما…تربع قصر عظيم على أطلال جبل أيهم أشم وسط غابة متفحمة أحرقت أشجارها عواصف لظى جعلتها أوتادا تعزف أنغاما كعوي الوحوش و أنين الشياطين كلما أصابتها الرياح….
كان ذلك القصر مهيبا من الخارج كئيبا من الداخل تسكنه منذ الأزل أميرة وحيدة بروح جامحة وقلب ملائكي و عقل حكيم راجح ، انعكس نقاؤها في عينيها الحوراوين الكحيلتين ، كانت مجالستها شفاء لكل سقيم ولهذا طرق بابها كل من أراد الشفاء من علته ، فتفتح له باب القصر وتدخله غرفة طعام واسعة فيها ما لذ وطاب، تجلسه أمامها ليشتكي إليها علته …في أحد الأيام مر بالقصر سائل عنطنط باسل على صهوة جواده ، فأدخلته الأميرة كغيره وأجلسته إلى طاولتها كما فعلت مع سابقيه ، ومازالت تنتظر شكواه حتى غربت الشمس ولم يحدثها بهم أو كدر يعكر صفوه ، في اليوم الثاني طلبته الأميرة منتظرة أن يبوح أو يناجي بهمه لكن لا شيء غير بعض السمر، استمر الحال لأيام فأشهر فسنة أخذ فيها الفارس راحته كما أخذت الأميرة الأمان منه ، فسمحت له بالاطلاع على تفاصيل القصر وغرفه ، حتى بدأ يغير في القصر ..أضاء تلك الغرف المنسية ..زرع الحديقة زهورا بنفسجية ..درب عسسا ثم حرسا ثم جيشا نصبته الأميرة قائدا عليه..ثم اطلع على معظم سجلات وكتب القصر ، مع مرور الزمن أدمنت مرافقته واعتادت وجوده كقرينها ، عشقت تبجيله لها ، أحبت تذكره لها في رحلاته …حتى في بعده كان يشعر حين تحتاج إليه ، كما اعتاد هو بدوره وجود دفأها قربه ، و أدمن كلماتها ، عشق غيرتها حين تبعد الفراشات عن كتفه ، وأحب امتنانها لوجوده…
حتى لانت و أخبرته عن سر القصر الذي أخفته عنه طوال تلك السنوات…كان السر أن في القصر عرشا ملكيا تحيطه تعويذة لا يفكها من كان في قلبه مثقال ذرة من خوف وأن تلك التعويذة لن تغادر القصر إن لم يتربع على ذلك العرش ملك و كيف سيتداعى القصر وتتلاشى هي إن لم تفك عن العرش تعويذته …فقبل المحاولة وقرر أن يجرب التربع على العرش الملعون غير أن العرش رماه بقوة بسبب الخوف في قلبه فلم يكن يجرؤ على البقاء في القصر الى الأبد ، فانتظرا وانتظرا حتى رغب في المحاولة من جديد فأخذته الأميرة من يده الى العرش، وقالت له: أن ليس عليه المحاولة مجددا فلم تقو على مشاهدة عينيه الخائفتين وبسالته تنكسر تحت قدميها أمام ذلك العرش ، غير أنه أبى الا أن يجلس مرة ثانية ، فجلس ولم يكن من العرش إلا أن لفظه أخرى ، هذه المرة فتحت له باب القصر على مصراعيه وطلبت منه الرحيل الى الأبد لكنه رفض ذلك أيضا بسبب عشقه للأميرة وغرامه بعينيها على أمل أن تكسر تلك التعويذة من تلقاء القدر ، لكنها أخرجته عنوة ليقينها أن لا أحد سيستحقها ، و لم يبق خلفه سوى بقايا جيشه؛ وأزهار البنفسج التي زرعها…
إلى الآن لايعلم أحد ما كان منهما بعد ذلك ، يقولون أنه وجد لنفسه منزلا بين العامة مع جارية من الشعب …وهناك من قال أنه أقام أسفل الجبل ينتظر القدر ليكسر تلك التعويذة .