•إشارات انطباعية سريعة:
ـــ الرواية صادرة عن دار هاشيت أنطوان . لبنان 2019, وهي الرواية الفائزة بجائزة راشد بن حمد الشرقي في العام نفسه.
ـــ زمن أحداث الرواية, فترة من آخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن العشرين, تخللها اندلاع ثورة سبتمبر 1962 ” العسكر حاصروا قصر الإمام, والقصورالأخرى لسيوف الإسلام “,” عربات تجوب الشوارع مثقلة بهتافات مؤيدة للثورة”, ” باب اليمن تتجمع أمامه قبائل معلنة انضمامها للثورة”
ـــ الرواية مُضفَّرة بخيوط: الديني/ السياسي/ الاجتماعي.
ـــ قسَّم الكاتب الرواية إلى ثلاث كتل سردية : مرداس, زهرة, قارون.
ـــ محمد الغربي عمران ” مؤرخ” تاريخ اليمن روائيا, مؤرخ البنية الثقافية والاجتماعية والتاريخية لليمن, والمرتكزة على الدين والسلالية والمذهبية واستخدامها لسياسة “الرعية”. حرث هذه الأرضية وقلقل تربتها, واستخرج أسرارها في رواياته: مصحف أحمر/ ظلمة يائيل/ حصن الزيدي/ بر الدناكل, وكانت معضلة اليمن في التركيبة المعقدة بين العقيدة والقبيلة, العقيدة حينما يُحولها أصحابها إلى كهف للخرافات والبطش, والقبيلة التي هي المثال للعصبية, وكان البُعد الديني/ المتمثل في المذهبية والسلالية؛ هو محور هذه الروايات, استطاع الغربي عمران تعرية أصحابها ووضعهم أمام محكمة التاريخ, الذي ضيعوه هباءً على البلاد.
ـــ يعتبر ” البُعد المذهبي” هو الحدث, أو المحور الذي دارت حوله الرواية.
ـــ للكاتب خبرة أيديولوجية واجتماعية وسياسية واسعة, أمدته بتقاطعات الرواية, وخطوات سير أبطالها.
ـــ لست هنا بصدد تقديم رؤية نقدية, بقدر اهتمامي بتفكيك بعض أحداث الرواية, و شخوصها, وعلاقتها ببعضها, وما تؤدي إليه.
ـــ شخصيات الرواية:
+ مرداس: الشيخ, كبير الحصن والرعية من حوله, وهو وكيل الإمام القابع في صنعاء في منطقته, حارس المذهب!
+ شبرقة زوجة مرداس الأولى, مغلوبة على أمرها, إلى أن ماتت, وانتهت حياتها وهي تبول على نفسها, وأصابها الحزن والهزال.
+ عنصيف ابن مرداس, شاب متجبر. قتله والد قارون, أحد رجال حصن شنهاص, لأنه كان يغتصب الفتيات, ولما نصحه والد قارون, وقارون ليس له بنات, قال له عنصيف بغرور ” سأنتظر حتى تكون لك صبية, وعندها سأرى من يمنعني عنها, وإن لم تُرزق ببنت فسأستضيف زوجتك”, لم يستسلم الضعف للجبروت, فقتل الرجل عنصيف.
+ عبد الجبار ابن مرداس. من جبروته كان يختبر قدراته في القتل بالتنشين ببندقيته على الفلاحين, أصيب في المعركة الثانية ثم أكمل والده قتله..رحمة به!!
+ زيد الفاطمي, مستشار المذهب في حصن الزيدي . الفقيه.
+ شنهاص. صاحب الحصن الثاني, والمناوئ دائما لحصن مرداس, وهو أقل قوة ومنعة من حصن مرداس, لكنه يمنصر في النهاية.
+ حمامة, اغتصبها عنصيف بعد أن أغواها, القهر بالجنس للفقر والحاجة!, فأنجبت منه زهرة, وبعد موت عنصيف أذاقها جبار مر العذاب, وماتت من التعذيب بالكرباج.
ـــ حمامة أمها شادن, وكانتا خادمتان في بيت مرداس, يتجنبها الخادمات الأخريات, بنوع من العنصرية, يقولون ” آكِل يهودي ولا تُآكل خادم”, ” إغسل الوعاء بعد الكلب واكسره بعد الخادم”
مع أنهن كلهن خادمات في المكان نفسه, ” يمارسن الاستبداد والاحتقار فيما بينهن, تقول شادن لزهرة ” تذكري أنكِ مجرد خادمة “, وكأنها ليست خادمة هي الأخرى. ثم صارت حمامة خادمة في بيت شبرقة. فراح عنصيف يداعب هذه الشابة الخادمة السمراء حمامة, وكان يضاجعها. يعلو بطنها, فتجلس حمامة مع شاب آخر, وتختلي به, لكي يظن الناس أنها حامل منه, وليس من عنصيف. ويُقتل عنصيف, ويفر قاتله, وهو من أبناء عمومة الشيخ مرداس, ليحتمي ببيت شنهاص.
+ شادن, بعين واحدة, ابنة الشيخ شنهاص, هي وابنتها حمامة خادمتان في قصر مرداس, ساقهما جبار ورجاله في ذل ومهانة, بعد انتصارهم على حصن شنهاص, ومع أنهما في بيت واحد, فقد حرَّموا عليها التقاء أمها خمسة عشر عاما, انقلبت لتكون شديدة العطف على زهرة, بتعليمات من شبرقة, فشبرقة تشعر بالحنين لزهرة, فهي حفيدتها” من الحرام”, ويكتشفوا السر بين عنصيف وحمامة من شكل ” زهرة”, وفي صفحة 27 لوحة تصويرية ساخنة, بين عنصيف وحمامة, بقدر جبروت اللقاء الجنسي!, غير مشاهد جنسية أخرى في الرواية, نحت الكاتب مفرداتها من حرارة فرن!
+ عيشة الزوجة الثانية لمرداس, أنجب منها جمال, ثم طلقها.
+ فاطم ابنة زيد الفاطمي, زوجة مرداس الثالثة, تزوجها ولم يكن قد دخل بيت شبرقة منذ خمسة عشر عاما, يتقرب مرداس للفواطم ويكسب ودهم, لمساعدة ولده جبار بعد أن تكاثر عليه “العصاة”
عاشت فاطم وسط زوجات والدها في صباها, ولها أحد عشر شقيقا, تزوجت من مرداس, وهو أكبر منها ثلاثين عاما. سقط جنينها للمرة الثالثة, فيجمع والدها جمع من الناس يرتلون القرآن, ويرددون الأناشيد النبوية, بِنية تثبيت الحمل, فتظهر أشباح شياطين تتراقص خارجة من الحصن, تحملها الرياح إلى جهات الأرض الأربع, وبعد جلسات “العلاج” هذه يقول لها أبوها ( إياكِ أن تدعي أحدا إلى دارك بعد أن طهرناها )!!
إشارات طغيان الدجل والجهل على المجتمع, تسير هكذا طوال مواقف الرواية.
+ قارون, ابن قاتل عنصيف من حصن شنهاص. حبسوه في حصن الزيدي, لأنه راح لهم بالضرائب ناقصة, فهرولت أمه ومعها بقرتها, كي تفتديه بها, فاغتصبوا منها البقرة, وطردوها بدون قارون ” .. خرج جبار زاجرا, وقد أمر الحراس باقتياد بقرتها, صارخا: البقرة بقرتنا, هيا اذهبي, لتهبط وحيدة تؤنسها دموعها”
+ ناصية, أم عِرام, وزوجة الفلاح المقتول بتنشين جبار عليه.
+ عِرام. ابن الفلاح الذي نشَّن عليه جبار وقتله, صعد عِرام إلى الحصن, ومعه جماعة من أقاربه, إلى الشيخ مرداس, يستعطفه في كفن ليدفن أبوه, وفي بعض ما يعينه على الحياة من قوت, فيسمع جبار ابن مرداس الجلبة والضوضاء التي صنعها عِرام وأقاربه, فيأمر بربطه بجوار البهائم, لحين فراغه من ضيوفه, فكان أن استغل هبوب العواصف والأعاصير والرعد والبرق والسيول الشديدة, واقتاد المحابيس, ومعهم قارون, وهربوا, وكانت ناصية. أم قارون هي صاحبة خطة الهروب .
ـــ يهرب عِرام من الحبس ليلا ويسرق بعض البهائم, يأخذ أمه ناصية ويحمل والده المقتول على ظهرها, ويرحل من المنطقة, وفي كراهية نظام الإمام والإمامة, يدور حوار بين بينه وبين أمه ” وأين سنهرب؟/ في بلد لاشيخ فيها ولا فاطمي”
ـــ قد يبتلع الرجل أي إهانة؛ إلا إهانة الرجولة والشرف, جبار يسخر من قارون ” ها قد نمت لك شعيرات وأصبحتَ رجلا/ …/ صرخ جبار ثانية: ولك بشرة صفراء تحاكي بشرة الموتى/ …/ يبدو أنك مُخنث ولا تعي مواقف الرجال/ …/ لم يدرِ قارون كيف يرد وهو مكتوف اليدين, غيظه دفعه لاستحلاب عصارة فمه, والاقتراب من وجه جبار, وقذف ما فيه زفرة واحدة”. مواقف بطولية كثيرة لمقاومة الظلم في الرواية: الرجل قاتل عنصيف/ قارون يبصق على جبار, عملية هروب عِرام بالمحابيس وسرقة بهائم الحصن…
ـــ إعدام “العصاة”, وهو لفظ فضفاض, فمن هم العصاة, وما شكل عصيانهم, وما ظروف عصيانهم, ويكون دائما بعد صلاة الجمعة, وهو منهج الدواعش وطالبان وغيرهم, تطبيقا أعمى للآية” وليشهد عذابهما طائفة من المسلمين”
ـــ مرداس يوصي جبار ولده بوصايا ديكتاتور دموي:
(… أريدك أن تتعلم مني كما تعلم الراحل” يقصد عنصيف”, كيف تدار الرعية, … الرعوي ياولدي مثل سقف البيت, إن لم تدعسه تسربت مياهه فوق رأسك, كن ذئبا وإلا دهستك البهائم, أُريدك أن تكون شيخا, والشيخ لابد أن يدعس ويسلخ ” يذبح ويسلخ”!
لاحظ الألفاظ كلها من واقع البيئة.
ـــ في الرواية دلالات صريحة على حضور المذهب بقوة منها: حصن الزيدي/ زيد الفاطمي, الإمام, والحصن بما يحوي من أهوال ومظالم, صوَّرتها وجسدتها رواية الغربي عمران باقتدار, وزيد الفاطمي, جدته فاطمة بنت الرسول ” بتعبير الرواية”, والزيدية.. هم من قالوا بالإمامة في أولاد فاطمة ( وهم من أطلق عليهم الكاتب اسم الفواطم ), وهي طائفة من الاثنا عشرية, وهم الأئمة المعصومون عند الشيعة, أسسها زيد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن أبي طالب. ويتجلى غرورهم بأنفسهم, بقول زيد الفاطمي ” الفواطم أكثر الخلق معرفة بشرع الله, فهم آل بيت الرسول , وبمقدورهم تطويع الرعية, أو دفعهم للعصيان, فبحفظهم لكتاب الله وأحاديث الصادق الأمين يسوسون الناس ولديهم بلاغة الحديث “
مفهوم ديني عنصري محض لحكم الناس.
ـــ في الرواية نحن أمام صراع سلطة تتذرع بالدين, أو بالأدق بالشرع, وبأدق الأدق شرع المذهب, صراع بين حصنين: حصن الزيدي وشيخه مرداس, وحصن شنهاص وشيخه شنهاص, وكلاهما زيدي, وما الحصن إلا مركزا لإقطاعية, يملكها ذلك الشيخ, ويجتهد كل شيخ في إذلال الرعية لصالح توسيع نفوذه, وصالح الإمام القابع في العاصمة.
وفي مجال انفراط عُقد الدين, وتشظيه لعشرات الفرق والمذاهب, يقول فيليب سميث, الباحث الأمريكي في شئون الميليشيات الشيعية, أن هناك أكثر من خمسين جماعة شيعية مسلحة في العراق, يمارسون العنف ضد السنة, تتبع أساليب داعش في قطع الرؤوس.
وفي العموم لم يُقم المسلمون وزنا للآية التي تقول { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لستَ منهم في شيء }
ـــ اختار محمد الغربي عمران ” حصن الزيدي” عنوانا لروايته, رغم تعدد الحصون, في الواقع وفي الرواية, لما لكلمة ” الزيدي” من دلالة على المذهب المعروف في اليمن, والمذهبية التي أراد معالجتها فنيا, وربما كانت الحصون كلها “زيدي”!
ـــ من المعروف أن المذهب أكثر شراسة من الدين الذي انشق عنه, وذلك لهدفه الأهم وهو الاستحواذ على الأنصار وعلى الأرض والأفكار ولو بالبطش والقوة, وأصحاب كل مذهب يعتبرون أنفسهم ظلال الله في الأرض, وهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة, ويحكمون الناس بمبدأ ولاية الفقيه, ومرجعيتهم فقيه الولاية, يبتعدون كل البعد عن المصدر الأول القرآن والسنة, فهم استأنسوا بمذهبهم الذي اقتطعوه من قشور الدين, وفصَّلوه على مُرادات عقولهم وأهدافهم.
ـــ زيد الفاطمي هو مستشار حصن الزيدي, أي مستشار الشيخ مرداس, وهو يمثل صوت المذهب, ولكل شيخ/ حاكم.. مستشار فاطميٌ؛ يشيرُ عليه في أحكام الشريعة, وبالطبع بما يتوافق مع اتجاهات ورغبات شيخه وحاكمه, وولي نعمته, وظيفته الفتوى بما يحب الشيخ, لابما في الشريعة, قبائل مشغولة بالسيطرة على الناس وقهرهم باسم الدين, والشيخ هنا هو لقب سياسي ديني, وظيفته إصدار الفتاوى, ضد ” العصاة” حسب تعبيره (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ), وضد من يمتنع أو ينتقص من دفع الضرائب, وفتاوى الدم ( سنجهز البنادق لملاحقة العصاة والفارين من الرعية)
ـــ والمذهب الزيدي الذي تعالج الرواية أسراره وخفاياه؛ سيف مسلط على الرقاب منذ أكثر من ألف عام, من القهر والعبودية, خرجت منه البلاد, لتدخل في عصر الجمهورية, حيث الفساد والقلاقل والتقسيم, ثم إلى أنوار طلقات القذائف بعد الثورة الأخيرة, والتي انقلبت لحرب لاتزال تكتوي منها البلاد.
ـــ في أول سطور الرواية, وبتقنية الاستباق, يأتي مقتل عبد الجبار على يد والده الشيخ مرداس, ثم نعرف السر في قتله ص 115, فكانت مبررات قتله, أو معاودة إنهاء حياته, حيث أُصيب جبار في المعركة الثانية التي شنها على ما كان يسميهم زيد الفاطمي ” العصاة” الهاربون في الغابة, دون أن يمت, فأنهى والده حياته ” خلَّص عليه كما نقول في العامية “, وذلك ( حتى لا يعيش طريح الفراش, لا يقوى على تحريك نصفه الأسفل)! الكاتب ينفي عنهم الرحمة, وأنهم مع المصلحة, ولا يتورعون عن قتل أنفسهم.
ـــ الحزن الذي دخلت فيه شبرقة على ولدها جبار بعد مقتله, صور الغربي عمران آثاره عليها بمشهد تقشعر منه الأبدان ” وقد لفت ناظريها بشرة ذراعيها الجافة الشبيهة بقشور السحالي”, أيضا لم يخرج التشبيه من مفردات البيئة.
ـــ وتأتي هزيمة عبد الجبار, ذلك الشاب المتسلط, ” لاحظ دلالة الاسم”, وإصابته في المعركة, ثم قتله على يد والده, متزامنا مع قيام الثورة, في دلالة على بداية تداعي نظام الإمامة المتجبر والظلامي.
ـــ لم تأتِ غلظة عنصيف وجبار من الفراغ, فكانت شبرقة تتوسل لزوجها الشيخ مرداس ألا يشجع جبار على ظلم الرعية, فيقول لها ( ولدك مِقدام, وشكوى الرعية دليل على شجاعته, وهو شيخ؛ وإن لم يتعلم الشيخ في الرعية؛ ففي من يتعلم؟)!!
ــــ في بدايات الرواية يؤسس الكاتب للبيئة التي ستصول فيها الرواية وتجول, بيئة المشائخ وتسلطهم وتسلط أولادهم, وإذلال الرعويون والرعية والأخدام, وفتاوى التحليل والتحريم, والتناحر بين القبائل, الإغارة والنهب والسلب, الاغتصاب, والدسائس, وكل شيئ له مبرر من الدين!, وقاموسهم العنصري: العصاة/ الأخدام/ الرعويون…
ـــ الرواية وضعت الرعويون والأخدام, في وضع المستضعفين, يحاولون المقاومة, لكن تحالف ” الدين”, المذهب؛ مع الحكم سرعان ما يقمع تلك المقاومة, كانوا يقاومون المظالم بقرع الطبول, وضجيج المزامير, يدفعون الضريبة, ثم يسجلها زيد الفاطمي, المستشار المذهبي للشيخ, ثم يركع الرعوي ليُقبِّل ساق الشيخ, بعد أن يكون قد قبَّل يد المستشار,” يدفعونها وهم صاغرون”!!, إتاوة, نصيب قصر الشيخ وحصنه, في المحاصيل الزراعية, وأرزاق أولادهم من البيض والعسل وخلافه, والويل لمن يتكاسل في التوريد, أو ينتقص, لكن الرواية كثيرا ما انتصرت للضعفاء بالمقاومة والشجاعة, تجلى ذلك في نهب مزروعات الشيخ, وسرقة بهائمه.
ـــ ويصدر زيد الفاطمي فتوى بمطاردة العصاة من الأخدام, وهو الذي أطلق عليهم هذا اللقب, فكانوا يتسللون إلى المزارع والبيوت لنهبها ليلا.
ـــ الشيخ عندهم هو لقب لكبير القبيلة, وفي جميع القبائل في الدول العربية, ويأخذ شيئا من القداسة أكثر لو كان رب القبيلة “مذهبي”!
ـــ مايجري خارج الحصن, وبين الحصون وبعضها, من اضطراب وقتال ودسائس, ليس غريبا على ما يجري داخل بيوت حصن الزيدي نفسه.
ـــ قُتل عنصيف سابقا, وقُتل جبار, ثم ماتت شبرقة, واحترق حصن مرداس, وزالت دولتهم.
***
ـــ ويستعد شنهاص لاستعادة أمجاده, يتمثل النبي محمد, فيحث أتباعه على الاقتداء بالنبي في خطبة مطولة, عن هجرة الرسول من مكة للمدينة, وأنها لم تكن هروبا, وبعدها عاد فاتحا!
ـــ شنهاص يُعين عِرام شيخا للحصن, وناصية أم قارون حكيمة الحصن.
ـــ فيستهجن عِرام لقب الشيخ ويرفضه, لِما رآه في هذا اللقب من تسلط ومظالم, باسم الدين وباسم الحكم, فنجد عِرام ابن الرجل الذي قتله جبار, وهما من حصن شنهاص, يعترض على مُسمى الشيخ, ولا يريده لنفسه ولا لغيره, يتمرد, ولم يفعلها أحد قبله.. يقول ( من قتل أبي شيخ ), ( هذه الصفة تعني لي الظلم والتسلط والاستغلال)
ـــ الرواية حفلت بتصوير بارع للصراعات والدسائس والقتل والخرافات والأحقاد والاغتصاب والحمل في الحرام” وتلك كانت سِمة بيوت السلاطين في المنطقة العربية.
ـــ قبل الثورة طلب الإمام في صنعاء من مرداس “رهينة طاعة ” فأرسل ولده جمال, ابن الثانية عشرة, عاش في قصر الإمام فترة, فكانت فرصة لإعداده ثقافيا وبدنيا وذهنيا لسفره إلى مصر لدراسة العسكرية.
ـــ من حكايا جمال عرفنا أسرار قصر الإمام, ووصفه, ومدى البذخ والنعمة التي يتمرغون فيها, والشعب جائع وعارٍ, في حين تشدقهم بالزهد, وادعاء تطبيق شرع الله.
ـــ يتغير موقف زيد الفاطمي بعد زوال حصن مرداس, هو وشنهاص لجآ إلى الجبل يدعوان إلى الجهاد.. فهما غيوران على شرع الله!, ثم يختلفا, فيخطب شنهاص على المنبر ويفضح زيد, ومما قاله له ( ما تصنعه هو من صميم عقيدتك التي من أركانها التقية والكذب)
ـــ ينشأ قتال بين أنصار آل البيت, وأنصار السُنة.. والغريب؛ والذي أراد الكاتب التركيز عليه؛ أن الفريقين كل منهما كان يصرخ ” الله أكبر.. النصر للإسلام”, فياترى إسلام من فيهما يدافعون عنه؟
• زيد الفاطمي يُمثل كل هذا:
+ فتوى بنهب حصن شنهاص, وأخذ نسائهم سبايا, والهجوم على أملاك الشيخ مرداس, لأن شنهاص هو من وقف وراء قتل عنصيف.
ـــ طول الوقت لا هم لهؤلاء المشائخ سوى الحديث عن تطبيق شرع الله, والاقتداء بسنة نبيه ” بالشعارات فقط دون تطبيق”!!
+ أطلق على المتمردين على المظالم لقب العصاة ويجب ردعهم.
+ يُعنف قارون من أجل قرص عسل قطفه من الجبل:
( اعلم أن الوادي بجباله وشعابه وكل ما فيه حق للشيخ).. يقصد مرداس الذي يعمل مفتيا لدياره, طبعا هو مفتي الحاكم والولاية, وقرص العسل, والخلية على بعضها؛ المفروض أنها مشاع, من صنع الله, لعباد الله, والكاتب يريد تعرية هؤلاء الناس.
ـــ وهو نفسه زيد الفاطمي الذي قال بعد أن آلت له السلطة, وراح يجدف في حق مرداس الذي أذاق الناس الذل والجوع خدمة له.. يقول:
( لقد من الله علينا بعد أن كان مرداس هو من ينهب وينهل من كل خيرات الوادي, نحن سلالة من أطهر خلق الله ) ويقول:
( تعلمون أن ليس لأحد فضل في ما هو لنا, فالأمر لله ورسوله في الخُمس وما هو أوقاف؛ يذهب إلى بيوت الله, فنحن خُدام لدين الله, والمقيمون على شريعته )!
تدليس وكذب ونفاق على الله وعلى الناس.
***
تتماس اللغة في رواية حصن الزيدي مع روائح ومفردات البيئة, فمثلا يصف الكاتب ذراع شبرقة الجاف كأنه قشور السحالي, وأن الأخدام وهم يرحلون من الحصن كانوا يسيرون في طوابير تحاكي طوابير النمل, …والرعية مثل سطح البيت: إن لم تدعسه تسربت مياهه فوق رأسك, كن ذئبا وإلا دهستك البهائم, أُريدك أن تكون شيخا, والشيخ لابد أن يدعس ويسلخ ” أي يذبح ويسلخ!
ـــ جاءت نهاية الرواية مفتوحة, ربما لاستدامة الصراع حتى يومنا هذا, واختفى جمال” الذي يمثل رمز الثورة, جمال والدبابة, وتتولى “عيشه ” الحكم لحين ظهور ولدها جمال, ويحدث الاقتسام, من يقول لا ولاية لامرأة, ومن يوافق متفائلا بالمستقبل:
( وغدا ستشرق على وادينا شمس جديدة, لا خادم ولا رعوي.. كلنا سواسية, ولا مكان للسلالية ولا المذهبية)
الحلم الذي تحلم به الرواية, ويقام بدلا من حصن مرداس وحصن شنهاص” حصن الثورة ” وساحة الثورة, وربما كان الضريح الذي أُقيم في تلك الساحة, هو “ضريح” ثورة سبتمبر 1962, والتي راح ضحيتها الغالي والنفيس من أبناء اليمن وأبناء مصر, وراحت كل هذه التضحيات تحت أقدام السلالية والمذهبية, الحركات التي تحتقر تراب الأوطان.
***