مزجت الشاعرة والتشكيلية المغربية سناء سقي بين عناصر إبداعية متنوعة في مجموعتها “أجراس السنديان” بحيث متحت في تشكيل نصوصها من مكونات شعرية ( إيقا ع ، مجاز ، صور…) ، وتشكيلية ( لوحات مصاحبة للنصوص بهندستها الجمالية والدلالية والرمزية ) لتقليص الهوة بين جنس الشعر وفن التشكيل في صيغ تفاعلية وتناغمية أثثت ثنايا المنجز الشعري / التشكيلي وذلك ما أكده مُقَدِّم الكتاب الكاتب الشرقي نصراوي : ” وما يزيد الكتابة قوة هي هذه الهندسات التشكيلية ، التي تتلاقح مع عنصر اللغة والصورة الشعرية “ص5 ،وهي إشارة بحمولات وأبعاد فنية ( الهندسات التشكيلية ) ، وشعرية ( اللغة والصورة الشعرية) ، وقد تحرى الكاتب / المُقدِّم دقة متناهية في انتقاء عبارات توصيفية لنصوص ولوحات المبدعة سناء سقي التي مدت جسور تمازج وتواصل وتلاقح بين الشعر والتشكيل ، وهو ما دونته في ثنايا منجزها من خلال بوحها الإبداعي : ” أنحتك حرفا من تفتق فنوني …” ص 29 ، فالحرف جزء مما تحبل به حناياها الوجدانية ، ومقدراتها الذهنية الزاخرة بثرائها المعرفي ، وتنوعها الفني الذي يؤهلها لامتلاك المقومات والأدوات الأساسية للخلق والابتكار.
وتتشكل مجموعة “أجراس السنديان “من 26 نصا ، و20 لوحة ( مما يخلق توازنا على مستوى النص الشعري والهندسة التشكيلية ) تقارب يتجاوز الجانب العددي إلى المستوى الدلالي والفني والجمالي لما يخلقه من تجانس يرقى إلى مرتبة التماهي حيث تنصهر اللغة بالألوان لصنع توليفة متكاملة ومتناغمة.
وإذا كان للوحات التشكيلية خصوصيات مستمدة مما تخلقه عناصر من قبيل اللون من تشكلات وهندسات صادرة عن رؤية ، ومذهب فني يروم صياغة لوحات ذات أبعاد دلالية بحمولات جمالية فإن للنص الشعري مقوماته الإيقاعية واللغوية ، وتعابيره الإبداعية ( صور)، وأنماطه البلاغية ( مجاز ، استعارة ،جناس …) ، وهو ما أقرت به المبدعة في أحد نصوص المجموعة : ” أنحتك حرفا من تفتق فنوني…” ص 29 ، في بوح يعكس انشغالاتها في مجال الكتابة الناهلة من منابع فنية متنوعة يأتي النص الشعري واللوحة التشكيلية في مقدمتها ، بل إن التعبير شعرا يعتبر أحد تجليات طاقتها الخلاقة وما تختزنه من زخم فني ، وما تختزله من فسيفساء جمالية تستغرق مقدراتها على الصياغة والتشكيل . وسنحاول التركيز على الجانب الشعري في هذه المناولة من خلال عناصر كاللغة ، والبلاغة والإيقاع .
فلغة النصوص تمتح من معجم يزاوج بين ما هو تراثي في مثل : ( شقائق النعمان ، اللؤلؤ ، قرطاس ، نبراس ، ترياق ، جلمود ، زمرد ومرجان ، اليراع ، عنقاء ، طل )، وهي الطاغية بشكل لافت على متن المجموعة في استعمالات تجريبية اجترحت آفاقا بصيغ تجديدية تؤسس لمتغير تعبيري موسوم بالغنى والتنوع . في حين كان لحضور المعجم الحديث حيزا محدودا انحصر في عبارات من قبيل ( التيمات ، وسمفونية ).
وإيقاعها تراوح بين داخلي تجسد في تجانس الحروف : ” أتت مشتاقة … تعانق ترتاق تقطر شهدها فوق الأوراق ” ص 71، في نتوء حرفيْ التاء والقاف وما نتج عنهما من جرس أضفى على النص جمالية إيقاعية تشنف السمع ، وتطرب النفس . وخارجي في القافية الواردة بنص ( القضبان ) : ( بيان ، ملكة الجان،غادة السمان ، خلف القضبان ، جنان ) ص 17 ،حيث تمنح النون الساكنة ، كرَوِيّ ، المسبوقة بمد ( الألف ) النص نفسا إيقاعيا يثري المعاني ، ويضفي عليها طابعا إبداعيا سمته الانفتاح والتنويع .
كما تتضمن التعابير الشعرية انزياحات مجازية باستعمالات غير مألوفة مثل نص ( التفاتة ) : ” أيها الزمن …أمشيك مسافات … تتماهى مع إسمنت الأرصفة … ” ص 10، تعبير مجازي يشرع المعنى على أفق دلالي متعدد التأويلات والدلالات فيغدو نسقا تعبيريا يتغيا التأسيس لكتابة مغايرة مثل ما يطالعنا في العديد من أساليب المتن الشعري : ” واحمرت وجنتاك خجلا من قبلات المطر ….” ص 12 ، أو في : ” أرشف فنجان صمتي ” ص 38 ، ويصير الصمت مشروبا يُرْشَف من فنجان . مجازية تنحت صورا شعرية بزخم تعبيري متشعب المعاني في عبارة نحو : ” ضحكات أطفال … تلاعب أغصاني ” ص7 ، وكذا في ( الفرحة ) : ” خجلت الفرحة في خدرها من بطل الأحزان” ص14 ، في صيغة بلاغية على شكل استعارة خلعت صفة الخجل على الفرحة كتعبير منزاح عن النمط البلاغي المعروف ، لتظل صورا حبلى بمتغيرات بلاغية ودلالية كما في : ” اصنع لمزمارك خوارا ” ص 25 ، حيث يتحول فعل الصنع إلى حقل مغاير يرتبط بالصوت ( خوار : صوت الثور) عبر آلة المزمار.
ولإغناء متن المجموعة وتنويع معانيه تم الانتقال إلى ذكر أعلام بصفات وحمولات رمزية بصيغة أسطورية حينا ( السندباد ، ملكة الجان ) ، وفكري أحيانا ( نيتشه) ، أو أدبي إبداعي ( غادة السمان ).
فمؤلَّف ” أجراس السنديان ” في مزجه بين الشعر والتشكيل حسب ما هو مثبت على وجه الغلاف ، وهو ما صرحت وباحت به المبدعة في ثنايا منجزها حيث قالت : ” سياجا من عبارات ….اختزلتها أشعار، أو سالت بعد الزوال … ألوانا …. على جداريات الزمان ” ص 9 ، وأيضا في تعبير آخر : ” لا شيء سوى لوحة … تجريدية … تجمع شتات رؤوس بشرية ….!؟ ” ص 61 ،مزج أفرز منتوجا إبداعيا انصهرت فيه ألوان فنية سطع فيها الشعر والتشكيل في تجسيد أنصع وأبهى صورة استمدت عناصرها ، واستوحت أشكالها من منابع الفن ، وعمق أغواره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ الكتاب : أجراس السنديان ( شعر وتشكيل )
ــ الكاتبة : سناء سقي : شاعرة وتشكيلية
ــ المطبعة : الأنوار الذهبية ـ خريبكة / المغرب 2018