تعتبر اللغة من أهم عوامل تكوين وتشخيص أي شعب في العالم، بما فيهم الشعب الآشوري، حيث تلعب، هذه اللغة، دوراً بارزا في انسجامه القومي. واللغة ليست مجرّد رموز تستعمل للتفاهم بين أبناء المجتمع الواحد، ولكنها تـاريخ فكري للأمة، يصل بين أجيالها ماضياً وحاضراً ومستقبلا. ومنظار يحدّد كل مفهوم تعارفت الأمة عليه. فمن ألفاظها لا ألفاظ غيرها يدرك أبناء الأمة الواحدة ما حولهم من حقائق الحياة والكون. وبها يعبّرون عن أفكار أمتهم. وعلى هذا تكون اللغة الوجه الآخر، أو الصورة الناطقة للفكر الذي يخصّ الأمة. كما أن الوعي السياسي والقومي عند الأمة لايبلغ مداه الأبعد ما لم يقترن بوعي لغوي سليم. واللغة هي العامل الأساسي في توطيد وتمتين وحدة الأمة فكرياً وسياسيا واجتماعيا. فالوعي اللغوي يستند إلى أن اللغة هي وسيلة للتواصل التأريخي والفكري، ومنظار مستقبلي يضمن السلامة للأجيال الصاعدة.
تُعرف كل لغة من لغات العالم باسم الشعب الذي يتكلم بها، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الفرنسي لغته فرنسية، والانكليزي لغته انكليزية، والروسي لغته روسية، والهندي لغته هندية، حتى الكردي، ذو اللغة الهجينة، لغته كردية باستثناء الشعب الآشوري لغته آرامية وسريانية وكلدانية وسورت و… و… و…. كأن ذلك الشعب الآشوري صاحب أعظم حضارة عالمية في التاريخ القديم، وصاحب أعظم مكتبة في تاريخ العالم القديم لم يكن له لغة معروفة باسمه حتى جاء الآراميون البدو الرحل، الضاربون في الآفاق، وعلموه اللغة الآرامية. أهل يصدق أي إنسان له ذرّة عقل هذه الأكذوبة التاريخية؟ أهل يُصدق عاقل بأن الأسد يتأثر بسلوك الفأر؟ الأمبراطورية الآشورية العظيمة التي استولت على معظم بلدان الشرق القديم، ولها تلك الملاحم التي تُرجمت إلى معظم لغات العالم، أيعقل أن تترك لغتها الأم كليّاً وتتخذ من الآرامية لغة لها بهذه السهولة؟ أم أن العكس هو الصحيح. فالآرامية ليست لغة وإنما هي صفة للملحد. فإذا تفحصنا جميع قواميس اللغة الآشورية فنجد أن كلمة آرامي تعني وثني. فقد كان اليونان يتباهون ويتشامخون اعتزازا بهويتهم الاغريقية ويطلقون، استصغاراً وتحقيرا، على كل الشعوب غير الإغريقية لقب [البرابرة]. أما اليهود الذين اعتبروا أنفسهم فوق كل الشعوب مرتبة لكونهم [بنو اسرائيل، شعب الله المختار] فأطلقوا على كل الشعوب غير اليهودية لقب [آراميين] أي وثنيين. لذلك لاينفك اليهودي يردد في صلاته قائلا: [آراميا تائها كان أبي] . أي وثنياً لايؤمن بالإله يهوه. وعلى هذا النهج سار العرب الذين أطلقوا لقب [أعجمي] على كل من هو ليس بعربي .
لذلك إذا بحثنا عن لفظة [الآرامي] في كل القواميس الآشورية سنجدها مرادفة للفظة [الوثني]. وتأكيدا على ذلك فقد جاءت الترجمة الآشورية للكتاب المقدّس باسم [صورة الأرض] التي يرتقي عهد كتابتها إلى الجيل المسيحي الثاني، والتي أطلق عليها، فيما بعد، اسم [فشيطةا] أي البسيطة. فقد ورد فيها الاسم الآرامي ليشمل جميع الأمم غير اليهودية. ومن هذا المنطلق فقد رأى آباؤنا المسيحيون الأوائل في الآرامية تسمية مرادفة للوثنية لذلك اشمأزوا منها ونبذوها. وقد انتقلت هذه الحساسية تجاه تلك التسمية المنبوذة إلى الأبناء والأحفاد على مرّ الأجيال والعصور. لهذا فقد ظلت التسمية الآرامية صفة ملتصقة بكل من لم يعتنق الديانة المسيحية كالنبط، وأهل حرّان .
ويخطئ الكثيرون حين يستندون، بدون تفكير أو تمحيص، إلى ماورد في سفر إشعياء على لسان [ألياقيم] الذي خاطب ربشاقا قائلا: (كلم عبيدك بالأرامي لأننا نفهمه، ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور) . لذلك، نتيجة إيمانهم المطلق بالتوراة اليهودية، نجد معظم الآشوريين، بكل مذاهبهم الدينية، قد انساقوا وراء رجال الدين الذين يطلقون على اللغة الآشورية اسم اللغة الآرامية، ويؤمنون إيماناً مطلقا بأن السيد المسيح قد تكلم الآرامية وهذا ما يجعلها لغة مقدسة. وإذا سلمنا جدلا بأنه كان، هنالك، شعب آرامي قبل الميلاد ولكنه، حسب شهادة كل المؤرخين، كان عبارة عن قبائل رحّل تتنقل في البادية، وأن ظروف الصحراء كانت تدفعهم إلى اللجوء إلى البقاع الحضارية، على شكل عصابات، سعياً وراء السلب والنهب. وظلوا محاصرين في البادية السورية إلى أن سمح لهم الآشوريون بالتنقل إلى مناطق أخرى ضمن حدود الدولة الآشورية طلبا للرزق.
لم يستطع الآراميون أن يفلحوا، أبدا، في تأسيس كيان سياسي يضم تلك القبائل البدوية غير المستقرة. كما أنهم لم يتمتعوا بثقافة خاصة بهم، أو يشكلوا نواة حضارية، أو يقوموا بأي دور في شؤون البلاد السياسية أو الاقتصادية. ولم يتركوا أي أثر ذي قيمة على المستويين الحضاري أو الثقافي أو اللغوي.
1. الآرامية مرادفة للوثنية. ولا تتضمن معنى قومياً على الإطلاق. ولاتمثّل أي مجموعة بشرية على وجه الأرض في الوقت الراهن.
2. الاسم الآرامي لم تكن له ركيزة أساسية يعتمد عليها ليستمر في الوجود. لذلك فقد زال وتلاشى كلياً. ويحاول، الآن، إحياؤه بعض المنحرفين وذوي الأصول الهجينة وفي طليعتهم كل الحاقدين على الآشورية.
3. رغم ادعاء بعض السذج بأن التسمية السريانية أطلقت، من قبل اليونان، على الشعب الآرامي ولكنهم يدركون جيدا بأنه ليس، هنالك، أي رابط لفظي بين التسميتين. وهم على يقين بأن التسمية السريانية تحريف لفظي عن الآشورية ليس إلا.
فهل يُعقل أن تكون آشوري القومية ولغتك آرامية أو سريانية؟
وهل يُصدق عاقل بأن الآشوريين قد تخلوا عن لغتهم القومية الآشورية التي تكلموا وكتبوا وقرأوا بها لقرون طويلة، ودوّنوا بها أروع الآداب والفنون والملاحم وجميع المنجزات الحضارية التي لم تزل مائلة في معظم متاحف العالم، أيعقل أن تخلوا عن هذه اللغة العظيمة، وهم في قمة قوتهم العسكرية، وعظمتهم الحضارية وتبنوا اللغة الآرامية التي تنسب إلى الآراميين تلك القبائل البدوية دائمة الترحال من مكان إلى آخر، ولم تعرف الاستقرار في مكان باستثناء بعض الإمارات في البادية الشامية، وقد قدموا من شبه الجزيرة العربية .
يشهد جميع مؤرخي العالم بأن الأمبراطورية الآشورية قد استمرت خمسة آلاف عام على ذات الأرض التي وجدت عليها لأول مرة في التاريخ، وامتد نفوذها ليشمل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين حتى مصر وأجزاء من إيران وتركيا، وبكل قوتها العسكرية الضاربة، وملوكها الجبابرة، وتاريخها وحضارتها العريقة التي أنارت العالم القديم قد تخلت كلياً عن لغتها بهذه السهولة والبساطة لتتخذ لغة غريبة لقبائل بدوية خارقة في الجهل والأمية خارجة من الصحراء العربية القاحلة والمظلمة وضاربة في الأرض من مكان إلى مكان سعياً وراء السلب والنهب واللصوصية في البادية السورية لم تستطع أن تقيم لها كياناً مستقلا كباقي الأمم والشعوب الأخرى. فهل هناك من أوتي ذرّة عقل يصدق هذا؟.
* الكاهن حسني واصف من نابلس- فلسطين كاهن ورئيس متحف السامريين يؤكد في مقابلة تلفزيوينة: (بأنّ التوراة اليهودية والأحرف العبرية هي آشورية. وذلك عندما غيّر عزرا اللغة السامرية إلى اللغة الآشورية قبل ألفين وسبعمائة عام).
* يقول الكاتب الأرمني آرام أورشانيان: (قبل أن يخترع ميسروب الأبجدية الأرمنية كان الأرمن يقرأون الانجيل باللغتين اليونانية والآشورية) .
* يقول المطران إقليميس يوسف داود الموصلي مطران دمشق في كتابه اللمعة الشهية: (نعم! إن صروف الدهر لم تُبقِ لنا شيئاً من آثار الآراميين الأولين الذين شُهروا خاصة في مملكتي بابل ونينوى اللتين تشهد لهما التأريخات القديمة بالعمران الفائق والفضل على سائر الأمم في العلوم والمعارف وهما من أقدم ممالك الأرض. إلا أننا عندنا ما عدا شهادات التأريخات المذكورة شهادة جليلة على قدم اللغة الآرامية من الكتابات المنقوشة على الأحجار التي منذ خمسين أو ستين سنة بُدء أن كشف عليها في موقع نينوى القديمة بجوار الموصل وبابل القديمة. وهي مكتوبة بالقلم القديم الآرامي الذي يُقال له المسماري لأن حروفه تشبه المسامير والتي بلا شك هي مكتوبة باللسان الآرامي) .
أبحق الشيطان أليس هذا هو الهذيان بعينه؟ أهذا هو المؤرخ النزيه الذي يحرّف اللغة الآشورية المسمارية إلى اللغة الآرامية؟ مع العلم أن كل المؤرخين والمستشرقين يسمونها اللغة الآشورية.
ولكن المؤرخ والمطران الجهبذ إقليمس داود بعد ذلك ينسى اللغة الآرامية كلياً ويبدّلها باللغة السريانية. مع أنه لا يوجد أي جذر لغوي بين الآرامية والسريانية، كأن تقول اللغة الكردية هي ذاتها اللغة الفرنسية.
ثم يضيف في مكان آخر: (أما اللغات السريانية المعروفة اليوم فمنها ما هو مكتوب ومنها ما هو غير مكتوب. فأول اللغات السريانية المكتوبة المعروفة هي لغة بابل، ثم لغة العراق التي يُقال لها المندائية. أما لغة بابل فهي المستعملة اليوم في بابل وأعمالها أي في العراق وآثور وسائر بلاد المشرق في الدول النينوية والبابلية المشهورة وهي التي نزل بها سفر دانيال النبي وغيره من أسفار العهد القديم) .
ماذا نستنتج من قوله: (أما لغة بابل فهي المستعملة اليوم في بابل وأعمالها أي في العراق وآثور وسائر بلاد المشرق في الدول النينوية والبابلية المشهورة). أليست هذه هي ذاتها اللغة البابلية الآشورية التي لم يزل يستعملها أبناء الأمة الآشورية؟ وماهي الدولة النينوية؟ أليست هذه الدولة الآشورية التي يعرفها العالم كله؟ ولماذ يحاول تقزيمها في دولة نينوى مع أن نينوى هي مدينة وليست دولة.
ويذكر في مكان آخر قائلا: (إن المذهب الشائع بين العلماء أن الكتابة أخترعت أولا لدى الأمة الفينيقية. ولكن عند التحقيق يظهر أن الكتابة لم يخترعها الفينيقيون ولكن اخترعها حدثٌ لدى إحدى الشعوب السريانية المشهورة أكثر ما يكون كالبابليين والآشوريين. وهؤلاء علموها للأمم المجاورة لهم من جملتهم الفينيقيون الذين نقلوها إلى اليونانيين) .
ثم يستطرد قائلا: (وأما أن الفينيقيين تعلموا الكتابة من البابليين والآشوريين فعندنا أدلة تبين ذلك بنوع من التأكيد. وذلك أولا أن الفينيقيين شُهروا بعلم سير البحر وبالتجارة وبعض الصنائع، بخلاف الآشوريين والبابليين فإن التاريخ يشهد لهم بأنهم قامت لهم ممالك العالم وأنهم وضعوا قبل كل الأمم المعروفة أساس العمران في الدنيا، وإنهم اشتدت دولتهم وشوكتهم في العصور المتتابعة وامتدت سلطتهم إلى البلاد الشاسعة حتى بلاد مصر، وظهرت عندهم أولا العلوم والمعارف والآداب التي لا يمكن الاستغناء فيها عن الكتابة ولا سيما علم الهيئة أي علم الأفلاك والرياضيات وما أشبه ذلك. وقد روى أحد المؤرخين القدماء إنه لما فتح الاسكندر ذو القرنين مدينة بابل وجد فيها أن علماءها قد كانوا حفظوا أرصاداً فلكية مكتوبة منذ القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد أي منذ عصر ابراهيم الخليل، وفي ذلك الزمان لم يكن الفينيقيون مشهورين بشيء من العلوم، فلا يقبل العقل السليم أن البابليين تعلموا الكتابة من الفينيقيين. وإن إقليمس الاسكندري الذي عاش في القرن الثاني بعد المسيح روى أن كثيرين من القدماء ذهبوا إلى أن السريان هم الذين اخترعوا الكتابة. وقال بلينيوس الفيلسوف المشهور الذي عاش في القرن الأول بعد الميلاد: [ إني أرى أن الكتابة من استنباط الآشوريين]) .
من البدهي أن إقليمس الاسكندري لما قال: بأن السريان هم الذين اخترعوا الكتابة كان يعني بهم الآشوريون حتماً وليس السريان الحاليين.
يقول الأستاذ يوآرش حيدو: (أولاً: إن التسمية السريانية أطلقها اليونانيون على الشعب الآشوري، وبالتالي فإن السريان آشوريين .ثانياً: لا يوجد شعب آرامي حيث كان اليهود يطلقون كلمة آرامي على الشعوب الأخرى مثلما كان الإغريق يسمون الشعوب غير الإغريقية بـ ” البرابرة ” .ثالثاً: لا يوجد لغة آرامية في سوريا مغايرة للغة التي كان يتكلم بها الآشوريون والبابليون .رابعاً: إن ما قيل عن صراع الآشورية مع الآرامية وهزيمة اللغة الآشورية هو محض خيال . خامساً: إن الآشوريين والكلدانيين المعاصرين يتكلمون اللغة الآشورية القديمة ولكن مع بعض التغيير. ومن هذا نستنتج أن اللغة الآشورية لم تنقرض، ولم تتخلَ عن موقعها لأية لغة أخرى، وإن اللغة السريانية هي امتداد للغة الآشورية البابلية ذاتها .سادساً: حروف الأبجدية هي من ابتكار الآشوريين، أيضا، لا من ابتكار الفينيقيين كما يزعم البعض .سابعاً: الأدب السرياني يجب أن يسمى بالأدب الآشوري) .
* يقول الباحث اللغوي الآشوري العالمي فرد تميمي : (إن فك رموز آلالف الصور والرسوم البارزة العائدة إلى شعب [المايا] وترجمة كتاباتهم تبين وبشكل جلي وواضح التشابه ليس في اللفظ فقط وإنما في المعنى أيضا مع اللغة الآشورية. ومن هذا نستدل على أن أول سكنة أمريكا جاؤوا إليها مباشرة من العراق القديم عن طريق البحر، حيث أننا نجد جدران القصور الآشورية رسوما تمثل الأساطيل البحرية وهي تمخر عباب البحار ومن المحتمل جدا أن تكون هذه السفن أكثر قوة من تلك التي استعملها كولومبس. ولو كان في إمكان أية حضارة أن تعبر المحيط في تلك الحقبة الزمنية فإن الآشوريين كانوا يمتلكون من الخبرة والقدرة ما يؤهلهم للقيام بتلك الرحلة وإيصال حضارتهم إلى سواحل العالم الجديد). ولقد قام السيد تميمي بفك رموز كتابات أثرية وجدت منقوشة على (400) صخرة تم العثور عليها في الفترة ما بين سنة 1940-1947 في وادي [سسكويهانا] بولاية بنسلفان. وهذه الكتابات تذكر بوضوح بأن قوة آشورية مكونة من [70] سبعين ضابطا، وجيش يقدر ب [3000] ثلاثة آلاف رجل قد استوطنوا هذا الوادي وذلك في الفترة التي يرجح أن تكون سنة 371 قبل الميلاد، وأن الأحرف التي وجدت على تلك الصخور هي ذاتها التي لا تزال تستعمل من قبل الآشوريين حتى يومنا هذا. ويعقب قائلا: (لقد درست لغتي الآشورية طيلة حياتي. وأنا على يقين بأن الآشوريين المعاصرين قد حافظوا على لغتهم بصورة صافية نسبياً. وقد وصلتنا هذه اللغة عبر تسلسل زمني للكتابة. منذ الكتابة التصويرية حتى الكتابة الأبجدية. وإنه من الخطأ التأريخي أن نقول أن حضارة الآشوريين قد تلاشت. وهذا الخطأ شائع بين المؤرخين واللغويين غير الآشوريين الذين يجهلون أن اللغة الآشورية المستعملة اليوم ترقى بصورة مباشرة إلى الأبجدية الأولية أي الكتابة الصوّرية التي تعود إلى عدة آلاف من السنين. وأظن أن العلماء الغربيين، نظراً لجهلهم باللغة الآشورية المعاصرة ومعانيها، فقدوا بذلك إرادات نفيسة، ولعلهم بذلك فقدوا مفتاح معرفة الماضي) .
* وفيما يتعلق باللغة الآشورية كان بريصان صاحب كتاب [شرائع البلدان] يقول: (إن اللغة القديمة [الكلاسيكية]، التي يطلق عليها خطأ [الآرامية] تسيء إساءة بالغة إلى الآشوريين، لأن هذه اللغة هي لغة التراتيل الدينية ليس إلا، وعلينا أن نحيي لغتنا المتداولة [السوادية] ونكتب بها أدبنا، فهي لغة الحياة. أما الذين يتعصبون إلى [الكلاسيكية] فإنهم يمهدون للقضاء على الاشوريين).
وفي عهد هذا الشاعر الفيلسوف كان الآشوريون يردّدون أغانيه وألحانه التي افتتن بها الفتيان والفتيات، وخاصة في الدبكات وحفلات الرقص في مدينة الرها. وعلى الرغم من المحاربة الشرسة التي لقيها بريصان من بعض رجال الدين إلا أن معظم الشعراء الآشوريين أمثال مار أفرام، مار نرساي، مار اسحق الأنطاكي، وغيرهم كانوا يكتبون أشعارهم على غرار شعر برديصان.
وبرديصان كآشوري كان يفتخر بقوميته ويعتز بها. فيروى عنه أن بعض طلابه سألوه يوما: (لماذا لا تكتب باللغة اليونانية؟ فأجابهم قائلا: أنا آشوري وسأكتب بلغة أمي. وإن شاء أحدكم فليترجم كتاباتي إلى أية لغة كانت).
يقول الأستاذ الشاعر والأديب لطيف بولا: (إذا،ً ماذا نسمي لغتنا ولازلنا في موطن أجدادنا نتحدث بها وهي أعرق لغة عرفها التاريخ؟ هل يحق لأحد أن يسميها بأسماء أخرى كما يحلو له؟ فقد سُميت عند البعض النبطية، النصرانية، فليحي، ولغة گاور[أي لغة الكفرة] واسماء أخرى كثيرة. كل هذا حصل بسبب الضعف والجهل والضياع الذي أصاب أبناء شعبنا، وغياب النظام السياسي كبقية الدول للحافظ على اللغة بتدريسها ونشرها بين الناس وخاصة بين أبنائها الذين يجهلون الكثير الكثير عنها فراحت تشكو الغربة والاندثار وهي في عقر دارها مع كل الاسف الشديد. لهذا نريد أن نقدم إيضاحاً حول تسمية مصطلح [السريانية] وعلاقته بالآشورية. فلو رجعنا إلى النصوص المسمارية القديمة بحدود 1800 ق.م كان الآشوريون يطلقون على أنفسهم آشورايا اِشورِيِأ [ashshuraya] بتشديد الشين، وفي العصر الوسيط [1360-911 ق:م] جاءت في ألواح مسمارية بهيئة اِشورِيِأ (ashuraia -آشورايا) بتخفيف الشين، وفي العصر الحديث (911—612 ق:م) وفيما بعد لفترة بصيغة اِشورِيِأ (ashshuraya-آششورايا) بتشديد الشين عودة الى التسمية الأولى، وفي العصر الأخير ويطلق عليه عند الباحثين بالعصر الحديث، ففي هذه الفترة ظهرت مجموعة بشرية في المنطقة عرفوا باسم الليديين [من أصل إغريقي]. فقد جاء وفد منهم وقدم هدايا للملك الآشوري فاستغرب الملك وقال: (أنا لم اسمع هذه اللغة من قبل) لأنهم كانوا خارج هيمنة السلطة الآشورية، وعادوا من حيث أتوا، قد كتبوا عن الآشوريين ما سمعوا وما شاهدوا، فكتبوا اسم الآشوريين بهيئة السريان (assyrian) .السؤال لماذا دونوه بهذا الصيغة؟ الجواب: لأن الإغريق لا وجود لحرف الشين في لغتهم. والأمر الثاني أن حرف (y) في الإغريقية يقرأ بصوت (أو u وليس أي)، الشئ الآخر أن(N) في الإغريقية هي نون النسبة كما هي الياء لدى الأكاديين والآشوريين والبابليين. وكما هو حرف (N) اليوم في اﻻنكليزية. إذن إن كلمة [السريان] هي تحريف من كلمة (assyrian) وهي نفسها (ashshuraya—اششورايا)، ولا يزال في العامية [سورايا]. ولا ننسى بأن الياء في السريانية تأتي أيضا [ياء النسبة] ثم حذف حرف الألف. وهنا واليوم في السريانية يكتب (آسورايا) ولكن لا يلفظ صوت الألف وهذا وارد في اللغات السامية ولهجاتها وهنا يكمن سر المعنى والمغزى. وعندما بدأ الآشوريون بترجمة التراث الإغريقي في فترة ما بعد الميلاد بدأت كلمة السريان [Assyrian] تأخد مكانتها في الأدبيات الآشورية بمثل ما وردت في الكتابات الإغريقية ، ولا ننسى أن الحثيين كانوا يطلقون على الآشوريين أو يلفظون اسم آشور ب(sur-سور) بحذف حرف الألف. أما الفرس كانوا يطلقون على بلاد آشور اسم [شورستان] بحذف حرف الألف، بحسب ما جاء في كتاب العالم نولدكة [اللغات السامية]. وإن سبب حدوث اختلاف وخلاف من قبل الباحثين ودارسي التاريخ السياسي للشعوب هو عدم إلمامهم باللغات القديمة [الآشورية والبابلية والسومرية] ، نعود ونقول: إذن من نكون نحن؟؟؟ نحن ننتمي إلى بلاد آشور، والآشوريين لا غير. هذه هي الحقيقة) .
يقول الأستاد فؤاد الكنجي: (في حياة أية أمة ليس هناك من وسيلة تلعب دوراً بارزا في وحدتها ونهضتها وازدهارها بقدر ما تلعبه اللغة من دور عظيم في النهضة والتطور. ولذلك تبقى اللغة الآشورية، لغة الأمة الآشورية، وسيلة وغاية وهدف باعتبارها هوية وانتماء الأمة الآشورية لايمكن تجاوزها بأي شكل من الإشكال من حياتنا كأبناء لهذه الأمة لنجاحها وازدهارها وتقدمها ورفع شأنها بين الأمم .وعليه فان اللغة الآشورية لعبت، على مر العصور، دوراً فاعلا ومهما في تعريف شعوب الأرض على أنشطتها الفكرية والإبداعية للمفكرين والمبدعين والفلاسفة وأدباء وفنانين الأمة الآشورية، وقد ساهمت هذه اللغة في رفع شان الأمة من خلال إثراء مجال الفكر والعلم والأدب والفن بنشر وعي ثقافتهم وحضارتهم، وقد استطاعت اللغة الآشورية إيصال رسالتها وعلى أكثر من صعيد فكري وفلسفي وأدبي وفني بما فاق انجازها أية لغة أخرى منذ ظهورها الموغل في عمق التاريخ والذي تجاوز اليوم عمرها سبعة آلاف سنة قبل الميلاد. وقد واكبت اللغة الآشورية التطور، كما عبرت الإعمال الفنية النحتية الضخمة بطريقتها عن الأمة الآشورية، بكون اللغة المدونة على الألواح الطينية قد أفصحت التعبير عن ذاتها عن طريق اللغة الآشورية، فعند اكتشاف المكتبة الكبيرة للملك الأشوري العظيم آشور بنيبال التي كانت تغص بالألواح المسمارية والتي وصل عددها إلى عشرات الآلاف من الألواح في شتى المجالات الفكرية والدينية والطبية والتنجيم والرياضيات والتاريخ والأدب والقانون وسائر العلوم التي كانت معروفة في زمانهم، وهذا الأمر كان خير شاهد على عناية واهتمام الآشوريين بفن الكتابة، وهذا الأمر كان من أهم الأسباب الذي جعل العلماء إطلاق مصطلح [علم الأشوريات] واستعمال تعبير[اللغة الآشورية] على الكتابة المسمارية التي استطاعوا أن يفكوا رموزها .فاللغة الآشورية، عبر التاريخ، برهنت على أصالتها كونها العامل الأساسي لنشر حضارتها الآشورية العريقة وابتعاثها بين حركات شعوب الأرض وأممها، كونها واصلت رسالتها الحضارية لأنها حملت في طياتها قيم التحضر والإنسانية والرقي بربطها بين الإنسان والثقافة وبين الماضي والحاضر والمستقبل) .
يقول الشاعر والأديب أوديشو ملكو كيوركيس: (نعم وكما هو معروف، الآشوريون لم ينتظروا صدور قرار الحقوق الثقافية المذهباني، ولم ينطقوا بالسريانية يوماً في بلادهم الأصلية بلاد آشور وبابل. إذ كانت وما زالت لهم لغتهم القومية العريقة، أي اللغة الآشورية سواء جاءت بالخط المسماري أو بالخط الأبجدي. أما اللهجة السريانية [لهجة أورهاي] فلم تكن لدى الآشوريين سوى لغة العبادة والحوار مع الله في كنيسة المسيح المشرقية).
ويقع غالبية المثقفين الآشوريين في مغالطة كبيرة حين يعمدون إلى تصنيف اللغة إلى لِشانا خاتا [لَشِنِأ حٍدةِأ] أي اللغة الجديدة، واللغة القديمة أي لِشانا عتيقا [لَشِنِأ عٍةتقِأ]. فاللغة واحدة على مر العصور والأزمان ولكنها تتطور بتطور أصحابها، وإذا لم تتطور مع الزمن فستتجمد وتموت، كما حدث ويحدث للغة التي كانت تُستعمل في معظم كنائس شعبنا، ولكننا نراها تضمحل رويداً رويدا لتتلاشى كلياً من بعض الكنائس، كالكنيسة المارونية، والملكية، والكاثوليكية. ولم تزل مستعملة في بعض كنائس السريان الأرثوذكس، وفي جميع الكنائس الآشورية ولكن استُبدلت معظم الطقوس الكنسية إلى اللغة الآشورية السوادية ليفهمها عامة الشعب.
يقول الدكتور طه باقر أستاذ اللغات القديمة في جامعة بغداد: (لقد طوّر الآشوريون اللغة الآكادية منذ عهد سنحاريب، وأدخلوا إليها بعض الآرامية المتأثرة أصلاً بالآشورية كتابة ونحواً وصرفاً) . .
فاللغة المسماة السريانية أو الآرامية ظلت جامدة منذ القرن الثالث عشر الميلادي، أي برحيل العملاقين مار يوحنا ابن العبري [1226-1286م]، ومار عبديشوع الصوباوي [1291-1318م]، ولم يطرأ عليها أي تطور يُذكر على الإطلاق، بعكس اللغة الآشورية التي تطورت كثيراً مع الزمن على يد الشعراء الفطريين الجبليين الأميين الذي صاغوا ملحمة قطينة كبارا [قٍطتنًأ هٍنْبِرِأ] على غرار ملحمة گلگامش، وأغاني الفلكلور الآشوري التي ظل يصدح بها بنات وأبناء الشعب الآشوري في أفراحهم حتى يومنا هذا وهي الراوي ولليانا [رِوًأ ولَليِنِأ]، ناهيك عن الدبكات الآشورية التي كانت ولم تزل تنال إعجاب جميع أبناء شعوب المنطقة.
أما اللغة الآشورية فقد بدأت تتطور بسرعة على يد الآشوريين القاطنين في منطقة أورميا في إيران، بفضل الإرساليات الأجنبية. فأول مطبعة آشورية تأسست عام 1836م في أورميا- ايران. وقد جلبها كل من الدكتور آساهيل كرانت (1805-1844م) وزميله الأب جوستن بركنس (1805-1869م) حيث فتحا، مع زوجتيهما، مقراً للإرسالية الأمريكية البروتستانتية في مدينة أورميا. ولهما يعود الفضل الأكبر في إصدار باكورة الصحافة الآشورية في العصر الحديث ألا وهي صحيفة زىريذا دبىرا (أشعة النور) وبمؤازرة عدد من رجال الدين والمثقفين الآشوريين المهتمين بنهضة أمتهم القومية واللغوية والتاريخية الذين كانوا ضليعين باللغات الآشورية والإنكليزية والعبرية واليونانية، والذين يعتبرون، بحق، رواد الصحافة الآشورية أمثال شموئيل بادل خانكلدي (1805-1908م)، يوخنا موشي (1874-1908م)، آبا سولومون (ت1907م)، شليمون دسلامس (1884-1951م)، بنيامين أرسانيس (1882-1957م)، أدّي ألخص (1896-1959)، جان ألخص (1907-1969) و نمرود سيمونو (1908)، إضافة الى الذين تبعوهم وحذوا حذوهم، فيما بعد، في كل من روسيا وتركيا وايران ولبنان والعراق وسوريا وفي الشتات أمثال المطران توما أودو (1855- 1899)، آشور يوسف (1858- 1915)، لويس شيخو (1859- 1927)، نعوم فائق (1868-1930)، الأب بولص بيداري (1877- 1974)، وأويقم بيت قليتا (1877-1929م)، سليمان الصائغ (1886- 1965)، فريدون آثورايا (1891-1925م)، فريد الياس نزها (1897- 1971)، يوئيل وردا (1868-1941)، مريم روفائيل (1890-1972)، يوسف مالك (1899- 1959)، سنحاريب بالي (1869-1971)، روفائيل بطي (1901- 1956)، ابراهيم كبرئيل صومي، دافيد برصوم برلي (190111-1979)، بولص انويا، بولص بهنام (1916- 1969)، عبد المسيح قره باشي (1903-1983)، حنا سلمان (1911- 1981)، يوحانون قاشيشو (1918- 1994) وغيرهم العديدون.
لقد صدر العدد الأول من جريدة (زهريري دبهرا) في الأول من تشرين الثاني عام (1849م) باللغة الآشورية، وليصبح هذا التاريخ، لاحقا، عيداً للصحافة الآشورية يحتفي به الآشوريون سنويا، أينما تواجدوا، في كل أنحاء العالم. وقد استمرّت، هذه الصحيفة، بالصدور حتى عام 1918م. ويعتبر بولس بيجان أول آشوري يجلب مطبعة إلى الآشوريين القاطنين في إيران، وذلك عام 1861م، وقد ساهمت تلك المطبعة مساهمة كبيرة في انطلاق الثقافة الآشورية الجديدة.
أما الذين يتشدقون بأن هناك اختلاف كبير بين اللغة المسمارية واللغة التي يتكلمها الآشوريون حالياً فنقول: كم هو الفرق شاسع بين اللغة العربية في عصر ما قبل الإسلام، ولغة القرآن وبين اللغة العربية الحالية وبينهما ألف وأربعمائة عام فقط بحيث لايستطيع فهمها حتى حاملي الشهادات العليا. بينما بين اللغة المسمارية أيام بابل وآشور وبين اليوم أكثر من سبعة آلاف عام. أما عن اللغة الإنگليزية فحدث ولا حرج فلغة شكسبير، باعتراف قاموس أكسفورد، بأنه يدين له بنحو 3000 كلمة في اللغة الإنگليزية منها 1700 كلمة دخلت اللغة لأول مرة. ولكن تختلف اللغة الإنگليزية في لهجة العصر الإليزابيثي التي كتب بها شكسبير قبل ستة قرون عن اللغة الإنگليزية الحديثة اليوم، ناهيك عن تغير بعض معاني كلمات شكسبير، أو اختفائها مع مرور الزمن، بحيث لايستطيع فهمها الإنگليزي الحاصل على الشهادات العليا. ناهيك عن اللغة الكنسية الطقسية المسماة [ السريانية] التي لايفهمها حتى رجال الدين أنفسهم الذين يرددونها كالببغاوات مثلما يردّد الأفغاني أو الباكستاني الآيات القرآنية.
يقول الأستاذ عصام المالح صاحب موقع عنكاوا دوت كوم: (هناك عامل واحد فقط يساعد على أن تتحول أي لغة إلى لغة واسعة الانتشار، وهو التوسع العسكري، ولا يوجد أي عامل آخر يساعد في نشر اللغة، وهناك أمثلة عديدة تبرهن ذلك، فلولا الامبراطورية البريطانية لما أصبحت الانكليزية لغة عالمية، ولولا الاستعمار الفرنسي في العديد من دول افريقيا لما انتشرت الفرنسية، ولو كان هتلر قد نجح في احتلال العالم لكنا جميعا قد تعلمنا الألمانية بدلا عن الانكليزية. فجنوب افريقيا، سورينام، كوريساوا جميعها تتقن الهولندية بسبب الاحتلال الهولندي لها. الاسبانية في أمريكا اللاتينية والبرتغالية في البرازيل والعربية في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا. إذن التوسع العسكري هو العامل الأهم في نشر اللغة. فكيف يمكن أن نصدق، وفق هذه النظرية، أن الآرامية هي التي انتشرت وأصبحت لغة شبه عالمية بينما الآراميين لم يكن لهم حتى كيان سياسي موحد. بل لم يكن لهم، حتى ما نسميه اليوم، الحكم الذاتي. الآشورية كانت امبراطورية مترامية الأطراف فمن المنطق أن تكون اللغة الآشورية هي التي كانت تسود وليس الآرامية. وإذا كانت اللغة الآشورية هي من نفس أصول اللغة الأكادية فهذا لا يعني إلا أن الامبراطورية الأكادية والكلدية، فيما بعد، قد ساهمتا في نشر هذه اللغة والتي أطلق عليها في بلاد آشور [اللغة الآشورية]. أما النظرية التي تقول بأن سياسة الآشوريين في توطين المجتمعات الغريبة ومن بينهم الآراميين في آشور قد ساهم في انتشار لغتهم في آشور هو امر غير منطقي البتة، فمهما كانت الأعداد التي جلبت إلى آشور لا يمكن أن تكون أكثر من الآشوريين أنفسهم، فلا بد أن يكونوا هم من انصهروا في بوتقة الآشورية وليس العكس. آشور هي التي كانت تمتلك مؤسسات علمية ومن البدهي أن يكون الآشوريون هم من ابتدعوا الأبجدية سيما وأن الملك آشور بانيبال كان يعتني كثيرا بالجانب الثقافي وهو مؤسس أول مكتبة في العالم) .
يقول الأستاذ سيمون بر ماما : (إن لغتنا الآشورية المعاصرة [السوادية] هي المادة الأولية التي تعبر عن حركة عقل الآشوري وطموحاته الفكرية النابعة من الذات المتفاعلة لأنها لغة مألوفة ومتطورة، ولأنها تعبر عن قمة انفعالات الآشوري التاريخية. إنها لغة واقعية حركية غنية، مقوعدة وذات إيقاعات مدروسة، وتحكى بالشعر والغناء، بالقصة والمسرحية، بالحكم والأمثال وبالنكات والأغاني الشعبية. فما الباعث في اعتبار السريانية القديمة الطقسية الأثرية لغة الأدب لجميع الآشوريين على اختلاف مذاهبهم. إن عملية مخالفة الواقع وطمس معالمه الحيّة والتاريخية هي دعوة غايتها تقييد المنطلق الفكري، وبالتالي تحنيط الفكر الآشوري الصاعد الذي يهدف إلى مجاراة بقية اللغات الحيّة، لأن اعتبار اللغة السريانية القديمة المادة الأدبية للأدباء الآشوريين هي عملية تبني لغة قاسية وجامدة، إيقاعاتها غير مألوفة وغير متطورة، ومنعزلة بحيث تكاد تكون، إن صح التعبير، لغة ميتة لولا تداولها في بعض الطقوس الكنسية مثلها مثل اللغة اللاتينية. وفي كل هذا دليل التراجع إلى الوراء، ومخالفة ركب التطور الذي شمل الحياة بكل أبعادها وسماتها. فاللغة السريانية القديمة لاتصلح لأن تكون المادة الأدبية التي يجسّد الأديب الواقع من خلالها لكونها غير مفهومة. ولكونها خاصة ببعض رجال الدين والمستشرقين حيث أنها تبدو كلغة البلاط في العصور القديمة، وأي إصرار على إحيائها وجعلها لغة كافة أبناء شعبنا الآشوري يعتبر تجاهلا يمس العقل المعاصر. وإننا لا ننكر ما للغة السريانية القديمة من مكانة تاريخية جليلة، ودور كبير في تأسيس المعرفة الإنسانية. وهذه حقيقة نتصورها ظاهرة لكل باحث وأديب. وهي اليوم، أيضا، لها مكانها المناسب في المتاحف والمكتبات القديمة. وعلى الأخص وهي تدرس في أغلب الجامعات العربية والأجنبية كلغة قديمة. إن اعتبار اللغة السريانية لغة الأدب والتدريس هو أمر لا يمت إلى واقعنا الحالي بصلة. لأن عموم شعبنا يجهل هذه اللغة. لا. بل يحس نفسه غريبا عنها لأنها لغة بعيدة عن روحه وعن تطلعاته. فحين تقتصر هذه اللغة على فئة لا تعادل 1./. من أبناء شعبنا الآشوري، وهذه الفئة ذاتها تعجز عن إيصال نشاطاتها الفكرية إلى عامة الشعب فيعتبر قرار اعتمادها كعملية خنق فكرية، وبالتالي احتكار للأدب كما كانت حاله في العصور الأولى، وإبعاده عن عامة الشعب. ومن هذا كله نستنتج بأن اللغة السريانية القديمة غير قادرة لأن تصبح جسراً يربط نتاج الأدب بالناس عموما. ولا لأن تكون بمثابة مرآة تعكس حقيقة المجتمع. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل أن غاية أدبائنا هي الكتابة للمستشرقين أم لعامة الناس؟ وهل يطمحون بأدبهم إلى الاقتراب من عامة الناس أم تجاهل يقصدون به ممارسة الفوقية الفكرية. وأية أصالة يجدها متبنو السريانية القديمة في لغة لا تفهم، وقواميسها قليلة وقراؤها أقل بكثير) .
التسمية السريانية
كانت سوريا الحالية تُعرف لدى المؤرخين الإغريق واليونان بأنها إحدى مقاطعات الامبراطورية الآشورية، لذلك أطلقوا عليها اسم (أسيريا Assyria) بمعنى (آشوريا) أو (بلاد آشور). وسموا الشعب القاطن فيها (أسيريان Assyrian) أي (الآشوري). وقد شملوا تحت هذه التسمية كل السكان بدون تمييز بين الجنس أو اللغة أو الدين. ثم مالبثوا أن أدغموا اسم (أسيريا Assyria) وذلك لتسهيل لفظه كما جرت عادة اليونانيين في تغيير اسماء المدن والأشخاص الأجانب لجعلها سهلة أثناء لفظها بلغتهم. فصاروا يلفظون (سيريا Syria) بدل (أسيريا Assyria) كما صاروا يلفظون اسم الشعب (سيريان Syrian) بدل (أسيريان Assyrian). وهكذا، نشأ عن تدغيمهم للإسم ضياع حرف ألف الابتداء منه ما أدى إلى تحريف الاسم كلياً. وقد لجأ اليونان إلى ذلك لعدم وجود حرف (الشين والثاء) في لغتهم، ككل الشعوب الآرية، ما اضطرهم إلى إبداله بحرف (السين). وتأكيداً على ذلك ما يجري الآن على ألسنة الأرمن والأكراد حين يريدون التعريف بشخص آشوري فيقولون (آسوري). هذا ناهيك عن الناطقين باللغات المتفرعة عن اللاتينية كالإنكليزية، والفرنسية، والروسية وغيرها.
@ وقد أثبت ذلك المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت حين قال: (لقد كان الآشوريون، في طريقهم إلى الحرب، يرتدون الخوذات البرونزية، وكانوا مسلحين بالدروع والخناجر والعصي الخشبية الصلبة المزوّدة بمسامير على رؤوسها، ويلبسون زيّاً في غاية الروعة والجمال، وليس بالإمكان وصفه. إن جميع الشعوب البربرية تسمي هذا الشعب المقاتل بالآشوريين Assyrian إلا أننا، نحن الإغريق، نسميهم سريانا Syrian).
@ وقد أكد ذلك أيضا بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية مار ميخائيل الكبير (1126-1199م) حين ذكر في كتابه التاريخ الكبير قائلا: (إن الآشوريين الذين أطلق عليهم اليونان اسم السريان هم آشوريون قاطبة). ثم ذكر مار ميخائيل ذاته عن البطريرك مار ديونيسوس التلمحري (817-845م) قائلا: ( تقع سوريا غرب الفرات. فالذين يتكلمون فيها بلساننا هم آشوريون، ولكن على سبيل الاستعارة دعيوا سريانا، وهم ليسوا إلا جزءاً من الكل. وأما الآخرون الذين يسكنون شرق الفرات أي في بلاد مابين النهرين فقد كان منهم ملوك عظماء كثيرون، أي في آشور، وبابل، وأورهاي).
في توضيح الآباء الدومنيكان لمقدمة قاموس (كنز اللغة السريانية) للمطران توما أودو أورد ماترجمته: (إن مفردة سورايا (سورِيِأ) وسوريايا (سوريِيِأ) كما أقر وأكد مشاهير العلماء ومنهم الفرنسي رينان قد صيغت من آشور وآشوري. وأبدلوا التاء المركخة، الثاء العربية، إلى السين لسهولة اللفظ فقالوا: آسورايا (اسورِيِأ) وآسوريايا (اِسوريِيِأ) Assyrianوفيما بعد، وللمزيد من السهولة اللفظية، أسقطوا ألف البداية).
@ والمطران أوگين منّا في قاموسه ( دليل الراغبين في لغة الآراميين) والمطبوع بعنوان (قاموس كلداني- عربي) يقول في كلمة (سورايا سورِِيِأ) (هي اختصار آسورايا اِسورِيِأ أو آثوري). ويضيف في نفس الصفحة: (فلفظة السريان، على أغلب رأي العلماء المحققين متأتية، من لفظة الآثوري محرفة بعض التحريف طبقاً لطبع اللغة اليونانية).
@ والأستاذ فريد الياس نزها مدير مجلة (الجامعة السريانية) يقول: (كل من له اطلاع في اللغة والتاريخ يعرف أن كلمة سريان أصلها أسيريان وهو لفظ يوناني منحوت عن الأصل آشوريان).
@ أما المطران، البطريرك فيما بعد، أفرام برصوم آثورايا الذي كلفه البطريرك مار اغناطيوس الياس الثالث برئاسة الوفد الآشوري إلى (مؤتمر سان ريمو للسلام) في الثاني من شباط عام 1920م يقول في مقدمة الوثيقة رقم 23 تاريخ شباط 1920 الصادرة عن مطرانية سوريا للسريان الأرثوذكس: لنا الفخر في أن نحيط مؤتمر السلام علماً بأن بطريرك أنطاكيا للسريان الأرثوذكس قد عهد لنا مهمة وضع معاناة وأماني أمتنا الآشورية القاطنة أغلبيتها في وديان دجلة والفرات العليا ببلاد ما بين النهرين أمام المؤتمر).
@ يقول الكاتب المعروف ابراهيم كبرئيل صومي في كتابه “مقالات في الأمة السريانية”: (لقد سُمي شعبنا آسوري بدخول القوات الغربية إلى منطقة بلاد مابين النهرين. وهذا الاسم هو اشتقاق طبيعي من قبيل شعب لايوجد في أبجديته حرف الشين بل السين. والآن، وبعد البحث والتدقيق، نعلم بأن التسمية السريانية تكوّنت، تدريجياً، من التسمية الآشورية أو الآسورية المشتقة أو المنحرفة أصلا من اسم آشور الذي كان صفة إلهية بمعنى البداية أو الأزلية، وهو الآن الله المعبود عزّ وجلّ).
@ يقول الشهيد مار إيشاي شمعون الثالث والعشرون بطريرك الكنيسة الشرقية الآشورية: (إن الاسم الأصلي الذي يشترك الآشوريون قاطبة في استعماله اليومي مشافهة إلى يومنا هذا هو اسم [سوذيا سورايي] مع إسقاط حرف الألف من أوله لأنه حرف صامت. وإذا لفظت هذا الحرف فيصبح الإسم (اسوذيا آسورايي) وهذا يعني حرفياً أنسال وأحفاد [آشور] الذي هو، بدون أدنى شك، أصل اسم [آسوري] كما يلفظه الأرمن والكرد، وآشوريين كما يلفظه العرب والفرس إلى يومنا هذا).
@ يقول المطران مار يوحانون دولباني مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مقابلة له مع محرر مجلة حويدا حويودو الصادرة في السويد: (لقد سبق لي ولغيري من الكهنة أن كتبنا عن القضية الآشورية نثراً وشعرا. ولم نكن نفرّق، إطلاقاً، بين آشوري وسرياني. وكنا نؤكد بأن الاسمين هما لمسمّى واحد. وأننا جميعا أبناء أمة واحدة. وإننا نعتبر حمورابي، سركون، سنحريب، مار أفرام، مار يعقوب، نعوم فائق، وآشور يوسف هم آباء وأجداد هذه الأمة. ويظهر أن بعض رجال الدين، بعد الخمسينات، أخذوا يعتقدون بأن هذه التسمية فتحت لها آفاقا اجتماعية وثقافية وسياسية عن طرق منظماتها وجمعياتها، وأن مثل هذه النهضة المباركة قد تزعزع الكراسي من تحتهم، وبالتالي تفقدهم تلك السلطة التي مارسوها أجيالا وأجيالا).
@ المؤرّخ التركي البروفسور شمس الدين غونالتاي في كتابه “تاريخ الشرق” يقول: (بأنّ مدينة أورهاي (أورفا الحالية) أسستها القبائل الآشورية (On-Asurilar). ويضيف قائلا: (بأن أبناء كنيسة السريان القديمة (Qadim Surianilar) هم أحفاد الآشوريين السوبارتيين (Subari Asurilar).
@ أما الأب الرحالة ساوثغات لدى زيارته، في ثلاثينات القرن التاسع، مناطق طور عبدين ودير الزعفران فيقول: (وما أثار دهشتي هو تشابه “Assuri” التي يطلقها الأرمن على السريان في تركيا، مع “Assyrians” التي نطلقها على من ينسبون أنفسهم إلى آشور).
@ مجلة (دراسات الشرق الأدنى) الصادرة في تشرين الأول 2006م، وفي موضوعها الرابع المنتشي بروح الاحتفال كتبت مهللة: (كتابة على صخرة عمرها 2800 سنة ألقت الضوء من جديد على المصطلح الحالي آشوري (Assyrian) والعلاقة بينه وبين المصطلحات الأخرى سورويو (Suroyo) وسوريويو (Suryoyo) وأسورويو (Asuroyo) حيث يرى البروفيسور روبرت رولينغر أن اللغز قد حُـلَّ أخيراً. فالمصطلحات سورويي (Suroye) أو سوريويي (Suryoye) لا تعني سوى الآشوريين (Assyrian). وبدون أدنى شك تؤكد أن اسم سورياSyria ومرادفاتها هي مجرد نسخ مختصرة من اسم آشور (Assyria).
@ أما مالك باقو مالك اسماعيل فيقول: (والحق يجب أن يُقال، أننا لم نكن نُعرف باسم الآشوريين (اةوذيا) حرفياً، ولم نكن ندعوا أنفسنا بهذا الاسم قبل القرن التاسع عشر تقريباً. ولكننا كنا معروفين، كلياً، باسم (آسورايي اسوذيا) بصيغة الجمع والذي كان يشمل جميع طوائف شعبنا من سريان وكلدان وآشوريين. والمفرد منه [آسورايا اسوريا] وذلك بتسكين حرف الألف وإبدال الشين إلى سين. ومما لا يستطيع أحد نكرانه أن هذه التسمية متجذّرة أصلا عن تسمية [آشوري أةوريا] وتتضمن نفس الحروف. ودليلا على ذلك أن الإخوة الأرمن الذين عشنا بجوارهم، وكانت بعض قرانا خليطاً من الشعبين، كانوا، منذ عصور سحيقة في القدم، ولازالوا يسمّون الواحد منا [آسوري]. وكذلك الأكراد أيضا. فبناء على ذلك يحق لي أن أسأل أولئك الذين يعادون الحقيقة والواقع والتاريخ من أين جاء هذا الاسم [آسوري]؟. أليس هو ذاته الاسم [آشوري] الذي يطلقه علينا الفرس والعرب؟. فبناء على هذه الحقيقة الدامغة ينبغي على كل آشوري، أينما كان، ولأي مذهب كنسيّ قد انتمى، أن يفتخر كل الافتخار، ويعتز كل الاعتزاز بهذا الاسم العريق. ويجب، في الوقت ذاته، أن لا يساوره أدنى شك بأنه، وبكل ثبات ويقين، الحفيد الأصلي والأصيل لأولئك الملوك الجبابرة الذين سطّروا أروع ملاحم البطولات والإنجازات العلمية والثقافية على صفحات التاريخ. وأن الدم الذي كان يجري في أوردة وشرايين كلكامش، نارام سين، حمورابي، تغلاتبلاصّر، شلمنصّر، شميرام، سركون، سنحريب، آشور بانيبال، ونبوخذ نصّر هو، بكل تأكيد، الدم ذاته الذي يجري، اليوم، في عروقه وأوردته وشرايينه).
@ لما انتشرت الديانة المسيحية بين الآشوريين على يد الرسل الوافدين من بلاد سوريا [سوريا وفلسطين] أهمل المتنصرون اسمهم الأصلي [الآشوري] لنفورهم من كل ما يشعرهم بالوثنية حسبما كانوا يظنون، وتسموا باسم السوريين أو السريانيين نسبة إلى الرسل الذين جاؤوا يبشرونهم بهذه الديانة الجديدة حتى بلغت محبتهم لها لدرجة أنهم حاولوا طمس كل أثر يختص بآبائهم وأجدادهم الآشوريين الوثنيين حسب اعتقادهم الخاطئ. ولكن لم يكن الاسم السرياني، يومئذ، يشير إلى شعب بذاته وإنما إلى كل من كان يعتنق الدين المسيحي. لذلك شمل اسم السريان (سوذِيًأ) كل الشعوب التي اعتنقت الديانة المسيحية بما فيهم اليونان، الأرمن، العرب، الفرس، الأحباش، الهنود، الأتراك، الصينيين وغيرهم. وهكذا احتلت كلمة السرياني [سورِيِأ] محل كلمة مسيحي [مشتحيِيِأ]. ويؤكد ذلك ما جاء في [تاريخ مار إيليا بر شينايا] مطران نصيبين(975-1046م) حيث يفسّر كلمة [سرياني] بكلمة [مسيحي]. ولازال أبناء شعبنا الآشوري، بجميع مذاهبه وحتى يومنا هذا، يستعملون كلمة [سرياني سوريا] للدلالة على الديانة لا على القومية. لأن هذا الاسم ، لديهم، مرادف لاسم [المسيحي مشتحِيِأ] من أي أمة أو جنس كان. أما حين يريدون الإشارة إلى الصفة القومية فإنهم يستعملون كلمة آشوري (اِةورِيِأ) علماً بأن أبناء كنيسة المشرق الآشورية، وكتّابها، ورجالاتها كانوا منذ عهود المسيحية الأولى، ولازالوا حتى يومنا هذا، حين يرد معهم الاسم السرياني يكتبونه [آسورايا اِسورِيِأ] ويلفظونه [سورايا اْسورِيِأ] أي أنهم يضعون لدى كتابتهم هذا الاسم بلغتهم الأم، خطاً أفقياً صغيرا فوق حرف الألف للدلالة على أنه يكتب ولايلفظ. وهذا ما نجده في الكتب الطقسية العائدة لهذه الكنيسة ابتداء بمار أفرام العظيم، ومار نرساي الملفان، مروراً بمار عبديشوع الجدالي، ومار عبديشوع الصوباوي، ووصولا إلى الشهيد مار بنيامين شمعون وحتى يومنا هذا.
بقي لزاماً علينا أن نؤكد بأن (السريانية) لم، ولن تكون، يوماً، صفة قومية أو لغوية لشعبنا الآشوري. وقد أدرك، ذلك جيداً، الأبناء البررة من الأمة الآشورية الذين ينتمون، مذهبياً، إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والذين حملوا مشاعل اليقظة على طريق النضال القومي، وسجلوا أسماءهم بحروف من نور على صفحات تاريخ أمتهم، وكانوا بذلك في طليعة دعاة الفكر القومي الآشوري في القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد اقتفى آثارهم، ولازال العديد من المخلصين الشرفاء الذين يعتزون بانتمائهم إلى أمتهم الآشورية ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشهيد البروفيسور آشور يوسف (1858-1915) أحد رواد الصحافة الآشورية الذي أقدم الأتراك على إعدامه عام (1915م) حين شعروا بخطورة أفكاره التحررية التي كان يغرسها في عقل ووجدان بني قومه من النشء الجديد على صفحات مجلته التي أطلق عليها اسم (مرشد الآشوريين مىدينا داةوذيا) والتي كان اسمها كاف للدلالة على مضامينها. وكذلك المعلم الكبير نعوم فائق (1868-1930م)، والأستاذ الصحفي البارع فريد الياس نزها (1894-1971م)، والمحامي القدير جوزيف درنا رئيس اتحاد الجمعيات القومية الآشورية في الثلاثينات من القرن المنصرم، والدكتور شمعون ملكي الذي قدم خدمات مجانية، وتضحيات جسيمة في سبيل إنقاذ الجرحى أثناء وبعد مذبحة سيميل الرهيبة حيث أنقذ حياة العديدين في تلك الأوقات العصيبة، ولم يبال بالمخاطر المحدقة به آنذاك. المطران يوحنا دولباني (1885-1969) والمناضل العظيم سنحاريب بالي (1878-1972م) الذي ظل يقود ويدير التنظيمات الآشورية القومية في الولايات المتحدة لعشرات من السنين، والموسيقار الكبير كبرئيل أسعد (1907-1997م) والمحامي القدير شكري جرموكلي (1909-1974م)، ومعلم الجيل حنا سلمان (1911-1981م)، والأديب والشاعر النابغة يوحانون قاشيشو (1918-1997م)، والأديب والمربي عبد المسيح قره باشي (1903_1983م)، والأديب غطاس (دنحو) مقدسي الياس (1911-2008)، واللغوي القدير ملفونو ابروهوم نورو(1923-2009م)، والشاعر العظيم دنحو كورية دحّو (). ولعل أروع ما قاله بهذا الصدد هو الكاتب الألمعي، والمناضل الهمام، البروفيسور في القانون الدولي دافيد برصوم برلي (1901-1979م) الذي صرح إثر مذابح الآشوريين المريعة في العراق عام (1933م) قائلا: (وأخيرا أقول: أجل! إن الكنيسة اليعقوبية هي كنيستي. وإني أفتخر بهذه الحقيقة. ويمكنني أن أقول هذا بصيغة أخرى وهي: أن اليعاقبة هم يعاقبة فقظ من ناحية انتمائهم المذهبي، ولكنهم آشوريون من جهة انتمائهم القومي. لذلك فإنهم يشعرون بعدم الراحة من جراء الظلم الذي يتعرض له جزء من تركيبهم القومي، لأن البعد لا يمزق روابط القرابة، وما من مسافة تستطيع أن تقطع صلة الرحم وأواصر الدم. لأنهم كانوا وسيظلون إخوة إلى الأبد).
@ يؤكد العالم الآثاري الإنكليزي الشهير أوستن هنري لايارد الملقب بـ (أبو الآشوريات) في أكثر من مكان من كتابه [نينوى وبقاياها]:) أن النساطرة أتباع كنيسة المشرق الآشورية، والكلدان الكاثوليك الذين انشقوا عن هذه الكنيسة، والسريان اليعاقبة هم سليلو الآشوريين).
كانت جميع الكنائس والمدارس والشخصيات التابعة للكنيسة السريانية تنضوي تحت التسمية الآشورية حتى تبنى البطريرك مار أغناطيوس أفرام الأول برصوم الملقب بالآشوري (اِةورِيِأ) فكرة العروبة بعد أن حضر عدة مؤتمرات عالمية في جنيف ولوزان مطالباً بحقوق الشعب الآشوري، ولكنه صار، بعد ذلك، المدافع الأولى عن العروبة حتى استحق لقب (قس العروبة).