
ضمن نتاج الاديب البصري علي الامارة صدرت الطبعة الثانية لمجموعة قصائد شعرية عن شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة في2017 تحت عنوان( رسائل إلى الميدان ). تناولت حقبة مهمة من البطولات والامجاد العراقية على هيئة قصورات متنوعة .
ان الادب الحديث تنوع في البحث عن الجديد المثير إذ أثبتت التجارب المتنوعة ان الثقافة تعتمد الافكار والافكار تحتاج الى صياغتها على وفق بناء متجانس بين الاجناس الادبية التي من شأنها إثراء المتلقي بكم هائل من المعلومة وما قصورة الامارة إلا فكرة رائدة تفرد بها من تلك الافكار.
بيد ان معنى القصورة في المعاجم اللغوية جاء من كلمة ( قصر :فعل .. قصر قصراً وقصارة ) وقصر يقصرُ ويقصِر، قصرا فهو قاصر والمفعول مقصور والقصورة : إمرأة قصورة محبوسة في البيت لا يسمح لها بأن تخرج منه . والقصر خلاف الطول . وهنا نتوقف عند تلك المعاني المعجمية التي أحالتنا الى معنى القصورة بشكل مقتضب بوصفها تسعى الى إفهام المتلقي بأقل معانِ وكلمات مفاهيم ومعان حداثوية مختلفة مقترنة بالصورة ، يمكن الافادة منها على ارض الواقع . وقد وظف أديبنا كلمة القصورة عبر مزج كلمتين جاءت من أجل التعبير عن مجموعة شعرية كتبت على وفق قصائد وقد ذكر شاعرنا في مقدمة ( رسائل الى الميدان ) تجربته الفريدة المتفردة مع القصورة قائلاً ” القصورة هي الوحدة الفنية الواحدة أما الكتاب الذي يجمع القصورات فيسمى معرضاً شعرياً بدل ديوان أو مجموعة شعرية .. وبهذا نكون قد أخرجنا الشعر من صفته الكتابية التاريخية وجنسه الى جنس اخر لا هو شعر فقط ولا هو صورة فقط بل هو مزيج بينهما وكذلك اخرجنا الشعر الذي بقي مسجوناً في دفتي كتاب منذ ولادته الى فضاء المعرض لكي يتجول المتلقي على قدميه في مساحات الشعر لا ان تتجول عيناه فقط في مساحة النص “. يحيلنا ذلك إلى ما قام به الكاتب الروائي العالمي الاسكتلندي ( والتر سكوت ) الذي خلده التاريخ عبر كتابة الرواية التاريخية وتحويل التاريخ الجاف الخالي من الدهشة والاثارة إلى رواية يتلقفها المتلقي بأثارة وتشويق ، وقد سار على نهجه الاديب الروائي اللبناني ( جرجي زيدان ) بعد أن ترجم روايات تاريخ الاسلام عبر سلسلة أطلق عليها
( سلسلة روايات تاريخ الاسلام ) وقدمها إلى جمهوره بسلاسة وأضفى عليها جانب المتعة والاثار وصار التاريخ عبرها يقرأ على شكل رواية لا على شكل كتاب منهجي ثقيل جاف على الطلبة . وبهذا أفاد الكتّاب من تلك التجارب وقدموا طرائق متنوعة في امتاع المتلقي بقصد الاثارة والتشويق والاقبال الواسع على النهم من الثقافة العالمية والعربية على حد سواء .
اذن القصورة هي انتقالة معرفية مهمة ودراسة واعية لمزيج من القصيدة والصورة ومحاولة جادة في اظهار الجوانب الثقافية والتنوع الفكري في طرح الافكار ، بوصف ان المطلع على ما قدمه أديبنا الامارة من ثقافة ولغة عالية في اختيار الكلمات وصياغتها بلغة أدبية متقنة تدل على عمق المعرفة والتنوع الثقافي الذي ينم عن كم هائل من الخبرات والمعارف بخفايا اللغة العربية ومحاسنها اللفظية وهنا يجدر القول أن المثقف مبدع ومفكر يمكن أن يتلاعب بالافكار ويقدمها بصياغتها الحداثوية التي تثير خيال المتلقي العليم وتبصر المتلقي البسيط بيد إن عنصر التشويق يكمن في حسن الاختيار ، إذ قدم لنا اديبنا في مجموعة رسائله واقعاً معاشاً في كل تفاصيله وحوادثه على وفق نظام صورة ناهيك عن طبيعة التسلسل الزمني في بناء الاحداث فقد بدأ بـ( ليس العراق سوى العراق ) كعنوان لقصورته التي قال فيها ” لا ترهقونا بالشقاق ليس العراق سوى العراق . يقابلها صورة خارطة وطننا العراق رسمت على هيئة سهام وقفت على عمود يقابلها شخص كارتوني كاريكاتوري ينظر بتعجب واستغراب وكأنه يحاور تلك الخارطة قائلا : إلى متى …. وباقي المعنى مسكوت عنه ربما يحيلنا إلى سياسة القهر والاستبداد التي ضيعت معالم ذلك البلد وحضارته العريقة عبر سياسات رعناء اراد اديبنا التعبير عنها بقصورته لا ترهقونا في سياستكم فأن البقاء للعراق .
طغت لغة الحوار الفكري المثقف على اللغة الدارجة السطحية التي تخاطب عقول البسطاء ويبدو ان اديبنا برع في نظمها كما نظم القصائد العظام وهنا تجلت في رسائله رسل منوعة مفادها ان السياسة بحكامها الطارئين عبثت وخربت ارض العراق غير انه باق بشموخه مفتخراً بأبطاله الشرفاء . واجمل ما أطر تلك الرسائل تنوعها الجمالي وعناوينها المفعمة بالامل وروح التفاؤل التي جاءت متساوقة مع المتن فقد سدو ثغور الليالي في اشارة الى جدار الصد الذي صنعه ابطال الحرب ضد الدواعش ، وتعانقت معها رسائل الشهداء بعد ان تعود رسائل تجسد وجع التراب فهل تقرؤون رسائل الشهداء ؟؟ إذ ان تلك الاحالات ما هي الا براعة في كتاب وحذاقة في موضوعاتها التي عانقت عباب السماء . فقم للعراق وخذ تحية ان العراق هو الهوية تجلت تلك الكلمات في قصورته التي عنونها بـ( تحية العراق ). وما حرب الكراسي إلا مآسي جمعها شاعرنا في كلمات وهي رسائل لمن يقرأها مجدية وقد جمعت كل جماليات اللغة وختمها بحياة قائلا ” قلوب العراقيين بالحب تنبض وتطلع من بين الرماد وتنهض قلوب العراقيين نهر محبة يفيض على دنيا الهوى ويحرض …”.
ان الحضور الادبي والثقافة الواسعة مسار العارف المتبحر وما النتاج الادبي الثر إلا خزانة الفكر المتنور أضاء لنا عوالم الادب الرفيع وسمت به أنفسنا من العطر عنبر ..