كنت طالبا مجتهدا ، أعتقد إنّي لزلت كذلك ، في المبيت الجامعي ابن الجزّار الكائن بشارع الجزائر بصفاقس ، كنت تلميذا بالمعهد التحضيري للدراسات الهندسيّة بصفاقس ، مستوى متقدم جدّا ، اعتقد اني ظلمت نفسي عندما توجهت لهذا العذاب القاسي ، كان مبيتا مختلطا ، قسم للطالب و قسم للطالبات ، مبيت في أغلبه مخصص لطلبة التحضيري و الطب و التمريض، كان شديد الاختلاط الدائم يولدّ قصص الحبّ و العشق و الثورة و الالتزام السياسي و النقابي ، كان رفيقي في الغرفة ، يعشق الدخان و شرب القهوة الفيلتر ، أبوه مالكا لمعمل خياطة بقصر هلال ، و مهوس باقتناء جريدة الصحافة الناطقة بالفرنسية la presse لان صاحبته الافتراضية فرنسية و عليه ان ينهض بلغته و كان يعدني ان سافر لفرنسا سيرسل لي عقد عمل و اعيش “عيشة فلّ : صبيّة شقراء ، و اجر باليورو ، تأمين صحّي ، و فيلا في الضواحي البريسية” كما كان يقول ،
لم نغلق على بعضنا خزائننا ، و خصصنا ميزانية للطوارئ و لدبوزة المرناق سبتا و من المحرمات ان نمسّ منها فلسا في ايام الرفاه ، كان يحدثنّي عن قصر هلال و حركتيها و اسواقها و معاملها ، احدثه انا عن جبنيانة و قلعة النضال و المشطية و الشبتية و الجلبانة و سيدي ابي اسحاق و اكولا (بطرية) ،
كان يحترمني جدّا ، و يشدّ ازري عندما تضيق بي السبل ، قبل ذهابه للمقهى للعب الكارطة ، يتفقدني ، يتفقد ترموس قهوتي ، ليعبأه ، و يترك لي باكو ليجار في حين انه يدخن pine ذلك الدخان الجزائري المهرب اللعين يترك لي الدخان الراقي و يدخنّ هو اسفل رتب الدخان، يذهب للمقهى و تاركا إياي غارقا في كتب الجبر و الفيزياء المعقدين جدّا .
مضى اكثر من عقد ، نسيت إسمه الصديق اللاعادي الذي يؤثر على نفسه و الذي بقي اسمه مرسوما في قلبي و وجه في مخيلتي …ارجو ان يكون باحسن حال …
و كانت نافذة غرفتنا تفتح خلفيتها على ساحة مظلمة ، يقاطع ظلماتها اضواء السيارات المارة و في اغلب الاحيان اضواء هواتف العاشقين و العاشقات الهاربة من المتلصليل ، ضحكات خجولة تتعالى في تلك الظلمة ، أصوات القبل و الشفّة ، و تأوهات العاشقين من المعانقة و اصوات الفتيات اللواتي يلحلحن بالحارس ان يتركهن ليذهبن للقاء عشاقهم ، ،لم يدفء عظامي في ليالي الباردة بالمبيت إلاّ تلك الساحة ، ساحة القبل …
بوزيد – جبنيانة 08 جانفي 2023