
تقديم
استفادت القصة القصيرة من التنظيرات السردية، ومن الآثار الأدبية القديمة والحديثة، ومن الفنون الإبداعية الأخرى كالمسرح والسينما والفن التشكيلي. وراكمت تجارب عدة على مراحل مختلفة، تأثر فيها بإيقاع الزمن وبالتحولات العالمية التي أفضت بها إلى مسار التجريب، فتبنت أساليب وتقنيات جديدة منحتها قوة في تناول موضوعاتها وقضاياها التي تعد من خصوصيات الإنسان الذي يعيش الواقع ويحتمي بالفن والأدب ليعبر عن التصورات والرؤى المنبثقة من وعيه. لهذا فإن الإنسان مازال –كما كان قديما- كائنا يميل إلى السرد القصصي ويستأنس بالحكاية ويتجاوب معها سواء كان راويا أو متلقيا.
وإن دراسة السرد القصصي من خلال أثر إبداعي يعد مغامرة نابعة من الرغبة في المعرفة، وخلق التصورات، لبناء وعي حقيقي بموضوعات النصوص وعوالمها السردية، والإنصات لنبضها، وذلك من أجل كشف القضايا التي يطرحها الإبداع المعاصر والتي لا تخرج عن إطارها الإنساني والوجودي، إذ يؤسس من خلالها المبدع (والمبدعة) أسئلته الحارقة، كي يشاركه القارئ رؤيته للحياة والأشياء في مساحة من خطاب سردي، يعبر عن وعي بالذات وبالعالم، ويتوسل بآليات فنية استفادت مما راكمه القص العربي والمغربي على مر العقود. ومن هذا المنطلق، تسعى هذه الدراسة، من خلال محاورها، إلى البحث في المجموعة القصصية «أتراك تشرقين غدا..؟»(1) للقاصة فاطمة الزهراء المرابط. حيث يعد هذا المنجز الإبداعي كتابة سردية ذات خطاب يحمل دلالات ويجسد رؤية أنثوية للعالم وقضايا المرأة، ويعيد تشكيل وضعية شهرزاد في السرد القصصي المعاصر، هذا الوضع الذي ظل راسخا في ذاكرة السرد العربي ويَبرز كلما توسلت المرأة بسرد الحكاية في معطى نصي تتمثل فيه صور متعددة لشخصية المرأة على اختلاف مستوياتها. وقد اخترنا رصد تمثلات المرأة في السرد القصصي المغربي انطلاقا من هذه المجموعة القصصية لكونها تزخر بصور متعددة استطاعت أن تعبر عن واقع المرأة المعاصر وما يواجهها من تحديات في سبيل فرض وجودها الذاتي كي تحقق توازنا في علاقتها مع الآخر ومع المجتمع.
وتأسيسا لفعل قرائي، فقد حدا بنا هذا المسعى إلى مقاربة عتبة عنوان المجموعة أيضا، كمنطلق هام نحو الولوج إلى عوالم النصوص.
1. وضعية شهرزاد في السرد القصصي
ثمة ما يفيد أن إرجاء شهرزاد للحكاية من ليلة إلى أخرى سببه وجود علاقة متوترة. فلا بدَّ أن السرد بالنسبة إليها، بمعنى من المعاني، صار متكأ حكيما ضَمِن لها ولأخواتها النساء النجاة من القتل، لكون الحكاية مرادفة للتوسل والرجاء، هي كالقربان الذي يذبح لتهدئة غضب الشخص المتسلط وتقريبه من الشخص الذي يوجد تحت رحمته(2). وقد كان السرد عند شهرزاد مغامرة وبطولة. إذ بجسارتها لم تغير قرار الملك فقط، بل غيرت طبيعة تفكيره. فيمكننا أن نتصور شهريار بعد الحكاية الألف -أي بعد الليلة الواحدة بعد الألف- وقد نسي خيانة زوجته الأولى، وتبدلت طبيعته العدوانية؛ سنفهم أن تأجيل شهرزاد للحكايات لم يكن في الأصل إلا تأديبا لشهريار ولسلوكه. أي بداية لمسار جديد شكَّل تصورات أخرى اتخذت فيها العلاقة بينهما بُعدا رمزيا له دلالات.
صورة شهرزاد بقيت راسخة بذاكرة السرد، تُطل من كتابات سردية تأخذ فيها الكاتبة أو الساردة وضعية شهرزاد في مواجهة مجتمع رضي بوضع شهريار، مجتمع تهيمن عليه تصنيفات مجحفة في حق المرأة، تستند إلى أبعاد ذات بنيات متناقضة. وبهذا فإنه قديما وحديثا مازالت «وظيفة السرد هي إعادة التوازن لعلاقة مختلَّة»(3).
والمنجز السردي للقاصة فاطمة الزهراء المرابط ينخرط في هذا الأفق الذي تُمهد هذه السطور رسم ملامحه، سعيا إلى إبراز حضور موضوعة المرأة كتيمة مركزية في كتاباتها القصصية. فنلاحظ في عملها القصصي الأول «ماذا تحكي أيها البحر..؟»(4) أنها استعارت للبحر صفة الحكي، التماسا إلى تشخيص صورة المرأة في مواجهة أعطاب المجتمع المختلفة، وتصوراته الدونية الراسخة في وعي الآخر. وتعود من خلال عملها الجديد الموسوم بـ «أتراك تشرقين غدا..؟» لتسترشد بالحكاية كذرع للمواجهة والصمود من أجل الوعي بضرورة إعادة التوازن لعلاقة المرأة بالعالم الذي تشكله حسب رؤيتها وحسب تجربتها الذاتية، ومن خلال ما تمتحه من الواقعي والمتخيل باعتبارهما عنصرين أساسيين في إعادة الاعتبار للمرأة، بخلق افتراضات وتصورات نابعة من ذاتها ونفسيتها وتفكيرها ومن وعيها الشقي الذي ترتجي منه إحداث رجة لفكر المجتمع الذي حاصر الذات في حيز ضيق، تشعر فيه بالاختناق. فـحين يشد القوي بخناق الضعيف لا يجد هذا الأخير خلاصه إلا بسرد حكايته أو حكاية أشخاص آخرين(5).
2. العنوان: العتبة والسؤال
يعد العنوان من أهم الأسس التي يعتمد عليها الإبداع الأدبي المعاصر، كونه العلامة اللسانية الأولى، حيث يستمد «قيمته من موقعه الاعتباري الذي يشغله على رأس الصفحة الأولى، حتى قيل في هذا الشأن: “إن العنوان هو مفتاح الكتاب”. فلا يمكن للقارئ أن يتجاوب – نفسيا – مع أي عمل بدون إلقاء نظرة أولى على عنوانه»(6). فهو يؤدي دورا وظيفيا ودلاليا تبنى عليه تصورات ذهنية أولية تشكل «جملة من الفرضيات التي تمنح للنصوص مظهرا خاصا إن على مستوى التشكل أو التقبل، ومادام العنوان عتبة من عتبات النص فهو ممتلك لبنية ولدلالة لا تنفصل عن خصوصية العمل الأدبي»(7).
وفي عنوان «أتراك تشرقين غدا..؟» نلمح أثر سؤال يستشرف الغد، بما يعني أنه نابع من رغبة استجلاب معرفة المستقبل، بناء على طبيعة الإنسان التي تدفعه ليسأل، والسؤال يقتضي جلب المعرفة، بما هو بحث(8) لاستدعاء أو استعجال معرفة سياقات قادمة لإدخال الطمأنينة إلى نفسه، وحاجة منه إلى مجابهة قلق المجهول(9). لهذا يتوسل بالأبراج وقراءة الكف… وزيارة العرافين معتقدا وجود المعرفة عندهم أو قدرة حل المشاكل وفك العقد، كشخصية قصة “الرقصة الأخيرة” التي همَّت بزيارة «السي الحسين» باحثة عن حل لوضعها، تقول الساردة: «قدرته الغريبة على حل القضايا الشائكة، تشعرك بارتياح مؤقت، وأنت التواقة إلى أي بصيص نور يعبر بك إلى بر الأمان»(10).
إن هذا المقطع السردي وإن كان يعطينا صورة لشخصية مأزومة تبحث عن بصيص نور، فهو يبرر لنا صيغة السؤال في بنية العنوان. إذ السؤال موجه إلى مخاطَب مؤنث، مع توظيف تشبيه ضمني، فيما يماثل مجازا مرسلا لوجود علاقة المسبَّبِية (تشرقين)، لأن الإشراق من طبيعة الشمس. وتتشكل أمام تصورنا صورة المشبَّه به (الشمس)، ثم تتولّد عنها صورة المشبَّه (امرأة) في سياق العموم لا الخصوص، بما يعني أن السؤال لم يخصص امرأة بعينها وإنما شمل المرأة بكيانها الإنساني الذي له طبيعة مختلفة عن الرجل فيزيولوجيا وإيديولوجيا.
ثم من حق القارئ أن يفكر في ظروف طرح هذا السؤال، هل هي ظروف ذات موانع عارضة للإشراق، حالا وليس مآلا؟ أي إن السؤال انطلق من الحال أولا، ثم اتجه ليستفسر عن المآل، «أتراك… غدا». وهذا يفيد أن هناك رؤية استشرافية يَحدُوها الأمل، ترسم معالمها القاصة، حيث ترى أن المرأة شمس ذات طبيعة إشراقية انبعاثية، رغم العوارضِ تشرق، فشخَّصتها في امرأة في حال انكسار، متوارية خلف حُجب الحزن والألم بسبب عوامل المجتمع وعوارضه، كما في قصة «الرقصة الأخيرة» حيث تقول: «الدمعة المتلألئة، تأبى التحرر من قيد عينيك الحزينتين، تتساءلين في أعماقك بحرقة كبيرة: أتراك تشرقين غدا..؟»(11). في المقطع السردي يتجلى سؤال الذات إلى الذات، يرن صداه في العمق النفسي للشخصية، بينما هي في مسار البحث عن الخلاص «من مجتمع بائس لا روح فيه»(12)، ثم تهتدي في نهاية القصة إلى عباراتٍ خاتمة تختزل:
– معنى النهوض: «تحسسك بالولادة الجديدة»(13).
– معنى التحدي والتمرد: «ذاكرتك الثائرة بألوان الحب والتمرد»(14).
– معنى استقلالية الكيان: «لن أكون إلا أنا»(15).
بناء على ما سبق فإن البنية التركيبية لعنوان المجموعة ترتبط بالنصوص بعلاقة تضمّن، كما جاء في قصة “الرقصة الأخيرة”: «تتساءلين في أعماقك بحرقة كبيرة: أتراك تشرقين غدا..؟»(16) بحيث أن هذه القصة وحدها التي يحضر فيها العنوان بصيغته الحرفية، أما في أغلب النصوص الأخرى فيأتي عبر سياقات وتيمات، فيتخذ أبعادا دلالية ذات صلة وثيقة بالسياق الحكائي العام المؤطر لأغلب النصوص التي جعلت الكاتبة محورها ومركزيتها المرأة. وهذا ما سنراه خلال مقاربة صورة المرأة في مجموعة «أتراك تشرقين غدا..؟».
3. صور المرأة
الكتابة هي صوت الذات عند المرأة تحتفي بإنسانية الإنسان، وبهويتها الطبيعية الأصيلة وبحكايتها الأولى مع شهريار. وتنطلق من هويتها كامرأة لتحكي شعورها وتجربتها أو تجربة الأخريات فتنسج رؤيتها للعالم وفق منظورها الخاص. بواسطة الكتابة التي تغدو قادرة على أن تؤطر صور المرأة في كل حالاتها وتجلياتها وظروفها. لهذا تقوم القاصة عبر السرد بتصوير الشخصية في بعدها الجسمي وأقوالها وحركاتها ومشاعرها فتكَوِّن مرآة عاكسة لصورة الشخصية، كما تقوم بوصف الأخلاق والعادات الذاتية للشخصية ليحيلنا هذا الوصف إلى مكامن النفس، وهذا ما يقودنا إلى استخلاص أن الصورة في العمل الأدبي هي صورة بصرية وذهنية أيضا لأنها إعادة إنتاج عقلي لتجربة عاطفية وإدراكية. فهي أداة للتعبير عن الشخصية ووسيلة للتفكير وطرح الرؤى.
وتقدم القاصة صورة صادقة للطبيعة البشرية للمرأة في حياتها المتنوعة في إطار لا تظل فيه الصورة ثابتة لكونها مرتبطة بطبيعة الشخصيات التي تتغير في شكلها كما تتغير في باطنها لأنها تتغير مع نمط الحياة.
1.3. المرأة الباحثة عن الذات:
في قصة “الرقصة الأخيرة” تنكشف صورة امرأة مطلقة تم تشخيص حياتها الاجتماعية وعلاقتها برجل فرض عليها واقعا غير الذي كانت تحلم به قبل الزواج. تبتدئ القصة بقول الساردة (وهي تخاطب الشخصية): «هل أتعبك الطرق على الباب المغلق، الذي لا حياة فيه..؟»(17). تسجل القصة بدايتها بهذه العبارة التي تحتمل معنيين: معنى يوافق سياق السرد والحكي في النص، وهو خاص بشخصية القصة التي تطرق باب “سي الحسين” لعلها تجد عنده حلا لمشكلها. ومعنى يوافق وضع المرأة المطلقة بشكل عام، فالباب المغلق كناية عن الضياع الذي ساقها إلى مصير لم تكن تحسب له حسابا. تتساءل ما ذنبها حتى تكون كيانا عاجزا أمام قرارات الآخرين: «ألأني لم أخضع لرغبة رجل يغير مواقفه كما يغير أقمصته؟ أم لأني أطمح لحياة لا توجد إلا في خيالي..؟»(18).
لا تنحصر مهمة القصة في وصف ما وقع للمرأة، لأن السرد يلمح إلى ذلك ضمن الاسترجاع السريع لصور راسخة في ذاكرتها، بل من جانب آخر تركز على أثر الحدث والماضي على نفسية الشخصية ووجدانها أكثر من سرد ما وقع لها سابقا، فما حدث كان ذكرى أليمة، وما يحدث لها هو النتيجة: «مرارة الألم تمزق أحشاءك، تتمنين لو أن الأرض تنشق الآن وتبتلعك، تخفين خيبتك من نفسك، من أحلامك المتشظية»(19). هذا النتاج من الألم رافقها في سياق ما بعد مرحلة الطلاق فجعلها تعود، ليس للندم، بل للبحث عن إشراقتها الأولى، أي قبل اللحظة التي زفت فيها إلى مصير مجهول. في لحظة تذكر تقول الساردة: «صوت الطقطوقة الجبلية يسافر بك إلى رقصتك الأخيرة، وأنت محاطة بزهور العائلة. ابتسامتك المشرقة وأنت تتأملين فستانك القرمزي ينسل بعيدا عن جسدك، هل كنت تعلمين لحظتها أن الحلم الوردي سينتهي سريعا، وبريق الحب سينقشع بعد ليال معدودة؟»(20). هذا المقطع السردي الذي ينطلق من ذاكرة الشخصية، يمثل صورة لامرأة كان همها تحقيق أحلامها مع زوج أحبته ورضيت أن تسلك بمعيته طريق أحلام وردية.
وإن البحث عن إشراقتها الأولى وعن ابتسامتها هو توق إلى أي بصيص نور يَعبر بها إلى بر الأمان، أي ما يعادل بحثها عن الذات في رحلة يشكل تفاصيلها الألم. ألمٌ يمثل نزيف جرح داخلي، وهو ما يحرك عملية السرد، للبوح باللوعة الدفينة والتعبير عن الرغبة في الانفصال عما يتعالق بذاكرتها من صورة امرأة مخدوعة لم تكتشف قدرتها على المجابهة والاختراق، إلا بالرغبة التي قادتها -في طريق البحث- إلى لعبة التوحد بالبحر كعنصر مُطهر: «يغريك بالارتماء بين أحضانه»(21)، والارتماء هنا لا يعني الانتحار، لأن الانتحار هروب من مواجهة الحياة، وهو انهزم. فيما البحر بالنسبة إليها كائن متجدد مُطهر، يُبتغى من فضله، تقول الساردة: «الأمواج وحدها تبعث فيك الروح، تحسسك بالولادة الجديدة»(22). فاتحاد جسدها بجسد البحر يعادل انفتاح ذاتها على الخارج. والبحر فضاء رمزي لميلاد جديد، تعلن فيه صرخة التحدي: «لن أكون إلا أنا..»(23)، فهي ولادة ذات ثائرة متمردة، تنفصل عن حمولة الماضي الأليم، وتنطلق نحو الآتي بذاكرة ثائرة.
2.3. المرأة/الزوجة: الجسد والأنوثة
إن القاصة لا تتوانى في عرض صورتين متقابلتين، قصد وضع المقارنة. حيث تنبني هذه المقارنة على قلق دفين لا تعلنه إلا الكتابة السردية. وطبيعة هذا القلق هو الوضع العام للمرأة في المجتمع، بين تيارين متناقضين، فإن كانت تعرض صورة المرأة المنقبة التي تصف لباسها على لسان الساردة بـ«الـخيمة المتحركة»(24)، «لا شيء يميز الواحدة عن الأخرى..»(25)، في المقابل تعرض صورة «نساء “الميني جيب”، والفساتين الضيقة التي تسيل لعاب الرجال في المقاهي والشاشات المنزلية»(26).
لنفترض قراءة لمقصدية عرض هاتين الصورتين، إذ الإشارة إلى النقاب بذلك النعت، قد يحتمل لدى البعض شكلا من المساس بالدين، في حين أن الصورتين عند القاصة (كما أراها) إنما تطرح المنظور الذي تصبح فيه سلطة التقليد أقوى من الاستجابة للدين في مقابل سلطة الرغبة التي تسوق إلى المبالغة في التعري بدافع التحدي أو استجابة بوعي أو دون وعي إلى الحركات التحررية التي تعلي (وبهوس شديد) من قضية الجسد على أنه برهان الحرية الوحيد. فكما يقول الدكتور عبد الله إبراهيم: «ولا يخفى أنّ الثّقــافة الأبويـّـة الّتي أقصت المــرأة وحجبت جسدهـــا، جعلتهـــا من جهــة أخــرى تتوهم نفسهــا جسدا مثيرا فحسب، وصارت تسعى إلى إبرازه»(27)، وهذا ما يتطابق مع مبدأ «كل محجوب مرغوب فيه» حين يكون مسوّغ النقاب اجتماعيا أو شخصيا. وعلى هذا الأساس تتخذ الثقافة الذكورية تصورا خاصا للمرأة، بأن جعلت جسدها سلعة استهلاكية بين «ثنائية الاحتجاب والكشف» كما يسميها الدكتور عبد الله إبراهيم(28).
نقرأ أن الساردة تقول وهي تنظر إلى واجهة محل تجاري: «الزي القاتم بواجهة المحل التجاري وسط الفساتين الضيقة يثير انتباهي»(29). هذا المقطع يُرغم على استدعاء السؤال: لماذا يثير هذا الزي انتباهها؟ هل لأنه يمثل نموذج التناقض الموجود في المجتمع؟ فالمحل التجاري يجمع بين أيديولوجيتين، وهو مكان لعرض اقتصادي لمتطلبات المجتمع (الزي القاتم – الفساتين الضيقة). عرض يجمع بين ثنائية الاحتجاب والكشف، لأن المبدأ الاقتصادي الاستهلاكي هو المهيمن. بمعنى أن عرض شكلين من زي المرأة، متناقضين من حيث المبدأ، (في محل تجاري) هو مبدأ تتحكم فيه العقلية الاقتصادية بحيث يماثل: “الجسد سلعة استهلاكية”. وما يدعم هذه القراءة هو قول الساردة: «الأجساد العارية في مملكتنا، تتمايل على الأنغام المخمورة، المحلات مكسوة بالملابس الصيفية، يتفنن أصحابها في عرضها لجلب ذوي النفوس الضعيفة»(30). وهذا العرض بدافع الاستجابة لرغبة الثقافة الذكورية سواء فيما يتعلق بالاحتجاب أو الكشف. وهو في حد ذاته ما يشكل قلقا ذاتيا للمرأة/الساردة فتقول في صيغة تضامن: «كم أشفق على من أجبرت على هذا الارتداء»(31)، مما يعني (بداهة) وحسب هذا الاقتباس: أن ما يقابل الإجبار هو الاختيار، أي أن هناك ارتداء بمحض الإرادة، وهو حرية شخصية يدخل فيها الوازع الديني الذي هو جزء من الامتثال لفرض ديني حسب نمط من الفهم للنصوص الدينية وهي قناعة شخصية لم تُجبر عليها من اختارت هذا الزي دون أن تلزم به غيرها. وهناك (ودائما حسب الاقتباس) ارتداء بالإجبار، ويدخل ضمن هذا الإجبار ما يُفرض عليها من مراعاة لنسق اجتماعي ضاغط، وتتحكم فيه العقلية الذكورية، فتدعن المرأة لسلطة التقاليد وليس لمنطق اختياراتها. وإذا ما تحولت ثقافة الذكور إلى مجموعة من الموانع القاهرة، تلجأ المرأة إلى التمرد. وقد قالت الساردة: «هل تدرك أن الباب المغلق يدفع الآخر إلى البحث عن الفضاءات المفتوحة»(32).
وفي مقارنة أخرى بين صورتين للمرأة: صورة الزوجة التي تعتني بمنظرها ومظهرها محافظة على أنوثتها، مقابل صور الزوجة التقليدية التي تهمل أنوثتها، وقد تناست أنها قبل أن تكون امرأة فهي أنثى. تقول على لسان السارد: «لم لا تترك أمك شعرها منسدلا على كتفيها مثل سعاد..؟! لم لا ترتدي اللباس الضيق في المنزل..؟! أليست امرأة مثل باقي النساء..! هل الزواج يجبر المرأة على التخلي عن أنوثتها؟ سعاد أيضا متزوجة ومع ذلك متأنقة ورائحتها زكية وضحكتها رنانة تزلزل القلوب القوية والضعيفة»(33).
نرى أن السرد هنا يرسم صورة الزوجة المهملة لأنوثتها من خلال وصف أنوثة سعاد، إنه تصوير لصورتين في صورة واحدة، يقول النص: «هل آن الأوان لتكتب عن سعاد الحسناء..؟ صديقة أمك التي تتلصص عليها كلما زارتكم، وهي تخلع جلبابها الأزرق وغطاء رأسها ليتحرر شعرها الحريري، تضع رجلا فوق آخر، فستانها القصير يكشف عن فخذيها المكتنزين»(34).
تحضر سعاد في هذا المقطع السردي، صورة للمرأة الأنثى التي يحلم بها الرجل وتسيطر على مخيلته، لهذا فحين خطر في بال الكاتب/الشخصية أن يكتب قصة، فكر في سعاد الحسناء صديقة أمه، التي يتلصص على جسدها كلما زارتهم… فيحضر الجسد هنا ليشكل «نسقا ضمن أنساق أخرى تلوذ، جميعها، بالكون بحثا عن معنى وعن دلالة»(35) فالجسد جزء من عالم الأشياء، وهو من اهتمامات عالم الكاتب/الشخصية ومحيطه الاجتماعي، لهذا خاطبه السارد: «هل آن الأوان لتكتب عن سعاد الحسناء؟»(36). فالسؤال يحتمل أنه كان يؤجل الكتابة عن جسدها باعتباره «واقعة اجتماعية ومن ثم فهو واقعة دالة، فهو يدل باعتباره موضوعا، ويدل باعتباره حجما إنسانيا، ويدل باعتباره شكلا، إنه علامة، وككل العلامات لا يدرك إلا من خلال استعمالاته»(37). الجسد بالنسبة للكاتب/الشخصية المتلصص على صديقة أمه، يمثل نصا مقروءا يحمل دلالاته: «ليتحرر شعرها الحريري، تضع رجلا فوق آخر، فستانها القصير يكشف عن فخديها المكتنزين»(38). والجسد (حركته وسكونه) خطاب يتوسل بالصورة السردية لينتج مقارنة حية بين امرأة متمسكة بأنوثتها، وأخرى تخلت عنها.
ويتجلى في هذه الصورة الانتقاد البارز لوضع المرأة التقليدي. ثم تنقلنا القاصة إلى انتقاد طريقة جلب الفتاة للعريس: «هل كانت تبحث عن زوج مناسب لها، وهي لم تفك ضفيرتها بعد..؟»(39). ثم في قصة أخرى، تنتقد النظرة التي تختزل علاقة المرأة بزوجها في رابط الأطفال. حيث أن شخصية قصة “معايدة”، رفضت كلام جدتها وعبارتها: «الأطفال صمام الأمان»(40)، وتساءلت هل الأطفال فعلا رابط قوي لضمان إعادة التوازن لعلاقة مختلة بين زوجين، علاقة «زواج غير متكافئ، أو زواج يفتقر للحب والتفاهم»(41). فتذكرت أن المجتمع مليء بحالات الطلاق، غالبا ما تكون الزوجة ضحية زوج خائن، أو زوج هجر زوجته «وهي حامل في شهرها الأخير»(42).
إن القاصة فاطمة الزهراء المرابط ترفض، من خلال شخصياتها القصصية، تلك الصورة التقليدية للمرأة المحاصرة بسلطة العقلية الذكورية. وفي المقابل تؤمن بصورة المرأة/الزوجة/ الأنثى التي يبادلها الزوج الحب لاستمرارية علاقة الزواج على مستوى من التفاهم والتكافؤ الشعوري والعقلي.
3.3. المرأة المغتربة
الاغتراب ظاهرة إنسانية تبرز من خلال المشاعر والأحاسيس، تساهم في تعميقها عوامل اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. وأغلب التعريفات التي تناولت مفهوم الاغتراب «تدور حول أمور معينة بالذات تشير كلها إلى دخول عناصر معينة في مفهوم الاغتراب، مثل الانسلاخ عن المجتمع والعزلة أو الانعزال، والعجز عن التلاؤم والإخفاق في التكيف مع الأوضاع السائدة في المجتمع، واللامبالاة وعدم الشعور بالانتماء، بل وأيضا انعدام الشعور بمغزى الحياة»(43). بما يعني أنه حالة مصاحبة للوجود الإنساني منذ القدم، يأخذ أشكالا يؤثر بعضها في بعض، فالاغتراب السياسي يؤثر في الاغتراب الاجتماعي، وبدوره يؤثر في الاغتراب النفسي أو ينتج عنه. ومنذ أن تكونت المجتمعات الأولى، نشأت معها ظاهرة الاغتراب بسبب تقاليدها وأعرافها وثقافتها التي تمثل بؤر الصراع بين الإنسان وبيئته.
في تناولنا لصورة المرأة المغتربة في قصص المجموعة، نجد أن الاغتراب عند شخصية قصة «اغتراب» أخذ في بداية النص شكله النفسي والذاتي نتج عن عزلة اجتماعية، تقول الساردة: «هي عادتها كلما طردها المجتمع من مخمله السرمدي، أسدلت ستائر الغرفة. لا ترغب في رؤية أشعة الشمس وهي تسلط نورها على ملامحها الكئيبة، لا للضوء، نعم للظلام، أسدلت جفنيها واستسلمت لسلطة النوم الأبدي»(44).
هذا الشاهد السردي يقدم صورة لامرأة تركن إلى ظلام العزلة، لعدم قدرتها على الاندماج والتكيف الاجتماعي، فتتساءل الساردة: «كيف قادتها الأقدار إلى الباب المغلق؟ لم عليها أن تكون مطيعة مستسلمة، حتى يقبل بها الآخر؟»(45). فالأنا لا تعاني عزلتها داخل نفسها فحسب، بل تعانيها كذلك وسط الآخرين. ذلك نتيجة ضعف الروابط العاطفية. فالفرد في حالة انفصاله عن الآخرين يميل إلى الجمود ويقل تفاعله مع غيره. وقد يرجع ذلك إلى انعدام التآلف أو ندرة التعاطف وانفصال الروابط الاجتماعية فيركن إلى صراعاته الداخلية من جهة وصراعاته مع المجتمع المناقض لمبادئه من جهة أخرى، «وحينما تتجرد “الأنا” من العالم المألوف للحياة اليومية، تشتاق إلى وجود أكثر عمقا وأشد أصالة، وتتردد بين عزلتها وبين حياة المجتمع اليومية»(46)، ومثل هذه الصراعات قادت الشخصية إلى الشعور بضياع الغاية فسيطرت عليها فكرة الانتحار كحل وهمي للخلاص من وضع قائم. فبالرجوع إلى أول عبارة في القصة نجدها تشير إلى هذه الحالة وتعلن عن رغبة الشخصية في إنهاء حياتها، تقول: «سأموت.. لمعت الفكرة في خيالها»(47)، وهي بداية تحمل دلالة استسلام لواقع أزَّم حياتها وحاصرها في عزلة اجتماعية ونفسية.
من الملاحظ أن القاصة لا ترضى لشخصياتها النسائية الانهزام أمام تحديات المجتمع والقيود، لأن السرد ظل مسترسلا مبتدئا من نقطة تعلن الهزيمة، إلى أن بلغ غايته فكسر أفق التوقع. حيث في نهاية النص تنكشف الأزمة النفسية في ما يشبه الانتصار، فيعلن السرد بداية نقطة جديدة حين اكتشفت الشخصية أنها لم تمت، ثم: «حررت شعرها لينسدل على كتفيها بفوضوية، من يحق له أن يقمع حريته وحريتها»(48). وهذه الختمة تحدٍّ واضح، تتجلى فيها الرغبة الدفينة في مواجهة الحياة من جديد بعد فكرة الانتحار السيئة التي تشكلت في حلم عبر بها إلى سياقات ما بعد الموت (القبر.. التراب… العالم الآخر.. الثعبان العملاق). هذا الحلم يعادل وسيلة معرفية للتغلب على العزلة، ففي فضائه تم إعادة بناء المعرفة بالآخر، وبالتالي معرفة الذات من جديد. إذ تدفع المعرفة بالشخصية إلى الانصراف عن عزلتها المركَّزة في ذاتها، وتنقلها إلى مكان آخر وزمان آخر (الحلم) حيث تتصل بالذات الأخرى(49)، المتمثلة (كافتراض أول) في صديقها الراحل «تعترف أنها كثيرا ما أعجبت بأفكاره وأمضت ساعات طويلة في الاستماع إليه، وهي التي لم تكتسب ثقافة الإنصات إلا في حضرته»(50)، أو أن هذه الذات الأخرى متمثلة في ذاتها هي (كافتراض ثاني)، أي معرفة الذات لذاتها فـ«عن طريق المعرفة يخرج الإنسان من توحده»(51)، بهذا الخروج أعادت إليها المعرفة ما كانت عليه ذاتها قبل الانكسار وقبل سيطرة فكرة الانتحار على تفكيرها، وهو وعي فردي خاص:
«أين اختفى عنادك الآن أيتها الحديدية؟ اللقب الغريب الذي كان أحدهم يحب مناداتك به، مشدوها إليك وأنت تثرثرين كعادتك بتمرد كبير في الجلسات المنفلتة من أعماق الزمن، آه من تلك اللحظات! كم تشتاق إليها الآن، قد تزيح عنها وطأة السؤال والصمت واللاعودة»(52). قد تساوي هذه المعرفة بالذات مقولة سقراط «اعرف نفسك بنفسك»، وعلى هذا فشخصية النص يمثل لها الحلم (بكل ما حمل لها من تذكر وهواجس وتداعيات) وسيلة معرفة أنقدها من الاغتراب. وأمام الموت وفي الموت يعاد صياغة الحياة، يعاد التواصل مع الذات، حتى لو كان هذا الموت حلما. حلم الشخصية هو انتصار اللاواقعي على الواقعي، فاستيقاظها، يعادل انبعاثها من جديد كطائر الفنيق المنبعث من رماده. لتعلن تمردها على كل ما (ومن) يقمع حريتها: «من يحق له أن يقمع… حريتها؟»(53).
أما قصة “أصوات” فتصوغ صورة امرأة في ظل مجتمع مازالت فيه آثار العقلية الذكورية التي تقزِّم دور المرأة بشكل محتقر، تقول الساردة: «فيرد عليها الصوت الذكوري بنبرة حانقة: – ومن تحسبين نفسك؟ أنت مجرد عالة.. لا دور لك سوى إنجاب الكثير من الأطفال. أطفال يحملون اسم رجل مل منك، ورحل بعيدا مع امرأة أخرى، لا امتداد لك فأنت ميتة من الأساس»(54). هذا الخطاب المتخيل لا يخلو من تجليات الاغتراب الذي برز من خلال نصوص المجموعة، وفي هذه القصة التي يأخذ فيها الحلم حيزا كبيرا (فالخيال ينبغي ألا يُستخدم للهرب من الواقع وإنما لصنعه كما يقول كولن ولسن) وظفت القاصة رؤيتها للمرأة المغتربة وذلك بطرح أسئلة بسيطة غير أن جوهرها عميق أقل ما تحدثه أن تجعل الملتقي يقف أمامها متفكرا، تقول الساردة مثلا: «هل فعلا اللغة ظلمتنا نحن النساء؟ أستحضر الحوار الذي دار بيني وبين صديقي الناقد هذا الصباح، وهو يحدثني عن اللغة، وكيف أنها لم تنصف المرأة، وأنها لغة خائنة ومورطة تمنح القوة للرجل على حساب المرأة»(55). إنها تعد اللغة «ذكورية بامتياز»، وفي هذا ما يفسر موقفها أن المرأة لم تنصفها اللغة كما لم تنصفها الطبيعة قبلها كما تقول لها صديقتها الشاعرة التي احتجت «لأن رجلا تجرأ على حذف تاء التأنيث من عنوان قصيدتها الشعرية»(56).
إن قصة “أصوات” زاخرة بالصور التي تعبر عن اغتراب المرأة سواء من خلال مواقف الشخصيات أو حوارها، وهي شخصيات متخيلة في نص روائي تمردت على الساردة في حلمها وحاكمتها بتهمة تحكمها في مصير الشخصيات النسائية. نقرأ مثلا: «هل لديك عقدة من النساء؟ علينا قتلك أنت أيضا، لتكوني عبرة لكل من سولت له نفسه رسم حياة الآخر دون إذنه، من أخبرك أني أرغب في الموت الآن، وأنا لازلت في ريعان شبابي»(57). إن توظيف القاصة لتقنية الميتا سرد والحلم، غايته تشكيل عالم تحاكم فيه الشخصيات الورقية شخصية الكاتبة وتتمرد على النص الروائي وعلى قواعد اللغة أيضا: «هل كانت اللغة تعلم يوما أن المرأة ستتمرد على قواعدها، وتحورها لتضمن تفردها على أنقاض اللغة الذكورية المجحفة؟»(58). عالم متخيل خارج عن منطق المألوف، بيد أنه يقول الواقع أو يتقاطع مع الواقعي لهذا ساهم هذا التوظيف في رسم صورة المرأة المغتربة الباحثة عن الانصاف معبرة عن ذلك بالتمرد.
4.3. المرأة المتمردة
يعد التمرد محاولة إخضاع أمر معين إلى وضع جديد يتفق مع رؤية الشخص المتمرد. وقد يختلف شكل التمرد من شخص إلى آخر، بحسب أهداف المتمرد وغاياته. لهذا فهو نوعان كما جاء في مجموعة «أراك تشرقين غدا…؟»: التمرد الأول ديني، والثاني اجتماعي، وفي أحيان كثيرة يتداخل النوعان بعضهما حتى يظهرا نوعا واحدا.
وإن وعي المرأة واتساع دائرته يجعلها تطرح تساؤلاتها حول دورها في الحياة، وموضعها في ثقافة مجتمع تسيَّد فيه الرجل، هذا الوضع جعل المرأة تؤمن بذاتها كإنسان. ولهذا السبب فإن المرأة في نصوص المجموعة تعبر عن موقفها بالتمرد على التقاليد والأعراف التي ترى أنها قزمت من دورها في الحياة، وشلت حركتها وحريتها وتفكيرها. هذا التمرد يمثل فكرة عند شخصية قصة “هلوسات منتصف النهار” سببت لها مشاكل اجتماعية منذ نعومة أظافرها، ومنذ بدأ قلق السؤال يراودها ولا تجد إجابات في محيطها غير القمع أو الترهيب. وقد عرضت قصة “هلوسات منتصف النهار” صورة امرأة ذات فكر ثائر على كل الموروثات الاجتماعية بما فيها ما يرتبط بالتدين العام الذي يعم المجتمع، وهو تدين تراه لا يتساوق مع روح الدين ومضامينه وغاياته وإنما هو عبارة عن مظاهر صارت مع الممارسة عادات تناقض جوهر الدين، تقول مثلا: «شهر الإيمان»، رددت في أعماقي، وأنا أراقب زميلاتي في العمل، وجوههن تحولت إلى ضفادع ممسوخة، بعدما اختفت المساحق الملونة وحلت محلها الظلال السوداء تحت الجفون النائمة، كم أتحسر على تفكيرهن التافه. «الحلال.. حلال، والحرام.. حرام في كل زمان ومكان»(59). إن عادة التدين تلغي غاية الدين وهي بالأساس معرفة الله، لهذا قالت: «أبحث عن الله في الوجوه الماثلة أمامي، فلا أجده»(60)، فهذا يحيل على أن أثر الإيمان الحقيقي منعدم في المجتمع رغم مظاهر التدين، خاصة ما يرافق شهر رمضان من ازدواجية في السلوك: «يغيرون لونهم مثل الحرباء»(61)، سلوك مغاير يفضح الطهر المزيف: «صاحب المكتبة لم يمازحني كعادته وأنا أتصفح الجرائد اليومية، اكتفى بإلقاء تحية قصيرة لا تناسب مظهره. أبتسم بسخرية وأنا أراقب نظراته المختلسة تتلصص على ما تظهره ملابسي الصيفية، يتعمق السؤال في داخلي: لم نفعل في السر ما نخشاه في العلن..؟ لمَ نخشى البشر ولا نخشى خالقه؟»(62).
إن هذه الكتابة هي مساءلة للمجتمع ومساءلة لخطاب التدين الذي يلغي حرية المرأة رغم اعتبارها إنسانا من حقها أن تختار. وإلغاء حريتها يدخل في إطاره إلغاء حريتها الدينية أيضا، فليس من حقها أن تخالف تدين المجتمع الذي قام على العرف والتقليد: «أتساءل وأنا في مشارف الخمسين من عمري، هل أنا حرة فيما أفعله كما أدعي..؟ وقد فتحت عيني على الظهور المنحنية، وهي تسجد على الأرض، يتكرر الأمر مرارا على فترات متفاوتة من النهار، لم أكن أعي عندها ما يحدث. كنت أقلد هؤلاء الذين لا يعلمون ما يفعلون مثلي تماما»(63). هذا الخطاب إنما يطرح إشكالية أن الدين ذاب في العادات الاجتماعية إلى أن صار ممارسة تقليدية فارغة من جوهرها الروحي، ممارسة إلزامية تصادر حرية الاختيار، عكس المبدأ الديني، لأن الدين اختيار لا اكراه: «أي لعنة هاته التي تجعلني أرتدي جلبابا فضفاضا يعرقل حركة قدمي؟ كم كنت أكره السجن الذي يقتل عشقي للسراويل والفساتين الضيقة؟»(64)، فالساردة ترى أن مثل هذا اللباس مقيد لحريتها، وأن أي منع أو إجبار هو سجن يحرمها من ارتداء ما تريد ومن حريتها في الاختيار، وهو ما تحدثنا عنه فيما سبق (المرأة: الجسد والأنوثة). كما تقول: «أتخيل جسدي الممشوق وسط تلك الخيمة المتحركة، سيغمى علي عندها من غياب نسمات الهوى، كم أشفق على من أجبرت على هذا الارتداء؟»(65). وهذا التمرد يتحول عند الساردة إلى شبه سخرية من هذا الزي الذي يعتبره البعض مظهرا من مظاهر التدين أو هو تقليد اجتماعي عند الآخرين، وتعتبره الساردة سجنا للمرأة سواء كان يعبر عن تدين المجتمع أو كان عرفا اجتماعيا، تقول: «تنتابني فجأة نوبة ضحك تثير اهتمام رواد السواد هناك»(66).
إن هذه الكتابة أطرت صورة المرأة المتمردة على التدين والتقليد الذي يقيد حريتها في الاختيار. كما نشأت هذه الصورة المتمردة لشخصية المرأة في النصوص لتنتصر للمرأة المستسلمة المغلوب على أمرها أمام حرية الرجل السلبية، التي تبيح له أن يعيث في الأرض فسادا ضاربا بالقيم عرض الحائط، وتحت لحاف التدين، لهذا فإن القاصة تتعمد الإشارة إلى ذلك كقول الساردة: «تحدثني عن والدك الذي يمضي اليوم في معاقرة الخمر ومداعبة النساء، قبل أن يتسلل إلى غرفته في ساعة متأخرة، يشكو ألم الظهر من جراء الصلاة وقيام الليل؟ وكيف تصدقه والدتك وتكذب رائحة الخيانة التي تزكم أنفها كل ليلة؟»(67). فإن كان هذا المقطع السردي ينتصر للمرأة أمام عبث الرجل واستهانته بالحياة الزوجية، فهو أيضا يبرز ما طرحناه سابقا عن النفاق الديني وازدواجية السلوك.
ومن المظاهر الأخرى التي تتمرد عليها المرأة الساردة أو المرأة الشخصية داخل عالم النصوص هو الاستلاب الذي تعيشه في المجتمع، فلا تكفي أن تتمرد على وضع خاص بها بل تتجاوز ذلك من خلال التمرد بالاحتجاج على أي مشهد تظهر فيه المرأة مغلوبة على أمرها. تقول الساردة في قصة “من نافذة القطار”: «وقعت عيناي على امرأة يلفها السواد، تجر طفلين يلتصقان بتلابيب جلبابها، ومن ورائها شاب يرتدي سروالا ممزقا من الأعلى والأسفل، وكأنه يصور إعلانا لأحدث صيحات الموضة. قد يكون ابنا عاقا، أو متمردا انفلت من قاعدتها المسدودة كنت أقنع نفسي. لكن صوت الطفل الصغير، وهو ينادي الحداثي باب جعلني مشدوهة، أوزع نظراتي بينه وبين الملتحفة بالسواد وقد أخفت كل جسمها بجلباب أسود فضفاض»(68). إن هذا المشهد يحمل صورتين، صورة المرأة المنقبة (الأم)، وصورة زوجها الحداثي (الأب)، وفي عرض هاتين الصورتين ما يدل على أن الساردة تحتج فيما يشبه الاستغراب من التناقض التام بين اللباسين، أي أن الرجل سمح لنفسه بما لا يسمح به للمرأة، سمح لنفسه أن يكون حرا في اختياره شكل اللباس الذي يساير الموضة. وهذه المقارنة تمثل احتجاج الساردة على مثل هذه الصور التي تبدو فيها المرأة مغلوبة ومستسلمة لسلطة الرجل مذعنة ومستلبة.
كما أن قصة “مخاض” تُساق على سبيل ترسيخ صورة المرأة المتمردة لتجعلها أكثر جلاء، وإن كانت القصة تعالج قضية المرأة عموما وتنتقد ثقافة المجتمعات التقليدية التي لم تنفك من نزعة الانتصار للمولود الذكر. تنقلنا القصة إلى صورة جنين/أنثى تعبر في حديثها عن ذاتها بوعي زائد يرسم ملامح خطاب ثوري على التقاليد والأفكار القديمة، تقول: «ويتساءلون لم لا تساير المرأة ركب التنمية، كنت أسخر من نفسي، وأنا أتذكر أقوال جدتي الأثرية»(69). ثم تقول وهي تخاطب والدها: «خرجت لأنعم بالحرية، فاحذر منذ الآن.. لا تفكر في تقرير مصيري، سأبكي إلى أن أموت، سأضرب عن الطعام، سأتمرد، سأعتصم..»(70). وهذا الخطاب الذي ساقته الكاتبة على لسان الأنثى/الجنين، إنما هو تمرد على بعض الأوضاع التي تعاني منها المرأة في المجتمعات التي ما زال يغلب عليها التمييز بين الجنسين، فمن رزق بأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم.
إذا كان النسق الثقافي التقليدي لا يسمح للمرأة بأن تقول ذاتها وأن تتحدث عن آخرها(71)، فهي تتوسل بنوع جديد من الكتابة «ينفذ إلى عالم المرأة الداخلي الحميم، ويسمع صوت تلك المرأة السري الذي تفرض إكراهات المجتمع وقيوده أن يلزم الصمت في الخفاء»(72). الكتابة هي ما تبقى للمرأة لتقول الذات هويتها الأصلية، فهي القائلة على لسان الساردة: «وأنا العاشقة المتيمة بالحروف وحب المطر»(73). الكتابة تضغط على ما تريد الذات أن تكتبه، فتتجلى للساردة قطرات المطر حروفا تقول: «أحاول جمعها لأكمل قصتي المنسية فوق رفوف الأيام، تتسرب من بين أناملي وتهرب مني بعيدا، تقفز إلى مكتبتي الصغيرة، تستقر بجانب كتبي الملونة.. قصة خيالية تتشكل في ذاكرتي، أبحث عن مفكرتي السوداء، الحروف الهاربة كانت هناك، تخترق عذرية البياض بسوادها..»(74). إنها كتابة تصب دائما في بوتقة واحدة لينطلق منها الحكي والسرد جاعلا المرأة مركزية ودعامة أساسية في تشكيل الخطاب السردي.
4. مركزية المرأة
تمثل المرأة في مجموعة «أتراك تشرقين غدا..؟» مركزا ينطلق منه السرد، فيشكل المتخيل فضاء يبرز الرؤية الأنثوية للعالم ولذات وهوية المرأة استنادا إلى دورها ومكانتها المركزية في الحياة والوجود، وذلك خلافا أو ردا للتصور الذي ترسخ في الذهنية العربية التي تعتبر الذكورة هي الأصل، حيث ورد عند ابن جني، أن « تذكير المؤنث واسع جدا لأنَّه رد فرعٍ إلى أصل»(75). وعلى هذا الشكل تكون الثقافة بوصفها صناعة بشرية (ذكورية) تبخس المرأة حقها ذاك وتحيلها إلى كائن ثقافي مستلب(76)، عبر التاريخ، لا يملك حقه في اللغة، بإلغاء علامة التأنيث في السياق التركيبي والصرفي، إذ إن الرجل في مركز التكوين اللغوي، وتدور حوله سائر المصطلحات، فهو القطب والمركز كما أنه ضمير اللغة وسر تركيبها المورفولوجي (الفيزيائي والصرفي)(77) هو الأصل (المذكر) وهي الفرع (المؤنث). ثم من باب اللغة جاءت الكتابة لتكون نمطا مفتعلا في صناعة اللغة وتقنية الخطاب. «ومن هنا فإن الرجل وجَّه مسار الملفوظ اللغوي نحو وجه خاص تحكَّم الذكور فيه وخلدوه عن طريق نقشه وحفره في ذاكرة الحضارة..»(78)، وانطلاقا من هذا المنظور الذي نجد انعكاسه في قصة “أصوات” -من خلال تداعيات الشخصية- سنقف عند تساؤلها المشروع كصوت نسائي، استشعرت صاحبته الظلم محيطا بها فلم يترك لها وسيلة للتواصل أو التعبير(اللغة)، فتقول: «هل فعلا اللغة ظلمتنا نحن النساء؟»(79). ثم تسترسل لتقنع نفسها عبر ما تستحضره ذاكرتها من حوار دار بينها وبين صديقها الناقد في حديثه معها عن اللغة: «أستحضر الحوار الذي دار بيني وبين صديقي الناقد هذا الصباح، وهو يحدثني عن اللغة، وكيف أنها لم تنصف المرأة، وأنها لغة خائنة ومورطة تمنح القوة للرجل على حساب المرأة، هو الوحيد الذي يستطيع نسج خيوطها وإعادة توزيعها على هواه»(80). تختزل القصة في هذا السياق تاريخا من النضال والصراع بين الفحولة والأنوثة(81) والتصور القائم أن التذكير هو الأصل في اللغة، حيث تحاول الساردة أن تقنع صديقتها الشاعرة أن «اللغة ذكورية بامتياز»، لهذا فهي تركن إلى سبب يبرر كل ما أثاره الصراع القديم والحديث حول هذا الموضوع فتتبنى موقفا مقنعا لها فتقول: «لم يكن هناك سبب مقنع لدي سوى أن من وضع قواعد اللغة كان رجلا، وضعها حسب مقاييسه ورغباته وما يحفظ ماء وجهه أمام سحر النساء»(82). وإن هذا الشاهد النصي يحيل على ما يضمر السعي إلى تخليص اللغة من سلطة الرجل، لهذا قالت الساردة لصديقها: «سأخترع يوما ما لغة تليق بكل نساء العالم»(83)، فهي إذن لغة منتظرة تتسلل فكرتُها إلى طموح المرأة، لغة تشعرها بالإنصاف وتتشبث فيها بضمير التأنيث وتائه، و«هذه محاولة تنم عن إحساس حاد بمشكلة الضمير اللغوي»(84)، وهو ما دفع الشاعرة (صديقة الساردة) إلى الاحتجاج بقولها: «لأن رجلا تجرأ على حذف تاء التأنيث من عنوان قصيدتها الشعرية»(85)، والاحتجاج ينبع من عدم الرضا، فإذا سبق في الوعي أن اللغة ذكورية والمرأة تناضل من أجل أن تؤنثها، فإنها لن تتنازل -على الأقل- عن تاء التأنيث فيما يخص صفتها واسمها.
من هنا تتجلى مركزية المرأة التي تقوم على محاولة تخليص هويتها وثقافتها ولغتها من سلطة الرجل أو بالأحرى من سلطة الذكورة المهيمنة، فإذا كانت الثقافة صناعة بشرية فإن الكاتبة تسعى إلى ابراز هذه المركزية من خلال ترسيخ فكر يعنى بقيمة المرأة ودورها ومكانتها ومقامها في مسار الحضارات.
1.4. المرأة: مكانة ومقاما
يعد استحضار لوحة الجيوكاندا في قصة “موناليزا” تأسيسا لرؤية أنثوية تأملية نابعة من الشخصية الساردة التي تطرح تساؤلات تخص طبيعة وجود هذه السيدة التي اختلفت الآراء حول هويتها، بين الحقيقة والخيال، ورغم ذلك خلقت التميز اعتبارا إلى شهرتها.
إن النص لخص رؤية الأنثى في علاقتها بالعالم السردي الذي استمدته الكاتبة من انعكاس تأملات الساردة على وجه الموناليزا التي سحرت العالم وحيرته بابتسامتها المميزة. بما يعني أنها رؤية تنعكس فيها الذات، فهي كما أشارت، تشترك مع الموناليزا في ابتسامتها المحايدة الغامضة، فتتساءل: «لم لا أبتسم، وإن ابتسمت جاءت الابتسامة باهتة عابرة (…) أم لا شيء يستدعي الابتسام في هذا العالم..؟»(86).
إن هذه الرؤية الانعكاسية هي وعي الساردة بطبيعتها الذاتية كامرأة تتحسس مقاما يليق بحقها في الوجود، ويرضي ابتسامتها الضائعة: «لا شيء يرافقني غير ابتسامتي الضائعة»(87). ضمن هذا النسق الدلالي الذي يبث أسئلة كينونة الذات وأسئلة الانعتاق من وسط ينبذها، تحضر البنية النرجسية التي تحتمل معنى (أن المرأة مركز دائرة العالم ومركز دائرة الرجل) انطلاقا مما جعل دافنشي يرسم سيدة تقع بين الحقيقة والخيال، تقول: «الابتسامة ولا شيء غيرها هي السر العالق بيني وبين «الموناليزا»، التي عشقها دافنشي دون لوحاته الأخرى»(88). لتصبح لوحته بعد ذلك من أشهر لوحات العالم، هذه المركزية هي التي أثارت رغبة صديق الساردة (الفنان) ليفكر في رسمها: «سأرسمك يوما، وأجعل لوحتي تضاهي الموناليزا جمالا وسحرا»(89). وهنا إشارة قوية أنه لولا التأنيث لما احتلت اللوحة مكانتها العالمية، و«المكان الذي لا يؤنَّث لا يعول عليه!»(90) كما قال ابن عربي. وهذا التصور ينحو منحى تخطي هيمنة الرؤية الذكورية للعالم.
2.4. المرأة مصدر الحياة
نعود إلى قصة “كأس واحدة”، التي بدورها استحضرت شخصية كليوباترا من خلال تداعيات السارد: «الحلم يتجسد في شكل امرأة ليست ككل النساء، مرة أخرى أجدني مجبرا على استحضار صورة تاريخية لا أذكر عنها شيئا»(91)، بحيث أن هذا الاستدعاء الرمزي منح السرد دلالة تدعم ما نحن بصدد طرحه حول مركزية المرأة. ففي سياق وصف السارد لكليوباترا ركز على «رأس الأفعى المثبت فوق شعرها الأسود الحريري»(92). لتعود بنا هذه الصورة المتخيلة إلى ما تمثله الأفعى عند الحضارات القديمة، فهي شعار للمرأة، وبالتحديد شعار الملكات اللواتي حكمن في الأزمنة الأولى… فكانت محل تقديس يرمز إليها بالأفعى أو الحية، أي ما يدل على الخلود والانبعاث، ويعتبر مصدر الحياة وأصل الموجودات ومحل أسرارها. كما وُجد عند الحضارات القديمة، بوادي الرافدين، التي كانت ترقى بدور المرأة حيث إبراز مكانتها الاجتماعية والدينية، «فهي الإلهة الأم، مصدر الحياة وأصل الموجودات، وهي المقدسة والكاهنة»(93).
إجمالا، إن الصوت المسيطر في نص “موناليزا” (وفي النصوص الأخرى التي تناولناها) هو صوت المرأة التي تجدُّ في البحث عن مكانتها المركزية داخل دائرة المجتمع. ساردةً وضعها النفسي والذاتي ومتكلمة باسم جميع النساء، لتعتقهن من دائرة الانغلاق نحو عالم واقعي وخيالي تتقاسمه مع الرجل في مستوى من التفاهم والتكافؤ. أما في نص “كأس واحدة” فإنما هو سفر خيالي إلى عالم آخر، عالم من الرؤى والتداعيات ترسم بالدلالة الرمزية صورة المرأة (ملكة أسرار الحياة ومصدرها) في مقام من التجلي الممزوج بالجمال، الذي يعلو بصورتها ويقوض الرؤية الذكورية في وعي الآخر إلى رؤية متوازنة متفاعلة.
خاتمة
إن قصص فاطمة الزهراء المرابط تصور هوية المرأة المنقسمة بين الواقع والخيال، بين البحث عن الذات والضياع، بين التمرد والاستلاب، بين الرفض والاستسلام، بين العزلة والألفة، بين الألم والأمل. وما الكتابة القصصية إن لم تكن انفتاح جرح على حد تعبير كافكا، جرح لم ينفتح على الداخلي (النفسي) فحسب، بل على الخارجي كذلك، ليكشف للآخر أبعاد الصورة التي تصف الخيبات من خلال تعدد صور المرأة في هذه النصوص التي تعيد الاعتبار لها بصفتها إنسانا له حق الوجود والاختيار. فمعظم الشخصيات النسائية في هذه القصص باختلاف معاناتهن يحاولن التغلب عليها إما بالتصالح مع ذواتهن أو التمرد على الوضع الذي أدى إلى أزمتهن أو جراحاتهن النفسية أو الاجتماعية أو الثقافية.
إنها قصص تسعى المرأة من خلالها أن تقول أشياءها، لترى ذاتها وهويتها بوضوح، وتنفتح عبرها على العالم بصوت يتعالى عن حالة الانكماش الذاتي والركون إلى الصمت، كشهرزاد التي تبنت السرد لتنقد بنات جنسها، وتعيد تشكيل تصورات الملك عن المرأة، فنجحت في القفز من الهامش إلى المركز.
إنه صوت ينتصر لوضع المرأة في مجتمع تكرسه العقلية الذكورية، صوت يتوسل باللغة لتشكيل الوعي من خلال إبراز مركزية المرأة.
إنه السرد الذي من وظائفه إعادة التوازن لعلاقة المرأة بالمجتمع والرجل.
المراجع والإحالات:
1. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، الراصد الوطني للنشر والقراءة، مطبعة سليكي أخوين، طنجة، نونبر 2019.
2. عبد الفتاح كيليطو، الأدب والغرابة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 2006، ط.2، ص. 116.
3. عبد الفتاح كيليطو، الأدب والغرابة، مرجع سابق، ص. 117.
4. فاطمة الزهراء المرابط، ماذا تحكي أيها البحر…؟، منشورات الراصد الوطني، طنجة، شتنبر 2014.
5. عبد الفتاح كيليطو، الأدب والغرابة، مرجع سابق، ص. 116.
6. عبد المالك اشهبون، العنوان في الرواية العربية، دراسة، “دار النايا للنشر والتوزيع”، و”دار محاكاة للدراسات والنشر والتوزيع”، سوريا، 2011، ص. 13.
7. عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص البنية والدلالة، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996، ط.1، ص. 17.
8. موريس بلانشو، أسئلة الكتابة، ترجمة نعيمة بنعبد العالي وعبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2004، ط.1، ص. 9.
9. مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، المغرب 2005، ط.9، ص. 161.
10. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص. 22.
11. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 21.
12. نفسه، ص: 25.
13. نفسه، ص: 25.
14. نفسه، ص: 25.
15. نفسه، ص: 25.
16. نفسه، ص: 21.
17. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 21
18. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 22
19. نفسه، ص: 24.
20. نفسه، ص: 21.
21. نفسه، ص: 24.
22. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 25
23. نفسه، ص: 25.
24. نفسه، ص: 32.
25. نفسه، ص: 45.
26. نفسه، ص: 45.
27. هاجر حويشي: «الجسد الأنثوي وكشوفات التحليل الثقافي قراءة في خطاب عبد الله إبراهيم النقدي»، مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، العدد 42 – يونيو 2018، ص: 46.
28. هاجر حويشي، «الجسد الأنثوي وكشوفات التحليل الثقافي قراءة في خطاب عبد الله إبراهيم النقدي»، مرجع سابق، ص: 47.
29. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 32.
30. نفسه، ص: 32.
31. نفسه، ص: 32.
32. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 32.
33. نفسه، ص: 37.
34. نفسه، ص: 37.
35. سعيد بنكراد، السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية، 2012، ط:3، ص: 192
36. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 37.
37. سعيد بنكراد، السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، مرجع سابق، ص: 215.
38. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 37.
39. نفسه، ص: 37.
40. نفسه، ص: 45.
41. نفسه، ص: 45.
42. نفسه، ص: 45.
43. عبد اللطيف محمد خليفة، دراسات في سيكولوجية الاغتراب، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، 2003، ط.1، ص: 22.
44. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 72.
45. أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 73.
46. نيقولاى برديائف، العزلة والمجتمع، ترجمة فؤاد كامل عبد العزيز، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1960، ط.1، ص: 117.
47. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 71.
48. نفسه، ص: 75.
49. نيقولاى برديائف، العزلة والمجتمع، مرجع سابق، ص: 145.
50. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 73.
51. نيقولاى برديائف، العزلة والمجتمع، مرجع سابق، ص: 145.
52. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 75.
53. نفسه، ص: 75.
54. نفسه، ص: 93.
55. نفسه، ص: 95.
56. نفسه، ص: 96.
57. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 99.
58. نفسه، ص: 96.
59. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 33.
60. نفسه، ص: 32.
61. نفسه، ص: 31.
62. نفسه، ص: 31.
63. نفسه، ص: 30.
64. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 30.
65. نفسه، ص: 32.
66. نفسه، ص: 32.
67. نفسه، ص: 29.
68. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 113.
69. نفسه، ص: 82.
70. نفسه، ص: 82.
71. حسن المودن، مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة، منشورات اتحاد كتاب المغرب، مطبعة عكاظ الجديدة، الرباط، 2013، ص103.
72. نفسه، ص: 103.
73. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 7.
74. نفسه، ص: 9.
75. ابن جني: الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت، 1975، جزء:2، ص: 415.
76. عبد الله الغذامي، المرأة واللغة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2006، ط.6، ص: 17.
77. نفسه، ص: 22.
78. نفسه، ص: 27.
79. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 95.
80. نفسه، ص: 95.
81. وهذا الصراع يوجد في الثقافة الإنسانية عموما وتراثها، حيث أن الأمر لا يتعلق فحسب بالثقافة العربية. والصراع ناتج عن موقف التراث الغربي (القانوني والسياسي والفلسفي والديني) من ازدراء المرأة، أنظر كتاب «تحرير المرأة بين الغرب والإسلام» لمحمد عمارة، مكتبة الإمام البخاري، القاهرة، 2009، ط.1. عنوان المحور: تراث الغرب في احتقار المرأة، ص: 53.
82. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 96.
83. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 95.
84. عبد الله الغذامي، المرأة واللغة، مرجع سابق، ص: 55.
85. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 96.
86. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 106.
87. نفسه، ص: 107.
88. نفسه، ص: 106.
89. نفسه، ص: 106.
90. يوسف زيدان، ظل الأفعى، دار الشروق، القاهرة، مصر، 2013، ط.9، ص: 113.
91. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 16.
92. فاطمة الزهراء المرابط، أتراك تشرقين غدا..؟، ص: 16.
93. ميادة كيالي، «مكانة المرأة في بلاد وادي الرافدين وعصور ما قبل التاريخ»، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الدراسات الدينية، 17 مايو 2016، ص: 29.